مباني منهاج الصالحين، المجلد 3

اشارة

سرشناسه : طباطبائي قمي، تقي، 1301 -

عنوان قراردادي : منهاج الصالحين. شرح

عنوان و نام پديدآور : مباني منهاج الصالحين/ تاليف تقي الطباطبايي القمي.

مشخصات نشر : قم: محلاتي ، 14ق. = 20 م. = 13 -

مشخصات ظاهري : ج.

شابك : دوره 978-964-7455-58-9 : ؛ ج. 4 978-964-7455-57-2 :

يادداشت : عربي.

يادداشت : فهرستنويسي بر اساس جلد چهارم، 1430ق. = 1388.

يادداشت : كتاب حاضر شرحي بر كتاب " منهاج الصالحين" اثر ابوالقاسم خويي است.

يادداشت : كتابنامه.

موضوع : خوئي، ابوالقاسم، 1278 - 1371. منهاج الصالحين -- نقد و تفسير.

موضوع : فقه جعفري -- قرن 14

شناسه افزوده : خوئي، ابوالقاسم، 1278 - 1371. منهاج الصالحين. شرح.

رده بندي كنگره : BP183/5 /خ9م80216 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : 1852734

[تتمة كتاب الطهارة]

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

[المبحث الخامس التيمم]

اشارة

المبحث الخامس التيمم و فيه فصول:

[الفصل الأول في مسوغاته]

اشارة

الفصل الاول في مسوغاته: و يجمعها العذر المسقط لوجوب الطهارة المائيه و هو امور (1)

[الأول: عدم وجدان ما يكفيه من الماء]
اشارة

الاول: عدم وجدان ما يكفيه من الماء لوضوئه أو غسله (2).

______________________________

(1) لقد اجاد الماتن في بيان المسوغ للطهارة الترابية فان هذا التعبير شامل لجميع اقسام التيمم بخلاف بعض التعبيرات فعن الشرائع انه قال: «ما يصح معه التيمم ضروب: عدم الماء و عدم الوصول اليه و الخوف» و نحوه ما وقع في كلام الفقهاء و يشكل بأن موارد الحرج الموجبة لجواز التيمم ليست من المذكورات و كذا غيرها.

(2) الظاهر انه لا اشكال في جواز التيمم في هذه الصورة انما الكلام في انحصار سبب الجواز فيه و الحق عدم الانحصار كما سيظهر الحال فيما يأتي من المسائل

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 4

[مسألة 310: إن علم بفقد الماء لم يجب عليه الفحص عنه]

(مسألة 310): ان علم بفقد الماء لم يجب عليه الفحص عنه (1).

و ان احتمل وجوده في رحله أو في القافلة فالاحوط الفحص الي أن يحصل العلم أو الاطمينان بعدمه (2).

و لا يبعد عدم وجوبه فيما اذا علم بعدم وجود الماء قبل ذلك و احتمل حدوثه (3) و أما اذا احتمل وجود الماء و هو في الفلاة وجب عليه الطلب فيها بمقدار رمية سهم في الارض الحزنة و سهمين في الارض السهلة في الجهات الاربع ان احتمل وجوده في كل واحدة منها (4).

______________________________

الآتية و كون فقدان الماء مجوزا للتيمم مورد اجماع العلماء كما نقل عن التذكرة اضف إلي ذلك انه مقتضي الكتاب و السنة.

(1) و نقل عن بعض العامة علي ما في الحدائق وجوب الطلب و ان قطع بعدم الماء و لكن الامر ليس كذلك اذ وجوب الطلب ليس نفسيا فمع العلم بالفقدان يكون الطلب عبثا.

(2) يمكن أن يكون الوجه في التعبير بالاحتياط ما في ذيل كلامه من نفي البعد عن عدم الوجوب فيما كان فاقدا

و علم به قبل ذلك و الا لم يظهر لي وجه الاحتياط و كيف كان لا اشكال في وجوب الفحص إلي أن يحصل حجة عقلية او عقلائية أو شرعية و وجوب الفحص علي طبق القاعدة الاولية اذ مع الشك في الوجدان لا مجال للأخذ بدليل وجوب التيمم لعدم جواز الاخذ بالعام في الشبهة المصداقية.

(3) لاستصحاب بقاء الحالة السابقة اي استصحاب فقدان الماء فان الاستصحاب يقوم مقام القطع الطريقي.

(4) استدل عليه بما رواه السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 5

و ان علم بعدمه في بعض معين من الجهات الاربع لم يجب عليه الطلب فيها فان لم يحتمل وجوده الا في جهة معينة وجب عليه الطلب فيها دون غيرها (1) و البينة بمنزلة العلم فان شهدت بعدم الماء في

______________________________

السلام أنه قال: يطلب الماء في السفر ان كانت الحزونة فغلوة و ان كانت سهولة فغلوتين لا يطلب اكثر من ذلك «1».

و هذه الرواية ضعيفة بالنوفلي و يعارضها ما رواه علي بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: أ يتيمم إلي أن قال فقال له داود الرقي: أفا طلب الماء يمينا و شمالا؟ فقال: لا تطلب الماء يمينا و لا شمالا و لا في بئر ان وجدته علي الطريق فتوضأ منه (به) و ان لم تجده فامض «2».

و هذه الرواية أيضا ضعيفة بعلي بن سالم فالمرجع ما رواه زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: اذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فاذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم و ليصل «3».

و مقتضي هذه الرواية وجوب الطلب بلا تقييد بحد خاص الا أن يقال ان مفاد

حديث السكوني مورد التسالم و عن الأردبيلي قدس سره الميل إلي الاستحباب بدعوي ان خبر السكوني ليس بصحيح و لا صريح.

(1) لان وجوبه ليس نفسيا بلا اشكال و ليس شرطيا بمعني أن الطلب لا يكون شرطا في صحة التيمم فان العرف يفهم من هذه الاوامر الغاء الاصل العملي عن الاعتبار فمع العلم بالعدم لا مجال للطلب.

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب التيمم الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 2 من أبواب التيمم الحديث: 3.

(3) الوسائل الباب 1 من أبواب التيمم الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 6

جهة أو جهات معينة لم يجب الطلب فيها (1).

[مسألة 311: يجوز الاستنابة في الطلب إذا كان النائب ثقة علي الأظهر]

(مسألة 311): يجوز الاستنابة في الطلب (2) اذا كان النائب ثقة علي الاظهر (3) و اما اذا حصل العلم أو الاطمئنان من قوله فلا اشكال (4).

[مسألة 312: إذا أخل بالطلب و تيمم صح تيممه إن صادف عدم الماء]

(مسألة 312): اذا أخل بالطلب و تيمم صح تيممه ان صادف عدم الماء (5).

[مسألة 313: إذا علم أو اطمأن بوجود الماء في خارج الحد المذكور وجب عليه السعي اليه]

(مسألة 313): اذا علم أو اطمأن بوجود الماء في خارج الحد المذكور وجب عليه السعي اليه و ان بعد (6) الا أن يلزم منه مشقة

______________________________

(1) فانها حجة بلا اشكال و تقوم مقام العلم.

(2) ان قلنا بأن وجوب الطلب نفسي أو شرطي يشكل جواز النيابة لعدم قيام دليل علي جواز النيابة في المقام و لكن قد مر أن الامر ليس كذلك و انما يجب الطلب كي يحصل اليأس من الوجدان.

و بعبارة اخري: ان الشارع اسقط جريان الاصلي العملي فلا فرق بين طلب المكلف بنفسه أو بنائبه و لذا قلنا انه مع العلم بعدم الماء لا يجب الطلب.

(3) اذ مع عدم كونه ثقة لا يكون قوله حجة.

(4) لاعتبار العلم عقلا و اعتبار الاطمينان عقلائيا.

(5) قد ظهر الوجه مما تقدم فان الميزان عدم الوجدان ففي صورة المصادفة يتحقق الموضوع و يترتب عليه الحكم و بعبارة اخري: الطلب لا موضوعية له فلاحظ و الجزم بالنية لا دليل عليه مضافا إلي أنه ربما يحصل الجزم لأجل الغفلة.

(6) اذ لا يصدق عنوان فقد ان الماء الذي هو موضوع لجواز التيمم و بعبارة

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 7

عظيمة (1).

[مسألة 314: إذا طلب الماء قبل دخول الوقت فلم يجد]

(مسألة 314): اذا طلب الماء قبل دخول الوقت فلم يجد لم تجب اعادة الطلب بعد دخول الوقت و ان احتمل العثور علي الماء لو أعاد الطلب لاحتمال تجدد وجوده (2).

______________________________

اخري الواجد للماء يجب عليه الوضوء أو الغسل فلا يجوز التيمم و دليل جوازه بعد الطلب بالمقدار المقرر ظاهر في صورة احتمال وجود الماء و لا يشمل صورة القطع به.

(1) فلا يجب لدليل رفع الحرج و العسر في الشريعة.

(2) نقل عن المحقق في المعتبر: «انه لو طلب قبل الوقت لم يعتد بطلبه و أعاده

و لو طلب بعد دخول الوقت اجتزأ به».

و ما يمكن أن يقال في وجه وجوب الاعادة بعد الوقت أو قبل وجوه الوجه الاول: أن الفحص واجب بالإجماع و النص و هو لا يتحقق الا بعد الوقت لعدم وجوبه قبله.

و فيه: ان عدم الوجوب قبل الوقت لا يستلزم عدم الاعتداد به بعد الوقت و بعبارة اخري: هو كبقية المقدمات التي يأتي المكلف بها قبل الوقت.

الوجه الثاني: أن عدم الوجدان يتوقف علي الفحص بعد الوقت، و فيه: أنه اول الكلام و الدعوي اذا لمدار علي الطلب و المفروض حصوله.

الوجه الثالث: أن الاية الشريفة ظاهرة في اشتراط صحة التيمم بعدم الوجدان عند ارادته.

و يرد عليه أولا: أنه يلزم عدم اعتبار طلب الماء في اول الوقت للتيمم في آخره أو وسطه لعين البيان و ثانيا أن ما ذكر في الاستدلال لا يقتضي تقييد الطلب

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 8

______________________________

بخصوص الوقت.

و بعبارة اخري رخص الشارع في التيمم اذا كان بعد الطلب و الطلب يتحقق قبل الوقت كما يتحقق بعده.

الوجه الرابع: أنه لو اكتفي بالطلب قبل الوقت يلزم الاكتفاء به لأيام عديدة و هو معلوم البطلان. و فيه: اولا: أن بطلانه اول الكلام و ثانيا: أنه اذا ثبت بطلانه نلتزم به لكن نقتصر في الحكم بالبطلان بمقدار قيام الدليل عليه.

الوجه الخامس: أن الظاهر من دليل وجوب الطلب وجوبه عند الحاجة، و فيه: اولا: أنه يلزم عدم الاكتفاء بالطلب اول الوقت لآخره و ثانيا: يرد عليه بأنه يمكن ان يقال: بأن الفحص قبل الوقت يحرز به عدم وجود الماء و بعد الوقت يستصحب عدم وجوده.

الوجه السادس: حديث زرارة «1» بتقريب أن المستفاد منه وجوب الطلب ما دام في الوقت. و فيه: أن

وجوب الطلب بعد الوقت لا يستلزم عدم اعتبار الفحص اذا كان قبل الوقت.

و ان شئت قلت: لا اشكال في لزوم رفع اليد عن اطلاق هذه الرواية بدليل وجوب الفحص بالمقدار المقرر و المفروض تحققه.

و لا يخفي أن هذا البيان انما يتم علي تقدير رفع اليد عن ضعف سند حديث السكوني و بعبارة اخري يتوقف علي البناء علي صحته.

السابع: قاعدة الاشتغال فان ذمة المكلف مشغولة بالصلاة و يجب الاتيان بها مع الطهارة المائية ان أمكن و مع عدم الامكان يجب الاتيان بها مع الطهارة

______________________________

(1) لاحظ ص: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 9

و أما اذا انتقل عن ذلك المكان فيجب الطلب مع احتمال وجوده (1).

______________________________

الترابية فما دام لم يحرز موضوع جواز التيمم لا يجوز الاكتفاء به.

و فيه: أن اطلاق خبر السكوني يقتضي الجواز و الاشكال فيه بأنه ليس في مقام البيان من هذه الجهة فلا يشمل صورة الطلب قبل الوقت مدفوع بأن غاية ما في الباب الشك في كونه في مقام البيان و اصالة الاطلاق تقتضي كون المتكلم في مقامه.

و مما ذكرنا تعرف أن الحق كفاية الطلب قبل الوقت لجواز التيمم بعده للإطلاق المذكور و لو لاه يشكل الاكتفاء بالطلب بعد الوقت اذا احتمل حدوث الماء اذ لو انكرنا الاطلاق من هذه الجهة فلا فرق بين الطلب قبل الوقت و بعده و أما مع الاطلاق فايضا لا فرق بين الصورتين.

و ربما يقال: يمكن احراز موضوع جواز التيمم بالاستصحاب اي استصحاب عدم وجود الماء فمع تسلم عدم الاطلاق يكتفي بالفحص السابق للاستصحاب.

و لكن يرد عليه: انه لو قلنا بأن المستفاد من الخبر ان الموضوع للجواز اليأس من الوجدان فلا يمكن اثباته بالاستصحاب.

و ملخص الكلام: أنه لو تم الاطلاق

فلا نحتاج إلي الاستصحاب و ان لم يتم فلا مجال لإحراز الموضوع به.

(1) لإطلاق دليل وجوبه و من الظاهر أنه لا يكفي الطلب في مكان لغيره من الامكنة بل يمكن أن يقال: بأنه لو تيمم و انتقل إلي مكان آخر يجب الفحص في ذلك المكان مع رجاء الوجدان.

و دعوي انصراف الدليل عن صورة عدم انتقاض التيمم السابق بحدث جديد فالمرجع استصحاب بقاء التيمم مدفوعة او لا بعدم وجه للانصراف و ثانيا بمعارضة الاستصحاب المذكور باستصحاب عدم الجعل الزائد.

هذا كله علي تقدير العمل بحديث السكوني و الا فلا بد من طلب الماء ما دام

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 10

______________________________

لم يحصل اليأس عن الوجدان الا أن يخاف فوت الوقت لاحظ ما رواه زرارة «1» لكن الرواية واردة في المسافر و من الممكن أن لا يكون حكم المسافر متحدا مع الحاضر.

الا أن يقال: ان وجوب الفحص علي طبق القاعدة الاولية اذ مع الشك في القدرة لا يجري الاصل بل لا بد من الفحص و الشك في الوجدان مرجعه إلي الشك في القدرة علي تحصيل الطهارة المائية.

و لقائل أن يقول: لم يقم وجه للمنع عن الجريان و ان أصل البراءة و غيره من الاصول الشرعية لا مانع عن جريانها حتي في صورة الشك في القدرة.

ان قلت: ليس في بناء العقلاء بالنسبة إلي مواليهم اجراء الاصل في هذه الصورة. قلت: لا يقاس مقامنا بذلك المقام فان المفروض أن الدليل الشرعي قام علي حجية الاصول في الشبهات الموضوعية و أما بالنسبة إلي العقلاء فليس لديهم اصل عملي يقتضي عدم وجوب الفحص بل يجب علي العبيد الفحص عن أحكام الموالي حكما و موضوعا و هذا هو الفارق فلو لا الدليل الخارجي لا

يكون مانع عن اجراء الاصل عند الشك في القدرة.

اللهم الا أن يقال: بأن البراءة عن وجوب الصلاة مع الطهارة المائية لا تحقق موضوع التيمم الاعلي المثبت الذي لا نقول به و بعبارة اخري: اذا شك المكلف في الوجدان و عدمه لا يجوز له التيمم الا مع احراز الموضوع و المفروض انه مورد الشك.

و ان شئت قلت: ان المكلف يعلم اجمالا بوجوب الصلاة باحد وجهين علي

______________________________

(1) لاحظ ص: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 11

[مسألة 315: إذا طلب بعد دخول الوقت لصلاة يكفي لغيرها من الصلوات]

(مسألة 315): اذا طلب بعد دخول الوقت لصلاة يكفي لغيرها من الصلوات فلا تجب اعادة الطلب عند كل صلاة و ان احتمل العثور مع الاعادة لاحتمال تجدد وجوده (1).

[مسألة 316: المناط في السهم و الرمي و القوس و الهواء و الرمي هو المتعارف المعتدل الوسط في القوة و الضعف]

(مسألة 316): المناط في السهم و الرمي و القوس و الهواء و الرمي هو المتعارف المعتدل الوسط في القوة و الضعف (2).

[مسألة 317: يسقط وجوب الطلب في ضيق الوقت]

(مسألة 317): يسقط وجوب الطلب في ضيق الوقت (3) كما يسقط اذا خاف علي نفسه (4).

______________________________

نحو الترتيب و لا يمكنه احراز موضوع وجوب التكليف الاضطراري باجراء البراءة عن الاختياري الاعلي القول بالاثبات الذي لا نقول به و علي فرض القول به يقع التعارض بين الطرفين.

(1) قد ظهر وجه ما أفاده مما ذكرنا سابقا فان مقتضي الاطلاق الكفاية فان الفحص قبل الوقت ان كان كافيا عن الفحص بعد الوقت فكفاية الطلب الواحد بعد الوقت للصلوات العديدة بالاولوية.

(2) كما هو كذلك في أمثاله من التقديرات كالأشبار في الكر فان مقتضي الفهم العرفي الحمل علي المتعارف و بعبارة اخري حيث انه من الظاهر أنه لا يفرق الحد بحسب اختلاف الاشخاص و اختلاف الهواء و أمثالهما فالميزان هو المتعارف.

(3) قال في المستمسك في هذا المقام بلا خلاف و لا اشكال ظاهر و يظهر من كلام غير واحد كونه من الواضحات انتهي: و يدل عليه من النصوص ما رواه زرارة «1».

(4) عن الجواهر «نفي الريب فيه» و يمكن أن يستدل عليه بجملة من النصوص منها:

______________________________

(1) لاحظ ص: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 12

______________________________

ما رواه داود الرقي قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام اكون في السفر فتحضر الصلاة و ليس معي ماء و يقال: ان الماء قريب منافا طلب الماء و أنا في وقت يمينا و شمالا؟

قال: لا تطلب الماء و لكن تيمم فاني اخاف عليك التخلف عن أصحابك فتضل و يأكلك السبع «1».

و منها: ما رواه يعقوب بن سالم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن

رجل لا يكون معه ماء و الماء عن يمين الطريق و يساره غلوتين أو نحو ذلك قال: لا آمر أن يغرر بنفسه فيعرض له لص أو سبع «2».

و منها: ما رواه محمد بن مسكين و غيره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قيل له: ان فلانا أصابته جنابة و هو مجدور فغسلوه فمات فقال: قتلوه ألا سألوا؟! ألا يمموه؟! ان شفاء العي السؤال «3».

و منها: ما رواه ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن مجدور أصابته جنابة فغسلوه فمات فقال: قتلوه ألا سألوا؟! فان دواء العي السؤال «4».

و منها: ما رواه ابن سنان يعني عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال: في رجل أصابته جنابة في السفر و ليس معه الاماء قليل و يخاف ان هو اغتسل أن يعطش قال:

ان خاف عطشا فلا يحريق منه قطرة و ليتمم بالصعيد فان الصعيد أحب إلي «5».

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب التيمم الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 2.

(3) الوسائل الباب 5 من أبواب التيمم الحديث: 1.

(4) نفس المصدر الحديث: 3.

(5) الوسائل الباب 25 من أبواب التيمم الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 13

______________________________

إلي غيرها من الروايات الواردة في الباب 5 و 25 من أبواب التيمم من الوسائل فانه يستفاد من مجموع هذه النصوص أنه لو خاف المكلف علي نفسه يسقط وجوب الوضوء و من ناحية اخري علمنا من آية التيمم و الروايات أنه لو سقط وجوب الطهارة المائية تصل النوبة إلي الطهارة الترابية.

و الدليل علي المدعي قوله تعالي: «وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضيٰ أَوْ عَليٰ سَفَرٍ أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ

تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً» * «1» فانه من الظاهر أن المريض يمكن أن يكون واجدا للماء فيعلم ان الموضعي لجواز التيمم ليس خصوص عدم الوجدان للماء بل كل عذر يوجب سقوط وجوب الوضوء يقتضي وجوب التيمم.

و أما الروايات فكما تري يستفاد منها أنه يسقط وجوب الوضوء و الغسل في مورد الضرر النفسي أو البدني.

و ربما يقال: هذه النصوص يعارضها ما رواه عبد اللّه بن سليمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه سئل عن رجل كان في أرض باردة يتخوف ان هو اغتسل أن يصيبه عنت من الغسل كيف يصنع؟ قال يغتسل و ان أصابه ما أصابه قال: و ذكر أنه كان وجعا شديد الوجع فاصابته جنابة و هو في مكان بارد و كانت ليلة شديدة الريح باردة فدعوت الغلمة فقلت لهم: احملوني فاغسلوني فقالوا: انا نخاف عليك فقلت لهم:

ليس بد فحملوني و وضعوني علي خشبات ثم صبوا علي الماء فغسلوني «2».

و ما رواه محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل تصيبه الجنابة

______________________________

(1) النساء/ 43 المائدة/ 6.

(2) الوسائل الباب 17 من أبواب التيمم الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 14

أو ماله من لص أو سبع أو نحو ذلك (1).

______________________________

في ارض باردة و لا يجد الماء و عسي ان يكون الماء جامدا فقال: يغتسل علي ما كان حدثه رجل أنه فعل ذلك فمرض شهرا من البرد فقال: اغتسل علي ما كان فانه لا بد من الغسل و ذكر ابو عبد اللّه عليه السلام انه اضطر اليه و هو مريض فأتوه به مسخنا فاغتسل و قال: لا بد من الغسل «1».

فان مقتضاهما وجوب الغسل و لو مع الضرر و لكن لا

يمكن العمل بهما فانه من الظاهر عدم وجوب تعريض النفس أو البدن للهلكة و الضرر اذ علم من الشرع انه لا يجب الوضوء أو الغسل في مثل هذه الموارد.

(1) لقد أجاد صاحب الحدائق في هذا المقام حيث أنكر وجود الدليل علي جواز التيمم عند الخوف من تلف المال و الحق ما أفاده فانا لم نجد دليلا علي المدعي نعم علي مسلك المشهور في مفاد لا ضرر يمكن ان يقال: ان الضرر المالي مرتفع شرعا فلا يجب تعريض المال للتلف.

لكن يرد عليه: أن المستفاد من بعض النصوص وجوب شراء المال للوضوء باضعاف مضاعفة قيمة لاحظ ما رواه صفوان قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل احتاج إلي الوضوء للصلاة و هو لا يقدر علي الماء فوجد بقدر ما يتوضأ به بمائة درهم أو بالف درهم و هو واجد لها أ يشتري و يتوضأ أو يتيمم؟ قال: لا بل يشتري قد أصابني مثل ذلك فاشتريت و توضأت و ما يسوؤني (يسرني) بذلك مال كثير «2».

و ما رواه الحسين بن أبي طلحة قال: سألت عبدا صالحا عليه السلام عن قول اللّه عز و جل: «أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً.» * ما حد

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 4.

(2) الوسائل الباب 26 من أبواب التيمم الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 15

و كذا اذا كان في طلبه حرج و مشقة لا تتحمل (1).

[مسألة 318: إذا ترك الطلب حتي ضاق الوقت عصي]

(مسألة 318): اذا ترك الطلب حتي ضاق الوقت عصي (2).

______________________________

ذلك؟ قال: فان لم تجدوا بشراء و بغير شراء قلت: ان وجد قدر وضوء بمائة ألف أو بالف و كم بلغ؟ قال: ذلك علي قدر جدته «1».

و الفرق بين الموارد بكون الدفع تارة يكون

اختياريا كما في مورد الخبرين و اخري يكون بدون الاختيار كالخوف من اللص- مثلا- لا يكون فارقا اذا لمناط الضرر المالي نعم اذا كان الضرر المالي حرجيا يمكن أن نلتزم بعدم وجوب الوضوء فتصل النوبة إلي التيمم.

و لا يخفي ان الحديثين المذكورين مخدوشان سندا أما الاول فبالبرقي و أما الثاني فبالارسال.

و أما حديث يعقوب بن سالم «2» فضعيف سندا بمعلي بن محمد و غيره فلاحظ.

(1) فان الحرج يرفع التكليف لحكومة دليله علي ادلة الاحكام كما حقق في محله فلو لم يجب الوضوء وجب التيمم للملازمة بين الامرين المستفادة من الاية و النصوص.

(2) ان قلنا بأن وجوب الطلب نفسي فلا اشكال في تحقق العصيان بتركه و ان قلنا بفساد التيمم و الصلاة في آخر الوقت فلا اشكال أيضا في تحقق العصيان بتفويت الصلاة لكن قد مر أن وجوب الطلب ليس نفسيا و نتعرض قريبا ان شاء اللّه تعالي ان صلاته في آخر الوقت مع التيمم صحيحة فليس الا التجري نعم اذا فرض وجود الماء و تمكن المكلف من الطهارة المائية بالفحص و مع ذلك لم يطلب فالمكلف

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2.

(2) لاحظ ص: 12.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 16

لكن الاقوي صحة صلاته حينئذ و ان علم انه لو طلب لعثر (1) لكن الاحوط استحبابا القضاء خصوصا في الفرض المذكور (2).

[مسألة 319: إذا ترك الطلب في سعة الوقت و صلي بطلت صلاته]

(مسألة 319): اذا ترك الطلب في سعة الوقت و صلي بطلت صلاته و ان تبين عدم وجود الماء (3) نعم لو حصل منه قصد القربة مع

______________________________

بكون عاصيا و أما في غير هذه الصورة فلا وجه لتحقق العصيان بل ليس الا التجري علي المولي نعم اذا علم بالعثور بالطلب يكون عاصيا بتفويته الطهارة المائية.

(1) لإطلاق الاية و

هي قوله تعالي: «وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضيٰ أَوْ عَليٰ سَفَرٍ أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً» * «1» كما أن مقتضي اطلاق حيث زرارة «2» كذلك.

لكن يشكل الاخذ بالاطلاق من حيث انصراف الدليل إلي الاضطرار غير الاختياري و الا يلزم جواز ارتكاب جميع المحرمات بالاضطرار الاختياري نعم في خصوص المقام الحق صحة التيمم و الصلاة اذ علمنا من الخارج عدم سقوط وجوب الصلاة فلا تنافي بين صحة الصلاة و تحقق العصيان بترك الطلب.

(2) لاحتمال عدم العمل بالوظيفة فلا دليل علي تحقق المأمور به و مع الشك يحرز موضوع القضاء بالاستصحاب اذ مقتضاه عدم الاتيان بالمأمور به لكن الماتن يري أن موضوع القضاء الفوت و يري أنه امر وجودي فلا يثبت بالاستصحاب الا علي القول بالمثبت.

(3) لاشتراط الصلاة بالتقرب و مع عدم تحققه يكون العمل باطلا.

______________________________

(1) المائدة/ 7 و النساء/ 46.

(2) لاحظ ص: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 17

تبين عدم الماء بأن نوي التيمم و الصلاة برجاء المشروعية فالاقوي صحتها (1).

[مسألة 320: إذا طلب الماء فلم يجد فتيمم و صلي ثم تبين وجوده في محل الطلب من الرمية أو الرميتين أو الرحل أو القافلة]

(مسألة 320): اذا طلب الماء فلم يجد فتيمم و صلي ثم تبين وجوده في محل الطلب من الرمية أو الرميتين أو الرحل أو القافلة فالاحوط وجوبا الاعادة في الوقت (2).

نعم لا يجب القضاء اذا كان التبين خارج الوقت (3).

______________________________

(1) لتمامية المقتضي و عدم المانع و بعبارة اخري ان الطلب لا يكون شرطا للصلاة و من ناحية اخري الجزم بالنية لا دليل عليه مضافا إلي أنه يمكن تحققه مع الغفلة.

(2) لان الحكم الظاهري لا يكون مجزيا عن الواقع و المفروض كونه واجدا بحسب الواقع فلم يتحقق موضوع التيمم و ما دل من النصوص علي عدم وجوب الاعادة

كحديث عبيد اللّه بن علي الحلبي أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل اذا أجنب و لم يجد الماء قال: يتيمم بالصعيد فاذا وجد الماء فليغتسل و لا يعيد الصلاة «1»، ناظر إلي صورة عدم الوجدان الواقعي و المفروض في المقام أن عدم الوجدان ظاهري.

(3) لما رواه زرارة عن احدهما عليهما السلام قال: اذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فاذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم و ليصل في آخر الوقت فاذا وجد الماء فلا قضاء عليه و يتوضأ لما يستقبل «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب التيمم الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 18

[مسألة 321: إذا كانت الأرض في بعض الجوانب حزنة و في بعضها سهلة]

(مسألة 321) اذا كانت الارض في بعض الجوانب حزنة و في بعضها سهلة يلحق كلا حكمه من الرمية و الرميتين (1).

[الثاني: عدم التمكن من الوصول إلي الماء لعجز عنه]

الثاني: عدم التمكن من الوصول الي الماء لعجز عنه (2). و لو كان عجزا شرعيا (3)،

______________________________

(1) كما هو الميزان في جميع الموارد فان كل موضوع يلحقه حكمه.

(2) ادعي عليه الاجماع و يمكن الاستدلال علي المدعي بجملة من النصوص منها: ما رواه عبيد اللّه بن علي الحلبي انه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يمر بالركية و ليس معه دلو قال: ليس عليه أن يدخل الركية لان رب الماء هو رب الارض فليتيمم «1».

و منها: ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور و عنبسة بن مصعب جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا اتيت البئر و أنت جنب فلم تجد دلوا و لا شيئا تغرف به فتيمم بالصعيد فان رب الماء هو رب الصعيد و لا تقع في البئر و لا تفسد علي القوم مائهم «2».

و منها: ما رواه الحسين بن أبي العلاء قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يمر بالركية و ليس معه دلو قال: ليس عليه أن ينزل الركية ان رب الماء هو رب الارض فليتيمم «3».

(3) يستفاد من الكتاب و السنة أن عدم الوجدان و العجز الموضوع لجواز التيمم أعم من الشرعي أما الكتاب فقوله تعالي: «و ان كنتم مرضي» فانه يستفاد منه أنه يكفي لجواز التيمم المرض و الحال أن المرض لا يستلزم فقد الماء فعدم الوجدان هو الاعم و أما السنة فيستفاد المدعي من نصوص عديدة واردة في أبواب التيمم

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب التيمم الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 2.

(3) نفس

المصدر الحديث: 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 19

أو ما بحكمه بأن كان الماء في أناء مغصوب (1).

أو لخوفه علي نفسه (2) او عرضه (3) أو ماله من سبع أو عدو أو لص أو ضياع أو غير ذلك (4)

[الثالث: خوف الضرر من استعمال الماء بحدوث مرض]

الثالث: خوف الضرر من استعمال الماء بحدوث مرض (5).

______________________________

منها ما تقدم مما ورد في عدم وجوب الوضوء اذا لم يكن معه دلو يستقي من البئر و عدم وجوب افساد الماء علي القوم.

(1) فان الوجدان العقلي و ان كان محفوظا في هذه الصورة لكن يفهم بالقرينة الداخلية و الخارجية أن المراد من عدم الوجدان أعم من العقلي كما تقدم.

و بعبارة اخري: لا يبعد أن يقال: ان المستفاد من ادلة التيمم كتابا و سنة أن الفقد ان الموضوع لجواز التيمم هو الاعم فلا ينسبق الي الذهن من آية التيمم مطلق الوجدان فلا يصدق بوجدان الماء الذي جعل عنده امانة أو يكون في آنية مغصوبة فالفقدان المجوز للتيمم أعم من الوجدان العقلي و يشمل الفقدان الشرعي كالمرض أو ما في حكمه ككون الماء في آنية مغصوبة.

(2) بلا اشكال نصا و فتوي و قد دلت عليه جملة من النصوص منها: ما رواه داود ابن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يصيبه الجنابة و به جروح أو قروح أو يخاف علي نفسه من البرد فقال: لا يغتسل و تيمم «1».

(3) فان حفظ العرض كحفظ النفس بل ربما يقال: انه اشد و الزم فتأمل.

(4) قد مر الاشكال فيه.

(5) ادعي عليه الاجماع و يستفاد المدعي من الاية الشريفة فان المرض مانع عن وجوب الطهارة المائية و من الظاهر أنه لا فرق من هذه الجهة بين وجوده

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب

التيمم الحديث: 8.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 20

أو زيادته أو بطئه (1) أو علي النفس (2) أو بعض البدن (3) و منه الرمد المانع من استعمال الماء (4) كما أن منه خوف الشين الذي يعسر تحمله و هو الخشونة المشوهة للخلقة و المؤدية في بعض الابدان الي تشقق

______________________________

و حدوثه باستعمال الماء و من ناحية اخري علم من الشرع أن الخوف العقلائي طريق شرعي مضافا الي أنه ادعي عليه الاجماع و أنه يكفي الخوف.

اضف الي ذلك النصوص الواردة في المقام لاحظ حديث محمد بن مسكين «1» و حديث ابن أبي عمير «2» و غيرهما مما ورد في الباب 5 من أبواب التيمم من الوسائل فتأمل.

و لاحظ حديث سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف قلته قال: يتيمم بالصعيد و يستبقي الماء فان اللّه عز و جل جعلهما طهورا: الماء و الصعيد «3» فانه جعل الخوف في هذه الرواية طريقا شرعيا الي تحقق موضوع التيمم.

(1) لوحدة الملاك.

(2) كما مر.

(3) بلا اشكال فان المرض اذا كان مانعا عن وجوب الطهارة المائية فنقص العضو مانع بالاولوية.

(4) لكونه من مصاديق المرض.

______________________________

(1) لاحظ ص: 12.

(2) لاحظ ص: 12.

(3) الوسائل الباب 25 من أبواب التيمم الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 21

الجلد (1).

[الرابع: خوف العطش علي نفسه أو علي غيره الواجب حفظه عليه]

الرابع: خوف العطش علي نفسه (2) أو علي غيره الواجب حفظه عليه (3) أو علي نفس حيوان يكون من شأن المكلف الاحتفاظ

______________________________

(1) لقاعدة نفي العسر و الحرج فلا تجب الطهارة المائية فتصل النوبة الي الترابية مضافا الي أنه بنفسه من مصاديق المرض و المفروض أن موجبه استعمال الماء فلا يجب فلا يتوقف عدم الوجوب علي العسر بل يسقط الوجوب و

لو مع عدم العسر.

(2) بلا خلاف ظاهر في الجملة- كما في بعض الكلمات- و تدل عليه جملة من النصوص: منها: ما رواه ابن سنان «1» و منها ما رواه محمد الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الجنب يكون معه الماء القليل فان هو اغتسل به خاف العطش أ يغتسل به أو يتيمم؟ فقال: بل يتيمم و كذلك اذا اراد الوضوء «2» و منها:

ما رواه سماعة «3».

و منها: ما رواه ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يجنب و معه من الماء قدر ما يكفيه لشربه أ يتيمم أو يتوضأ به؟ قال: يتيمم أفضل ألا تري أنه انما جعل عليه نصف الطهور «4».

(3) و يقتضيه حديث سماعة «5».

______________________________

(1) لاحظ ص: 12.

(2) الوسائل الباب 25 من أبواب التيمم الحديث: 2.

(3) لاحظ ص: 20.

(4) الوسائل الباب 25 من أبواب التيمم الحديث: 4.

(5) لاحظ ص: 20.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 22

بها و الاهتمام بشأنها كدابته و شاته و نحوهما (1) مما يكون تلفه موجبا للحرج (2) أو الضرر (3).

[الخامس: توقف تحصيله علي الاستيهاب الموجب لذله و هوانه]

الخامس: توقف تحصيله علي الاستيهاب الموجب لذله و هوانه (4) أو علي شرائه بثمن يضر بحاله (5).

______________________________

(1) لإطلاق حديث سماعة «1».

(2) الحرج و ان كان بنفسه موجبا لسقوط وجوب الطهارة المائية فتصل النوبة الي التيمم لكن مقتضي حديث سماعة «2» جواز التيمم في الموارد المذكورة و لو لم يكن صرف الماء في الطهارة المائية حرجيا.

و بعبارة اخري: المستفاد من النص أن خوف قلة الماء بنفسه يجوز التيمم و لا يتوقف علي الحرج.

(3) قد مر منا أن الاستدلال بحديث لا ضرر لا يتم الاعلي القول المشهور لكن يكفي في المقام لإثبات المدعي النص الخاص

فلاحظ.

(4) أما مع كون تحمل الهوان حرجيا فعدم الوجوب ظاهر اذ يكون الوضوء المذكور حرجيا و الحرج يرفع الاحكام الالزامية و أما مع عدم الحرج فيمكن أن يقال: انه لا يجب تحمل المهانة اذ قد علم من الشرع أن المؤمن محترم عند اللّه و لا يجب عليه أن يهين نفسه.

(5) الظاهر ان المراد به الضرر الزائد عن حد العادة فنقول مقتضي حديث صفوان «3» وجوب الشراء و لو باضعاف القيمة و مثله ما في تفسير العياشي «4»

______________________________

(1) لاحظ ص: 20.

(2) لاحظ ص: 20.

(3) لاحظ ص: 14.

(4) لاحظ ص: 14.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 23

و يلحق به كل مورد يكون الوضوء فيه حرجيا لشدة حر أو برد أو نحو ذلك (1).

[السادس: أن يكون مبتلي بواجب يتعين صرف الماء فيه علي نحو لا يقوم غير الماء مقامه]

السادس: أن يكون مبتلي بواجب يتعين صرف الماء فيه علي نحو لا يقوم غير الماء مقامه مثل ازالة الخبث عن المسجد فيجب

______________________________

فان مقتضي الحديثين وجوب الشراء كائنا ما كان الثمن فلا يلاحظ الضرر.

و بعبارة اخري: لا مجال للتحديد إذ هذا الحكم وارد في مورد الضرر و لا مجال للأخذ بقاعدة رفع الضرر الا أن يقال: انه نلتزم بالضرر بالمقدار المتعارف و أما إذا كان فوق المتعارف فلا مانع من الاخذ بالقاعدة كما هو كذلك في نظائر المقام.

لكن الاشكال في سند الحديثين اذ في سند الاول منهما البرقي و هو محل الاشكال و الثاني مرسل و لا اعتبار به و أيضا لنا كلام في قاعدة لا ضرر فلا بد من العمل علي طبق القواعد الاولية و مقتضاها وجوب البذل كائنا ما كان الا أن يستفاد من حديث سماعة «1» عدم وجوب بذل المال الكثير فان مقتضي اطلاق ذلك الحديث أن المكلف أن خاف قلة الماء و

كان وجه خوفه التضرر المتوجه اليه من فقدان الماء لا يجب عليه الوضوء.

و صفوة القول: أن مقتضي القاعدة الاولية- لو لا الدليل الخارجي- وجوب بذل الثمن كائنا ما كان الا أن يكون حرجيا فيرتفع الوجوب بالحرج أو بالنص الخاص.

(1) لقاعدة رفع الحرج و العسر.

______________________________

(1) لاحظ ص: 20.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 24

عليه التيمم و صرف الماء في ازالة الخبث (1).

______________________________

(1) ربما يقال: ان من مرجحات باب التزاحم كون أحد المتزاحمين ذا بدل بخلاف الاخر و حيث ان الطهارة المائية لها بدل فكل واجب لا يكون له بدل يقدم علي ما له البدل ففي المقام يجب تقديم ازالة النجاسة عن المسجد علي الوضوء لان الوضوء له البدل.

و يمكن أن يقال: ان البدل للواجب اما عرضي أو طولي أما علي الاول فلا يتحقق التزاحم فلا تصل النوبة الي الترجيح بالمرجح اذا لوجوب يتعلق بالجامع فالمكلف قادر علي امتثال كلا التكليفين.

و بعبارة اخري لا موضوع للتزاحم فان موضوعه عدم قدرة المكلف علي الجمع بين الامتثالين فلا بد من مرجح و المفروض في مثله قدرته علي الجمع.

و أما علي الثاني فلا وجه لتقديم ما ليس له البدل اذا لمفروض أن موضوع كلا التكليفين تام و ترجيح أحدهما علي الاخر بلا وجه و ان شئت قلت: لا تصل النوبة الي البدل الطولي الا بعد العجز عن امتثال التكليف الاولي و كون ما له البدل معجزا اول الكلام و الاشكال.

الا أن يقال: ان هذا التقديم بحكم العقل بتقريب: أنه لو قدم ما له البدل يفوت ملاك الاخر بالكلية بلا تدارك و أما لو قدم ما لا بدل له فقد تدارك ملاكه بتمامه و أيضا تدارك مقدارا من ملاك الواجب الاخر و

لا اشكال في تقدم هذا النحو علي ذلك بحكم العقل.

و بعبارة اخري: لا يمكن الاخذ باطلاق كلا الدليلين فيدور الامر بين رفع اليد عن كلا الاطلاقين أو رفع اليد عن خصوص ما له البدل أو عن خصوص ما ليس له البدل لا وجه للأخير بلا أشكال كما أنه لا مجال لاختيار الاول لعدم التساوي بين

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 25

و أما اذا دار الامر بين ازالة الحدث و ازالة الخبث عن لباسه أو بدنه فالاولي أن يصرف الماء أولا في ازالة الخبث ثم يتيمم بعد ذلك (1).

______________________________

الواجبين فيتعين الوسط.

و ان شئت قلت: لا اشكال في عدم بقاء الاطلاقين بحالهما و لا اشكال في عدم بقاء الاطلاق في جانب ما له البدل و أما الاطلاق في الطرف الاخر فلا دليل علي اختلاله فيبقي بحاله فالنتيجة تقديم ما لا بدل له كما عليه القوم.

فالحق أن يقال في وجه تقديم الواجب الآخران المستفاد من دليل التيمم بالقرينة الداخلية و الخارجية: أن موضوع جواز التيمم التمكن الخاص من استعمال الماء و هو التمكن العقلي و الشرعي و بما أن المكلف، مكلف بصرف الماء في ازالة الخبث عن المسجد لا يكون موضوع الوضوء متحققا و هو الوجدان و القرينة الداخلية، ذكر المريض في الاية الشريفة فان الماء غالبا موجود عنده و لكن لا يتمكن من استعماله عقلا أو شرعا.

و أما القرينة الخارجية فعدة نصوص بألسنة مختلفة دالة علي جواز التيمم مع فرض وجود الماء فالمستفاد من الادلة تقسيم المكلف الي الواجد و الفاقد و التقسيم قاطع للشركة فالمتمكن من استعمال الماء عقلا او شرعا واجد و غير المتمكن عقلا او شرعا فاقد و حيث ان المكلف في مفروض المقام يجب

عليه صرف الماء في ازالة الخبث لا يكون متمكنا من صرف الماء في غيرها فيكون فاقدا فيجوز له التيمم.

(1) لا يخفي أن المقام ليس داخلا تحت كبري باب التزاحم فان التزاحم انما يتصور بين تكليفين مستقلين لا يمكن الجمع بينهما كإزالة الخبث عن المسجد و انقاذ الغريق و أما المقام فالواجب واحد اي الصلاة الواجدة للطهارة الحدثية

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 26

______________________________

و الخبثية اذ الامر بالوضوء أو الغسل إمرار شادي فانه يرشد الي اشتراط الصلاة بها كما أن الامر بازالة النجاسة عن الثوب أو البدن كذلك و حيث ان الجمع بين الامرين غير ممكن يسقط وجوب الصلاة غاية الامر بلحاظ الدليل الخاص و النص الوارد بالخصوص و الاجماع القطعي نلتزم بأن الصلاة لا تسقط بحال و انها واجبة لاحظ ما رواه زرارة قال فيه: «ثم تصلي و لا تدع الصلاة علي حال فان النبي صلي اللّه عليه و آله قال: الصلاة عماد دينكم» «1».

و بعد ثبوت وجوبها يقع التعارض بين دليلي الوضوء و ازالة الخبث عن اللباس أو البدن و بعد تحقق التعارض فاما نقول بتساقطهما و أما نقول بعدم التساقط و اعمال قانونه أما علي الاول- كما عليه سيدنا الاستاد حث يري ان التعارض بين المطلقين بالعموم من وجه فيما كان بالاطلاق لا بالوضع في كلا الطرفين أو في أحدهما يوجب تساقط الدليلين- فيكون مقتضي القاعدة التخيير بين الامرين بحكم العقل.

و أما علي الثاني- كما هو الحق عندنا- فيجب اعمال قانون التعارض و يمكن تقديم دليل وجوب الوضوء بتقريبين: احدهما أن طرف المعارضة الكتاب و ما خالفه يضرب علي الجدار ثانيهما: أن يكون الكتاب مرجحا أو مرجعا بعد التعارض و النتيجة هي بعينها و

عليه يجب الوضوء غاية الامر أن مقتضي الاحتياط أن يتيمم بعد صرف الماء في الوضوء.

و الماتن في هامشه علي العروة في هذا المقام بني وجوب صرف الماء في ازالة الخبث علي الاحتياط و الظاهر أن وجهه ما ذكرنا من عدم الدليل علي التعيين عنده بعد تساقط الدليلين و النتيجة التخيير لكن الأولي أن يصرف الماء في ازالة الخبث

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الاستحاضة الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 27

[السابع: ضيق الوقت عن تحصيل الماء أو عن استعماله بحيث يلزم من الوضوء وقوع الصلاة أو بعضها في خارج الوقت]
اشارة

السابع: ضيق الوقت عن تحصيل الماء أو عن استعماله بحيث يلزم من الوضوء وقوع الصلاة أو بعضها في خارج الوقت (1) فيجوز التيمم في جميع الموارد المذكورة.

______________________________

كي يصدق الفقدان الموضوع لوجوب التيمم.

و لا يخفي: أنه لا مجال للاستدلال علي وجوب ازالة الخبث بما رواه أبو عبيدة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة الحائض تري الطهر و هي في السفر و ليس معها من الماء ما يكفيها لغسلها و قد حضرت الصلاة قال: اذا كان معها بقدر ما تغسل به فرجها فتغسله ثم تتيمم و تصلي قلت: فيأتيها زوجها في تلك الحال؟ قال:

نعم اذا غسلت فرجها و تيممت فلا بأس «1». كما يظهر من عبارة السيد اليزدي قدس سره في عروته انه يمكن الاستدلال به اذ لا يستفاد من الرواية الدوران بين الامرين بل المفروض أن الماء لا يكفي الا لغسل فرجه فلا يرتبط بالمقام مضافا الي أن سند الرواية ضعيف بسهل فلاحظ.

(1) في المقام فرعان: أحدهما ما لو توضأ يفوت وقت الصلاة بالكلية ثانيهما ما لو توضأ يفوت بعض الوقت فلا بد من التكلم في كل منهما فنقول: أما الفرع الأول فلا اشكال في أنه تصل النوبة الي التيمم اذ المفروض

أن التيمم بدل اضطراري للوضوء و قد فرض أن المكلف لا يتمكن من الوضوء فيجب عليه التيمم.

و أما الفرع الثاني فيمكن أن يقال لا بد من تقديم التيمم اذ الامر دائر بين ما لا بدل له و هو الوقت و ما له البدل و هو الوضوء و التقديم مع ما لا بدل له فيجب ايقاع الصلاة بتمامها في الوقت مع التيمم.

______________________________

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب الحيض الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 28

______________________________

و بعبارة اخري: ان مقتضي القاعدة أن يتيمم المكلف و يصلي في الوقت اذ المستفاد من دليل الوقت وجوب ايقاع الصلاة بتمامها فيه و المفروض أنه لو توضأ يقع مقدار من الصلاة خارج الوقت و استفيد من دليل التيمم أن من لا يمكنه الوضوء عقلا أو شرعا يجب عليه التيمم فيجب هذا بحسب القاعدة.

ان قلت: قد وردت في المقام نصوص دالة علي أن من ادرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت لاحظ ما رواه عمار بن موسي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

فان صلي ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم و قد جازت صلاته «1».

و ما رواه الاصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد ادرك الغداة تامة «2».

و ما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: فان صلي ركعة من الغداة ثمّ طلعت الشمس فليتم الصلاة و قد جازت صلاته و ان طلعت الشمس قبل أن يصلي ركعة فليقطع الصلاة و لا يصل حتي تطلع الشمس و يذهب شعاعها «3».

و ما رواه الشهيد في الذكري قال: روي عن النبي صلي اللّه عليه و آله أنه قال:

من

أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة «4».

و ما رواه أيضا قال: و عنه صلي اللّه عليه و آله من أدرك ركعة من العصر قبل أن يغرب الشمس فقد أدرك الشمس «5».

______________________________

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب المواقيت الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

(3) نفس المصدر الحديث: 3

(4) نفس المصدر الحديث: 4

(5) نفس المصدر الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 29

______________________________

و هذه النصوص كلها ضعيفة الا الحديث الاول و هو وارد في خصوص صلاة الفجر و أيضا مورده خصوص من صلي و في أثناء الصلاة فات الوقت فحكم عليه السلام بالصحة و الانصاف ان استفادة الكبري الكلية من الحديث في غاية الاشكال لكن الاصحاب استندوا الي هذه النصوص و حكموا بكفاية ادراك ركعة لصحة الصلاة فنقول: علي مسلك الاصحاب و الاستناد الي النصوص و الالتزام بهذا الحكم يستفاد منها اختصاص الحكم المذكور بغير المتمكن.

و بعبارة اخري: لا يستفاد منها إلا حكم اضطراري بل ادعي سيدنا الاستاد أن لفظة «أدرك» ظاهرة في التمكن المترتب علي الطلب و الفحص فان الغريم لو طالب مديونه فظفر به يقال أدركه و أما لو صادفه بلا طلب لا يقال: أدركه فالادراك اشرب فيه عدم التمكن الابتدائي.

و ان شئت قلت: في صورة التمكن من شي ء لا يصدق عنوان الادراك فعليه يستفاد من هذه الكلمة الاضطرار و يترتب علي ما ذكرنا أنه لو دار الامر بين الطهارة الترابية و ايقاع الصلاة في الوقت و الطهارة المائية و ادراك ركعة من الوقت يجب تقديم الاول اذ يكون المكلف في هذا الفرض فاقدا للماء و المفروض أن الفاقد يجب عليه التيمم.

و صفوة القول: أنه لا يجوز التأخير لان المستفاد من دليل من أدرك أن

المضطر الي التأخير يكون ادراكه ركعة كإدراك تمام الوقت و أما من يؤخر بالاختيار فلا.

و ان شئت قلت: دخول المكلف في موضوع من أدرك في مثل المقام دوري لان كونه مضطرا الي التأخير يتوقف علي عدم جواز التيمم و عدم جواز التيمم يتوقف علي شمول من أدرك اياه فلاحظ.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 30

[مسألة 322: إذا خالف المكف عمدا فتوضأ في مورد يكون الوضوء فيه حرجيا كالوضوء في شدة البرد صح وضوئه]

(مسألة 322): اذا خالف المكف عمدا فتوضأ في مورد يكون الوضوء فيه حرجيا كالوضوء في شدة البرد صح وضوئه (1) و اذا خالف في مورد يكون الوضوء فيه محرما بطل وضوئه (2) و اذا خالف في مورد يجب فيه حفظ الماء- كما في الامر الرابع- فالظاهر صحة وضوئه (3).

______________________________

(1) بتقريب: أن المستفاد من دليل نفي الحرج الامتنان و لا يصدق الامتنان الا مع المقتضي للوضوء و تمامية ملاكه فعليه يكون الفعل قابلا للتقرب به من المولي فيصح الوضوء.

(2) اذ الحرام لا يمكن أن يقع مصداق الواجب لاستحالة اجتماع الضدين.

(3) وجوب حفظ الماء لا يقتضي النهي عن استعماله في الوضوء الا علي القول بأن الامر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده و لا نقول به و بعبارة واضحة: الواجب علي المكلف حفظ النفس- مثلا- و هو يتوقف علي حفظ الماء فاستعمال الماء في الوضوء يضاده لكن الامر بالشي ء- كما قلنا- لا يقتضي النهي عن الضد.

و من ناحية اخري قد ثبت في محله الامر الترتبي فيصح الوضوء بمقتضي صحة الترتب.

لكن في المقام شبهة و هي أنه تارة يفرض اتلاف الماء و عدم حفظه علي كل حال فيصح الامر بالوضوء بالترتب و أما لو فرض اتلاف الماء بصرفه في الوضوء ففي هذه الصورة يشكل الصحة اذا لمفروض أنه لم يفرض العصيان و ترك الحفظ و

لا بد في تحقق كل حكم من تحقق موضوعه في الرتبة السابقة.

و بعبارة اخري نسأل من أن الوضوء المذكور هل يتعلق به الامر أو لا يتعلق به و علي الأول هل يفرض الوضوء مفروض الوجود أم لا يفرض وجوده؟ أما علي فرض عدم تعلق الامر به فلا يتحقق الأمر الترتبي و أما علي تقدير فرض وجود الوضوء

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 31

و لا سيما اذا أراقه علي الوجه ثم رده من الاسفل الي الاعلي و نوي الوضوء بالغسل من الاعلي الي الاسفل و كذا الحال في بقية الاعضاء (1).

[مسألة 323: إذا خالف فتطهر بالماء لعذر من نسيان أو غفلة صح وضوئه في جميع الموارد المذكورة]

(مسألة 323): اذا خالف فتطهر بالماء لعذر من نسيان أو غفلة صح وضوئه في جميع الموارد المذكورة (2) و كذلك مع الجهل فيما اذا لم يكن الوضوء محرما في الواقع (3) أما اذا توضأ في ضيق الوقت فان نوي الامر المتعلق بالوضوء فعلا صح من غير فرق بين العمد و الخطأ (4).

______________________________

فلا يتعلق الامر به لاستحالة تحصيل الحاصل و أما علي تقدير عدم تحققه فالامر المتعلق به ينافي وجوب حفظه فكيف يتحقق المتنافيان.

و بعبارة واضحة: الامر المتعلق بالوضوء أمر ترتبي و يتوقف علي عدم الحفظ و ترك حفظ الماء بنفس الوضوء فاذا فرض الوضوء مفروض الوجود فالامر به تحصيل للحاصل و أما لو لم يفرض وجوده فالامر به ينافي وجوب الحفظ فلاحظ.

(1) هذا هو المتعين لما ذكرناه من الاشكال لكن لا يخفي أن الترتب الاصطلاحي فيما يكون امتثال الامر بالمهم مقارنا للعصيان للأمر بالاهم فلا تغفل.

(2) اذ مع الغفلة أو النسيان لا يكون الامر بضد الوضوء فعليا فلا مانع من فعلية الامر بالوضوء فيصح لتمامية المقتضي و عدم المانع.

(3) اذ مع كون الوضوء محرما لا يمكن

أن يكون صحيحا لاستحالة اجتماع الضدين و أما فيما لا يكون الوضوء محرما- كما لو كان المسجد نجسا و المكلف لا يعلم بنجاسته فيكون تاركا لامتثال الامر بالازالة- فلا مانع من توجه الامر بالوضوء اليه فيصح الوضوء في هذا الحال.

(4) لصحة الترتب فانه مع ترك امتثال الامر للصلاة مع التيمم يصح الوضوء

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 32

و كذلك ما اذا نوي الامر الا دائي فيما اذا لم يكن مشرعا في عمله (1).

[مسألة 324: إذا آوي الي فراشه و ذكر أنه ليس علي وضوء جاز له التيمم]

(مسألة 324): اذا آوي الي فراشه و ذكر أنه ليس علي وضوء جاز له التيمم (2) رجاء (3) و ان تمكن من استعمال الماء كما يجوز التيمم لصلاة

______________________________

بالامر الترتبي بلا فرق بين العمد و الخطأ اذ الموضوع للأمر الثاني ترك امتثال الامر بالاهم و المفروض أن المكلف تارك للأهم.

(1) الظاهر أن مراده أنه يكفي لصحة الوضوء قصد الامر الادائي المتوجه الي الصلاة فيما لا يكون مشرعا بتقريب أن الوضوء عمل قابل لان يقصد به التقرب به من المولي فاذا كان مشرعا في قصده يكون العمل باطلا اذا لتشريع المحرم لا يجتمع مع قصد القربة فيكون باطلا و أما اذا قصد الامر الادائي بلا تحقق التشريع كما لو كان غافلا فيصح اذ العمل في حد نفسه قابل للتقرب و المفروض أن المكلف اضافه الي المولي.

لكن يشكل بأنه لو لم يكن الوضوء مستحبا في نفسه- كما هو الحق عندنا و قد مر الكلام من هذه الجهة مفصلا في بحث الوضوء في الجزء الاول من هذا الشرح ص 554- لم يكف قصد الامر الادائي لصحة العمل اذ المفروض أنه لا واقع له فما قصد، لا يفيد و ما يفيد، لم يقصد، فلاحظ.

(2) لمرسل الصدوق عن الصادق

عليه السلام قال: من تطهر ثم آوي الي فراشه بات و فراشه كمسجده فان ذكر أنه ليس علي وضوء فتيمم من دثاره كائنا ما كان لم يزل في صلاة ما ذكر اللّه «1».

(3) لعدم اعتبار المرسل و أما رواية البرقي مسندا فهي أيضا ضعيفة بعدم توثيق

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الوضوء الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 33

الجنازة ان لم يتمكن من استعمال الماء و ادراك الصلاة (1) بل لا بأس به مع التمكن أيضا رجاء (2).

[الفصل الثاني فيما يتيمم به]

اشارة

الفصل الثاني فيما يتيمم به الاقوي جواز التيمم بما يسمي أرضا (3).

______________________________

حفص بن غياث و عدم تمامية قاعدة التسامح فيأتي بالتيمم رجاء.

(1) قد مر الكلام حول هذا الفرع في بحث صلاة الجنازة فلا وجه للإعادة.

(2) اذ لو كان الحكم وجوبيا لكان الاجتزاء بالتيمم محتاجا الي الدليل و أما مع عدم الوجوب كما هو المفروض فلا مانع من الاتيان به رجاء و باحتمال المطلوبية و باب الرجاء واسع.

(3) وقع الكلام بين القوم في أنه هل يجوز التيمم بمطلق وجه الارض أو يشترط بكونه ترابا؟ و يظهر من كلمات القوم ان المشهور هو القول الاول و ذكر في مقام الاستدلال عليه وجوه:

الاول: تفسير جملة من اللغويين لفظ الصعيد الوارد في الاية بالارض.

و فيه: أن التفاسير المنقولة عن أهل اللغة مختلفة اذ قد فسر الصعيد في كلام بعضهم بالتراب لاحظ ما نقله صاحب الحدائق في هذا المقام «1» و لا دليل علي ترجيح بعضها علي الاخر كما أنه لا مجال لترجيح أشهر أقوالهم لعدم الدليل كما لا دليل علي التخيير كما هو واضح.

الثاني: قوله تعالي: فتصبح صعيدا زلقا «2» اي أرضا ملساء يزلق عليها

______________________________

(1) الحدائق ج 4 ص 244

(2) الكهف/

40

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 34

______________________________

باستيصال نباتها و أشجارها بتقريب: أنه يستفاد من هذا التفسير أن الصعيد عبارة عن الارض.

و فيه: أنه يمكن أن يكون تفسيرا بالاعم و حيث ان التفسير لا يكون من المعصوم لا يترتب عليه أثر شرعي.

الثالث: ما روي عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: اذا كان يوم القيامة جمع اللّه الخلائق في صعيد واحد «1» اي أرض واحدة.

و فيه: مضافا الي الخدشة في السند يمكن أن يكون المراد بالصعيد التراب و لا يخل بالمقصود.

الرابع: جملة من النصوص: منها ما أرسله أبان بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان اللّه تبارك و تعالي أعطي محمدا صلي اللّه عليه و آله شرائع نوح و ابراهيم و موسي و عيسي الي أن قال: و جعل له الارض مسجدا و طهورا «2».

و هذه الرواية لا اعتبار بها لإرسالها.

و منها: ما أرسله الصدوق قال: قال النبي صلي اللّه عليه و آله: اعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي: جعلت لي الارض مسجدا و طهورا «3».

و هذه الرواية أيضا لا اعتبار بها لإرسالها و مثلها في الدلالة و ضعف السند حديث أبي أمامة «4» و حديث ابن عباس «5».

______________________________

(1) معالم الزلفي ص 145

(2) الوسائل الباب 7 من أبواب التيمم الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 2

(4) نفس المصدر الحديث: 3

(5) نفس المصدر الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 35

______________________________

و منها: ما رواه سماعة قال: سألته عن رجل مرت به جنازة و هو علي غير وضوء كيف يصنع؟ قال يضرب بيديه علي حائط اللبن فليتيمم به «1».

و الظاهر ان هذه الرواية تامة سندا و دلالة.

و منها: ما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عن

علي عليه السلام أنه سئل عن التيمم بالجص فقال: نعم فقيل: بالنورة؟ فقال: نعم فقيل بالرماد؟ فقال: لا انه ليس يخرج من الارض انما يخرج من الشجر «2» و هذه الرواية مخدوشة سندا باحمد بن محمد بن يحيي فانه لم يوثق.

و منها: ما رواه الحلبي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: اذا لم يجد الرجل طهورا و كان جنبا فليتمسح من الارض و ليصل فاذا وجد ماء فليغتسل و قد أجزأه صلاته التي صلي «3». و هذه الرواية تفي بالمقصود سندا و دلالة كما هو ظاهر.

و منها: ما رواه ابن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول اذا لم يجد الرجل طهورا و كان جنبا فليمسح من الارض و ليصل فاذا وجد ماء فليغتسل و قد أجزأته صلاته التي صلي «4» و هذه الرواية أيضا تامة لإثبات المدعي.

و منها: ما رواه عبد اللّه بن علي الحلبي أنه سأل ابا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يمر بالركية و ليس معه دلو قال: ليس عليه أن يدخل الركية لأن رب الماء هو رب

______________________________

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب صلاة الجنازة الحديث: 5

(2) الوسائل الباب 8 من أبواب التيمم الحديث: 1

(3) الوسائل الباب 14 من أبواب التيمم الحديث: 4

(4) نفس المصدر الحديث: 7

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 36

______________________________

الارض فليتيمم «1». و هذه الرواية كما تري تدل علي أن التيمم بالارض جائز.

و منها: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول:

اذا لم تجد ماء و أردت التيمم فاخر التيمم إلي آخر الوقت فان فاتك الماء لم تفتك الارض «2» و هذه الرواية أيضا. تدل علي المدعي و تامة

سندا.

و استدل علي القول الثاني أيضا بوجوه: الاول: الآية الشريفة بدعوي أن جملة من أهل اللغة فسروا الصعيد بالتراب.

و فيه: أولا: أن قول من فسره بالتراب معارض بما فسر بمطلق وجه الارض مع الشهرة في ذلك الطرف مضافا إلي ما قيل من أن وظيفة اللغوي تعيين موارد الاستعمال فلا تعارض بين القولين لعدم التنافي بين الامرين.

الثاني: ما رواه جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال اللّه عز و جل جعلت لك و لأمتك الارض كلها مسجدا و ترابها طهورا «3». و هذه الرواية لا اعتبار بها لضعف سندها.

الثالث: ما عن عوالي اللئالي عن فخر المحققين عن النبي صلي اللّه عليه و آله أنه قال: جعلت لي الارض مسجدا و ترابها طهورا «4». و هذه الرواية ساقطة عن الاعتبار لضعف سندها.

الرابع: ما رواه أبو بصير عن أبي جعفر في خبر أنه قال رسول اللّه صلي

______________________________

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب التيمم الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 22 من أبواب التيمم الحديث: 1

(3) المستدرك الباب 5 من أبواب التيمم الحديث: 3

(4) نفس المصدر الحديث: 8

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 37

______________________________

اللّه عليه و آله لسلمان و أبي ذر و جعل لي الارض مسجدا و طهورا اينما كنت اتيمم من تربتها و اصلي عليها «1». و هذه الرواية ضعيفة بعلي بن محمد بن رياح.

الخامس: ما رواه محمد بن حمران و جميل بن دراج جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: ان اللّه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا «2» و هذه الرواية لا تدل علي التخصيص الا علي القول بمفهوم اللقب.

ان قلت: ان لم يكن الحكم مختصا بالتراب فما

الوجه في اختصاصه بالذكر؟

قلت: علي هذا يلزم الالتزام بمفهوم اللقب و الوصف لتوجه السؤال المذكور.

السادس: ما رواه رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا كانت الارض مبتلة ليس فيها تراب و لا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم منه فان ذلك توسيع من اللّه عز و جل «3».

بتقريب أن المأخوذ في مقدم الشرطية عنوان التراب فيعلم انه الموضوع لا مطلق وجه الارض.

و اجيب عنه بأن قوله عليه السلام: «ليس فيها تراب» تفسير للمبتلة لا شرط زائد عليها فلا يكون دليلا للخصم بل يكون عليه مضافا إلي أن السند اعتباره أول الكلام.

السابع: ما رواه زرارة أنه قال لأبي جعفر عليه السلام: ألا تخبرني من أين علمت و قلت: ان المسح ببعض الرأس و بعض الرجلين؟ و ذكر الحديث إلي أن

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 5

(2) الوسائل الباب 23 من أبواب التيمم الحديث: 1

(3) الوسائل الباب 9 من أبواب التيمم الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 38

سواء كان ترابا أم رملا أم مدرا أم حصي أم صخرا أملس (1) و منه أرض الجص و النورة (2).

______________________________

قال: قال أبو جعفر عليه السلام: نعم فصل بين الكلام فقال: (و امسحوا برؤوسكم) فعرفنا حين قال برؤوسكم أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء إلي أن قال: ثم قال:

(فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ) فلما أن وضع الوضوء عمن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا لأنه قال: (بوجوهكم) ثم وصل بها و أيديكم منه اي من ذلك التيمم لأنه علم أن ذلك أجمع لم يجر علي الوجه لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف و لا يعلق ببعضها «1».

بتقريب: أن العلوق بالكف يلازم كون ما يتيمم به ترابا

اذ لو لم يكن ترابا لم يعلق بالكف.

و فيه: أولا: أن التراب يعلق بتمام الكف لا ببعضه و ثانيا: أن العلوق لا يختص بالتراب بل يعلق غير التراب أيضا و ثالثا: أنه امر بالنفض في جملة من النصوص تاتي عن قريب فلا مجال للأخذ بالتعليل فالنتيجة: أنه لا دليل علي الاختصاص بالتراب.

(1) كل ذلك للإطلاق فان الارض بمالها من المفهوم تشمل جميع ذلك.

(2) لصدق عنوان الارض عليها و صدق عنوان المعدن عليها قبل الاحراق علي فرض صحته- لا يضر بصدق عنوان الارض.

و في المقام تفصيل نقل عن النهاية و هو أنه لا بأس بالتيمم بالاحجار و ارض النورة و ارض الجص اذا لم يكن يقدر علي التراب «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب التيمم الحديث: 1

(2) الحدائق ج 4 ص 297.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 39

قبل الاحراق (1) و لا يعتبر علوق شي ء منه باليد (2).

______________________________

و يرد عليه بأنه لو كانا داخلين في الموضوع لم يكن وجه للتفصيل و أما مع عدم الصدق فلا يجوز علي الاطلاق.

(1) وقع الكلام بينهم في جواز التيمم بها بعد الاحراق و قوي سيد العروة فيها عدم الجواز و الظاهر أن الوجه في الاشكال التردد في صدق عنوان الارض عليها بعد الاحراق بدعوي الانصراف و لا اشكال في عدم الجواز مع الانصراف كما أنه لا اشكال في الجواز علي تقدير عدمه و لو شك في الصدق فان قلنا بجريان الاستصحاب في المفهوم المردد كما قويناه، يجري استصحاب الصدق و يترتب عليه الحكم و أما لو لم نقل بالجريان- كما هو المقرر عند القوم- فلا مجال لاستصحاب جواز التيمم اذ يرد عليه أو لا بكونه من الاستصحاب التعليقي و ثانيا: أنه

من الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي الذي لا نقول به و أما خبر السكوني «1» فلا يعتد به لضعف سنده.

(2) نسب إلي جملة من الاعاظم اعتباره و قيل في وجهه امور: الاول الاصل.

و فيه أن مقتضي الاصل خلافه مضافا إلي أنه لا تصل النوبة إلي الاصل مع الدليل و مقتضي اطلاق الادلة عدم الاشتراط كما أن مقتضي التيمم البياني كذلك.

لاحظ ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التيمم فضرب بكفيه الارض ثم مسح بهما وجهه ثم ضرب بشماله الارض فمسح بها مرفقه الي أطراف الاصابع واحدة علي ظهرها و واحدة علي بطنها ثم ضرب بيمينه الارض ثم صنع بشماله كما صنع بيمينه ثم قال: هذا التيمم علي ما كان فيه الغسل و في الوضوء الوجه و اليدين إلي المرفقين و ألقي (أبقي) ما كان عليه مسح الرأس و القدمين فلا يؤمم بالصعيد «2».

______________________________

(1) لاحظ ص: 35.

(2) الوسائل الباب 12 من أبواب التيمم الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 40

______________________________

الثاني: ظهور كون التراب طهورا كالماء في قوله ان اللّه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا «1» فكما أن الماء يلزم وصوله إلي مواضع الوضوء كذلك يلزم في التيمم.

و فيه: أن كون التراب طهورا لا يستلزم علوقه بل يكفي فيه أن تضرب اليد بالتراب أو الأرض و ان شئت قلت: يكفي لعدم الاشتراط اطلاق الادلة مضافا إلي التيمم البياني المستفاد منه عدم الاشتراط.

الثالث: قوله تعالي: «فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ» «2» فان الظاهر منه لزوم التبعيض و عدم تقييد آية التيمم في سورة النساء و هي قوله تعالي:

«فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ» «3» لا ينافي التقييد في هذه السورة فان اطلاق

الكتاب يقيد بمقيده كما أن عامه يخصص بمخصصه.

و فيه: أنه يفهم من اطلاق النصوص البيانية كحديث ابن مسلم «4» أن المراد من الاية أن المسح علي الوجه و اليدين لا بد أن يكون من أثر الأرض.

اضف إلي ذلك انه قام الدليل علي رجحان النفض لاحظ ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: كيف التيمم؟ قال: هو ضرب واحد للوضوء و الغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما نفضة للوجه و مرة لليدين و متي

______________________________

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب التيمم الحديث: 1.

(2) المائدة/ 7.

(3) النساء/ 42.

(4) لاحظ ص: 39.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 41

______________________________

أصبت الماء فعليك الغسل ان كنت جنبا و الوضوء ان لم تكن جنبا «1» فان نفض التراب من ايدينا في اشتراط العلوق.

ان قلت: انه يبقي الغبار علي اليد بعد النفض فلا ينافي كون التيمم ببعض الارض قلت: الغبار لا يصدق عليه عنوان التراب فلا يكون جزءا للأرض و مما ذكرنا في تقريب الاستدلال بالآية و الجواب عنه يظهر تقريب الاستدلال ببعض النصوص و الجواب عنه أيضا لاحظ ما رواه ابن سنان «2».

الرابع: اطلاق ادلة النفض كحديث زرارة «3» و سائر الروايات الواردة في الباب 12 من أبواب التيمم فان مقتضي هذه النصوص لزوم قابلية العلوق كي يستحب النفض و فيه أن الحكم دائر مدار الموضوع فان تحقق العلوق يستحب النفض و الا فلا.

الخامس: ما رواه زرارة «4» بتقريب ان المستفاد منه اشتراط العلوق.

و فيه: أنه لو ثبت استحباب النفض لم يبق مجال للأخذ به مضافا إلي أنه لو سلم التعارض و التساقط يؤخذ باطلاق بقية الادلة لكن يشكل علي هذا التقدير رفع اليد عن ظهور الاية في

الاشتراط فلاحظ بل لو وصلت النوبة إلي التعارض يكون الترجيح مع دليل اشتراط العلوق لموافقته مع الكتاب فعليه يكون الكتاب مرجحا لا مرجعا.

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب التيمم الحديث: 4.

(2) لاحظ ص: 35.

(3) لاحظ ص: 40.

(4) لاحظ ص: 37.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 42

و ان كان الاحوط استحبابا الاقتصار علي التراب مع الامكان (1).

[مسألة 325: لا يجوز التيمم بما لا يصدق عليه اسم الأرض]

(مسألة 325): لا يجوز التيمم بما لا يصدق عليه اسم الارض (2) و ان كان أصله منها كالرماد و النبات و المعادن الذهب و الفضة و نحوها مما لا يسمي ارضا (3) و أما العقيق و الفيروزج و نحوهما من الاحجار الكريمة فالاحوط أن لا يتيمم بها و كذلك الخزف و الجص و النورة بعد الاحراق حال الاختيار (4) و مع الانحصار لزمه التيمم بها

______________________________

(1) خروجا عن شبهة الخلاف.

(2) كما هو ظاهر لانتفاء موضوعه اذ هو المفروض.

(3) فان الميزان تحقق الموضوع و العنوان بالفعل و المفروض أنه ليس كذلك و حديث السكوني «1» ضعيف سندا مضافا إلي أنه يحتمل أن يكون المراد منه عدم الخروج عن عنوان الارضية و يشهد له أنه عليه السلام لم يجوز التيمم بالرماد مع أن أصله من الارض.

(4) أما مع عدم صدق عنوان الارض علي المذكورات فلا يجوز التيمم بها بلا كلام كما أنه مع صدق العنوان يجوز كذلك و أما لو شك في الصدق فعلي القول بجريان الاستصحاب في الشبهات المفهومية كما هو ليس ببعيد فمع الشك في صدق عنوان الارض و لو سابقا يكون مقتضي الاستصحاب عدم الصدق فلا يجوز التيمم و أما مع صدق العنوان سابقا و الشك في بقائه فمقتضي الاستصحاب جواز التيمم اذ بالاستصحاب يحرز موضوع الجواز و أما علي

القول بعدم الجريان- كما هو المقرر عند القوم- فلا يجوز لعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية و حيث ان

______________________________

(1) لاحظ ص: 35.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 43

و الصلاة و الاحوط القضاء خارج الوقت (1).

[مسألة 326: لا يجوز التيمم بالنجس]

(مسألة 326): لا يجوز التيمم بالنجس (2).

______________________________

الماتن لا يري جريان الاستصحاب في أمثال المقام لم يظهر لنا وجه ما أفاده في المتن من لزوم التيمم بها.

(1) بتقريب: أنه يعلم اجمالا بتوجه أحد الامرين من الصلاة في الوقت مع التيمم بها و الصلاة التامة قضاء خارجه.

و الذي يختلج بالبال عاجلا أن يقال: انه مع عدم احراز صدق عنوان الارض علي المذكورات و انحصار ما يتيمم به فيها كما هو المفروض فان قلنا بعدم وجوب الصلاة علي فاقد الطهورين فلا تجب عليه الصلاة اداءا و ان قلنا بالوجوب كما ربما يقال ان مقتضي قوله صلي اللّه عليه و آله «الصلاة عماد دينكم» «1» فتجب عليه الصلاة في الوقت و لا مجال لوجوب القضاء خارجه و الاحتياط طريق النجاة و اللّه العالم.

(2) ما يمكن أن يقال في المقام أو قيل امور: الاول: الاجماع. و فيه أن المنقول منه غير حجة و المحصل منه غير حاصل مضافا إلي أنه محتمل المدرك فلا يكون اجماعا تعبد يا كاشفا.

الثاني القاعدة المعروفة و هي: أن فاقد الشي ء لا يكون معطيه. و يرد عليه أولا: أن هذه القاعدة قاعدة عقلية و الامور العقلية لا ترتبط بالامور الشرعية و ملاكات الاحكام ليست واضحة عندنا.

و ثانيا: انا نري أن الماء و التراب لا يكونان طاهرين من الحدث و مع ذلك

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الاستحاضة الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 44

______________________________

يوجبان الطهارة منه ففاقد الشي ء يمكن أن يكون

معطيه.

و ثالثا: فرضنا تمامية تلك القاعدة لكن لا ترتبط بالمقام فان مقتضي تلك أن التراب النجس لا يرفع الخبث و في المقام التراب يؤثر في الطهارة عن الحدث فالقاعدة لم تنخرم.

الثالث: انصراف الدليل عن التراب النجس. و فيه: أن هذا الانصراف ناش من تلك القاعدة و بعد انهدامها لا مقتضي للانصراف و علي فرض تحققه يكون بدويا.

الرابع: أن النجس لا يعقل أن يكون مطهرا. و فيه: أن هذا الدليل ان كان عبارة اخري عن القاعدة فالكلام فيه هو الكلام و ان كان غيرها فيرد عليه أنه ليس تاما كيف و أن الماء القليل مطهر مع انه ينجس بالملاقاة مع ما يغسل به فتأمل.

الخامس: أنه صلي اللّه عليه و آله قال: جعلت لي الارض مسجدا و طهورا «1» و الطهور عبارة عن الطاهر في نفسه مطهر لغيره.

و فيه: أولا: أن الطهور هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره اول الكلام اذ الطهور عبارة عن شي ء يتطهر به كالوقود اي ما يوقد به و ثانيا: أن الظاهر عدم تمامية هذه النصوص من حيث السند.

السادس: قوله تعالي: «صَعِيداً طَيِّباً» «2» بتقريب: أن التراب النجس لا يكون طيبا.

و بعبارة اخري: الطيب هو الطاهر و عن المدارك «انه حسن و جيد ان ثبت

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب التيمم الحديث: 2.

(2) النساء/ 42

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 45

و لا المغصوب (1).

و لا الممتزج بما يخرجه عن اسم الارض نعم لا يضر اذا كان الخليط مستهلكا فيه عرفا (2) و لو اكره علي المكان المغصوب فالاظهر جواز التيمم فيه (3).

______________________________

كون الطيب هو الطاهر».

و الامر كما أفاده فان الطيب ضد الخبيث و كون النجس الشرعي خبيثا أول الكلام و الاشكال خصوصا المتنجس الذي

يكون قابلا للتطهير فان الجزم بكونه من أفراد الخبيث مشكل.

السابع: التسالم عند الفريقين مضافا إلي كونه مرتكزا عند المتشرّعة بحيث يكون خلافه مستنكرا عندهم فتأمل.

(1) ادعي عليه الاجماع و حال الاجماع في أمثال المقام معلوم و ربما يقال:

بأن الضرب علي الارض نوع تصرف فعلي فرض كون المحل غصبا يحرم و المحرم لا يمكن أن يكون مصداقا للواجب و لكن يتوقف هذا التقريب علي كون الضرب علي الارض داخلا في ماهية التيمم و أما لو قلنا بأنه من مقدماته فلا يتم التقريب فلاحظ.

(2) هذا ظاهر واضح اذ بناء عليه لا يكون الموضوع متحققا كما أنه مع فرض الاستهلاك لا وجه للإشكال لتحقق الموضوع.

(3) بتقريب: أن التيمم في هذا الفرض لا يكون تصرفا زائدا فلا يحرم و تمامية هذا التقريب محل الاشكال و الكلام و كيف لا يكون الضرب علي الارض تصرفا زائدا في نظر العرف.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 46

[مسألة 327: إذا اشتبه التراب المغصوب بالمباح وجب الاجتناب عنهما]

(مسألة 327): اذا اشتبه التراب المغصوب بالمباح وجب الاجتناب عنهما (1) و اذا اشتبه التراب بالرماد فتيمم بكل منهما صح (2) بل يجب ذلك مع الانحصار (3) و كذلك الحكم اذا اشتبه الطاهر بالنجس (4).

[مسألة 328: إذا عجز عن التيمم بالارض لأحد الأمور المتقدمة في سقوط الطهارة المائية]

(مسألة 328): اذا عجز عن التيمم بالارض لأحد الامور المتقدمة في سقوط الطهارة المائية يتيمم بالغبار المجتمع علي ثوبه أو عرف دابته أو نحوهما (5) اذا كان غبار ما يصح التيمم به دون غيره كغبار الدقيق

______________________________

(1) للعلم الإجمالي المقتضي للاجتناب عن جميع الاطراف علي ما هو المقرر عندهم.

(2) لتحقق المأمور به المقتضي للاجزاء.

(3) لتوقف الامتثال عليه فيجب عقلا.

(4) لعين الملاك فلاحظ.

(5) عن المعتبر «أنه مذهب علمائنا» و عن التذكرة: «عند علمائنا» و يستفاد الحكم المذكور من بعض النصوص لاحظ ما رواه زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام أ رأيت الموقف ان لم يكن علي وضوء كيف يصنع و لا يقدر علي النزول؟

قال: يتيمم من لبده أو سرجه أو معرفة دابته فان فيها غبارا و يصلي «1».

و ما رواه أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال: ان كان أصابه الثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو من شي ء معه و ان كان في حال لا يجد الا الطين فلا بأس أن يتيمم منه «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب التيمم الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 47

و نحوه (1) و يجب مراعاة الاكثر فالاكثر علي الاحوط (2) و اذا أمكنه نفض الغبار و جمعه علي نحو يصدق عليه التراب تعين ذلك (3).

[مسألة 329: إذا عجز عن التيمم بالغبار تيمم بالوحل و هو الطين]

(مسألة 329): اذا عجز عن التيمم بالغبار تيمم بالوحل و هو الطين (4).

______________________________

و مثلهما غيرهما المذكور في الوسائل في الباب 9 من أبواب التيمم.

(1) كما هو ظاهر اذ لا اشكال في أن المستفاد من النصوص بحسب الفهم العرفي ليس مطلق الغبار فلا أثر لغبار الدقيق كما في المتن و العرف ببابك.

(2) عن الجواهر تقويته و نسبته إلي ظاهر

جماعة و الظاهر أنّه لا وجه له اذ المحكم اطلاق النصوص و قاعدة الميسور لا اساس لها.

(3) اذ مع الامكان لا تصل النوبة إلي العمل الاضطراري فيجب تحصيل التراب بجمع الغبار من باب وجوب المقدمة عقلا.

(3) اذ مع الامكان لا تصل النوبة إلي العمل الاضطراري فيجب تحصيل التراب بجمع الغبار من باب وجوب المقدمة عقلا.

(4) كما تدل عليه جملة من النصوص منها: ما رواه زرارة «1» و منها: ما رواه أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال: اذا كنت في حال لا تجد الا الطين فلا بأس أن تتيمم به «2» و منها: ما رواه رفاعة «3».

و ربما يقال: - كما عن المهذب- يقدم الوحل علي الغبار و استدل بما رواه زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: قلت رجل دخل الاجمة ليس فيها ماء و فيها طين ما يصنع؟ قال: يتيمم فانه الصعيد قلت: فانه راكب و لا يمكنه النزول من خوف و ليس هو علي وضوء قال: ان خاف علي نفسه من سبع أو غيره و خاف

______________________________

(1) لاحظ ص: 46.

(2) الوسائل الباب 9 من أبواب التيمم الحديث: 3.

(3) لاحظ ص: 37.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 48

و اذا امكن تجفيفه و التيمم به تعين ذلك (1).

[مسألة 330: إذا عجز عن الأرض و الغبار و الوحل كان فاقدا للطهور]

(مسألة 330): اذا عجز عن الارض و الغبار و الوحل كان فاقدا للطهور و الاحوط له الصلاة في الوقت و القضاء في خارجه (2).

______________________________

فوات الوقت فليتيمم يضرب بيده علي اللبد أو البرذعة و يتيمم و يصلي «1».

و هذه الرواية ضعيفة باحمد بن هلال فالامر كما أفاده في المتن من الترتيب.

(1) اذ المفروض امكان الاتيان بالمقرر الاولي الاختياري فيجب و يتعين.

(2) قوي سيد العروة سقوط الاداء في فاقد الطهورين في

مبحث التيمم و صلاة القضاء و الماتن أمضي ما أفاده و لم يعلق و يظهر من بعض الكلمات أن هذا هو المشهور بين القوم و عن جامع المقاصد أنه ظاهر المذهب للعجز عن أداء الواجب فلا يجب.

و بعبارة اخري: المستفاد من دليل شرطية الطهارة اشتراط الصلاة بالطهور و مع فقده لا تجب.

و ما يمكن أن يستند اليه للوجوب في حال فقدان الطهورين أحد امور:

الأول: الاجماع بتقريب أن الاجماع قائم علي وجوب الاتيان بالصلاة في جميع الاحوال.

و فيه: أولا أنه لا اجماع في المقام بل لا يبعد أن يكون قائما علي عدم الوجوب و ثانيا: علي فرض تحققه لا يبعد أن يكون مدركيا لا تعبديا كاشفا فلا أثر له.

الثاني قاعدة الميسور بتقريب أن مقتضاها لزوم الاتيان بالمقدار الممكن من الواجب. و هذه القاعدة لا اعتبار بها لعدم قيام دليل علي اعتبارها.

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب التيمم الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 49

______________________________

الثالث: قوله عليه السلام في حديث زرارة الوارد في المستحاضة و لا تدع الصلاة علي حال فان النبي صلي اللّه عليه و آله قال: الصلاة عماد دينكم «1» بتقريب: أن المستفاد من الحديث ببركة التعليل أن الصلاة لا تترك في حال من الاحوال.

قال في المستمسك- في هذا المقام-: أن الجملة الاولي من كلامه عليه السلام تختص بموردها و لا تشمل غيره و أما التعليل فهو للتأكيد و ليس الاتيان به للتشريع و التأسيس فلا يستفاد منه الكلية».

و لقائل أن يقول: أي دليل علي هذا المدعي فان الظهور حجة ما دام لم تقم علي خلافه قرينة و مقتضي الظهور تعليل الحكم المذكور كما أن مقتضي التعليل التعميم فعليه نلتزم بالكلية الا فيما قام دليل

علي الخلاف و صفوة القول: أن الصلاة لا تسقط في حال من الاحوال.

و أفاد سيدنا الاستاذ: بأنه لا يمكن الاستدلال علي وجوب الصلاة بالنسبة إلي الي فاقد الطهورين بهذه الرواية اذ المستفاد من حديث التثليث و هو ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: الصلاة ثلاثة أثلاث: ثلث طهور و ثلث ركوع و ثلث سجود «2»، ان الصلاة اسم لما يتركب من هذه الثلاثة فبدون أحد هذه الامور لا يتحقق المسمي و مع عدم تحققه لا موضوع لقوله صلي اللّه عليه و آله: «فانها عماد دينكم» اذ فرض عدمها مع عدم الطهور كما هو المفروض

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الاستحاضة الحديث: 5.

(2) الوسائل الباب 9 من أبواب الركوع الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 50

______________________________

في المقام «1».

و يرد عليه: أنا قد ذكرنا في بحث الصحيح و الاعم أن لفظ الصلاة اسم للصحيح أي الجامع بين الافراد الصحيحة و قد ذكرنا هناك أن حديث التثليث ليس دالا علي التسمية بل المستفاد منه أن الامام عليه السلام في مقام بيان ماهية المأمور به و بعبارة اخري: ليس في بيان المسمي بهذا اللفظ أعم من أن يكون صحيحا أو فاسدا.

و ان شئت قلت: ان العرف يفهم من هذا الكلام أنه عليه السلام في مقام بيان العمل الصحيح لا في مقام بيان أن هذا اللفظ وضع بازاء هذا المعني.

مضافا إلي أنه يلزم أن يكون السلام جزءا من المسمي لحديث أبي بصير قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: في رجل صلي الصبح فلما جلس في الركعتين قبل أن يتشهد رعف قال: فليخرج فليغسل أنفه ثم ليرجع فليتم صلاته فان آخر الصلاة التسليم «2».

فانه صرح عليه

السلام في هذه الرواية بأن آخر الصلاة التسليم.

و يلزم أن تكون فاتحة الكتاب جزءا من المسمي لحديث محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته قال: لا صلاة له الا أن يقرأ بها في جهر أو اخفات قلت: ايما أحب إليك اذا كان خائفا أو مستعجلا يقرأ سورة أو فاتحة الكتاب؟ قال: فاتحة الكتاب «3»

______________________________

(1) مستند العروة الوثقي ج 5 ص 58.

(2) الوسائل الباب 1 من أبواب التسليم الحديث: 4.

(3) الوسائل الباب 1 من أبواب القراءة في الصلاة الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 51

______________________________

فانه عليه السلام صرح في هذه الرواية بأنه لا صلاة الا بفاتحة الكتاب.

و أيضا يلزم أن تكون اقامة الصلب داخلة في المسمي لاحظ ما رواه زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: و قم منتصبا فان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: من لم يقم صلبه فلا صلاة له «1».

و حديث أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له «2» فان المصرح به في كلتا الروايتين نفي الصلاة عن صلاة من لم يقم صلبه.

ان قلت: انه يستفاد من حديث لا تعاد عدم بطلان الصلاة بالاخلال بالامور المذكورة فيعلم صدق عنوان الصلاة علي فاقدها.

قلت: أو لا ننقض بالاركان فان المستفاد من حديث لا تعاد أن الصلاة لا تعاد من خمس و الحال أنها مقومة لها فكيف يطلق اللفظ علي فاقدها.

و ثانيا: نجيب بالحل و هو أن الاستعمال أعم من الحقيقة أضف إلي جميع ذلك انه لا اشكال في أن التكبيرة ركن و تبطل الصلاة بنقصانها

مطلقا فكيف التوفيق بين كونها ركنا و جعله عليه السلام الصلاة ثلاثة أثلاث أ ليس مرجع الامر إلي التناقض؟

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق مباني منهاج الصالحين؛ ج 3، ص: 51

فالنتيجة: أن ما أورده سيدنا الاستاد ليس واردا فالحق ما ذكرنا من أن مقتضي التعليل الوارد في الحديث أن الصلاة عماد الدين و لا تترك بحال و لا اشكال في أن الصلاة تصدق علي الصلاة الفاقدة للطهور علي القول بالاعم- كما هو مختار الاستاد- فلا مجال للقول بأن الاشكال في صدق الموضوع.

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب القيام الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 52

______________________________

و ملخص الكلام أن المستفاد من هذا التعليل الوارد في الحديث بحسب الفهم العرفي أن هذا المركب لا بد من الاتيان به في جميع الاحوال و لا اشكال في أن فقدان الطهورين من الاحوال فلا تسقط.

و أفاد المحقق الهمداني في هذا المقام ان المستفاد من قوله عليه السلام في حديث زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا صلاة الا بطهور «1»، أنه لا حقيقة للصلاة بلا طهور و مع لحاظ هذا الحديث يفهم أن الشارع أخرج الفرد الفاقد للطهور عن تحت الموضوع فتكون الصلاة الفاقدة خارجة عن دليل عدم السقوط تخصصا فلا تلاحظ النسبة بين الدليلين «2».

و يرد عليه: أولا النقض بغير الطهور من الموارد التي قد عبر فيها بمثل هذا التعبير كما تقدم فان لازم هذا القول سقوط الصلاة عمن لا يمكنه اقامة صلبه فتأمل.

و ثانيا: أن المستفاد من هذا التعبير أنه يشترط في الصلاة أن تكون مع الطهور و الشارع يهتم به

و لذا لا تكون الصلاة صحيحة بدونه حتي في حال العذر و لا بد من اعادتها و قضائها و لكن مع ذلك لا ينافي أن يرفع اليد عنه عند الضرورة و عدم القدرة عليه و قاعدة الميسور الجارية في الصلاة المستفاد من التعليل الوارد في كلام النبي صلي اللّه عليه و آله حاكم علي جميع ادلة الاجزاء و الشرائط و لا تلاحظ النسبة بين دليل القاعدة و تلك الادلة.

و صفوة القول: أن قوله صلي اللّه عليه و آله: «فانها عماد دينكم» بعد أمره بالصلاة يدل علي أن هذا المركب يلزم أن يوجد في الخارج باي نحو كان و لا يؤثر

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

(2) مصباح الفقيه كتاب الصلاة ص 503.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 53

و اذا تمكن من الثلج و لم تمكنه اذا بته و الوضوء به و لكن أمكنه مسح اعضاء الوضوء به علي نحو يتحقق مسمي الغسل وجب و اجتزأ به (1).

و اذا كان علي نحو لا يتحقق الغسل تعين التيمم (2).

______________________________

في سقوط وجوبه شي ء.

و لكن مع ذلك كله الجزم بالمدعي مشكل فان مخالفة الاصحاب و التفرد في الرأي ليس سهلا و عليه يكون الامر منحصرا في الاحتياط بأن يصلي في الوقت و يقضي في خارجه و اللّه العالم بحقائق الاشياء و عليه التوكل و التكلان.

(1) هذا علي طبق القاعدة الاولية اذ المفروض تمكنه من الطهارة المائية فتجب و في المقام اشكال و هو أن المستفاد من ادلة الوضوء كتابا و سنة لزوم كون ما يتوضأ به ماء مع قطع النظر عن الاستعمال و أما الماء الذي يتحقق بنفس الاستعمال كما فرض في المتن فالادلة تنصرف عنه.

و يذب الاشكال

بعدم وروده فان مقتضي الاطلاق كفاية الغسل بالماء باي وجه حصل.

(2) اذا المفروض عدم امكان الغسل و بدون تحقق الغسل لا يتحقق المأمور به فتصل النوبة إلي البدل الاضطراري اي التيمم.

و ربما يقال: انه يستفاد من جملة من النصوص كفاية مسح الثلج و الوضوء به مسحا و لا يلزم صدق الغسل: منها: ما رواه معاوية بن شريح قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده فقال: يصيبنا الدمق و الثلج و نريد أن نتوضأ و لا نجد

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 54

______________________________

الا ماء جامدا فكيف أتوضأ؟ أدلك به جلدي؟ قال: نعم «1». و هذه الرواية ضعيفة بمعاوية.

و منها: ما رواه هارون بن حمزة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال يجزيك من الغسل و الاستنجاء ما ملئت (بلت) يمينك «2» و هذه الرواية ضعيفة بيزيد بن اسحاق مضافا إلي القصور في الدلالة لاختلاف النسخة في بعض كلماتها.

و منها: ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يجنب في السفر لا يجد الا الثلج قال: يغتسل بالثلج أو ماء النهر «3».

قال: في الوسائل- بعد ذكر الحديث-: «ان المراد أنه يذيب الثلج و يتوضأ بالمذاب» و لا يبعد ما أفاده سيما مع اقترانه بماء النهر فانه يمكن أن يكون عليه السلام بصدد بيان عدم الفرق بين الفردين من الماء و أن المذاب من الثلج في حكم ماء النهر.

و ان شئت قلت: لا اشكال في توقف تحقق الوضوء علي الغسلات كتابا و سنة و في الرواية ليس الا الوضوء بالثلج و الوضوء به يتوقف علي الإذابة لتوقف الغسل عليها.

و منها: ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن

جعفر عليه السلام قال:

سألته عن الرجل الجنب أو علي غير وضوء لا يكون معه ماء و هو يصيب ثلجا و صعيدا ايهما أفضل؟ أ يتيمم أم يمسح بالثلج وجهه؟ قال: الثلج اذا بل رأسه و جسده أفضل

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب التيمم الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 13 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 2.

(3) الوسائل الباب 10 من أبواب التيمم الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 55

______________________________

فان لم يقدر علي أن يغتسل به فليتيمم «1».

و هذه الرواية لا يستفاد منها ما يوجب المنافاة مع ادلة وجوب الغسل بل توافقها لاحظ ذيل الحديث فان المستفاد منه أنه لو لم يمكن الغسل تصل النوبة إلي التيمم.

و منها: ما رواه زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: انما الوضوء حد من حدود اللّه ليعلم اللّه من يطيعه و من يعصيه و ان المؤمن لا ينجسه شي ء انما يكفيه مثل الدهن «2».

و الانصاف: أنه يستفاد من الحديث المذكور كفاية التدهين في الوضوء و لا يعتبر تحقق عنوان الغسل.

و لكن يمكن رده أولا: بكونه مخالفا للكتاب فيضرب علي الجدار و ثانيا:

بكونه معارضا مع ما يدل علي اشتراط الغسل في الوضوء و الترجيح مع الطائفة الثانية لكونها موافقة مع الكتاب و بما ذكر يكفيك الجواب عن الاستدلال بالمدعي بكل حديث يقتضي كفاية التدهين.

و ربما يستدل علي المدعي بما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: يأخذ أحدكم الراحة من الدهن فيملا بها جسده و الماء أوسع ألا أحكي لكم وضوء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله؟ قلت: بلي فادخل يده في الاناء الحديث «3».

و هذه الرواية لا تدل علي المدعي كما هو ظاهر

للمتأمل فيها بل تدل علي لزوم

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 3.

(2) الوسائل الباب 52 من أبواب الوضوء الحديث: 1.

(3) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث: 7.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 56

و ان كان الاحوط له الجمع بين التيمم و المسح به و الصلاة في الوقت (1).

[مسألة 331: الأحوط وجوبا نفض اليدين بعد الضرب]

(مسألة 331): الاحوط وجوبا نفض اليدين بعد الضرب (2).

______________________________

الغسل فلاحظ.

(1) لا اشكال في حسن الاحتياط و أما مقتضي الصناعة فالمتعين هو التيمم.

(2) الذي يظهر من كلماتهم أن النفض مستحب و الظاهر أن الوجه في الحكم بالاستحباب اجماع الاصحاب علي عدم الوجوب- علي ما نقل عن المدارك- و الا فالنصوص تفي بالوجوب لاحظ ما رواه زرارة «1».

و ما رواه ليث المرادي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في التيمم قال: تضرب بكفيك علي الارض مرتين ثم تنقضهما و تمسح بهما وجهك و ذراعيك «2».

و ما رواه زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن التيمم فضرب بيده علي الارض ثم رفعها فنفضها ثم مسح بها جبينه و كفيه مرة واحدة «3».

و مثلها غيرها و من الظاهر أن مقتضي هذه النصوص وجوب النفض و لا ينافي ما يستفاد منه عدم الوجوب لاحظ ما رواه زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام قال:

قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ذات يوم لعمار في سفر له: يا عمار بلغنا أنك أجنبت فكيف صنعت؟ قال: تمرغت يا رسول اللّه في التراب قال: فقال له: كذلك يتمرغ الحمار أ فلا صنعت كذا ثم أهوي بيديه إلي الارض فوضعها علي الصعيد ثم

______________________________

(1) لاحظ ص: 40.

(2) الوسائل الباب 12 من أبواب التيمم الحديث: 2.

(3) الوسائل الباب 11 من أبواب التيمم الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص:

57

و يستحب أن يكون ما يتيمم به من ربي الارض و عواليها (1) و يكره أن يكون من مهابطها (2) و أن يكون من تراب الطريق (3).

[الفصل الثالث كيفية التيمم أن يضرب بيديه علي الأرض]

اشارة

الفصل الثالث كيفية التيمم أن يضرب بيديه علي الارض (4).

______________________________

مسح جبينه (جبينيه) باصابعه و كفيه «1».

اذ غايته عدم البيان فلا بد من الاخذ بالمقيد.

و بعبارة اخري: كما أن المطلق في باب الالفاظ يقيد بما يكون مقيدا له كذلك الامر في الافعال البيانية و لا وجه للتفرقة بين الفعل و القول.

(1) ادعي عليه الاجماع و يدل عليه الرضوي: «الصعيد الموضع المرتفع عن الارض» «2».

(2) ادعي عليه الاجماع.

(3) لاحظ ما رواه غياث بن ابراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: نهي أمير المؤمنين عليه السلام أن يتيمم الرجل بتراب من أثر الطريق «3».

(4) النصوص الواردة في المقام مختلفة فمنها ما يستفاد منه أنه يشترط في تحققه عنوان الضرب كرواية الكاهلي قال: سألته عن التيمم قال: فضرب بيديه علي

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 8.

(2) المستدرك الباب 5 من أبواب التيمم الحديث: 2.

(3) الوسائل الباب 6 من أبواب التيمم الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 58

______________________________

البساط فمسح بهما وجهه ثم مسح كفيه إحداهما علي ظهر الاخري «1».

و رواية زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن التيمم فضرب بيده علي الارض ثم رفعها فنفضها ثم مسح بها جبينه و كفيه مرة واحدة «2».

و رواية عمرو بن أبي المقدام عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه وصف التيمم فضرب بيديه علي الارض ثم رفعهما فنفضهما ثم مسح علي جبينيه و كفيه مرة واحدة «3».

و رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في التيمم قال: تضرب بكفيك الارض ثم تنفضهما و تمسح بهما وجهك

و يديك «4» و روايته الاخري «5».

و منها: ما يستفاد منه كفاية الوضع كرواية أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن التيمم فقال: ان عمارا أصابته جنابة فتمعك كما تتمعك الدابة فقال له رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: يا عمار تمعكت كما تتمعك الدابة؟

فقلت له: كيف التيمم؟ فوضع يده علي المسح ثم رفعها فمسح وجهه ثم مسح فوق الكف قليلا «6».

و رواية داود بن النعمان «7» و مضمونها عين مضمون رواية أبي أيوب

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب التيمم الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 3.

(3) نفس المصدر الحديث: 6.

(4) نفس المصدر الحديث: 7.

(5) نفس المصدر الحديث: 9.

(6) نفس المصدر الحديث: 2.

(7) نفس المصدر الحديث: 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 59

و أن يكون دفعة واحدة علي الاحوط وجوبا (1) و أن يكون بباطنهما (2).

______________________________

المتقدمة آنفا. و رواية زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول و ذكر التيمم و ما صنع عمار فوضع أبو جعفر عليه السلام كفيه علي الارض ثم مسح وجهه و كفيه و لم يمسح الذراعين بشي ء «1». و رواية اخري له «2».

و مقتضي حمل المطلق علي المقيد أن يؤخذ بما يتضمن الضرب لأنه أخص من الوضع هذا علي تقدير كون مفهوم الوضع أعم من الضرب و ان قلنا: النسبة بين المفهومين هو التباين بدعوي أن الوضع المماسة بلا اعتماد تكون النصوص متعارضة و لكن لا اشكال في صدق الوضع مع الضرب فلا تباين بين المفهومين.

(1) عن الحدائق «نسبته إلي ظاهر الاصحاب» و ربما يقال- كما في عبارة سيد الحكيم قدس سره-: ان مقتضي الاطلاق كفاية التعاقب.

و الانصاف أنه لا يمكن انكار الاطلاق و الانصراف إلي

الدفعة علي فرض تسلمه بدوي و لا يبعد أن يكون الوجه في ايجاب الاحتياط الخروج عن شبهة الخلاف.

(2) اذا قلنا بأن المنصرف اليه من اللفظ المذكور في النصوص، وضع الباطن و لو من باب التعارف الخارجي فلا بد من الالتزام به اذ يلزم رعاية ما يدل عليه من القيود فانه علي هذا الفرض يفهم من التعبير المذكور لزوم وضع الباطن علي الارض كما أنه هو المفهوم من التيمم البياني.

و بعبارة اخري: يستفاد من نقل عمل الامام عليه السلام أنه عليه السلام وضع باطن كفه علي الارض فلا بد من التحفظ عليه و عليه لا تصل النوبة إلي ما أفاده سيد

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 5.

(2) نفس المصدر الحديث: 8.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 60

ثم يمسح بهما جميعا تمام جبهته و جبينيه (1).

______________________________

المستمسك قدس سره من أن الانصراف الناشي عن التعارف الخارجي لا يضر بالاطلاق.

و ان شئت قلت: ان التعارف الخارجي في بعض الاحيان بمرتبة تكون كالقرينة المتصلة المانعة عن انعقاد الاطلاق.

(1) لا يخفي أن لفظ الجبهة لم يرد الا في رواية واحدة و هي رواية زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن التيمم فضرب بيديه الارض ثم رفعهما فنفضهما ثم مسح بهما جبهته و كفيه مرة واحدة «1».

و هذه الرواية ضعيفة سندا باحمد بن محمد بن حسن بن وليد.

و أما بقية الروايات ففي جملة منها ذكر الوجه لاحظ ما رواه الكاهلي «2» و ما رواه أبي أيوب «3».

و ما رواه داود بن النعمان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التيمم إلي أن قال: فقلنا له: فكيف التيمم؟ فوضع يديه علي الارض ثم رفعهما فمسح وجهه و يديه و فوق الكف قليلا «4».

و ما

رواه زرارة «5» و ما رواه أيضا «6». و في جملة منها ذكر لفظ

______________________________

(1) التهذيب ج 1 ص: 207.

(2) لاحظ ص: 57.

(3) لاحظ ص: 58.

(4) الوسائل الباب 11 من أبواب التيمم الحديث: 4.

(5) لاحظ ص: 59.

(6) لاحظ ص: 58.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 61

______________________________

الجبين لاحظ ما رواه زرارة «1» و ما رواه عمرو بن أبي المقدام «2».

و ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال فيه ثم أهوي بيديه إلي الارض فوضعهما علي الصعيد ثم مسح جبينه (جبينيه) بأصابعه و كفيه إحداهما بالاخري ثم لم يعد ذلك «3».

و ما رواه أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال فيه: فضرب بيديه علي الارض ثم ضرب إحداهما علي الاخري ثم مسح بجبينه ثم مسح كفيه كل واحدة علي الاخري فمسح اليسري علي اليمني و اليمني علي اليسري «4».

و لا يبعد أن الظاهر من مسح الوجه وجوب استيعاب المسح لتمام الوجه فعليه يكون مقتضي النصوص التي تتضمن لفظ الوجه وجوب استيعاب المسح لجميع الوجه كما أن مقتضي ما يتضمن لفظ الجبين استيعاب المسح للجبين.

و لكن مقتضي حديث زرارة «5» كفاية مسح بعض الجبين و ذلك لاقتضاء كلمة «الباء» الجارة فان أمر الجار دائر بين كونها للتبعيض و الزيادة و كونها زائدة خلاف الاصل الاولي في الكلام و استفيد من كلام الامام عليه السلام في حديث زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ألا تخبرني من أين علمت و قلت: ان المسح ببعض الرأس و بعض الرجلين؟ فضحك فقال: يا زرارة قاله رسول اللّه صلي

______________________________

(1) لاحظ ص: 58.

(2) لاحظ ص: 58.

(3) الوسائل الباب 11 من أبواب التيمم الحديث: 8.

(4) نفس المصدر الحديث: 9

(5) مر آنفا

مباني منهاج الصالحين، ج 3،

ص: 62

من قصاص الشعر إلي الحاجبين و إلي طرف الانف الا علي المتصل بالجبهة (1) و الاحوط مسح الحاجبين أيضا (2) ثم مسح تمام

______________________________

اللّه عليه و آله إلي أن قال ثم فصل بين الكلام فقال: و امسحوا برءوسكم فعرفنا حين قال برءوسكم أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال و أرجلكم إلي الكعبين فعرفنا حين وصلهما (وصلها خ) بالرأس أن المسح علي بعضهما (بعضها) «1».

فعليه تكون الروايات متعارضة و حيث لا مرجح نرجع إلي الكتاب و لنا أن نقول:

الترجيح مع حديث زرارة «2» الدال علي كفاية بعض الجبين اذ مقتضي الاية الشريفة كفاية مسح بعض الوجه لمكان الباء كما في كلامه عليه السلام، لكن لا يمكن الالتزام بكفاية هذا المقدار فان وجوب مسح تمام الجبهة اجماعي بين القوم.

و عن المستند أنه ضروري الدين بل السيرة القطعية جارية عليها بحيث يعد خلافه مستنكرا عند المتشرعة فلا اشكال في وجوب مسح الجبهة بتمامها و أما الجبين فمقتضي القاعدة كفاية مسح بعضها و طريق الاحتياط ظاهر.

(1) ما ذكره مقتضي وجوب مسح تمام الجبهة فانها محدودة بهذه الحدود.

(2) عن الصدوقين وجوبه بل يظهر من منقول كلام العلامة في المنتهي الوجوب أيضا و لا اشكال في أن الاحتياط طريق النجاة لكن لا دليل علي الوجوب بل الادلة من الاطلاق الكتابي و هو قوله تعالي فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ «3»

______________________________

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث: 1

(2) لاحظ ص: 61

(3) المائدة/ 7

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 63

ظاهر الكف اليمني (1) من الزند إلي أطراف الاصابع (2).

______________________________

و الحديث الوارد في التيمم البياني «1» و أصل البراءة عدم الوجوب فلاحظ.

(1) ادعي الاجماع علي

وجوب مسح ظاهر الكف و يدل عليه ما رواه الكاهلي «2» و الكاهلي لم يوثق صريحا.

لكن يمكن أن يقال: بأن السيرة الخارجية تكفي لإثبات المدعي فان الظاهر أن هذه السيرة متصلة بزمانهم عليهم السلام فلا وجه للإشكال في لزوم هذا الشرط.

(2) يظهر من بعض الكلمات أن هذا هو المعروف بين القوم و ادعي عليه الاجماع و تدل عليه جملة من النصوص لاحظ الروايات المنقولة عن الباب 11 من أبواب التيمم «3».

فان الظاهر من مسح الكف مسح تمامه فلا يجب الا زيد منها كما أنه لا يجوز الاقتصار علي الاقل.

و يظهر من بعض النصوص وجوب مسح اليدين لاحظ ما رواه زرارة «4» و هذه الرواية ضعيفة بالقاسم بن عروة و لاحظ ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن التيمم فقال: مرتين للوجه و اليدين «5» و قريب منه ما رواه زرارة «6».

______________________________

(1) لاحظ ص: 61

(2) لاحظ ص: 57

(3) لاحظ الروايات في ص: 56 و 57 و 58 و 60

(4) لاحظ ص: 58

(5) الوسائل الباب 12 من أبواب التيمم الحديث: 1

(6) لاحظ ص: 40

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 64

______________________________

لكن يمكن أن يقال: بأنه لا يري العرف معارضة بين الطرفين بل يحمل اليد علي الكف بدعوي أنه عليه السلام ليس في مقام البيان من حيث تحديد الوجه و اليد و كذا كيفية الضرب.

و ان أبيت عن هذا البيان و قلت: بأنهما متعارضان نقول ان الطائفة الاولي توافق الكتاب اذ المستفاد من الكتاب الشريف كفاية مسح بعض الوجه و اليدين لمكان الباء.

و في قبال القول المعروف ما نسب إلي علي بن بابويه و هو وجوب مسح الذراعين و تدل عليه جملة من النصوص لاحظ

ما رواه ليث المرادي «1» و ما رواه سماعة قال: سألته كيف التيمم؟ فوضع يده علي الارض فمسح بها وجهه و ذراعيه إلي المرفقين «2»

و لا بد من ترجيح الطائفة الاولي لكون الطائفة الثانية موافقة لمذهب العامة حسب ما أفاده صاحب الوسائل و نقل عن الشيخ الطوسي انه قدس سره حمل ما يدل علي وجوب مسح الذراع علي التقية.

و نسب إلي بعض أن المسح من أصول الاصابع و استدل عليه بمرسلة حماد عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه سئل عن التيمم فتلا هذه الاية «وَ السّٰارِقُ وَ السّٰارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا» و قال: «فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرٰافِقِ» قال: فامسح علي كفيك من حيث موضع القطع «3» و المرسل لا اعتبار به

______________________________

(1) لاحظ ص: 56

(2) الوسائل الباب 13 من أبواب التيمم الحديث: 3.

(3) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 65

بباطن اليسري ثم مسح تمام ظاهر الكف اليسري كذلك بباطن الكف اليمني (1).

[مسألة 332: لا يجب المسح بتمام كل من الكفين]

(مسألة 332): لا يجب المسح بتمام كل من الكفين بل يكفي المسح ببعض كل منهما علي نحو يستوعب الجبهة و الجبينين (2).

______________________________

و نقل عن ظاهر الفقيه الفتوي بوجوب المسح من فوق الكف و يمكن الاستدلال عليه بما رواه داود «1» و بما رواه أبو أيوب «2» و قد حمل علي المقدمة العلمية و الانصاف أن رفع اليد عن الحديثين مشكل.

(1) قد مر أن المستفاد من الادلة وجوب الضرب بالباطن فاذا ثبت وجوب الضرب بالباطن يجب المسح به فان المسح بالباطن تابع للضرب كما هو ظاهر.

(2) قال في المستمسك: «الوجوه المتصورة في مسح الجبهة باليدين خمسة كما ذكره بعض الاول: أن يمر كل جزء من الكفين بكل جزء من الممسوح و

هذا متعذر أو متعسر لتوقفه علي امرار كل من اليدين مرات متعددة بتعدد الخطوط الطولية للجبهة و الجبين و لذا لم ينسب إلي أحد.

الثاني أن يمر تمام كل منهما علي تمام الممسوح و يرد عليه: أن الالتزام به يتوقف علي ظهور الادلة في استيعاب الماسح و علي ظهورها في لزوم مسح تمام أجزاء الجبهة بكل منهما و كلاهما خلاف الظاهر منها بل المستفاد من حديث زرارة «3» أنه يكفي مسح الجبين بالاصابع اضف إلي ذلك أن حصوله يتوقف

______________________________

(1) لاحظ ص: 60

(2) لاحظ ص: 58

(3) لاحظ ص: 61

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 66

[مسألة 333: المراد من الجبهة الموضع المستوي]

(مسألة 333): المراد من الجبهة الموضع المستوي و المراد من الجبين ما بينه و بين طرف الحاجب إلي قصاص الشعر (1).

[مسألة 334: الأظهر كفاية ضربة واحدة في التيمم بدلا عن الغسل أو الوضوء]

(مسألة 334): الاظهر كفاية ضربة واحدة في التيمم بدلا عن الغسل أو الوضوء (2).

______________________________

علي المسح بهما تدريجا و هو خلاف الظاهر من الادلة.

الثالث: أن يمر تمام إحداهما علي بعضه و تمام الاخري علي الباقي و يرد عليه أولا: اشكال التعذر أو التعسر و ثانيا يلزم تكرار المسح كي يحصل المأمور به اذ الغالب كون اليدين أوسع من الجبهة و الجبينين و الحال ان الظاهر من الادلة الاكتفاء بالمسح الواحد فلا يتوقف حصول المأمور به علي التكرار.

الرابع: أن يمر كلا من اليدين في الجملة و لو بعض كل منهما علي تمام الممسوح. و يرد عليه الاشكال الا خير و هو لزوم التكرار.

الخامس: أن يمر كلا من اليدين في الجملة و لو بعض كل منهما علي بعض الممسوح بحيث لا يبقي منه جزء الا و قد مر عليه بعض الماسح و هذا هو المتعين» «1» و قد كتب الماتن علي هامش العروة في هذا المقام: «علي نحو يصدق في العرف انه مسح بهما».

(1) كما يظهر من اللغة.

(2) يظهر من كلام القوم أن المشهور فيما بينهم أنه بكفي فيما يكون بدلا عن الوضوء ضربة واحدة للوجه و اليدين و يجب التعدد فيما هو بدل عن الغسل و عن الامالي: «أنه من دين الامامية» و عن ظاهر التهذيب و التبيان و مجمع البيان «أنه

______________________________

(1) مستمسك العروة ج 4 ص: 409

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 67

______________________________

مذهب الشيعة».

و استدل عليه بأنه مقتضي الجمع بين النصوص فان جملة منها تدل علي كفاية ضربة واحدة علي الاطلاق لاحظ ما رواه الكاهلي «1»

و ما رواه أبو أيوب «2» و ما رواه زرارة «3» و ما رواه داود «4» و ما رواه زرارة «5» و ما رواه عمرو بن أبي المقدام «6» و ما رواه زرارة «7» و ما رواه أيضا «8» و ما رواه أيضا «9» فان مقتضي هذه النصوص كفاية الضربة الواحدة علي الاطلاق.

و في قبالها جملة من النصوص تدل علي اعتبار التعدد لاحظ ما رواه محمد «10» و ما رواه ليث المرادي «11» و ما رواه اسماعيل بن همام الكندي عن الرضا عليه السلام قال: التيمم ضربة للوجه و ضربة للكفين «12» و يقع التعارض بين النصوص و قد جمع

______________________________

(1) لاحظ ص: 57.

(2) لاحظ ص: 58.

(3) لاحظ ص: 58.

(4) لاحظ ص: 60.

(5) لاحظ ص: 59.

(6) لاحظ ص: 58.

(7) لاحظ ص: 60.

(8) لاحظ ص: 61.

(9) لاحظ ص: 61.

(10) لاحظ ص: 63.

(11) لاحظ ص: 56.

(12) الوسائل الباب 12 من أبواب التيمم الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 68

______________________________

بينها بالنحو المذكور بشواهد من النصوص:

الاول ما استشهد به العلامة في المنتهي و تبعه الشهيدان من حديث ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أن التيمم من الوضوء مرة واحدة و من الجنابة مرتان «1».

و يرد عليه: أن صاحب الوسائل قال: هذا و هم عجيب لان الحديث المدعي لا وجود له بل هو حديث ابن اذينة عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التيمم فضرب بكفيه الارض ثم مسح بهما وجهه ثم ضرب بشماله الارض فمسح بها مرفقه إلي أطراف الاصابع واحدة علي ظهرها و واحدة علي بطنها ثم ضرب بيمينه الارض ثم صنع بشماله كما صنع بيمينه ثم قال: هذا التيمم علي ما كان

فيه الغسل و في الوضوء الوجه و اليدين إلي المرفقين و القي ما كان عليه مسح الرأس و القدمين فلا يؤمم بالصعيد «2».

و عن المدارك: أنه لا وجود لهذا الخبر في كتب الشيخ و لا في غيرها بل توهمه عبارة الشيخ في التهذيب فانه بعد ما جمع بين الاخبار المتقدمة بالحمل علي التفصيل المذكور.

قال: مع أنا اوردنا خبرين مفسرين لهذه الاخبار احدهما عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «3» و الاخر عن ابن أبي عمير عن ابن اذينة عن محمد بن مسلم «4».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 8

(2) التهذيب ج 1 ص 210 الحديث: 15

(3) لاحظ ص: 40

(4) مر آنفا

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 69

______________________________

و من الظاهر أن ما ذكره حاصل ما فهمه من الخبرين لا متنهما كما يظهر للمراجع فيهما و احتمال وقوف العلامة علي الخبر المذكور من دون وقوف احد غيره لا مجال له.

الثاني المرسل المستفاد من كتاب جمل العلم و العمل: و قد روي أن تيممه ان كان عن جنابة أو ما أشبهها ثني ما ذكرنا في الضربة «1» فان المستفاد منه التفصيل المذكور.

و فيه: أن المرسل لا اعتبار به و مثله المنقول عن السرائر من نسبته إلي الاظهر في الروايات.

الثالث: ما رواه زرارة «2» بتقريب: أن الواو في قوله عليه السلام «و الغسل من الجنابة» ليست عاطفة بل استينافية فيكون المستفاد من الحديث أن التيمم ان كان بدلا عن الوضوء يكون ضربا واحدا و ان كان بدلا عن الغسل يكون ضربتين.

و يرد عليه: أن جعل الواو للاستيناف يستلزم تقدير الناصب اي لفظة «ان» كي يصح حمل الفعل و جعله محمولا بعد تأويله إلي المصدر مضافا إلي أنه يلزم أن

يكون قوله عليه السلام «تضرب» تفسيرا للوضوء لا للتيمم و هو كما تري فالظاهر من الحديث- و اللّه العالم- أن الواو للعطف بأن يعطف الغسل علي الوضوء و أن المراد من قوله «ضرب واحد» نوع واحد فيكون الخبر دالا علي اشتراط التعدد فيكون طرفا للمعارضة و لا يكون شاهدا للجمع.

ان قلت: ان السائل يسئل عن كيفية التيمم و جوابه عليه السلام بأنه نوع واحد

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 10 من أبواب التيمم الحديث: 3

(2) لاحظ ص: 40

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 70

______________________________

تطفل فلا يناسب وقوعه في صدر الجواب.

قلت: المفروض أن السائل سأل عن كيفية التيمم و جوابه عليه السلام بأنه نوع واحد ثم بيان حقيقته ليس تطفلا.

و بعبارة اخري لم يسأل السائل عن قسم خاص من التيمم بل سأل عن مطلق التيمم فيكون الجواب بهذا النحو علي القاعدة.

و ان أبيت عما ذكرنا فلا أقل من عدم الظهور في خلاف ما ذكرنا و مع عدم الظهور لا مجال للاستدلال به نعم علي حسب المنقول عن المحقق في المعتبر أنه قدس سره نقل الحديث هكذا: «ضربة واحدة للوضوء و للغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما مرة للوجه و مرة لليدين» تكون الرواية دالة علي المدعي لكن لا اعتبار بنقل المحقق وحده سيما مع عدم وضع الكتاب للرواية بل وضعه للاستدلال و الفتوي.

الرابع: ما رواه محمد بن مسلم «1» فانه نقل عن الشيخ قدس سره أنه جعل هذه الرواية مفسرة للنصوص، و دلالة هذا الخبر تتوقف علي كون الغسل بالضم مقابل الوضوء و قوله عليه السلام «و في الوضوء» جملة مستأنفة و يكون وجه المقابلة بين الغسل و الوضوء تعدد الضرب في الاول و وحدته في الثاني.

و

فيه: أنه لا دليل علي ما ذكر بل ربما يقال: بأن الظاهر أن الغسل بالفتح في مقابل المسح و يكون المراد أن التيمم انما يكون للأعضاء المغسولة لا الممسوحة و لا سيما بناء علي روايته باسقاط حرف العاطف- كما في بعض الكتب و الشاهد

______________________________

(1) لاحظ ص: 68

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 71

______________________________

علي المدعي جر الوجه و اليدين لكونهما بدلا عن «ما» المجرورة ب «علي» في الجملة السابقة و تقدير الجار علي خلاف الاصل الاولي.

فالنتيجة: أن الرواية المذكورة تدل علي لزوم التعدد في الوضوء اضف إلي ذلك أن المستفاد من الحديث بناء علي استفادة التعدد في الغسل لزوم الضربات الثلاث و لا قائل بهذا القول ظاهرا.

و يضاف إلي جميع ذلك كله أنه يمكن أن يكون المراد بذيل الحديث الفرق بين الوضوء و الغسل بأن المسح في التيمم عن الغسل يكون أطراف الاصابع ما ينتهي اليه المسح و أما في الوضوء فيبتدء بها كما أن الامر كذلك في الوضوء و هذا من شواهد التقية.

الخامس: ما عن العلامة في المختلف من الجمع بين النصوص بهذا النحو بتقريب: أنه لا يمكن صرف الكثرة إلي ما هو بدل عن الوضوء فان وجوب الاستيعاب في الغسل يناسب كثرة الضربات بعكس الوضوء و لان الوضوء و الغسل مختلفان في الحقيقة فيناسب اختلاف بدليهما و قيل تبعه في هذا المدعي و تقريبه في جامع المقاصد و غيره.

و لا يخفي أن هذا البيان استحسان و ليس برهانا فلا يرجع إلي محصل.

السادس: حمل أخبار التعدد علي التقية- كما عن المجلسي قدس سره-.

و فيه: أن الاقتصار علي الضربة الواحدة و الاكتفاء بمسح الكف منقول عن بعض الصحابة و التابعين و عن جماعة من فقهاء المخالفين و

جمهور محدثيهم- علي ما في كلام سيد المستمسك قدس سره- فلا مجال للحمل علي التقية.

السابع: أن يحمل ما دل علي التعدد علي الاستحباب فتكفي الوحدة علي الاطلاق

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 72

______________________________

و يستحب التعدد كذلك.

و فيه: أن حمل أحد المتعارضين علي الاستحباب و رفع اليد عن ظهور الدليل في الوجوب ليس جمعا عرفيا.

و بعبارة اخري: كل من الدليلين ظاهر في خلاف مدلول الاخر و هذا هو التعارض، و ان شئت قلت: الجمع العرفي عبارة عن أن العرف لا يري تنافيا بين الدليلين و الامر في المقام ليس كذلك و العرف ببابك.

الثامن: حمل أخبار الوحدة علي البدل عن الوضوء و حمل أخبار التعدد علي البدل عن الغسل ببركة الشهرة و الاجماع مضافا إلي أن الطائفة الاولي نص في كفاية الوحدة في الجملة و ظاهرة في الاطراد و الطائفة الثانية نص في التعدد في الجملة و ظاهرة في الاطراد فالتيمم علي قسمين و حيث لا تفصيل آخر يتعين ما ذهب اليه المشهور.

و فيه: أن الاجماع حاله في الاشكال ظاهر و الشهرة الفتوائية لا اعتبار بها و الجمع بين الدليلين بهذا النحو ليس جمعا عرفيا مضافا إلي أن حديث عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن التيمم من الوضوء و الجنابة و من الحيض للنساء سواء؟ فقال: نعم «1» ينفي الاختلاف بين الموارد.

التاسع: أن تجعل نصوص التعدد بيانا لنصوص الوحدة و مقيدة لها فان مقتضي القاعدة حمل المطلق علي المقيد.

و يرد عليه: أن نصوص الوحدة خالية عن الضربة الثانية و ظاهرة ان لم تكن صريحة في كفاية الوحدة فلا تكون قابلة للتقييد.

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب التيمم الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 73

______________________________

و

بعبارة اخري: ليست من قبيل المطلق الذي يقبل التقييد بالمقيد و ان شئت قلت: تارة يفهم عدم القيد و الاكتفاء بالاطلاق من باب كون المولي في مقام البيان و لم يتعرض للقيد و اخري يفهم الاطلاق و الاكتفاء به.

و بعبارة واضحة: يفهم من الدليل التعرض لعدم لزوم القيد ففي القسم الاول لا مانع من التقييد و لا يكون من التعارض بين المطلق و المقيد و أما في القسم الثاني فلا مناص عن الالتزام بالتعارض و اعمال قانونه و مقامنا من القسم الثاني فان المستفاد من النصوص البيانية الواردة في المقام كفاية ضربة واحدة.

ان قلت: نلتزم بالاهمال بالنسبة إلي نصوص الوحدة و نقول: ليست هذه النصوص في مقام بيان عدد الضربة فلا مانع من تقييدها و بيانها بنصوص التعدد.

قلت: لا مجوز لذلك بحسب الصناعة و مما ذكرنا يعلم أن ما أفاده سيد المستمسك قدس سره من حمل تلك الاخبار علي دفع احتمال اشتراط مباشرة البدن للتراب كما صنعه عمار و أنها في مقام بيان جواز مسح مواضع التيمم بالكف المضروبة علي التراب و بهذا رفع التعارض بين الجانبين و صالح بين الطرفين و التزم بلزوم التعدد علي الاطلاق، ليس علي ما ينبغي فان ما ذهب اليه لا ينطبق علي القاعدة و يكون أشبه بالجمع التبرعي الذي لا يمكن الالتزام به.

و ذهب صاحب الحدائق قدس سره إلي كفاية الضربة الواحدة و رجح أخبارها و حمل المعارض الدال علي التعدد علي التقية و رجح أخبار الوحدة بكونها علي خلاف العامة كما هو المقرر و نقل عن المجلسي قدس سره أنه قال: تكفي في التيمم ضربة واحدة للوجه و الكفين و نقل عن بعض و هو مذهب علي عليه

السلام و ابن عباس و عمار و جمع من التابعين و ذهب عبد اللّه بن عمر و جابر من التابعين و الاكثرون

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 74

______________________________

من فقهاء الامصار إلي أن التيمم ضربتان «1».

فظهر من هذا أن القول المشهور بين المخالفين الضربتان و أن الضربة مشهورة عندهم من مذهب أمير المؤمنين عليه السلام و عمار التابع له في جميع الأحكام و ابن عباس الموافق لهما في أكثرها فتبين أن أخبار الضربة أقوي و أخبار الضربتين حملها علي التقية أولي.

ثم قال صاحب الحدائق: «و هو المختار» و قال المعلق في الهامش:

«انه حكي في بداية المجتهد ج 1 ص 64 هذا القول عن مالك و أبي حنيفة و الشافعي فعلي هذا يكون مقتضي القاعدة حمل أخبار التعدد علي التقية كما ذهب اليه صاحب الحدائق و النتيجة كفاية الضربة الواحدة علي الاطلاق.

و ان أبيت عن ذلك و قلت: انه يظهر من كلام الشيخ في الخلاف أن أقوال العامة مختلفة في المقام فكل من القولين يوافقهم بلحاظ و يخالفهم بلحاظ آخر فما الحيلة؟

فنقول: لنا أن نلتزم بكفاية الوحدة بتقريبين آخرين:

الاول: أن أخبار الوحدة توافق اطلاق الكتاب و هو قوله تعالي فامسحوا بوجوهكم و ايديكم «2» و قوله تعالي: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ «3» فان مقتضي اطلاقه كفاية الضربة الواحدة و المرجح الاول في باب الترجيح موافقة الكتاب.

______________________________

(1) الحدائق ج 4 ص: 340

(2) النساء 46

(3) المائدة/ 7

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 75

و ان كان الاحوط تعدد الضرب فيضرب ضربة للوجه و ضربة للكفين (1) و يكفي في الاحتياط أن يمسح الكفين مع الوجه في الضربة الاولي ثم يضرب ضربة ثانية فيمسح كفيه (2).

[مسألة 335: إذا تعذر الضرب و المسح بالباطن انتقل إلي الظاهر]

(مسألة 335): اذا تعذر الضرب و

المسح بالباطن انتقل إلي الظاهر (3).

______________________________

الثاني: أن الاكتفاء بالضربة الواحدة مقتضي البراءة فان وجوب الزائد يدفع بالاصل فالنتيجة ان الضربة الواحدة تكفي علي الاطلاق و اللّه العالم.

(1) لا اشكال في أنه أحوط و قد ظهر وجهه كما أنه لا اشكال في حسنه بل استحبابه و محبوبيته.

(2) يظهر من العبارة أنه يتحقق الاحتياط باحد نحوين و يكفي له النحو المذكور في المتن و لا يبعد أن يقال: انه هو المتعين اذ المستفاد من نصوص الوحدة مسح الوجه و الكفين بالضربة الاولي الا أن يقال: ان الضربة الثانية لا توجب فساد الضربة الاولي فلاحظ.

(3) و هو المصرح به في جامع المقاصد و عن الذكري و ارشاد الجعفرية و المقاصد العلية- علي ما في الجواهر- «1» و قد استدل عليه بأن الاية مطلقة و مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين البطن و الظهر و ليست النصوص ناصة في وجوب المسح بالباطن و التبادر مقصور علي الاختيار.

و يرد عليه: أو لا أن لازم الاطلاق جواز الاكتفاء بالظهر حتي في حال الاختيار و هم لا يلتزمون بهذا اللازم و ثانيا: أنه يلزم جواز المسح بغير الكف من بقية

______________________________

(1) الجواهر ج 5 ص: 182

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 76

و كذا اذا كان نجسا نجاسة متعدية و لم تمكن الازالة (1) أما اذا

______________________________

أعضاء البدن و قرب الظهر إلي البطن لا يقتضي تعينه و ثالثا: أن اطلاق الاية ينصرف الي المتعارف و لا اشكال في أن المتعارف المسح بالباطن.

و بعبارة اخري: ان الاية تنصرف إلي المتعارف من آلة المسح مضافا إلي أن قصد الصعيد المستفاد من قوله تعالي: فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً» * «1» مجمل و قد بين بالنصوص البيانية المنصرفة إلي الضرب بالباطن و

المسح و لا تختص الحجية بالنص فقط بل يكفي الظهور و لا اشكال في ظهور النصوص في المدعي.

ان قلت: لا اشكال في الظهور في الباطن لكن يختص بحال الاختيار و أما في غيره فلا و مقتضي الاطلاق عدم الفرق.

قلت: او لا يلزم التساوي في الاعضاء في حال الاضطرار من حيث جعلها آلة للمسح و ثانيا: أن مثل هذه الاوامر ارشاد إلي الحكم الوضعي اي الشرطية و من الظاهر أنه لا فرق في الحكم الوضعي بين حال الاختيار و الاضطرار.

و ربما يستدل علي المدعي بقاعدة الميسور اذ لا اشكال في أن المسح بالظهر يعد ميسورا للمسح بالبطن فيجب ببركة القاعدة.

و فيه: أن قاعدة الميسور غير تامة فمقتضي القاعدة التولية في التيمم علي القول بها و مقتضي الاحتياط الجمع بين التولية و تيمم الاقطع و المسح بالظاهر و قضاء الصلاة عند التمكن اللهم الا أن يتم اجماع تعبدي علي الحكم المذكور.

(1) قد مر الاشكال في اعتبار الطهارة فيما يتيمم به ففي الصورة المفروضة ان تم اجماع علي الاشتراط و علي كفاية الظهر فهو و الا يلزم اما الحكم بعدم اشتراط الطهارة أو سقوط التيمم بنحو المباشرة.

______________________________

(1) المائدة/ 7

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 77

لم تكن متعدية ضرب به و مسح (1) بل الظاهر عدم اعتبار الطهارة في الماسح و الممسوح مطلقا (2).

و اذا كان علي الممسوح حائل لا تمكن ازالته مسح عليه (3) أما اذا كان ذلك علي الباطن الماسح فالاحوط وجوبا الجمع بين الضرب و المسح به و الضرب و المسح بالظاهر (4).

[مسألة 336: المحدث بالاصغر يتيمم بدلا عن الوضوء]

(مسألة 336): المحدث بالاصغر يتيمم بدلا عن الوضوء

______________________________

و صفوة القول: ان الانتقال إلي الظاهر مع تعدي النجاسة ليس أمرا ظاهرا.

(1) الامر كما أفاده فان

ما أفاده ظاهر لا يحتاج إلي اقامة الدليل و بعبارة اخري لا دليل علي اشتراط الطهارة في مفروض المقام.

(2) الظاهر انه لا دليل علي الاشتراط نعم لا يبعد أن يكون المقام مورد دعوي الاجماع.

(3) اذا كان الحائل جبيرة يمكن القول بصحة المسح عليه بتقريب أن المستفاد من ادلة الجبائر أن المسح علي الجبيرة في حكم المسح علي البشرة كما أن غسلها كذلك و أما لو كان الحائل شيئا خارجيا فيشكل الجزم به لعدم الدليل الا أن يقال:

بأن مفاد قاعدة الميسور مجمع عليه في أمثال المقام و اللّه العالم.

(4) من باب العلم الإجمالي و للإشكال في المدعي مجال لان مقتضي الادلة هو المسح بالباطن و حيث انه لا يمكن المسح به لوجود الحائل لا يبعد أن تصل النوبة إلي الاستنابة.

الا أن يقال: بأنه لا يفي بهذا الدليل. و لقائل أن يقول: ان الحائل المانع عن مباشرة البشرة اذا كان مضرا بالمسح تصل النوبة إلي المسح بالظاهر و ان لم يكن مضرا فيكفي المسح مع الحائل و لا مجال للاحتياط بالمسح بالظاهر.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 78

و الجنب يتيمم بدلا عن الغسل (1).

و المحدث بالاكبر غير الجنابة يتيمم عن الغسل و اذا كان محدثا بالاصغر أيضا أو كان الحدث استحاضة متوسطة وجب عليه أن يتيمم أيضا عن الوضوء (2).

______________________________

و بعبارة اخري حيث ان الماتن يري لزوم المسح بالظاهر عند عدم امكان المسح بالباطن فعليه يتوجه عليه الاشكال المذكور المقدم آنفا فلاحظ.

(1) الذي يظهر من بعض كلمات الاصحاب أن الاقوال في المقام مختلفة منها ما ذهب اليه جماعة من الاعيان منهم أصحاب المدارك و الذخيرة و كاشف اللثام و نسب إلي أكثر المتأخرين و هو عدم اشتراط نية

البدلية مطلقا بتقريب ان مقتضي الاصل عدم الاشتراط و أن عنوان البدلية غير مأخوذة في المأمور به بحيث يكون من مقوماته و ليس أمرا قصديا كالقيام للتعظيم بل هو امر انتزاعي ينتزع عن فعل التيمم سواء قصده المتيمم أم لا فلا دليل علي اعتباره بل مقتضي اطلاق ادلته عدم الاشتراط و لذا لو تيمم أحد مع الجهل بالبدلية يصح تيممه لعدم قصور فيه.

و صفوة القول: أن مقتضي الاطلاق و حصول الامتثال بلا قصد البدلية عدم الاشتراط كما أن مقتضي الاصل العملي كذلك و هذا في صورة اتحاد ما في الذمة ظاهر و أما مع التعدد فربما يقال: بلزوم قصد البدلية للزوم تعيين ما عليه و لو بنحو الاجمال و قصد البدلية يعينه.

و فيه: أنه لا ينحصر التعيين بقصد البدلية بل يمكنه بنحو آخر كما أنه لو كان المكلف محدثا بالاصغر و الاكبر يمكنه ان يتيمم تارة بقصد رفع الاصغر و اخري بقصد رفع الاكبر فالنتيجة: أن قصد البدلية لا دليل علي وجوبه.

(2) الذي يختلج بالبال أن يقال: في كل مورد يكون الغسل مجزيا عن الوضوء

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 79

______________________________

يكون التيمم البدل عن ذلك الغسل كذلك فان المستفاد من ادلة بدليته عن الماء ترتيب جميع الآثار عليه لاحظ ما رواه محمد بن حمران و جميل بن دراج جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان اللّه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا «1».

و ما رواه حماد بن عثمان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل لا يجد الماء أ يتيمم لكل صلاة؟ فقال: لا هو بمنزلة الماء «2».

و ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام أن النبي صلي اللّه

عليه و آله قال: يا با ذر يكفيك الصعيد عشر سنين «3».

و ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: ان التيمم أحد الطهورين «4».

و ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان رب الماء هو رب الصعيد فقد فعل أحد الطهورين «5».

و عليه نقول: يترتب علي عموم التنزيل كفاية التيمم البدل عن الغسل عن التيمم البدل عن الوضوء الا في مورد يدل علي وجوب الوضوء دليل بالخصوص كما في الاستحاضة المتوسطة.

______________________________

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب التيمم الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

(3) نفس المصدر الحديث: 4

(4) نفس المصدر الحديث: 5

(5) نفس المصدر الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 80

و اذا تمكن من الوضوء أو الغسل اتي به و تيمم عن الاخر (1) و اذا تمكن من الغسل اتي به و هو يغني عن الوضوء الا في الاستحاضة المتوسطة فلا بد فيها من الوضوء فان لم يتمكن تيمم عنه (2).

[الفصل الرابع ما يشترط في التيمم]

اشارة

الفصل الرابع يشترط في التيمم النية علي ما تقدم في الوضوء مقارنا بها الضرب علي الاظهر (3).

______________________________

(1) كما هو مقتضي القاعدة الاولية اذ المفروض انه يمكنه الامتثال بهذا النحو فيجب.

(2) علي ما تقدم تفصيل الكلام في محله فراجع.

(3) بلا اشكال و عن جملة من الاعاظم دعوي اجماع علماء الإسلام عليه بل لا يبعد أن يقال: انه من ضروريات الفقه و مرتكزات المتشرعة انما الكلام في أن اول أفعاله الضرب- كما عليه المشهور و يستفاد من المتن- أو أن الضرب مقدمة للتيمم؟

و الظاهر أن ما ذهب اليه المشهور هو الصحيح و ذلك لجملة من الروايات الدالة علي أن الضرب من أجزاء التيمم حيث فسر به في تلك النصوص لاحظ

ما رواه محمد بن مسلم «1» و ما رواه ليث المرادي «2».

______________________________

(1) لاحظ ص: 63

(2) لاحظ ص: 56

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 81

[مسألة 337: لا تجب فيه نية البدلية عن الوضوء أو الغسل]

(مسألة 337): لا تجب فيه نية البدلية عن الوضوء أو الغسل بل تكفي نية الأمر المتوجه اليه (1) و مع تعدد الامر لا بد من تعيينه بالنية (2).

[مسألة 338: الأقوي أن التيمم رافع للحدث حال الاضطرار]

(مسألة 338): الاقوي أن التيمم رافع للحدث حال الاضطرار (3).

______________________________

و استدل للقول الاخر بالآية الشريفة: فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ «1» حيث فرع المسح علي الامر بالتيمم.

و يمكن الجواب عن الاستدلال بأنه يمكن أن يكون الضرب أول أفعاله و قد قصد بالتيمم هو الضرب ثم فرع عليه المسح مضافا إلي أنه يرفع اليد عن الظهور بالاخبار كما ذكرنا.

و ربما يستدل علي المدعي بما رواه زرارة «2» بتقريب أن الظاهر من الرواية خروج الضرب عن حقيقة التيمم اذ بعد الامر بالتيمم قال عليه السلام:

«يضرب بيده» ثم قال ثانيا: «و يتيمم» فيعلم أن الضرب مقدمة له و ليس داخلا فيه.

و يرد عليه: أن الحديث ضعيف باحمد بن هلال مضافا إلي المناقشة في دلالته علي المدعي.

(1) قد مر الكلام من هذه الجهة فلا نعيد.

(2) اذ المفروض تعدد المأمور به و عدم اتحاد الحقيقة فلا مناص في امتثال واحد منهما من قصده و تمييزه فلاحظ.

(3) قد وقع الكلام بين الاصحاب في أن التيمم مبيح فلا يرفع الحدث فيترتب

______________________________

(1) المائدة/ 7

(2) لاحظ ص 47

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 82

لكن لا تجب فيه نية الرفع و لا نية الاستباحة للصلاة مثلا (1).

______________________________

عليه أحكام المحدث فلو تيمم المجنب للصلاة لا يجوز له المكث في المساجد لحرمة المكث فيها علي الجنب أو ان التيمم رافع الحدث في حال الضرورة كما ذهب اليه الماتن.

و يمكن الاستدلال علي كونه رافعا بالكتاب و السنة أما الكتاب فقوله تعالي:

«وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ» «1» فان المستفاد من

الاية المباركة أن التيمم مثل الغسل و الوضوء سبب لتحقق الطهارة و من الظاهر أن المتطهر ليس محدثا فلا يترتب عليه ما يترتب علي المحدث.

و أما السنة فتدل علي المدعي جملة من النصوص منها: ما رواه السكوني «2» و منها ما رواه زرارة «3» و منها: ما رواه جميل «4» و منها ما رواه حماد بن عثمان «5» و منها ما رواه الحسين بن أبي العلاء «6».

فان المستفاد من هذه النصوص انه يترتب علي التيمم ما يترتب علي الغسل و الوضوء فكما أنهما يرفعان الحدث كذلك التيمم رافع له.

(1) لعدم الدليل عليه فيكفي لعدم الوجوب الاطلاقات كما أن مقتضي الاصل العملي كذلك فلاحظ.

______________________________

(1) المائدة/ 7

(2) لاحظ ص: 79

(3) لاحظ ص: 79

(4) لاحظ ص: 79

(5) لاحظ ص: 79

(6) الوسائل الباب 24 من أبواب التيمم الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 83

[مسألة 339: يشترط فيه المباشرة و الموالاة حتي فيما كان بدلا عن الغسل]

(مسألة 339): يشترط فيه المباشرة (1) و الموالاة (2) حتي فيما كان بدلا عن الغسل (3).

و يشترط فيه أيضا الترتيب علي حسب ما تقدم (4) و الاحوط وجوبا البدأة من الاعلي و المسح منه إلي الاسفل (5).

______________________________

(1) ادعي عليها عدم الخلاف و عدم الريب و الاجماع و يقتضيه القاعدة الاولية من أن الامر بشي ء ظاهر في المباشرة.

(2) ادعي عليها الاجماع من جملة من الاساطين و يمكن أن يستدل عليها بالنصوص البيانية فان الظاهر منها انها في مقام بيان حقيقة التيمم فلا بد من التحفظ علي جميع الخصوصيات الا ما علم من الخارج عدم دخله فيه.

و ما أفاده في المستمسك من الاجمال لا نصدقه فان القاعدة الاولية تقتضي التحفظ علي جميع الخصوصيات الملحوظة لان المفروض أنهم عليهم السلام في مقام بيان حقيقته فاحتمال عدم الاشتراط لا

يعتد به مضافا إلي السيرة الخارجية المستقرة فلاحظ.

(3) لعدم دليل علي الجواز فيما يكون بدلا عنه فلا بد من التحفظ عليها علي الاطلاق.

(4) و قد ادعي عليه الاجماع جملة من الاعيان علي ما نقل عنهم و يكفي للوجوب النصوص البيانية الحاكية لفعل النبي صلي اللّه عليه و آله و الائمة عليهم السلام و قد مر أنه يجب التحفظ علي القيود المأخوذة الا ما خرج بالدليل.

(5) لا يخفي أن مقتضي اطلاق الكتاب عدم الاشتراط كما أن مقتضي بعض النصوص كذلك لاحظ حديث ليث المرادي «1» و أيضا الاصل العملي يقتضي

______________________________

(1) لاحظ ص: 56

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 84

[مسألة 340: مع الاضطرار يسقط المعسور]

(مسألة 340): مع الاضطرار يسقط المعسور و يجب الميسور علي حسب ما عرفت في الوضوء من حكم الاقطع (1).

______________________________

عدمه فالصناعة تقتضي عدمه و الاحتياط يقتضيه و لا يبعد أن يقال: بأن السيرة المتصلة جارية علي البدأة من الاعلي.

(1) فيجب مسح الباقي فلو قطعت يداه يمسح وجهه بالتراب أو يستنيب غيره لمسح وجهه و ما يمكن أن يستدل به علي المدعي امور:

منها: الاجماع قال في الجواهر: «و لا يسقط التيمم عنه بلا خلاف بل لعله اجماعي ان لم يكن ضروريا».

و فيه: أن دعوي الضرورة عهدتها علي مدعيها و أما الاجماع فمن المحتمل قويا أنه مستند إلي الوجوه المذكورة.

و منها: قاعدة الميسور. و فيه: أنه لا مدرك لها كما حقق في محله.

و منها: البدلية بتقريب أن التيمم بدل عن الغسل و الوضوء و حيث ان غسل الباقي واجب فيهما فالمقام كذلك.

و فيه: أن استفادة هذه الاحكام من دليل البدلية في غاية الاشكال.

و منها: أن الصلاة لا تترك بحال بمقتضي النص الخاص لاحظ ما رواه زرارة قال: و لا تدع الصلاة

علي حال فان النبي صلي اللّه عليه و آله قال: الصلاة عماد دينكم «1».

و فيه: أنه لا مجال لاستفادة المدعي من النص فان غاية ما يستفاد منه أن المكلف يجب عليه أن يأتي بالصلاة باي نحو ممكن و يترتب عليه أنه يأتي بها بلا طهارة

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الاستحاضة الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 85

______________________________

و بعبارة اخري: لا يمكن أن يستفاد من هذه الرواية أن ما ليس طهورا لنقصان فيه طهور.

و منها: استصحاب الوجوب. و فيه أولا أنه من الاستصحاب الجاري في الحكم الشرعي الذي لا نقول به للمعارضة و ثانيا أنه يتوقف علي فعلية الوجوب بأن يكون الوقت داخلا و يتوجه التكليف بالصلاة مع التيمم إلي المكلف ثم يعرضه القطع.

و ثالثا أن المفروض أن الوجوب تعلق بالكيفية الخاصة فذلك الوجوب غير باق قطعا نعم يحتمل بقائه في ضمن فرد آخر فيكون داخلا في القسم الثالث من الكلي الذي لا دليل علي تماميته.

ان قلت: علي تقدير عدم وجوب الباقي و اشتراط اجتماع الاعضاء بتمامها في وجوب الطهور يلزم سقوط الطهارة المائية أو الترابية بذهاب بعض أجزاء الكف مثلا من اصبع أو بعضه بقرح أو جرح و الضرورة علي خلافه- هكذا في الجواهر-.

قلت: مقتضي القاعدة العمل بالدليل فبمقدار دل نعمل به و الا فلا و في صورة وجود الماء و امكان الطهارة المائية فقد تم الدليل علي غسل ما بقي من الاجزاء كما أنه قد قام الدليل علي مسح الجبيرة في صورة وجودها في موارد الكسر أو القرح و الجرح و أما في المقام فكما مر لا دليل علي المدعي و ادعاء الضرورة في خصوص المقام علي وجوب الاتيان بالباقي مع فرض كون

المكلف مقطوع اليدين أو إحداهما فعهدتها علي مدعيها.

فالنتيجة: أنه ان تم الاجماع التعبدي نلتزم بالوجوب و في كيفيته لا بد من الجمع بين جميع المحتملات بناء علي تنجز العلم الإجمالي بالنسبة إلي جميع الافراد.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 86

و ذي الجبيرة (1) و الحائل (2) و العاجز عن المباشرة (3) كما يجري هنا حكم اللحم الزائد و اليد الزائدة و غير ذلك (4).

[مسألة 341: العاجز ييممه غيره]

(مسألة 341): العاجز ييممه غيره و لكن يضرب بيدي العاجز و يمسح بهما مع الامكان و مع العجز يضرب المتولي بيدي نفسه و يمسح بهما (5).

______________________________

(1) لا يبعد أن يستفاد من دليلها أن المسح علي الجبيرة عند الضرورة بدل عن مسح البشرة و بعبارة اخري: يستفاد من دليل البدلية أن التيمم مثل الوضوء من هذه الجهة.

(2) قد مر الكلام حول هذه الجهة في (مسألة 335) فراجع.

(3) نقل علي وجوب الاستنابة عند عدم امكان المباشرة عدم الخلاف و عن المدارك نسبته إلي علمائنا فان تم المدعي بالإجماع و الا يشكل اتمامه بالنصوص كما مر في الجزء الاول في الوضوء و قلنا: ان النص وارد في الغسل و لا بد في التسرية إلي غيره من العلم بعدم الفرق و اني لنا بذلك.

(4) و قد مر الكلام من هذه الجهة في الوضوء فراجع.

(5) عن الجواهر: «أنه لم اقف علي قائل بغيره نعم في الذكري عن الكاتب انه يضرب الصحيح بيده ثم يضرب بيدي العليل اي يضرب بيديه علي يدي العليل» ثم قال:

«و لم نقف علي مأخذه» و الوجه فيه ظهور الادلة في قيام النائب مقام المنوب عنه فيما يعجز عنه لا غيره فمع امكان الضرب بيد العليل يجب لأنه بعض الواجب و مع العجز عنه

يضرب النائب بيده و اطلاق التولية في كلامهم منزل علي هذا النحو.

ان قلت: يفهم من أمر الصادق عليه السلام الغلمة أن يغسلوه حيث ان الظاهر

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 87

[مسألة 342: الشعر المتدلي علي الجبهة يجب رفعه و مسح البشرة تحته]

(مسألة 342): الشعر المتدلي علي الجبهة يجب رفعه و مسح البشرة تحته (1).

و أما النابت فيها فالظاهر الاجتزاء بمسه (2).

______________________________

من الخبر «1» توليهم للغسل مع تمكن الغلمة من مباشرة بعض الغسل بيديه.

قلت: الفارق أن اليد في الغسل ليست دخيلة في مفهومه و حقيقته بخلاف دخالة اليد في التيمم و قد مر تحقيق حول جواز الاستنابة في فصل الوضوء في الجزء الاول من هذا الشرح فراجع «2».

و لقائل أن يقول: مقتضي القاعدة التفصيل بين ما يكون بدلا عن الغسل فيجوز لجوازه في الغسل للنص «3» و لا طلاق دليل البدلية و أما ما يكون بدلا عن الوضوء فيشكل.

(1) اذ المفروض كونه مانعا عن مسح البشرة فلا بد من رفعه مقدمة كي يحصل المأمور به بعد فرض كون الشعر شيئا خارجيا.

(2) الجزم به مشكل فان ما يمكن أن يقال في وجهه أمر ان: احدهما: أن رفع الشعر و مسح البشرة كما هو مقتضي القاعدة حرجي فوجوب رفعه مرفوع.

ثانيهما أن يستفاد المدعي من النص الخاص و هو ما رواه زرارة قال: قلت له أ رأيت ما كان تحت الشعر؟ قال: كل ما أحاط به الشعر فليس للعباد أن يغسلوه و لا يبحثوا عنه و لكن يجري عليه الماء «4».

______________________________

(1) لاحظ ص: 13

(2) راجع ج 1 ص: 495/ 496.

(3) لاحظ ص: 13

(4) الوسائل الباب 46 من أبواب الوضوء الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 88

[مسألة 343: إذا خالف الترتيب بطل مع فوات الموالاة و إن كانت لجهل أو نسيان]

(مسألة 343): اذا خالف الترتيب بطل مع فوات الموالاة و ان كانت لجهل أو نسيان (1) أما لو لم تفت صح اذا أعاد علي نحو يحصل به الترتيب (2).

[مسألة 344: الخاتم حائل يجب نزعه حال التيمم]

(مسألة 344): الخاتم حائل يجب نزعه حال التيمم (3).

[مسألة 345: الأحوط وجوبا اعتبار إباحة الفضاء الذي يقع فيه التيمم]

(مسألة 345): الاحوط وجوبا اعتبار اباحة الفضاء الذي يقع فيه التيمم (4).

______________________________

و في كلا الوجهين نظر أما الوجه الاول فان كان المراد من الحرجي النوعي منه فلا دليل علي رفعه اذ دليل الحرج يرفع الحكم الحرجي ففي كل مورد تحقق الموضوع يترتب عليه حكمه و كفاية الحرج النوعي لا دليل عليها و ان كان المراد الحرج الشخصي فلا وجه لإطلاق الحكم بل لا بد من التقييد مضافا إلي أن دليل الحرج شانه رفع الحكم و أما اثبات الاجزاء بالناقص فلا الا أن يتمم الامر بالإجماع و أما النص فشموله للتيمم مشكل بل شموله للغسل اول الاشكال و الكلام.

(1) لعدم تحقق المأمور به علي ما هو عليه و لا فرق في البطلان بين كون السبب لفقدان الترتيب هو الجهل أو النسيان.

(2) لتمامية المأمور به علي الفرض.

(3) كما هو ظاهر.

(4) ما يمكن أن يقال: في وجه الاشتراط أن الضرب علي الارض تصرف في الفضاء فيكون حراما و الحرام لا يمكن أن يكون مصداقا للواجب بل يمكن أن يقال: ان المسح علي الوجه و اليدين تصرف في الفضاء فيكون حراما.

و يمكن أن يكون وجه عدم جزم الماتن أن الحركة الموجبة للتصرف في

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 89

و اذا كان التراب في اناء مغصوب لم يصح الضرب عليه (1).

[مسألة 346: إذا شك في جزء منه بعد الفراغ لم يلتفت]

(مسألة 346): اذا شك في جزء منه بعد الفراغ لم يلتفت (2) و لكن الشك اذا كان في الجزء الاخير و لم تفت الموالاة و لم يدخل في الامر المرتب عليه من صلاة و نحوها فالاحوط الالتفات إلي الشك (3).

______________________________

الفضاء لا يكون داخلا في قوام التيمم فلا يوجب البطلان.

لكن الذي يختلج بالبال أن يقال: ان المسح بالنسبة إلي الوجه و

اليدين يتقوم بالامرار و المفروض حرمته و ان شئت قلت: المسح المأمور به مصداق للغصب فلاحظ.

(1) اذ المفروض حرمته فلا يمكن وقوعه مصداقا للواجب.

(2) لقاعدة الفراغ.

(3) لعدم تحقق الفراغ و عدم احرازه الموضوع لجريان القاعدة بل مقتضي الاستصحاب عدم تحققه نعم مع الدخول في الامر المرتب تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلي الجزء المشكوك فيه بناء علي اعتبارها كما عليه القوم.

و يمكن أن يكون وجه عدم جزم الماتن أنه لو صدق عنوان الانصراف و الخروج فلا مانع من جريان القاعدة لاحظ ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه قال: اذا شك الرجل بعد ما صلي فلم يدرأ ثلاثا صلي أم أربعا و كان يقينه حين انصرف أنه كان قد أتم لم يعد الصلاة و كان حين انصرف اقرب إلي الحق منه بعد ذلك «1».

______________________________

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 90

و لو شك في جزء منه بعد التجاوز عن محله لم يلتفت (1) و ان كان الاحوط استحبابا التدارك (2).

[الفصل الخامس فروع في التيمم]

اشارة

الفصل الخامس لا يجوز التيمم لصلاة موقتة قبل دخول وقتها (3).

______________________________

و ما رواه زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل شك في الاذان و قد دخل في الاقامة قال: يمضي قلت: رجل شك في الاذان و الاقامة و قد كبر قال:

يمضي قلت: رجل شك في التكبير و قد قرأ قال: يمضي قلت: شك في القراءة و قد ركع قال: يمضي قلت: شك في الركوع و قد سجد قال: يمضي علي صلاته ثم قال: يا زرارة اذا خرجت من شي ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي ء «1».

ان قلت: مقتضي حديث

زرارة توقف جريان القاعدة علي الدخول في الغير قلت: المكلف بعد الانصراف من المأمور به يدخل في غيره بلا اشكال اضف الي ذلك أنه يصدق عنون المضي فتجري القاعدة بمقتضي حديث محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: كلما شككت فيه مما قد مضي فامضه كما هو «2» و اللّه العالم.

(1) لقاعدة التجاوز المقررة عند القوم و لكن انا أنكرنا القاعدة لعدم الدليل و التفصيل موكول إلي محله.

(2) بل الاظهر.

(3) قال في مصباح الفقيه: «بلا خلاف فيه علي الظاهر بل عليه نقل الاجماع

______________________________

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 91

______________________________

ان لم يكن متواترا ففي غاية الاستفاضه و المراد به- كما صرح بعضهم- بطلانه فيما لو أتي به قبل الوقت لصاحبته» «1» انتهي موضع الحاجة من كلامه رفع في علو مقامه.

اقول: لم يظهر مراد القوم و لا يخلو ما ذهبوا اليه من الاشكال اذ لو كان مرادهم أن الاتيان قبل الوقت لصاحبته غير جائز لتوقف وجوب المقدمة علي وجوب ذيها و لا يتعلق الوجوب بذيها قبل وقته فهذا لا اشكال فيه كما حقق في محله و لكن لا يختص هذا بالتيمم بل يجري في الغسل و الوضوء أيضا.

و ان كان مرادهم أن الغسل و الوضوء مستحب نفسا أو انهما مستحبان اذا أتي بهما للكون علي الطهارة، فيمكن الاتيان بهما قبل الوقت بهذا اللحاظ فلا فارق بين المقامين اذ التيمم بدليل البدلية قائم مقامهما و في حكمهما و الماتن بنفسه لم يستبعد جواز الاتيان به للكون علي الطهارة كما سيجي ء منه.

و ان كان مرادهم انه بما أن فقدان الماء في الوقت شرط

لجواز التيمم و عدم وفاء الادلة للجواز بالنسبة إلي ما قبل الوقت فيرد عليهم أن ما ذكر لا يوجب عدم جواز الاتيان به لغاية اخري بل المقدار المسلم عدم جواز الاتيان به لأجل صاحبة الوقت و قد مر آنفا أنه علي طبق القاعدة بلا فرق بين التيمم و غيره من الوضوء و الغسل لان المقدمة تابعة في اطلاق الوجوب و اشتراطه لذيها فكما ان ذا المقدمة لا يجب قبل الوقت كذلك مقدمته.

و ان كان مرادهم ان الوضوء التهيّئي جائز قبل الوقت بالنص الخاص و هو ما

______________________________

(1) مصباح الفقيه كتاب الصلاة ص: 478

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 92

و يجوز عند ضيق وقتها (1) و في جوازه في السعة اشكال (2).

______________________________

رواه محمد بن مكي الشهيد في الذكري قال: روي ما وقر الصلاة من أخر الطهارة لها حتي يدخل وقتها «1» بخلاف التيمم فيرد عليه أولا أن الرواية ضعيفة و ثانيا:

أن مقتضي اطلاقها جواز التقديم بهذا العنوان بلا فرق بين التيمم و غيره.

ان قلت: الاجماع يقيده قلت: حال مثل هذه الاجماعات واضحة من حيث الاشكال فانه من الممكن استناد المجمعين إلي الوجوه المذكورة و ان شئت قلت:

ان مراد أهل الاجماع غير معلوم فلا اثر له.

(1) كما هو ظاهر انما الكلام في أنه ما المراد من ضيق الوقت.

(2) الكلام يقع في مقامين: أحدهما فيما هو مقتضي القاعدة الاولية ثانيهما في المستفاد من النصوص الواردة أما المقام الاول فنقول: الظاهر عدم جواز البدار لان المستفاد من ادلة البدلية و مناسبة الحكم مع الموضوع أن التيمم بدل اضطراري للطهارة المائية و من الظاهر أنه لا تصل النوبة إلي البدل الاضطراري ما دام الاتيان بالمبدل منه الاختياري ممكنا نعم يجوز البدار ظاهرا

بمقتضي الاستصحاب الاستقبالي.

و أما المقام الثاني فالنصوص الواردة مختلفة كما أن الاقوال في المسألة كذلك فلا بد من النظر في النصوص و استفادة النتيجة منها و هذه النصوص علي طائفتين الطائفة الاولي ما يدل علي الاتيان بالصلاة في سعة الوقت و كونها صحيحة.

منها ما رواه داود الرقي «2» و منها: ما رواه زرارة قال: قلت لأبي جعفر

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب الوضوء الحديث: 5

(2) لاحظ ص: 12

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 93

______________________________

عليه السلام فان أصاب الماء و قد صلي بتيمم و هو في وقت؟ قال: تمت صلاته و لا اعادة عليه «1».

و منها: ما رواه أبو بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل تيمم و صلي ثم بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت فقال: ليس عليه اعادة الصلاة «2».

و منها: ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أجنب فتيمم بالصعيد و صلي ثم وجد الماء قال: لا يعيد ان رب الماء رب الصعيد فقد فعل أحد الطهورين «3».

و منها: ما رواه معاوية بن ميسرة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل في السفر لا يجد الماء تيمم فصلي ثم أتي الماء و عليه شي ء من الوقت أ يمضي علي صلاته أم يتوضأ و يعيد الصلاة؟ قال: يمضي علي صلاته فان رب الماء هو رب التراب «4».

و منها: ما رواه يعقوب بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل تيمم و صلي ثم أصاب الماء و هو في وقت قال: قد مضت صلاته و ليتطهر «5».

و منها: ما رواه علي بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له:

أتيمم و اصلي ثم أجد الماء و قد بقي علي وقت فقال: لا تعد الصلاة فان رب الماء هو

______________________________

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب التيمم الحديث: 9

(2) نفس المصدر الحديث: 11

(3) نفس المصدر الحديث: 15

(4) نفس المصدر الحديث: 13

(5) نفس المصدر الحديث: 14

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 94

______________________________

رب الصعيد «1».

و منها: ما رواه ابو عبيدة «2». و منها: ما رواه محمد بن حمران و جميل بن دراج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: امام قوم أصابته جنابة في السفر و ليس معه من الماء ما يكفيه للغسل أ يتوضأ بعضهم و يصلي بهم؟ قال: لا و لكن يتيمم الجنب و يصلي بهم فان اللّه جعل التراب طهورا «3».

فان مقتضي هذه النصوص- ظاهرا- أو نصا جواز الصلاة مع التيمم في سعة الوقت علي الاطلاق.

الطائفة الثانية ما يدل علي عدم الجواز و أن الواجب علي المكلف تأخير الصلاة إلي آخر الوقت لاحظ ما رواه زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: اذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فاذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم و ليصل في آخر الوقت فاذا وجد الماء فلا قضاء عليه و ليتوضأ لما يستقبل «4».

و ما رواه جعفر بن بشير عمن رواه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل اصابته جنابة في ليلة باردة يخاف علي نفسه التلف ان اغتسل قال: يتيمم و يصلي فاذا أمن البرد اغتسل و أعاد الصلاة «5».

و ما رواه يعقوب بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل تيمم

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 17

(2) لاحظ ص: 27

(3) الوسائل الباب 17 من أبواب صلاة الجماعة الحديث: 1

(4) الوسائل الباب 14 من

أبواب التيمم الحديث: 3

(5) نفس المصدر الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 95

______________________________

فصلي فاصاب بعد صلاته ماء أ يتوضأ و يعيد الصلاة أم تجوز صلاته؟ قال: اذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضأ و أعاد فان مضي الوقت فلا اعادة عليه «1».

و ما رواه عبد اللّه بن سنان أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة و يخاف علي نفسه التلف ان اغتسل فقال: يتيمم و يصلي فاذا امن من البرد اغتسل و أعاد الصلاة «2». و ما رواه محمد بن مسلم «3».

و ما رواه زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: اذا لم يجد المسافر الماء فيطلب ما دام في الوقت فاذا، خاف أن يفوته الوقت فليتيمم و ليصل في آخر الوقت «4».

و ما رواه عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: رجل أم قوما و هو جنب و قد تيمم و هم علي طهور قال: لا بأس فاذا تيمم الرجل فليكن ذلك في آخر الوقت فان فاته الماء فلن تفوته الارض «5».

و ما رواه أيضا قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أجنب فلم يجد ماء يتيمم و يصلي؟ قال: لا حتي آخر الوقت انه ان فاته الماء لم تفته الارض «6».

فيقع التعارض بين الجانبين و الذي يختلج بالبال أن يقال: المرجح مع ادلة

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 8

(2) نفس المصدر الحديث: 2

(3) لاحظ ص: 36

(4) الوسائل الباب 22 من أبواب التيمم الحديث: 2

(5) نفس المصدر الحديث: 3

(6) نفس المصدر الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 96

و الاظهر الجواز مع اليأس عن التمكن من الماء (1).

______________________________

المضايقة اولا لموافقتها مع الكتاب

فان المستفاد من الاية الشريفة أن الامر بالتيمم في ظرف عدم وجدان الماء و حيث ان المأمور به الاولي الصلاة مع الطهارة المائية بين المبدأ و المنتهي فلا يتحقق موضوع التيمم الا فيما لا يوجد الماء في الوقت بتمامه فدليل المضايقة موافق مع الكتاب.

ثانيا لمخالفة دليل المضايقة مع العامة حيث نقل انهم باجمعهم قائلون بالمواسعة ثالثا: لكون دليل المضايقة أحدث لاحظ حديث يعقوب بن يقطين «1».

و يستفاد من جملة من النصوص أن المكلف اذا تيمم و دخل الصلاة و في الاثناء وجد الماء تصح صلاته ان كان قد ركع لاحظ ما رواه زرارة في حديث قال:

قلت لأبي جعفر عليه السلام ان أصاب الماء و قد دخل في الصلاة قال: فلينصرف فليتوضأ ما لم يركع و ان كان قد ركع فليمض في صلاته فان التيمم أحد الطهورين «2».

و ما رواه عبد اللّه بن عاصم «3».

و هذه المسألة بنفسها مورد تعرض الفقهاء كما أن الماتن يتعرض لها عن قريب و ربما يقال: ان هذه النصوص من أطراف المعارضة في المقام.

و لكن لقائل أن يقول: ان الحكم المستفاد من هذه النصوص حكم خاص في صورة خاصة و لا مجال لجعلها طرفا للتعارض و اللّه العالم.

(1) بدعوي أنه مع اليأس لا وجه للتأخير و بعبارة اخري: ليس التأخير بنفسه

______________________________

(1) لاحظ ص: 94

(2) الوسائل الباب 21 من أبواب التيمم الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 97

و لو اتفق التمكن منه بعد الصلاة وجبت الاعادة (1).

[مسألة 347: إذا تيمم لصلاة فريضة أو نافلة لعذر ثم دخل وقت اخري]

(مسألة 347): اذا تيمم لصلاة فريضة أو نافلة لعذر ثم دخل وقت اخري فان يئس من ارتفاع العذر و التمكن من الطهارة المائية جاز له المبادرة إلي الصلاة في سعة وقتها

(2) بل يجوز المبادرة مع عدم اليأس أيضا (3) و علي كلا التقديرين فان ارتفع العذر أثناء الوقت وجبت الاعادة (4).

______________________________

واجبا بل وجوبه لأجل امكان الظفر علي الماء و مع اليأس لا وجه للانتظار.

(1) اذ المستفاد من النصوص المتقدمة عدم شرعية التيمم في سعة الوقت و قد رجحنا دليل المضايقه.

(2) اذ كما يتعرض الماتن بعد ذلك يجوز ترتيب الاثر علي التيمم الصحيح و الاتيان بكل مشروط بالطهارة.

و بعبارة اخري ليس التيمم مخصوصا بخصوص الغاية التي أتي بالتيمم لأجلها هذا من ناحية و من ناحية اخري قد مر أنه مع اليأس يجوز البدار.

(3) لأصالة بقاء العذر إلي آخر الوقت فيجوز البدار لا يقال: قد مر أنه لا يجوز البدار الا مع اليأس من الوجدان فانه يقال: ما مر من عدم الجواز لأجل النصوص الخاصة و موردها التيمم لأجل الصلاة و في المقام المفروض أنه تيمم لأجل غاية اخري فلا تكون تلك النصوص مانعة من البدار في المقام.

(4) اذا المفروض أن البدل الاضطراري في طول العمل الاختياري فما دام يمكن الاتيان بالعمل الاختياري لا تصل النوبة إلي البدل الاضطراري و انما جاز البدار للحكم الظاهري و قد حقق في محله أن المأمور به بالامر الظاهري لا يجزي فلاحظ.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 98

[مسألة 348: لو وجد الماء في أثناء العمل]

(مسألة 348): لو وجد الماء في أثناء العمل فان كان دخل في صلاة فريضة أو نافلة (1) و كان وجدانه بعد الدخول في ركوع الركعة الاولي مضي في صلاته و صحت علي الاقوي و فيما عدا ذلك يتعين الاستئناف بعد الطهارة المائية (2).

______________________________

(1) لإطلاق النصوص من هذه الجهة فلاحظها.

(2) التفصيل المذكور مستفاد من نصوص الباب لاحظ ما رواه زرارة «1» فان المستفاد من هذه

الرواية بالصراحة التفصيل بين وجدان الماء قبل الدخول في الركوع و بعده.

و مثلها في الدلالة علي التفصيل ما رواه عبد اللّه بن عاصم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل لا يجد الماء فيتيمم و يقوم في الصلاة فجاء الغلام فقال:

هو ذا الماء فقال: ان كان لم يركع فلينصرف و ليتوضأ و ان كان قد ركع فليمض في صلاته «2».

و بهما يقيد ما يدل علي الصحة و المضي بمجرد الدخول في الصلاة لاحظ ما رواه محمد بن حمران عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: رجل تيمم ثم دخل في الصلاة و قد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يؤتي بالماء حين يدخل في الصلاة قال: يمضي في الصلاة و اعلم انه ليس ينبغي لأحد أن يتيمم الا في آخر الوقت «3».

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق مباني منهاج الصالحين؛ ج 3، ص: 98

______________________________

(1) لاحظ ص: 96

(2) الوسائل الباب 21 من أبواب التيمم الحديث: 2

(3) نفس المصدر الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 99

[مسألة 349: إذا تيمم المحدث بالأكبر بدلا عن غسل الجنابة ثم أحدث بالأصغر انتقض تيممه]

(مسألة 349): اذا تيمم المحدث بالاكبر بدلا عن غسل الجنابة ثم أحدث بالاصغر انتقض تيممه و لزمه التيمم بعد ذلك (1).

______________________________

و ما رواه محمد بن مسلم قال: قلت: في رجل لم يصب الماء و حضرت الصلاة فتيمم و صلي ركعتين ثم أصاب الماء أ ينقض الركعتين أو يقطعهما و يتوضأ ثم يصلي؟ قال: لا و لكنه يمضي في صلاته فيتمها و لا ينقضها لمكان أنه دخلها و هو علي طهر بتيمم «1».

فانهما مطلقان فيقيدان بالحديثين المتقدمين كما هو المقرر.

ان قلت ان الحديثين المتقدمين و

ان كانا مقيدين بالدخول في الركوع و المستفاد منهما البطلان ان كان الوجدان قبل الدخول في الركوع لكن مطلقين من حيث ان التيمم الذي صلي به و دخل في الصلاة لهذه الصلاة التي دخل فيها أو كان لأجل غاية اخري و الحديثين الاخيرين و ان كانا مطلقين من حيث الدخول في الركوع و عدمه لكنهما مقيدان من حيث ان التيمم المفروض قد أتي به لأجل الصلاة التي دخل فيها فيقع التعارض بين الطرفين فيما اذا تيمم لأجل الصلاة و دخل فيها و وجد الماء قبل الدخول في الركوع.

قلت: لا يبعد أن يقال: ان الترجيح مع الطائفة الاولي لموافقة الكتاب و مخالفة العامة كما مر.

فالنتيجة أن التفصيل الذي أفاده الماتن هو الصحيح و عليه جملة من الاساطين علي ما نقل عنهم كالنهاية و البرهان و المفاتيح و خلافا للمشهور علي ما قيل.

(1) كما هو المشهور بين القوم- علي ما يلاحظ في بعض الكلمات- و عن

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 100

______________________________

العلامة في المختلف: «دعوي الاجماع عليه. و ما قيل في وجهه أو يمكن أن يقال وجوه:

الوجه الاول: أن التيمم لا يرفع الحدث بل مبيح للغايات للإجماع. و يرد عليه أولا أن مقتضي الكتاب و السنة أن التيمم رافع و مطهر أما الكتاب فقوله تعالي في آية التيمم: «وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ» «1» و أما السنة فتدل جملة من النصوص علي المدعي منها: ما رواه أبان بن عثمان «2» و منها: ما رواه الصدوق «3».

و منها: ما رواه أبو امامة قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فضلت باربع: جعلت لي الارض مسجدا و طهورا و ربما رجل من امتي أراد الصلاة

فلم يجد ماء و وجد الارض فقد جعلت له مسجدا و طهورا «4».

و منها: ما رواه ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: اعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي: جعلت لي الارض مسجدا و طهورا «5».

و منها: ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يكون معه اللبن أ يتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا انما هو الماء و الصعيد «6» و منها: ما رواه

______________________________

(1) المائدة/ 7

(2) لاحظ ص: 34

(3) لاحظ ص: 34

(4) الوسائل الباب 7 من أبواب التيمم الحديث: 3

(5) نفس المصدر الحديث: 4

(6) نفس المصدر الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 101

______________________________

محمد بن حمران و جميل بن دراج «1» و منها: ما رواه حماد بن عثمان «2».

و منها: ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل تيمم قال: يجزيه ذلك إلي أن يجد الماء «3» و منها: ما رواه السكوني «4» و منها: ما رواه زرارة «5» و منها ما رواه محمد بن مسلم «6».

فان مقتضي هذه النصوص أن التراب طهور كالماء بلا فرق فلا وجه للقول بكونه مبيحا غير رافع.

و أما الاجماع المدعي علي عدم رافعيته فعلي تقدير تحققه لا يكون حجة لاحتمال استناد أصحاب الاجماع إلي الوجوه المذكورة في المقام مضافا إلي أنه كيف يمكن تحقق الاجماع علي خلاف المستفاد من الكتاب و السنة.

و ثانيا: فرضنا أنه مبيح لكن مجرد الاستباحة لا يستلزم الانتقاض بالحدث بل يمكن أن تكون الاستباحة باقية و لو مع الحدث الاصغر.

الوجه الثاني: أن المتيمم تجب عليه الطهارة عند وجدان الماء فلا بد من الالتزام ببقاء حدثه و عدم كونه متطهرا و الا فكيف يلزم وجوب الطهارة

في حقه بوجدان الماء و الحال أن مجرد وجدان الماء لا يكون من الاحداث فالمتيمم محدث

______________________________

(1) لاحظ ص: 79

(2) لاحظ ص: 79

(3) الوسائل الباب 23 من أبواب التيمم الحديث: 3

(4) لاحظ ص: 79

(5) لاحظ ص: 79

(6) لاحظ ص: 79

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 102

______________________________

غاية الامر قبل وجدان الماء يستباح له ترتيب ما يشترط بالطهارة.

و يرد عليه: أولا أن الرافعية يمكن أن تكون رافعية محدودة لا مطلقة كي يتوجه هذا المحذور فالمتيمم طاهر ما دام لم يجد الماء.

و بعبارة واضحة: الحدث الاكبر أوجب كونه محدثا إلي أن يتحقق الغسل لكن بمقتضي دليل التيمم يصير طاهرا في مقدار محدود من الزمان و لا نري مانعا منه فان الامور الاعتبارية أمرها بيد المعتبر.

و ثانيا: الكلام في تحقق الانتقاض بالحدث الاصغر و هذا الدليل المذكور غايته اثبات أن التيمم مبيح لا رافع لكن نقول: يمكن الالتزام بالاباحة و أيضا نلتزم ببقائها و لو مع تحقق الحدث الاصغر.

الوجه الثالث: ما عن بعض أهل التحقيق و هو أن الطهارة صفة وجودية تحصل باسبابها و أن الحدث قذارة معنوية حادثة باسبابها أيضا مانع عن الدخول في الصلاة و ليس بين الامرين تضاد بل التنافي بين اثريهما و هما جواز الدخول في الصلاة و الامتناع منه و غسل الجنابة انما يكون رافعا للقذارة الحاصلة و مفيدا للطهارة و أما التيمم الذي يكون بدلا منه فغايته كونه مفيدا للطهارة و أما كونه رافعا للقذارة كالغسل فلا فعليه نقول: ان ما يدل علي طهورية التيمم يقتضي جواز الصلاة و رفع مانعية الجنابة ما دام بقاء اثره فمتي انتقض اثره تؤثر الجنابة الموجودة اثرها و هو وجوب الغسل فلا بد اما من الغسل و اما من

التيمم الذي بدله فلاحظ.

و يرد عليه اولا: أن الظاهر من هذا الكلام أن الحدث و الطهارة من الامور الواقعية كالصفات النفسانية فيكونان داخلين في مقولة الكيف النفساني و لا دليل علي هذا المدعي بل الظاهر من الادلة أنهما من الامور الاعتبارية الشرعية.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 103

______________________________

و ثانيا: أن الظاهر من الادلة كونهما ضدان فان المستفاد من الاية الشريفة أن الجنب بالغسل يرتفع جنابته و كذلك المستفاد من النصوص.

و ملخص الكلام: انه يفهم من الادلة التنافي بين الطهارة و الحدث كما أن المرتكز في الاذهان كذلك.

و ثالثا: أن المستفاد من ادلة بدلية التيمم أن التيمم كالغسل و الوضوء فكل ما يترتب عليهما يترتب عليه غاية الامر أن الاثر المترتب عليه موقت و ما دام لم يجد الماء فهذا الدليل أيضا لا يترتب عليه مدعي المشهور.

الوجه الرابع: ما رواه زرارة «1» بتقريب أن المستفاد من الحديث أن الجنب اذا وجد الماء لا يجب عليه الوضوء حيث قال عليه السلام «و الوضوء ان لم يكن جنبا» فعليه لا يكون الوضوء في حقه مشروعا فتكليفه الغسل و حيث ان المفروض أنه فاقد للماء يجب عليه التيمم بدلا عن الغسل.

و فيه: أن المستفاد من الحديث أن المجنب اذا وجد الماء الكافي لغسله يجب عليه الغسل و غير الجنب اذا وجد الماء الكافي للوضوء يجب عليه الوضوء فلا يرتبط بالمقام مضافا إلي أن المجنب المتيمم اذا وجد الماء الكافي للوضوء يصدق عليه أنه لا يكون جنبا فيجب أن يتوضأ للحدث الاصغر.

الوجه الخامس: أنه يستفاد من جملة من النصوص أن الجنب اذا وجد الماء بمقدار الكفاية للوضوء يجب عليه التيمم و لا يجب عليه الوضوء لاحظ ما رواه عبيد اللّه بن

علي الحلبي أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يجنب و معه قدر ما يكفيه من الماء الوضوء للصلاة أ يتوضأ بالماء أو يتيمم؟ قال: لا بل يتيمم ألا تري

______________________________

(1) لاحظ ص: 40

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 104

______________________________

أنه انما جعل عليه نصف الوضوء «1».

و ما رواه محمد بن حمران و جميل بن دراج أنهما سألا أبا عبد اللّه عليه السلام عن امام قوم أصابته جنابة في السفر و ليس معه من الماء ما يكفيه للغسل أ يتوضأ بعضهم و يصلي بهم؟ فقال: لا و لكن يتيمم الجنب و يصلي بهم فان اللّه عز و جل جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا «2».

و ما رواه الحسين بن أبي العلاء قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يجنب و معه من الماء بقدر ما يكفيه لوضوئه للصلاة أ يتوضأ بالماء أو يتيمم؟ قال:

يتيمم الا تري أنه جعل عليه نصف الطهور «3».

و ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في رجل أجنب في سفر و معه ماء قدر ما يتوضأ به قال: يتيمم و لا يتوضأ «4».

و فيه: أن المستفاد من هذه النصوص- كما ذكر في تقريب الاستدلال- أن الجنب وظيفته التيمم و المفروض في المقام أن الجنب تيمم و فرضنا أن التيمم يزيل الحدث فلا يكون المتيمم المحدث بالاصغر جنبا كي يشمله ما اشير اليه من النصوص.

الوجه السادس: ما دل من النصوص علي أن الحدث علي الاطلاق ينتقض التيمم لاحظ ما رواه زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل و النهار كلها؟ فقال: نعم ما لم يحدث أو يصب ماء «5».

______________________________

(1) الوسائل الباب 24

من أبواب التيمم الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

(3) نفس المصدر الحديث: 3

(4) نفس المصدر الحديث: 4

(5) الوسائل الباب 20 من أبواب التيمم الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 105

______________________________

و ما رواه السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال:

لا بأس بأن تصلي صلاة الليل و النهار بتيمم واحد ما لم تحدث أو تصب الماء «1».

و فيه أن المستفاد من الخبرين أنه لا يجوز الاتيان بالصلاة بعد تحقق الحدث و هذا لا اشكال فيه و انما الاشكال في أن الواجب عليه التيمم بدلا عن الغسل أو الواجب عليه التيمم بدلا عن الوضوء.

الوجه السابع: استصحاب عدم جعل شرعية الوضوء في حقه الثابت قبل التيمم فلا يجوز له الوضوء.

و فيه: أنه لا مجال لهذا الاصل بعد تمامية دليل البدلية و عدم الجواز قبل التيمم الثابت بدليله لا يستلزم عدمه بعده فلاحظ.

الوجه الثامن: استصحاب عدم جعل التيمم رافعا للحدث الاكبر بعد الحدث الاصغر بتقريب: أنه لم تجعل الرافعية في أول الشريعة و الاصل بقاء عدم الجعل بحاله.

و فيه: أنه مع وجود الدليل الاجتهادي لا تصل النوبة إلي الاصل العملي و مقتضي ادلة البدلية أن التيمم قائم مقام الغسل بتمام معني الكلمة فالنتيجة أن التيمم لا ينتقض بالحدث الاصغر.

الوجه التاسع: ان المستفاد من حديث ابن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: رجل أم قوما و هو جنب و قد تيمم و هم علي طهور فقال: لا بأس «2»

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 5

(2) الوسائل الباب 17 من أبواب صلاة الجماعة الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 106

و الاحوط استحبابا الجمع بين التيمم و الوضوء (1) و لو كان التيمم بدلا عن الحدث

الاكبر غير الحنابه ثم أحدث بالاصغر لزمه التيمم بدلا عن الغسل مع الوضوء (2) فان لم يتمكن من الوضوء أيضا لزمه تيمم آخر بدلا عنه (3).

______________________________

ان المكلف الجنب باق علي جنابته حتي بعد التيمم اذ فرض في الرواية ان رجل أم قوما و هو جنب و قد تيمم فيعلم ان الجنابة لا تزول بالتيمم و هذا هو المدعي.

و فيه: ان الافتراض المذكور واقع في كلام الراوي لا في كلام الامام عليه السلام فغايته تقريره روحي له الفداء لما فرضه الراوي و من الظاهر ان اعتبار التقرير موقوف علي عدم قيام دليل علي الخلاف و قد أقمنا الدليل من الكتاب و السنة علي خلافه فلا يبقي معتبرا مضافا إلي أنه يمكن أن يقال: بأنه لا يفهم من الرواية الا بيان حكم الصورة المفروضة و هي صورة كون الشخص جنبا و امامته مع التيمم البدل عن الغسل و انه عليه السلام في مقام بيان صحة الجماعة المفروضة و أما كون الشخص باقيا علي جنابته حتي بعد التيمم فلا يستفاد من الحديث فلاحظ.

(1) لا اشكال في حسن الاحتياط و أما الصناعة فمقتضاها ما ذكرنا و اللّه العالم.

(2) بل مقتضي ما ذكرنا عدم الانتقاض أيضا كغسل الجنابة لدليل البدلية فان الحائض مثلا لو اغتسلت من الحيض ثم أحدثت بالاصغر يجوز لها دخول المسجد و لا يزول اثر الغسل بالحدث الاصغر فكذلك التيمم.

(3) الماتن يري أن الغسل علي الاطلاق يجزي عن الوضوء و مع ذلك أفتي في المقام بالجمع بين التيمم بدلا عن الغسل و الوضوء و الحال أن دليل البدلية يقتضي كون التيمم قائما مقام الغسل أو الوضوء فلاحظ.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 107

[مسألة 350: لا تجوز إراقة الماء الكافي للوضوء أو الغسل بعد دخول الوقت]

(مسألة 350): لا تجوز اراقة

الماء الكافي للوضوء أو الغسل بعد دخول الوقت (1).

و اذا تعمد اراقة الماء بعد دخول وقت الصلاة وجب عليه التيمم مع اليأس من الماء و أجزأ (2) و لو تمكن بعد ذلك وجبت عليه الاعادة في الوقت (3) و لا يجب القضاء اذا كان التمكن خارج الوقت (4) و لو كان

______________________________

(1) فان المستفاد من الادلة أن بدلية التيمم عن الغسل و الوضوء بدلية اضطرارية فلا يجوز للمكلف تفويت الملاك و ادخال نفسه في موضوع المضطر.

و بعبارة اخري: مقتضي الادلة الاولية وجوب اتيان الصلاة مثلا مع الطهارة المائية و المفروض أن المكلف قادر علي الاتيان بها فلا يجوز له ايقاع نفسه في موضوع المضطر.

و ان شئت قلت: ليس واجد الماء و فاقده كعنوان الحاضر و المسافر كي يقال:

بأنه يجوز للمكلف أن يسافر اختيارا بعد دخول الوقت و المقام كذلك لان القصر في السفر كالإتمام في الحضر بلا فرق و أما الصلاة مع الطهارة الترابية فليست كالصلاة مع الطهارة المائية فلاحظ.

(2) لإطلاق دليل البدلية مضافا إلي عدم الاشكال عند القوم ظاهرا.

(3) لعدم تمامية موضوع الاضطرار.

(4) اذ المفروض أن تيممه في الوقت علي طبق دليل بدليته عن الطهارة المائية و مقتضاه الاجزاء و الاكتفاء به في مقام الامتثال فلا مجال لوجوب القضاء مضافا الي الشك في تحقق الفوت الذي يكون موضوعا للقضاء و حيث ان الفوت امر وجودي فلا يثبت باصاله عدم الاتيان بالمأمور به لكن يتوقف هذا البيان علي كون

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 108

علي وضوء لا يجوز ابطاله بعد دخول الوقت اذا علم بعدم وجود الماء أو يئس منه و لو أبطله و الحال هذه وجب عليه التيمم و أجزأ أيضا علي ما ذكر (1).

[مسألة 351: يشرع التيمم لكل مشروط بالطهارة من الفرائض و النوافل]

(مسألة

351): يشرع التيمم لكل مشروط بالطهارة من الفرائض و النوافل و كذا كل ما يتوقف كما له علي الطهارة اذا كان مأمورا به علي الوجه الكامل كقراءة القرآن و الكون في المساجد و نحو ذلك (2) بل لا يبعد مشروعيته للكون علي الطهارة (3) بل الظاهر جواز التيمم لأجل ما يحرم علي المحدث من دون أن يكون مأمورا به كمس القرآن و مس اسم اللّه تعالي كما أشرنا إلي ذلك في غايات الوضوء (4).

______________________________

الفوت أمرا وجوديا.

(1) الكلام فيه هو الكلام فلا نعيد.

(2) الظاهر أن الوجه فيه دليل البدلية فان المستفاد من جملة من النصوص أن التيمم قائم مقام الطهارة المائية و مقتضي الاطلاق قيامه مقامها علي الاطلاق.

(3) لإطلاق دليل البدلية.

(4) كل ذلك لدليل البدلية و صفوة القول ان مقتضي ادلة البدلية قيام التيمم مقام الوضوء و الغسل بنحو البدلية لكن بدلية اضطرارية فيتوقف علي عدم وجود الماء و الا لا يشرع التيمم فلا تختص البدلية بمورد دون آخر انما الاشكال في بعض الغايات كمس كتابة القرآن فيما لا يكون مأمورا به و هذا الاشكال لا يختص بالتيمم بل يجري في الوضوء أيضا و منشأ الاشكال أن المفروض عدم تعلق الوجوب بالغاية فكيف تجعل غاية و كيف توجب عبادية الوضوء أو التيمم.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 109

[مسألة 352: إذا تيمم المحدث لغاية جازت له كل غاية و صحت منه]

(مسألة 352): اذا تيمم المحدث لغاية جازت له كل غاية و صحت منه فاذا تيمم للكون علي الطهارة صحت منه الصلاة و جاز له دخول المساجد و المشاهد و غير ذلك مما يتوقف صحته أو كما له أو جوازه علي الطهارة المائية (1).

______________________________

و لكن يمكن دفع الاشكال بما ذكرنا في بحث الوضوء من الجزء الاول من هذا الشرح بأن

المستفاد من الادلة ان الوضوء امر عبادي لا بد فيه من قصد القربة و اذا تحقق بهذا النحو تترتب عليه الطهارة و حيث ان الامر في جملة من الموارد تعلق بالوضوء و ارشد فيها إلي شرطيته يمكن الاتيان به بقصد القربة.

و بعبارة اخري: يفهم من تلك الادلة كالأوامر في الكتاب و السنة بالوضوء ان الوضوء قابل لان يقصد به القربة و يكفي لتحقق القربة قصد الغاية فلا فرق فيها من هذه الجهة.

(1) كما هو المشهور بين القوم- علي ما في كلام بعض الاصحاب- و مقتضي ادلة البدلية كذلك فان الوضوء المأتي به لغاية يجوز ترتيب كل غاية عليه فكذلك التيمم بدليل البدلية.

و عن الفخر أنه استثني من هذا الحكم دخول المسجدين و اللبث في المساجد و مس كتابة القرآن و استدل بقوله تعالي: «وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ حَتَّيٰ تَغْتَسِلُوا» «1» بتقريب: أن المراد من الصلاة مواضعها اي المساجد فلا يجوز دخولها الا اجتيازا فانه غياه بالاغتسال و لو اباحه التيمم يكون غاية أيضا و كذا لا يجوز المس لان الامة لم تفرق بين المس و اللبث في المساجد.

و عن سيد المدارك: «الاشكال في الاستدلال بأن ارادة مواضع الصلاة

______________________________

(1) النساء/ 43

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 110

نعم لا يجزئ ذلك فيما اذا تيمم لضيق الوقت (1).

______________________________

منها لا يصار اليها بلا قرينة مع احتمال غير هذا المعني و هو أن يكون المراد من النهي الصلاة في حال الجنابة الا في حال السفر لجواز تأديتها بالتيمم».

و يرد عليه: أن ما أفاده الفخر من كون المراد مواضع الصلاة مستفاد من النص الخاص لاحظ ما رواه زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قالا:

قلنا له: الحائض

و الجنب يدخلان المسجد أم لا قال: الحائض و الجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين ان اللّه تبارك و تعالي يقول: «وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ حَتَّيٰ تَغْتَسِلُوا» «1».

فان الامام عليه السلام فسر الاية بهذا النحو فانه عليه السلام بعد النهي عن دخول الحائض و الجنب المسجد الا مجتازين استشهد بقوله تعالي «إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ» فهذا الايراد غير متوجه فالصحيح أن يرد علي الفخر بأن ادلة البدلية حاكمة علي الاية الشريفة فان تلك الادلة جعلت التيمم كالغسل و الوضوء فاذا تيمم الجنب لا يكون جنبا فيجوز له الدخول فلاحظ.

(1) و الوجه فيه أن التيمم جعله الشارع بدلا عند الاضطرار و المفروض أن الموضوع لم يتحقق بالنسبة إلي غير المتضيق وقته فلا وجه للكفاية.

و للمحقق الهمداني قدس سره كلام في المقام و هو أن المكلف لا يمكن أن يكون في زمان واحد متطهرا و غير متطهر فلو فرض تطهره للمضيق يصير متطهرا و الا لم يجز له فعل الصلاة و من كان متطهرا جاز له فعل الجميع و الا لتخلف اثر الطهارة عنها او يلزم عدم اشتراط الصلاة بالطهارة و الثاني باطل و خلاف المستفاد من الادلة و الاول باطل بالضرورة فان الاثر يترتب علي المؤثر و المفروض أن التيمم أوجد الطهارة فيترتب عليها آثارها.

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الجنابة الحديث: 10

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 111

[مسألة 353: ينتقض التيمم بمجرد التمكن من الطهارة المائية]

مسألة 353): ينتقض التيمم بمجرد التمكن من الطهارة المائية (1).

______________________________

و يرد عليه: أن الطهارة الشرعية أمر اعتباري و قابل لان تحصل في اطار خاص و دائرة مخصوصة فلا مانع من الالتزام بحصولها و زوال الحدث بالنسبة إلي الصلاة فقط فلا يلزم اجتماع النقيضين.

ثم قال: «نعم اذا قلنا

بأن التيمم مبيح لأمكن التفكيك بين الغايات اذ لا يلزم انه محدث و متطهر و أما لو قلنا بأنه مزيل و مطهر- كما نقول- لا يمكن التفكيك»

ثم أورد علي نفسه: بأنه يلزم أن المكلف لو تيمم في ضيق الوقت و ترك الصلاة عصيانا جاز له ترتيب بقية الغايات اذ فرض كونه متطهرا و الحال أنه لا يمكن الالتزام بهذا اللازم.

فاجاب عن الاشكال بأن تيممه انما يصح اذا اتي بالصلاة لا للقول بالمقدمة الموصلة- كما قد يتوهم- بل لأجل أنه لو لم يصل لم يكن عاجزا فلم يكن موضوع التيمم متحققا في الخارج و بعبارة اخري: لا مدخلية لإيجاب الصلاة عليه في وقتها في تحقق العجز و انما المؤثر امتثاله و مع عدمه لم يتحقق العجز.

و يرد عليه اولا أن المقدمة علي تقدير وجوبها هي الموصلة فانا ذكرنا في بحث المقدمة أن العقل لا يدرك الوجوب لغير الموصلة من المقدمات.

و ثانيا: ما أفاده يؤل إلي الدور فان الامتثال مترتب علي توجه الامر إلي المكلف و توجه التكليف بالصلاة عن تيمم يتوقف علي الاضطرار فلو توقف الاضطرار علي الامتثال لدار فالانصاف أن الاشكال المذكور يتوجه علي مختاره و لكن الحق أنه لا يجوز الاتيان ببقية الغايات كما ذكرنا فلاحظ.

(1) بلا خلاف فيه- علي ما في بعض الكلمات- و نقل عن جماعة الاجماع

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 112

و ان تعذرت عليه بعد ذلك (2) و اذا وجد من تيمم تيممين من الماء ما يكفيه لوضوئه انتقض تيممه الذي هو بدل عنه (2) و اذا وجد ما يكفيه للغسل انتقض ما هو بدل عنه خاصة (3) و ان أمكنه الوضوء به (4) فلو فقد

______________________________

عليه و يدل علي المدعي ما

رواه زرارة «1» و مثله في الدلالة علي المدعي حديث السكوني «2» فان مقتضاهما بطلان التيمم بوجدان الماء.

(1) للإطلاق.

(2) كما هو مقتضي القاعدة و لا يحتاج إلي تطويل البحث لأنه من الواضحات.

(3) كما في نظيره بلا فرق فان المفروض أن التيمم بدل عن الغسل و الوضوء ففي كل مورد تمكن من المبدل منه يبطل البدل فلاحظ.

(4) معناه تعين الغسل لبطلان بدله و ما يمكن أن يقال: في وجهه أنه لو صرفه في الوضوء يبقي الحدث الاكبر بحاله و اهتمام الشارع برفع الحدث الاكبر اشد و الطهارة الحاصلة من الغسل اقوي كما أن الحدث الحاصل بالاكبر أشد و مقتضي كونه اهم تقدمه عند التزاحم فالامر به بعد الوجدان غير مقيد بخلاف الامر بالوضوء فانه مقيد بعصيان الاهم بالخطاب الترتبي.

و يمكن اثبات المدعي بحديث عبد الرحمن بن أبي نجران أنه سأل أبا الحسن موسي بن جعفر عليه السلام عن ثلاثة نفر كانوا في سفر: أحدهم جنب و الثاني ميت و الثالث علي غير وضوء و حضرت الصلاة و معهم من الماء قدر ما يكفي احدهم من يأخذ الماء و كيف يصنعون؟ قال: يغتسل الجنب و يدفن الميت بتيمم و يتيمم الذي هو علي غير وضوء لان غسل الجنابة فريضة و غسل الميت سنة و التيمم

______________________________

(1) لاحظ ص: 104

(2) لاحظ ص: 105

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 113

الماء بعد ذلك أعاد التيمم بدلا عن الغسل خاصة (1) علي اشكال في الاستحاضة المتوسطة (2).

______________________________

للاخر جائز «1».

فانه يستفاد من هذا الحديث أنه لو دار الامر بين غسل الجنابة و الوضوء يقدم الغسل.

و لو تطرق الشك في اثبات اهمية الغسل فلا أقلّ من احتمالها و عدم احتمال العكس فالتقييد في طرف الامر

بالوضوء مسلم بخلاف التقييد في ناحية الامر بالغسل فهو بحاله.

فالنتيجة تعين الغسل نعم لو عصي تصل النوبة إلي الامر بالوضوء بالترتب كما هو المقرر في المتزاحمين.

(1) و قد ظهر وجهه.

(2) لا يبعد أن يكون الوجه فيه أنه لم يعلم الاهمية المذكورة في رفع الحدث الحاصل من الاستحاضة المتوسطة و يحتمل التساوي بينه و بين الحدث الاصغر و لعل وجه التردد أن الشارع الاقدس أوجب الوضوء مع الاغتسال للمتوسطة و لم يكتف بغسلها عن الوضوء لاحظ ما رواه سماعة قال: قال: المستحاضة اذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين و للفجر غسلا و ان لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل يوم مرة و الوضوء لكل صلاة و ان أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل هذا ان كان دمها عبيطا و ان كان صفرة فعليها الوضوء «2».

و لكن يمكن أن يقال: ان غاية ما في الباب احتمال التساوي و لا ينافيه احتمال

______________________________

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب التيمم الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 1 من أبواب الاستحاضة الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 114

[مسألة 354: إذا وجد جماعة متيممون ماء مباحا لا يكفي إلا لأحدهم]

(مسألة 354): اذا وجد جماعة متيممون ماء مباحا لا يكفي الا لأحدهم فان تسابقوا اليه و سبقوا كلهم لم يبطل تيممهم (1) و ان سبق واحد بطل تيمم السابق (2).

______________________________

الاهمية في جانب حدث الاستحاضة بلا جريانه في جانب الحدث الاصغر و يكفي للتقديم هذا المقدار في باب التزاحم.

بقي شي ء: و هو أنه لو فرض كون المكلف محدثا بحدثين متساويين من حيث الشدة و الضعف فوجد ماء كافيا لكل واحد منهما بشرط استعماله في خصوصه و لا يكفي لكليهما فما هو مقتضي الصناعة؟ فان البطلان هل يتوجه إلي كلا البدلين أو الواحد منهما بنحو

التعيين أو لا علي التعيين؟ فان قلت كلاهما يبطلان قلت:

المفروض أنه يكفي لواحد فقط فما وجه بطلان الاخر؟

ان قلت: يبطل احدهما دون الاخر قلت: أما مع التعين فيلزم الترجيح بغير مرجح و أما لا علي التعيين فيلزم المحال فان المردد لا واقع له.

ان قلت: يكون المكلف مخيرا في اختيار ايهما شاء قلت: المفروض بطلان التيمم بوجدان الماء و لا يرتبط باختيار المكلف.

و الذي يختلج بالبال أن يقال: انهما يبطلان معا لتحقق موضوع البطلان بالنسبة الي كل واحد منهما بمقتضي اطلاق الدليل لاحظ صحيح زرارة «1».

(1) لعدم صدق الوجدان فانهم مع التسابق بقوا كلهم علي ما كانوا من عدم وجدان الماء فلا وجه لبطلان تيممهم.

(2) اذ المفروض صيرورته واجدا بالسبق فيبطل تيممه بواسطة وجدانه و أما

______________________________

(1) لاحظ ص: 104

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 115

و ان لم يتسابقوا اليه بطل تيمم الجميع (1) و كذا اذا كان الماء مملوكا و اباحه المالك للجميع و ان اباحه لبعضهم بطل تيمم ذلك البعض لا غير.

[مسألة 355: حكم التداخل الذي مر سابقا في الأغسال يجري في التيمم أيضا]

(مسألة 355): حكم التداخل الذي مر سابقا في الاغسال يجري في التيمم أيضا فلو كان هناك أسباب عديدة للغسل يكفي تيمم واحد عن الجميع (2) و حينئذ فان كان من جملتها الجنابة لم يحتج إلي الوضوء أو التيمم بدلا عنه (3).

______________________________

غيره فلم يتحقق الوجدان بالنسبة اليه فلا وجه لبطلان تيممه.

(1) لصدق الوجدان بالنسبة إلي كل واحد منهم فيبطل تيمم الجميع. و للمناقشة في هذا التقريب مجال واسع اذ المفروض عدم كفاية الماء الا لواحد منهم و المفروض تساويهم في حيازة الماء و عدم زيادة قدرة احدهم علي الباقين.

و بعبارة اخري مجرد الوجود الخارجي لا يوجب نقض التيمم بل الماء الذي يمكن التطهر به و

المفروض في المقام عدم الامكان لمزاحمتهم فما الوجه في البطلان؟

فافهم فانه دقيق و بالتأمل حقيق و مما ذكرنا ظهر الوجه بالنسبة إلي اباحة الماء فلاحظ.

(2) عن جامع المقاصد التصريح به و يكفي لإثبات المدعي ادلة البدلية و المنزلة و ربما يقال: بعدمه لأصالة عدم التداخل و ان التيمم مبيح لا رافع و نشك في عموم البدلية.

و فيه: أنه لا مجال للأصل مع الدليل و ادلة البدلية تكفي للإثبات و التيمم رافع لا مبيح مضافا إلي أنه لا فرق من هذه الجهة بين كونه رافعا أو مبيحا و لا وجه للشك في العموم بعد تمامية مقدمات الاطلاق المقتضي للبدلية علي الاطلاق.

(3) كما هو ظاهر فانه مقتضي دليل البدلية و بعبارة اخري غسل الجنابة يكفي

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 116

و الا وجب الوضوء أو تيمم آخر بدلا عنه اذا كان محدثا بالاصغر أيضا أو كان من جملتها غسل الاستحاضة المتوسطة (1).

[مسألة 356: إذا اجتمع جنب و محدث بالأصغر و ميت و كان هناك ماء لا يكفي إلا لأحدهم]

(مسألة 356): اذا اجتمع جنب و محدث بالاصغر و ميت و كان هناك ماء لا يكفي الا لأحدهم فان كان مملوكا لأحدهم تعين صرفه لنفسه (2).

______________________________

عن الوضوء فكذلك التيمم الذي يكون بدلا عنه.

(1) لم يظهر لي وجه ما أفاده في المقام و غيره فانه يري أن كل غسل مشروع واجبا كان أو مستحبا يكفي عن الوضوء و مع ذلك اختار عدم قيام التيمم مقام الغسل بالنسبة إلي هذه كما صرح في هامش العروة في اواخر بحث الاغسال بأن التيمم البدل عن الاغسال المستحبة لا يكفي عن الوضوء علي الاظهر و يظهر من عبارة المتن هنا عدم الكفاية علي الاطلاق.

و الذي يختلج بالبال أنه علي القول بكفاية غير غسل الجنابة من الاغسال عن الوضوء لا بد من

كفاية التيمم البدل عن الغسل لدليل البدلية نعم في خصوص غسل الاستحاضة المتوسطة قد صرح بوجوب الوضوء لكن بقية الاغسال يكفي عن الوضوء فما يكون بدلا عنها يقوم مقامها و اللّه العالم.

(2) بتقريب أن مقتضي ما دل علي وجوب الطهارة المائية صرفه في المأمور به و لا يجوز للمكلف أن يبذله للغير و النصوص الآتية الدالة علي وجوب أن يغتسل الجنب غير شاملة للمورد.

و للمناقشة فيما افيد مجال اذ لو فرض أن المالك للماء محدث بالاصغر فيتوجه اليه التكليف بالوضوء كما أنه يتوجه اليه أن يغسل الميت فيدخل في باب المتزاحمين و لا بد في الترجيح من المرجح الا أن يقال: بأن الواجب علي الشخص تغسيل الميت

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 117

و الا فيغتسل الجنب و يتيمم الميت و يتيمم المحدث بالاصغر (1).

[مسألة 357: إذا شك في وجود حاجب في بعض مواضع التيمم]

(مسألة 357): اذا شك في وجود حاجب في بعض مواضع التيمم فحاله حال الوضوء و الغسل في وجوب الفحص حتي يحصل اليقين أو الاطمينان بالعدم (2).

______________________________

و أما بذل ماء الغسل فلا.

(1) يدل عليه ما رواه عبد الرحمن بن أبي نجران «1» و في المقام حديث يستفاد منه تقديم غسل الميت و هو ما رواه محمد بن علي عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: الميت و الجنب يتفقان في مكان لا يكون فيه الماء الا بقدر ما يكتفي به أحدهما أيهما أولي أن يجعل الماء له؟ قال: يتيمم الجنب و يغسل الميت بالماء «2» لكن لإرسالها غير قابلة للاعتماد عليها.

(2) كما هو ظاهر فانه لا بد من احراز تحقق المأمور به في الخارج بقاعدة الاشتغال علي ما هو المعروف بين القوم و بالاستصحاب علي المسلك المنصور.

______________________________

(1) لاحظ

ص: 112.

(2) الوسائل الباب 18 من أبواب التيمم الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 118

[المبحث السادس: الطهارة من الخبث]

اشارة

المبحث السادس:

الطهارة من الخبث و فيه فصول:

[الفصل الأول: في عدد الأعيان النجسة]

اشارة

الفصل الاول: في عدد الاعيان النجسة و هي عشرة:

[الأول و الثاني: البول و الغائط من كل حيوان له نفس سائلة]
اشارة

الاول و الثاني: البول و الغائط من كل حيوان (1) له نفس سائلة (2) محرم الاكل بالاصل (3).

______________________________

(1) نجاسة البول و الغائط في الجملة من الواضحات التي لا يعتريها شك.

(2) الوجه في هذا التقييد النصوص الدالة علي عدم نجاساتهما اذا كانا من الحيوان الذي لا نفس له كالسمك و نتعرض لتلك النصوص قريبا أن شاء اللّه تعالي فانتظر.

(3) ادعي عليه الاجماع في الجملة بل قيل: «انه اجماع علماء الإسلام» بل يمكن أن يقال: انه ضروري عند أهله و ان وقع الخلاف في بعض مصاديقه كالطير و الخفاش.

و تدل علي المدعي جملة من النصوص: منها: ما رواه عبد اللّه بن سنان قال:

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 119

______________________________

قال أبو عبد اللّه عليه السلام: اغسل ثوبك من أبواب مالا يؤكل لحمه «1».

و منها: ما رواه أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اغسل ثوبك من بول كل مالا يؤكل لحمه «2».

و منها: ما رواه محمد عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن البول يصيب الثوب قال: اغسله مرتين «3».

و منها: ما رواه ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن البول يصيب الثوب قال: اغسله مرتين «4».

و منها: ما رواه أبو اسحاق النحوي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن البول يصيب الجسد قال: صب عليه الماء مرتين «5».

و منها: ما رواه الحسين بن أبي العلاء قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن البول يصيب الجسد قال: صب عليه الماء مرتين فانما هو ماء و سألته عن الثوب يصيبه البول قال: اغسله مرتين «6».

و منها: ما رواه الكليني قال: و روي أنه

يجزي أن يغسل بمثله من الماء اذا كان علي رأس الحشفة أو غيره «7».

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب النجاسات الحديث: 2

(2) نفس المصدر الحديث: 3

(3) الوسائل الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث: 1

(4) نفس المصدر الحديث: 2

(5) نفس المصدر الحديث: 3

(6) نفس المصدر الحديث: 4

(7) نفس المصدر الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 120

______________________________

و منها: ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال: سألته عن البول يصيب الجسد قال: صب عليه الماء مرتين فانما هو ماء و سألته عن الثوب يصيبه البول قال: اغسله مرتين «1».

تقريب الاستدلال بهذه النصوص علي المدعي: أن الامر بالغسل بحسب الفهم العرفي ارشاد إلي النجاسة و لا يحتمل وجوب الغسل وجوبا نفسيا.

و لا يخفي ان النصوص المشار اليها واردة في البول و ليس فيها ذكر من الغائط لكن ادعي ان مقتضي ارتكاز المتشرعة عدم الفرق بينهما في النجاسة و الطهارة.

و لنا أن نقول: بأن الاجماع و التسالم قائمان علي التسوية أضف إلي ذلك النصوص الواردة في موارد خاصة.

مثل ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا صلاة الا بطهور و يجزيك من الاستنجاء ثلاثة احجار بذلك جرت السنة من رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و أما البول فانه لا بد من غسله «2».

و ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل ذكر و هو في صلاته أنه لم يستنج من الخلا قال: ينصرف و يستنجي من الخلا و يعيد الصلاة «3».

و ما رواه عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: اذا بال الرجل و لم يخرج منه شي ء غيره فانما عليه أن

يغسل احليله وحده و لا يغسل مقعدته و ان خرج

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 7

(2) الوسائل الباب 9 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 121

______________________________

من مقعدته شي ء و لم يبل فانما عليه أن يغسل المقعدة وحدها و لا يغسل الاحليل «1».

و ما رواه ابراهيم بن أبي محمود قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول- في الاستنجاء-: يغسل ما ظهر منه علي الشرج و لا يدخل فيه الانملة «2».

و ما رواه عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: انما عليه أن يغسل ما ظهر منها يعني المقعدة و ليس عليه أن يغسل باطنها «3».

و ما رواه زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن طهور المرأة في النفاس اذا طهرت و كانت لا تستطيع أن تستنجي بالماء أنها ان استنجت اعتقرت هل لها رخصة أن تتوضأ من خارج و تنشفه بقطن أو خرقة؟ قال:

نعم لتنقي من داخل بقطن أو بخرقة «4».

و ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن التمسح بالاحجار فقال: كان الحسين بن علي عليه السلام يمسح بثلاثة احجار «5».

و ما رواه بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: يجزي من الغائط المسح بالاحجار و لا يجزي من البول الا الماء «6».

و ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يطأ في العذرة أو

______________________________

(1) الوسائل الباب 28 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 29 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 1.

(3) نفس المصدر الحديث: 2

(4) نفس المصدر الحديث: 3

(5) الوسائل الباب 30 من أبواب أحكام الخلوة الحديث: 1

(6) نفس المصدر

الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 122

______________________________

البول أ يعيد الوضوء؟ قال: لا و لكن يغسل ما أصابه «1».

و ما رواه موسي بن القاسم عن علي (جعفر) بن محمد عليه السلام في حديث قال: سألته عن الفارة و الدجاجة و الحمام و أشباهها تطأ العذرة ثم تطأ الثوب أ يغسل؟ قال: ان كان استبان من أثره شي ء فاغسله و الا فلا بأس «2».

و ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الدجاجة و الحمامة و أشباههما تطأ العذرة ثم تدخل في الماء يتوضأ منه للصلاة؟

قال: لا الا أن يكون الماء كثيرا قد كر من ماء «3».

و ما رواه عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه سئل عن الدقيق يصيب فيه خرء الفار هل يجوز أكله؟ قال: اذا بقي منه شي ء فلا بأس يؤخذ اعلاه «4».

و ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصلي و في ثوبه عذرة من انسان أو سنور أو كلب أ يعيد صلاته قال: ان كان لم يعلم فلا يعيد «5».

و ما رواه أبو بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن العذرة تقع في البئر فقال: ينزح منها عشر دلاء فان ذابت فاربعون أو خمسون دلوا «6».

______________________________

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب النجاسات الحديث: 15.

(2) الوسائل الباب 37 من أبواب النجاسات الحديث: 3.

(3) الوسائل الباب 9 من أبواب الماء المطلق الحديث: 4

(4) الوسائل الباب 8 من أبواب النجاسات الحديث: 6

(5) الوسائل الباب 4 من أبواب النجاسات الحديث: 5

(6) الوسائل الباب 20 من أبواب الماء المطلق الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 123

أو بالعارض

كالجلال و الموطوء «1»

______________________________

و ما رواه علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن العذرة تقع في البئر قال: ينزح منها عشر دلاء فان ذابت فأربعون أو خمسون دلوا «1»

و ما رواه محمد بن مسلم قال: كنت مع أبي جعفر عليه السلام اذ مر علي عذرة يابسة فوطأ عليها فأصابت ثوبه فقلت جعلت فداك قد وطئت علي عذرة فأصابت ثوبك فقال: أ ليس هي يابسة؟ فقلت بلي قال: لا بأس ان الارض يطهر بعضها بعضا «2».

و يمكن الاستدلال علي المدعي بما رواه عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كل ما اكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه «3» فانه يستفاد من الحديث أنه عليه السلام في مقام بيان الضابط الكلي و اعطاء الحد فكلامه عليه السلام يدل بالمفهوم أن ما لا يؤكل لحمه يكون غائطه نجسا.

(1) ادعي عليه الاجماع مضافا إلي اطلاق أو عموم دليل التحريم لاحظ ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: اغسل ثوبك من أبواب ما لا يؤكل لحمه «4».

و ما رواه أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اغسل ثوبك من أبوال كل ما لا يؤكل لحمه «5».

فان مقتضي اطلاق احد الحديثين و عموم الاخر عدم الفرق بين الاصلي

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) الوسائل الباب 32 من أبواب النجاسات الحديث: 2.

(3) الوسائل الباب 9 من أبواب النجاسات الحديث: 12.

(4) الوسائل الباب 8 من أبواب النجاسات الحديث: 2.

(5) نفس المصدر الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 124

______________________________

و العارضي فانه لا وجه لتخصيص الدليل بخصوص الذاتي.

و بعبارة اخري: الموضوع للحكم عنوان المحرم بأي وجه كان.

ان قلت: قد دلت جملة من

النصوص علي طهارة أبوال البقر و الغنم و غيرهما منها ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ألبان الابل و البقر و الغنم و أبوالها و لحومها فقال: لا تتوضأ منه و ان اصابك منه شي ء أو ثوبا لك فلا تغسله الا أن تنظف «1».

فيقع التعارض بين الدليلين و بعد التساقط تصل النوبة إلي اصالة الطهارة.

قلت: أولا: أن مقتضي القاعدة تقديم العناوين الثانوية علي العناوين الاولية فلا تلاحظ النسبة و لا تعارض. و ثانيا: علي فرض التسليم تصل النوبة إلي الدليل الدال علي نجاسة مطلق البول فانه تدل علي نجاسة البول جملة من النصوص:

منها: ما رواه محمد عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن البول يصيب الثوب قال: اغسله مرتين «2».

و منها: ما رواه ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن البول يصيب الثوب قال: اغسله مرتين «3».

و منها: ما رواه أبو اسحاق النحوي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن البول يصيب الجسد قال: صب عليه الماء مرتين «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب النجاسات الحديث: 5.

(2) الوسائل الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

(3) نفس المصدر الحديث: 2

(4) نفس المصدر الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 125

______________________________

و منها: ما رواه الحسين بن أبي العلاء قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن البول يصيب الجسد قال: صب عليه الماء مرتين فانما هو ماء و سألته عن الثوب يصيبه البول قال: اغسله مرتين الحديث «1».

و منها: ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال: سألته عن البول يصيب الجسد قال: صب عليه الماء مرتين فانما هو ماء و سألته عن

الثوب يصيبه البول قال: اغسله مرتين «2».

الا أن يقال: بانصراف البول في هذه النصوص إلي بول الانسان. أضف الي ذلك أن العموم الوضعي يقدم علي الاطلاقي في العامين من وجه و فيما يدل علي النجاسة ما يكون عمومه بالوضع فلاحظ فلا مجال للأخذ بالاصل مع وجود دليل الاجتهادي.

ان قلت: لو قلنا بسراية الحكم إلي العنوان الثانوي يلزم أن نلتزم بالسراية في مورد تحقق الحرمة بالعناوين الاخر كالنذر و الحلف و الضرر و أمثالها و الحال ان القائل بالتسرية لا يلتزم بهذا اللازم.

قلت: الموضوع محرم الاكل بحسب طبعه الاولي علي جميع المكلفين و العناوين المذكورة لا تكون كذلك مثلا المغصوب حرام بالنسبة إلي الغاصب و المنذور حرام بالنسبة إلي الناذر و هكذا.

و ملخص الكلام: أن الحيوان اذا كان محرم الاكل بالنسبة إلي المكلفين بحسب الطبع الاولي يكون بوله و خرئه نجسين بلا فرق بين الاصلي و العارضي

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 4

(2) نفس المصدر الحديث: 7

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 126

أما ما لا نفس له سائلة أو كان محلل الاكل فبوله و خرؤه طاهران (1).

______________________________

فلا تضر الحرمة بالعارض بواسطة أحد العناوين كما أنه لا تنفع حليته العارضة بالنسبة الي بعض الافراد كما لو اكره أحد علي الاكل أو اضطر اليه فلاحظ.

(1) في المقام فرعان: الاول: في حكم بول ما لا نفس له و خرئه و المشهور بين القوم طهارتهما و استدل علي المدعي بوجوه:

احدها منع وجود البول لهذه الحيوانات كالذباب- مثلا-.

و فيه: أنه لا كلية في المدعي كما ادعي خلافه بالنسبة إلي بعض أقسامه.

ثانيها: عدم صدق العنوان علي ما يخرج منه. و فيه: أنه جزافي- كما في بعض كلمات القوم-.

ثالثها: الاجماع علي الطهارة. و فيه: أنه ليس

تعبديا كاشفا.

رابعها: منع صدق مالا يؤكل لحمه علي ما لا نفس له. و فيه: أنه لا كلية في هذه الدعوي و ان كانت صحيحة في الجملة. مضافا إلي أنه يكفي لإثبات النجاسة اطلاق ما دل علي نجاسة البول من النصوص و قد مرت الاشارة اليها.

خامسها: أن ما لا نفس له علي قسمين: أحدهما ما ليس له لحم كالذباب ثانيهما:

ما له لحم أما مالا لحم له فلا مقتضي لنجاسة رجيعه لعدم دليل عام كما مرو عدم تحقق اجماع علي نجاسته ان لم يكن اجماع علي خلافه.

و الانصاف: أنه لا مجال للبحث فان السيرة جارية علي طهارته بحيث يكون خلافها مستنكرا عند المتشرعة.

و أما بوله فيمكن أن يقال: بعدم المقتضي لنجاسته اذ الدليل الدال علي نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه لا يشمله لفرض أنه لا لحم له و أما النصوص الدالة علي نجاسة البول علي الاطلاق فلا يبعد أن يقال: بانصرافها عن بول غير الانسان كما

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 127

______________________________

مرت الاشارة اليه قريبا.

و أما علي تقدير عدم الانصراف فربما يقال: بانصرافه عن بول ما لا نفس له لكن مع المنع عن الانصراف إلي خصوص بول الانسان يشكل الالتزام بالانصراف المذكور فلاحظ.

و أما ما يكون له لحم- كالحية و السمك المحرم- فنقول: الكلام في رجيعه هو الكلام اي لا مقتضي لنجاسته و لا اجماع علي النجاسة في المقام.

و أما بوله فيشمله ما دل بعمومه او اطلاقه علي نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه لاحظ حديثي ابن سنان «1» فلا بد من التماس دليل يدل علي عدم البأس بالنسبة الي ما لا نفس له.

و قد تمسك سيدنا الاستاد علي اثبات المدعي بما رواه عمار الساباطي عن أبي

عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن الخنفساء و الذباب و الجراد و النملة و ما أشبه ذلك يموت في البئر و الزيت و السمن و شبهه قال: كل ما ليس له دم فلا بأس به «2».

بتقريب: أن مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين أن يتفسخ و أن لا يتفسخ و من الظاهر انه في صورة التفسخ يخرج ما في جوفه من الدم و البول و الخرء و مع ذلك حكم عليه السلام بعدم البأس فيعلم أن مالا نفس له لا بأس ببوله و خرئه فلا يكونان نجسين و هو المطلوب.

______________________________

(1) لاحظ ص: 118 و 119.

(2) الوسائل الباب 10 من أبواب الأسآر الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 128

______________________________

و يرد عليه: أن المستفاد من قوله عليه السلام «كل ما ليس له دم فلا بأس به» ان الميتة مالا نفس له لا تفسد ما وقعت فيه نعم اذا كان خروج ما في جوفه من البول و غيره دائميا أو غالبيا لكان الاستدلال بالرواية في محله كي لا يكون الحكم بعدم البأس و الطهارة حيثيا محضا و لكن اثبات الدوام و الغلبة محل الاشكال.

و بعبارة اخري: لا مجال لدعوي الاطلاق- كما في كلام سيدنا الاستاد- فان الاطلاق يقتضي التوسعة فيما هو المنظور و المقصود بالافادة و هو نجاسة الميتة ما لا نفس له و لا يترتب علي الاطلاق حكم آخر.

و مما ذكرنا يظهر الاشكال علي المدعي بما رواه ابن مسكان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: كل شي ء يسقط في البئر ليس له دم مثل العقارب و الخنافس و أشباه ذلك فلا بأس «1» فانه لا اطلاق في الرواية.

و أيضا ظهر مما ذكرنا ما في الاستدلال علي

المدعي بما رواه حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: لا يفسد الماء الا ما كانت له نفس سائلة «2».

بدعوي: أن مقتضي اطلاق قوله عليه السلام: «لا يفسد الماء» عدم تنجس الماء به باي وجه فلا ينفعل الماء بخرئه و بوله و هو المطلوب.

فان المستفاد من هذه الرواية و أمثالها بحسب الفهم العرفي بيان حكم الميتة.

و ان شئت قلت: ان التقدير علي خلاف الاصل فقوله عليه السلام «لا يفسد الماء الا ما كانت له نفس سائلة» ظاهر في كون ما لا نفس له من الحيوان لا يفسد

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 3

(2) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 129

______________________________

بنفسه الماء و مصداقه منحصر في الميتة اذ ما يخرج منه من البول و نحوه مضاف اليه و ليس نفسه و أن ابيت فلا أقل من الاجمال.

فعليه يشكل الجزم بطهارة بول ما لا يؤكل لحمه مما لا نفس له الا أن يثبت اجماع تعبدي علي الطهارة و أني لنا بذلك فلا بد من الاحتياط هذا تمام الكلام في الفرع الاول.

الفرع الثاني: طهارة بول و خرء ما يؤكل لحمه و لا اشكال و لا كلام في طهارة بول ما يؤكل لحمه في الجملة و الاجماع القطعي قائم علي الطهارة و تدل علي المدعي جملة من النصوص:

منها: ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال فيه و كل ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله «1».

و منها: ما رواه عمار «2» و منها ما رواه زرارة انهما قالا: لا تغسل ثوبك من بول شي ء يؤكل لحمه «3».

و قد وقع الكلام بين القوم في بول و خرء الدواب الثلاث اي البغال و الحمير و الخيل و

الاقوال فيها مختلفة و المشهور عندهم طهارتها و منشأ الخلاف اختلاف النصوص فلا بد من ملاحظتها و أخذ النتيجة منها:

فنقول: قد دلت جملة من النصوص علي طهارة ما يخرج من الحيوان الذي

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب النجاسات الحديث: 20.

(2) لاحظ ص: 123.

(3) الوسائل الباب 9 من أبواب النجاسات الحديث: 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 130

______________________________

يؤكل لحمه لاحظ ما رواه زرارة «1» و ما رواه عمار «2» و ما رواه أبو البختري عن جعفر عن أبيه أن النبي صلي اللّه عليه و آله قال: لا بأس ببول ما اكل لحمه «3».

و مقتضي هذه الروايات طهارة بول الدواب الثلاث لأنها محللة الاكل.

و يمكن أن يقال: بأن النصوص المذكورة لا تشمل الدواب الثلاث بتقريب ان هذه النصوص ناظرة إلي الحيوان المعد للأكل كالغنم و يشهد لهذه الدعوي بعض النصوص لاحظ ما رواه زرارة عن أحدهما عليهما السلام في أبواب الدواب يصيب الثوب فكرهه فقلت: أ ليس لحومها حلالا؟ فقال: بلي و لكن ليس مما جعله اللّه للأكل «4».

و ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل يمسه بعض أبوال البهائم أ يغسله أم لا؟ قال: يغسل بول الحمار و الفرس و البغل فأما الشاة و كل ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله «5».

فان المستفاد من الحديثين ان المقصود بما يؤكل لحمه الحيوان المعد للأكل لا كل حيوان محلل الاكل و يتضح هذا المدعي بالتقابل الواقع في حديث عبد الرحمن.

______________________________

(1) لاحظ ص: 129.

(2) لاحظ ص: 123.

(3) الوسائل الباب 9 من أبواب النجاسات الحديث: 17.

(4) نفس المصدر الحديث: 7.

(5) نفس المصدر الحديث: 9.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 131

______________________________

و لكن الذي

يهون الخطب ما رواه ابن بكير قال: سأل زرارة أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر فأخرج كتابا زعم أنه املاء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أن الصلاة في وبر كل شي ء حرام أكله فالصلاة حتي يصلي في غيره مما أحل اللّه أكله ثم قال: يا زرارة هذا عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فاحفظ ذلك يا زرارة فان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كل شي ء منه جائز اذا علمت أنه ذكي و قد ذكاه الذبح و ان كان غير ذلك مما قد نهيت عن اكله و حرم عليك أكله فالصلاة في كل شي ء منه فاسد ذكاه الذبح أو لم يذكه «1».

فان المستفاد من هذه الرواية أن الميزان في طهارة بول الحيوان و خرئه حلية أكله بتقريب أنه عليه السلام حكم بعدم البأس بالصلاة في كل شي ء من الحيوان الذي يحل أكله و من الظاهر أنه لو كان بول الحيوان نجسا لا تجوز الصلاة فيه و الحال أنه قد صرح في الرواية بالجواز اي جواز الصلاة في روث و بول الحيوان الذي يحل أكله فالمقتضي للطهارة موجود.

و يدل علي الطهارة حديثان آخر ان أحدهما ما رواه أبو الأغر النحاس قال: قلت لأبي عبد اللّه: اني اعالج الدواب فربما خرجت بالليل و قد بالت وراثت فيضرب أحدها برجله أو يده فينضح علي ثيابي فاصبح فأري أثره فيه، فقال: ليس عليك شي ء «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب لباس المصلي الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 9 من أبواب النجاسات الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين،

ج 3، ص: 132

______________________________

و هذه الرواية ضعيفة بأبي الاغر حيث انه لم يوثق.

ثانيهما: ما رواه معلي بن خنيس و عبد اللّه بن أبي يعفور قالا: كنا في جنازة و قدامنا حمار فبال فجاءت الريح ببوله حتي صكت وجوهنا و ثيابنا فدخلنا علي أبي عبد اللّه فاخبرناه فقال: ليس عليكم بأس «1».

و هذه الرواية ضعيفة بحكم بن مسكين فلا مجال للاعتماد عليهما و عمل المشهور بهما علي فرض تحققه لا يوجب اعتبارهما كما هو الميزان الكلي.

و في المقام طائفة اخري من النصوص قد دلت علي نجاسة أبوال الدواب الثلاث فمن تلك النصوص ما رواه أبو مريم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

ما تقول في أبواب الدواب و أرواثها؟ قال: أما أبوالها فاغسل ما (ان) أصاب ثوبك و أما أرواثها فهي أكثر (أكبر) من ذلك «2».

و منها: ما رواه عبد الرحمن «3». و منها: ما رواه الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن أبوال الخيل و البغال فقال: اغسل ما أصابك منه «4».

و منها: ما رواه عبد الاعلي بن أعين قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن أبوال الحمير و البغال قال: اغسل ثوبك قال: قلت: فأرواثها قال: هو أكثر (أكبر) من ذلك «5».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 14

(2) نفس المصدر الحديث: 8.

(3) لاحظ ص: 130.

(4) الوسائل الباب 9 من أبواب النجاسات الحديث: 11

(5) نفس المصدر الحديث: 13.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 133

______________________________

و منها: ما رواه علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن الثوب يوضع في مربط الدابة علي بولها أو روثها قال: ان علق به شي ء فليغسله و ان أصابه شي ء من الروث أو الصفرة التي يكون معه فلا تغسله من صفرته «1».

و

منها: ما رواه محمد بن مسلم قال: سألته عن أبوال الدواب و البغال و الحمير، فقال: اغسله فان لم تعلم مكانه فاغسل الثوب كله فان شككت فانضحه «2».

و منها: ما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الثوب يقع في مربط الدابة علي بولها و روثها كيف يصنع؟ قال:

ان علق به شي ء فيغسله و ان كان جافا فلا بأس «3».

و حيث ان ما دل علي الطهارة ضعيف سندا فلا مناص من تخصيص ما يدل علي طهارة بول ما يؤكل لحمه بالاطلاق بهذه النصوص الخاصة الدالة علي النجاسة.

فالمتحصل من النصوص نجاسة أبوال الدواب الثلاث و أرواثها و لكن مع ذلك كله لا يمكن الالتزام بالنجاسة فان السيرة الخارجية علي خلافها و ارتكاز المتشرعة يقتضي طهارتها.

و ان شئت قلت: هذا الموضوع مورد ابتلاء العام بحيث لو كان الحكم الشرعي النجاسة لشاع و ذاع و لم تتحقق الشهرة علي خلافها و كذلك الارتكاز المتشرعي فيعلم أن الحكم هي الطهارة و اللّه العالم بحقائق الاشياء هذا بالنسبة إلي أبواب الدواب الثلاث.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 19

(2) نفس المصدر الحديث: 6

(3) نفس المصدر الحديث: 21

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 134

______________________________

و أما أوراثها فافاد سيدنا الاستاد- علي ما في التقرير- أن أوراثها طاهرة جزما لورود أخبار كثيرة دالة علي الطهارة ربما يدعي استفاضتها.

و فيه: أولا لم نظفر علي روايات كثيرة دالة علي المدعي و ثانيا في قبال أخبار الطهارة عدة نصوص دالة علي النجاسة فنقول: قد دلت جملة من النصوص علي طهارتها لاحظ ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا بأس بروث الحمير و اغسل أبوالها «1». و ما

رواه أبو الاغر «2». مضافا إلي حديث ابن بكير الدال علي طهارة روث الدواب بالتقريب المتقدم ذكره «3». بالاضافة الي حديث محمد الحلبي أنه قال لأبي عبد اللّه عليه السلام السرقين الرطب أطأ عليه فقال: لا يضرك مثله «4». و في المقام عدة روايات تدل علي نجاستها لاحظ احاديث: أبي مريم و عبد الاعلي و علي بن جعفر «5».

فتقع المعارضة بين الطرفين و حيث ان العامة قائلون بالنجاسة يكون الترجيح في الطائفة الاولي الدالة علي الطهارة بالاضافة إلي السيرة و الارتكاز.

اضف إلي ذلك أن الالتزام بالنجاسة ربما يؤدي إلي الحرج سيما في الازمنة السابقة فلاحظ.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 1

(2) لاحظ ص: 131.

(3) لاحظ ص: 131.

(4) الوسائل الباب 9 من أبواب النجاسات الحديث: 3.

(5) لاحظ ص: 132 و 133

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 135

[مسألة 358: بول الطير و ذرقة طاهران و ان كان غير مأكول اللحم]

(مسألة 358): بول الطير و ذرقة طاهران و ان كان غير مأكول اللحم (1).

______________________________

(1) الطير اذا كان محلل الاكل فلا اشكال في طهارة بوله و ذرقه و يكفي لإثبات المدعي حديث ابن بكير المتقدم ذكره «1» و انما الكلام في محرم الاكل و المشهور نجاسة بوله و خرئه.

و في قبال قول المشهور قولان آخران: أحدهما القول بالطهارة ثانيهما: التفصيل بين البول و الخرء بكون الثاني طاهرا و التردد في الاول و منشأ الاختلاف بين الاصحاب اختلاف النصوص فلا بد من ملاحظتها و استفادة الحكم الشرعي منها.

فنقول: النصوص الواردة علي طوائف: الطائفة الاولي: ما دل علي نجاسة البول علي الاطلاق لاحظ ما رواه محمد بن مسلم «2» و ما رواه ابن أبي يعفور «3» و ما رواه أبو اسحاق النحوي «4». فان مقتضي اطلاق هذه النصوص نجاسة بول الحيوان و لو كان طاهرا

فاذا ثبت نجاسة بوله يثبت نجاسة خرئه بعدم القول بالفصل و هذا التقريب غير تام اذ لم يتحقق اجماع علي عدم الفصل- كما ظهر من اختلاف الاقوال- و علي تقدير تحققه لا يكون اجماعا تعبديا كاشفا.

فالنتيجة: ان مقتضي اطلاق تلك النصوص نجاسة بول الطائر الذي لا يحل أكله الا أن يقال: بأن تلك النصوص منصرفة إلي خصوص بول الانسان فلاحظ.

______________________________

(1) لاحظ ص: 131.

(2) لاحظ ص: 119.

(3) لاحظ ص: 119.

(4) لاحظ ص: 119.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 136

______________________________

الطائفة الثانية ما يدل باطلاقه أو عمومه علي نجاسة بول ما يحرم أكله لاحظ حديثي ابن سنان «1».

الطائفة الثالثة: ما يدل علي أن كل طائر لا بأس ببوله و خرئه لاحظ ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كل شي ء يطير فلا بأس ببوله و خرئه «2».

و النسبة بين الاخيرتين العموم من وجه فان ما به الافتراق في الطائفة الثانية غير الطائر مما يحرم أكله و ما به الافتراق في الطائفة الثالثة الطائر الذي يحل أكله و مركز التعارض و الاجتماع المحرم الاكل من الطائر فلا بد من العلاج.

و لا يخفي أن الشهرة الفتوائية ليست من المرجحات- كما حقق في محله- كما أن مجرد كون الروايات أكثر في طرف من المتعارضين لا يوجب ترجيح ذلك الطرف و أيضا كون أحد الطرفين أصح سندا من الطرف الاخر لا يقتضي الترجيح.

و عن الشيخ الانصاري قدس سره: أنه رجح مقالة المشهور بتقريب: أن في المقام رواية يستفاد منها أن الميزان في خرء الطائر حلية أكله و تلك الرواية ما رواه عمار بن موسي عن الصادق عليه السلام قال: خرء الخطاف لا بأس به هو مما يؤكل لحمه و

لكن كره أكله لأنه استجار بك و أوي إلي منزلك و كل طير يستجير بك فاجره «3».

بدعوي: أنه علل في الرواية طهارة خرء الخطاف بكونه محلل الاكل بتقريب:

ان المستفاد من الرواية أن الميزان في طهارة فضلات الطيور حلية أكلها اذ لو كان

______________________________

(1) لاحظ ص: 118 و 119.

(2) الوسائل الباب 10 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

(3) الوسائل الباب 9 من أبواب النجاسات الحديث: 20.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 137

______________________________

العلة هو الطيران لكان الاولي التعليل به لا بحلية الاكل.

و أورد عليه سيدنا الاستاد بأن الشيخ الطوسي قدس سره نقل الرواية بطريقه عن عمار باسقاط لفظ الخرء و مع الاختلاف تصبح الرواية مضطربة ساقطة عن الاعتبار.

و يرد عليه: أن هذه الرواية اما رواية واحدة نقلت بنحوين أو متعددة أما علي التقدير الثاني فلا مجال للإشكال المذكور كما هو ظاهر و أما علي الاول فيدور الامر بين الزيادة و النقيصة و الميزان عندهم ترجيح جانب الزيادة بدعوي أن الاشتباه في الزيادة أبعد من الاشتباه في النقيصة فلا يتوجه الاشكال المذكور.

نعم يمكن الاشكال في كلام الشيخ قدس سره بوجه آخر و هو أنه لا ظهور في الرواية في أنه عليه السلام في مقام تعليل طهارة خرء الخطاف و ذلك لأنه عليه السلام ذيل كلامه بقوله: «و لكن كره» الي آخره فمن الممكن أنه في مقام بيان أن الخطاف حلال أكله لكنه مكروه لأجل الاستجارة فلا يرتبط هذا الكلام بطهارة خرئه و هذا الايراد قوي و يظهر بأدني تأمل في الرواية فعليه لا بد من علاج التعارض.

فنقول: ما قيل أو يمكن أن يقال في علاج التعارض امور:

منها: أن حديث أبي بصير يدل علي الطهارة بالعموم الوضعي و أما حديث ابن سنان

فعمومه بالاطلاق و العام الوضعي قابل للتصرف به في العموم الاطلاقي.

ان قلت: ان احد حديثي ابن سنان بالعموم الوضعي أيضا فلا ترجيح من هذه الجهة.

قلت: الامر و ان كان كذلك لكن هذه الرواية مخدوشة سندا لان علي بن محمد الذي يروي عنه الكليني كيف يمكنه الرواية عن عبد اللّه بن سنان مع هذا

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 138

______________________________

الفصل الزماني و لو فرضنا بقاء الراوي عن ابن سنان إلي زمان الكليني لم يؤثر في الاعتبار اذ لا نعرفه فالسند ساقط اما بالقطع و عدم اتصال السند و اما بكون الراوي عن ابن سنان مجهولا فالتقريب المذكور للترجيح مصون من الاشكال المزبور.

و منها: أنه لا بد في استقرار المعارضة بين العامين من وجه من عدم استلزام ترجيح أحد الطرفين اللغوية في طرف الاخر بأن لا يبقي تحته شي ء أو كون الباقي نادرا ملحقا بالعدم و في المقام لو قدم حديث ابن سنان علي حديث أبي بصير لا يبقي الا الطائر الذي يحل أكله و لم يعهد له البول بخلاف العكس اذ من الواضح انه لو اخرج الطائر من تحت دليل النجاسة يبقي كثير من الحيوانات التي لا يحل أكلها و يحكم بنجاسة بولها.

و هذا التقريب لا بأس به لكن كون الامر كذلك بالنسبة إلي الطائر المحلل أول الكلام و الاشكال.

و منها: أنه لو قدم حديث أبي بصير و حكم بطهارة بول الطائر علي الاطلاق لا تلزم اللغوية في العنوان المأخوذ في حديث ابن سنان كما هو ظاهر فان مقتضاه نجاسة بول كل حيوان محرم الاكل و هو كثير، و أما لو عكس الامر و قدم حديث ابن سنان تلزم لغوية العنوان المأخوذ في حديث أبي بصير لان

الطائر الذي يحل أكله يكون بوله طاهرا بعنوان حلية أكله و أما الطائر الذي يحرم أكله فبوله و خرئه نجس علي التقريب المذكور فعنوان الطيران يصبح لغوا و هذا أحد الوجوه المرجحة لترجيح أحد المتعارضين علي الاخر.

فالمتحصل: أن الطائر غير محلل الاكل خرئه و بوله طاهران.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 139

كالخفاش (1).

______________________________

(1) وقع الكلام بين القوم في فضلات الخفاش و يقع الكلام تارة في بوله و اخري في خرؤه أما بوله فما يمكن أن يستدل به علي نجاسته أمور:

الاول: الاجماع. و حال الاجماع في الاشكال ظاهر.

الثاني ما دل علي نجاسة مطلق البول لاحظ ما رواه محمد «1» الا أن يقال: بأن البول المذكور في النصوص منصرف إلي بول الانسان فلا يشمل غيره.

الثالث: حديث ابن سنان «2» فان المستفاد منه كما مر أن الميزان في الطهارة و النجاسة حلية أكل الحيوان و حرمته و لكن يعارضه حديث أبي بصير «3» فانه بعمومه الوضعي يدل علي طهارة بول الطائر و خرؤه و قد مر أن مقتضي الجمع بين الطرفين ترجيح حديث أبي بصير لكون عمومه بالوضع.

الرابع: ما رواه داود الرقي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي فأطلبه فلا أجده فقال: اغسل ثوبك «4» و هذه الرواية ضعيفة بيحيي بن عمر و بطريقها الاخر مرسلة فلاحظ.

مضافا إلي أن الرواية معارضة بما رواه غياث عن جعفر عن أبيه قال: لا بأس بدم البراغيث و البق و بول الخشاشيف «5».

و يحتمل أن يكون ما رواه غياث معتبرا سندا.

______________________________

(1) لاحظ ص: 119.

(2) لاحظ ص: 123

(3) لاحظ ص: 136

(4) الوسائل الباب 10 من أبواب النجاسات الحديث: 4.

(5) نفس المصدر الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 140

و

الطاوس و نحوهما (1).

[مسألة 359: ما يشك في أنه له نفس سائلة محكوم بطهارة بوله و خرئه]

(مسألة 359): ما يشك في أنه له نفس سائلة محكوم بطهارة بوله و خرئه (2).

______________________________

هذا بالنسبة إلي بوله و أما خرؤه فان قلنا بالتلازم بين بول الحيوان و خرؤه في الطهارة و النجاسة و بنينا علي الطهارة فالامر ظاهر و الا نلتزم أيضا بالطهارة لعدم دليل علي نجاسة خرؤه بالخصوص.

(1) قد ظهر مما ذكرنا أن الطائر لا بأس ببوله و خرؤه.

(2) بتقريب: أن مقتضي العام نجاسة بول كل حيوان محرم الاكل و انما خرج من تحته عنوان ما لا نفس له و بالاستصحاب العدم الازلي يحرز العنوان فان مقتضي الاستصحاب عدم كون الحيوان الكذائي ذا نفس سائلة فلا يشمله العام بل يشمله عنوان المخصص فيكون طاهرا.

لكن هذا انما يتم علي فرض القول بوجود دليل دال علي طهارة بول ما لا نفس له و هذا محل الكلام و الاشكال كما مر.

و بما ذكرنا ظهر أنه لا مجال لان يقال: ان مقتضي الاستصحاب عدم كون المشكوك فيه من أفراد الخاص فيشمله دليل نجاسة بول كل حيوان محرم الاكل.

و بعبارة اخري: كون الحيوان محرم الاكل بالوجدان و عدم كونه مما لا نفس له يثبت بالاصل فيحكم بنجاسة بوله و خرئه، فان هذا التقريب غير تام و ذلك لأنه انما يتم فيما يكون عنوان الخاص عنوانا وجوديا يحرز عدمه باستصحاب العدم فيدخل تحت العام كما لو قال المولي اكرم العلماء الا العالم الفاسق فانه لو شك في فسق عالم يمكن احراز عدمه بالاصل فيجب اكرامه بلحاظ وجوب اكرام

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 141

______________________________

مطلق العالم و أما في المقام فلا يتم هذا البيان اذ العنوان عدمي و هو عدم كونه ذا نفس سائلة و هذا مورد

الاصل اي الاصل يثبت عنوان الخاص فلاحظ.

و بما ذكرنا ظهر أنه لا تصل النوبة إلي اصالة الطهارة فانه مع وجود الاصل الموضوعي لا تصل النوبة إلي الاصل الحكمي كما هو المقرر.

و مع الاغماض عما ذكر لا نري مانعا من إجراء اصالة الطهارة أيضا.

و في المقام اشكال من صاحب الجواهر قدس سره و هو التردد في إجراء الاصل بدعوي: أن الشارع حكم بنجاسة فضلة الحيوان الذي يحرم أكله الا فيما لا نفس سائلة له فلا بد في مورد الشك من الاختبار.

و بعبارة اخري: يكون المقام نظير امر الشارع بالصلاة إلي القبلة و في الوقت فلا بد من احراز القيود و لا مجال للأصل فكذلك في المقام لا مجال لإجراء الاصل بل لا بد من الاحراز.

و يرد علي هذا البيان أولا أنه بالاستصحاب يحرز عدم كونه مما له نفس فلا يكون المكلف شاكا بل بحكم الشارع محرز لكونه مما ليست له نفس سائلة.

و ثانيا: لا مجال لقياس المقام علي مثال القبلة و الوقت فانه فرق بين القيود اذ تارة يكون القيد قيدا للمأمور به و اخري يكون قيدا للأمر فعلي الاول لا بد من الاحراز لان الاشتغال معلوم فلا بد من احراز البراءة و أما علي الثاني فلا مانع من إجراء الاصل اذ الشك في التكليف و الشك في التكليف مورد الاصل بلا فرق بين كونه حكمية و كونه موضوعية فلاحظ.

و صفوة القول. انه ان قلنا بتمامية الدليل علي طهارة بول ما لا نفس له فيمكن احراز الموضوع بالاستصحاب كما ذكرنا و لا تصل النوبة إلي قاعدة الطهارة و أما ان قلنا بأن الدليل القائم علي المدعي مورد الاشكال كما مر فيكفي لإثبات النجاسة

مباني منهاج الصالحين، ج 3،

ص: 142

و كذا ما يشك في أنه محلل الاكل أو محرمه (1).

______________________________

ما يدل علي نجاسة بول ما حرم أكله.

(1) في المقام فرعان: احدهما: ما لو شك في الحلية و الحرمة من جهة الشبهة الحكمية. ثانيهما من جهة الشبهة الموضوعية.

أما الفرع الاول فمقتضي اصالة الطهارة طهارة بوله و خرئه مثلا لو تولد من الكلب و الشاة حيوان لا يصدق عليه شي ء من العنوانين يكون مقتضي اصالة الطهارة طهارة فضلته.

و ربما يقال: ان المستفاد من الدليل أن الحيوان الذي لا يحل أكله تكون فضلته نجسا و يمكن احراز عنوان العام باستصحاب عدم حلية الحيوان بنحو الاصل الازلي حيث ان الحيوان المزبور لم يكن حلالا قبل الشرع و مقتضي الاستصحاب بقائه علي ما كان.

و أورد سيدنا الاستاد علي هذا التقريب بأنه لا مجال للأصل اذ يكفي للحلية مجرد عدم الالزام باحد الطرفين فان الحلية عبارة عن عدم الالزام باحد طرفي الفعل و الترك.

و بعبارة اخري: الحلية لا تحتاج إلي الجعل بل يكفي لها مجرد عدم الالزام فلا مجال لاستصحاب عدم الحلية.

و الانصاف أنه لا يمكن الاذعان بهذا المدعي فانه خلاف الظاهر من الادلة لاحظ حديث ابن بكير «1» فان الظاهر بل الصريح في كلامه عليه السلام أن الحيوان علي قسمين: قسم حرم الشارع أكله و قسم حلل الشارع أكله.

______________________________

(1) لاحظ ص: 131

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 143

______________________________

و بعبارة اخري: المستفاد من الرواية ان الحلية كالحرمة أمر جعلي و زمامه بيد الشارع الاقدس و قس علي هذا الحديث كثيرا من النصوص الدالة علي أن الحلية أمر مجعول من قبل الشارع لاحظ ما رواه عذافر عن أبي جعفر عليه السلام قال:

قلت له: لم حرم اللّه الخمر و الميتة و لحم

الخنزير و الدم؟ فقال: ان اللّه تبارك و تعالي لم يحرم ذلك علي عباده و أحل لهم ما وراء ذلك من رغبة فيما أحل لهم و لا زهد فيما حرمه عليهم و لكنه خلق الخلق فعلم ما تقوم به أبدانهم و ما يصلحهم فأحله لهم و أباحه لهم و علم ما يضرهم فنهاهم عنه ثم أحله للمضطر في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلا به «1».

و لاحظ ما رواه علي بن الحسين المرتضي في رسالة المحكم و المتشابه نقلا من تفسير النعماني باسناده عن علي عليه السلام قال: و اما ما في القرآن تأويله في تنزيله فهو كل آية محكمة نزلت في تحريم شي ء من الامور المتعارفة التي كانت في أيام العرب تأويلها في تنزيلها فليس يحتاج فيها إلي تفسير أكثر من تأويلها و ذلك مثل قوله تعالي في التحريم: حرمت عليكم امهاتكم و بناتكم و أخواتكم إلي آخر الاية و قوله: انما حرمت عليكم الميتة و الدم و لحم الخنزير الاية و قوله تعالي:

يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّٰهَ وَ ذَرُوا مٰا بَقِيَ مِنَ الرِّبٰا الاية إلي قوله: وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا و قوله تعالي: قُلْ تَعٰالَوْا أَتْلُ مٰا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلّٰا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً الي آخر الاية و مثل ذلك في القرآن كثير مما حرم اللّه سبحانه لا يحتاج المستمع له إلي مسألة عنه و قوله عز و جل في معني التحليل: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الأطعمة المباحة الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 144

______________________________

متاعا لكم و للسيارة و قوله: و اذا حللتم فاصطادوا و قوله تعالي: يَسْئَلُونَكَ مٰا ذٰا أُحِلَّ لَهُمْ

قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ وَ مٰا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوٰارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّٰا عَلَّمَكُمُ اللّٰهُ و قوله: وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ و قوله: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعٰامِ إِلّٰا مٰا يُتْليٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ و قوله: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيٰامِ الرَّفَثُ إِليٰ نِسٰائِكُمْ و قوله: لٰا تُحَرِّمُوا طَيِّبٰاتِ مٰا أَحَلَّ اللّٰهُ لَكُمْ و مثله كثير «1».

و لاحظ ما رواه الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول عن الصادق عليه السلام «2». الي غيرها من النصوص في الابواب المختلفة.

فان المستفاد من هذه النصوص أن الحلية كغيرها من الاحكام مجعولة من قبل الشارع بل يستفاد من جملة من الآيات القرآنية أن الحلية مجعولة لجملة من الامور لاحظ بعض الآيات المذكور في ما نقلناه عن رسالة المحكم و المتشابه.

و الادعاء المذكور من سيدنا الاستاد علي خلاف هذه الروايات و الآيات و دعوي بلا دليل بل الادلة علي خلافها.

مضافا إلي أن الاهمال في الواقع غير معقول فان الشارع الاقدس بيده الامور التشريعية و لا بد من متابعته و عليه نسأل: المباح- كأكل التفاح مثلا- يكون من قبله مأذونا فيه أم لا؟ فعلي الاول يكون حلالا و قد اذن فيه و علي الثاني لا يكون حلالا.

فالنتيجة: أن ما أفاده غير تام فلا بد في رفع اليد من جريان استصحاب عدم الحلية من التماس وجه آخر.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 6

(2) الوسائل الباب 2 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 145

______________________________

و الذي يخطر بالبال أن يقال: انه لو كان استصحاب عدم الحلية حجة و جاريا يلزم لغوية دليل اصالة البراءة اذ ما من مورد تجري فيه البراءة الا و أن الاستصحاب يقتضي

عدمها فما فائدة جعل أصل البراءة في الاحكام الكلية الإلهية بل مقتضي الاستصحاب المذكور عدم الحلية في الشبهات الموضوعية لعين التقريب المذكور في جريانه في الحكم الكلي فلازم اعتبار هذا الاستصحاب لغوية جعل البراءة و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم الفاسد؟!!.

مضافا إلي أن المستفاد من حديث ابن سنان «1» أن الميزان في نجاسة البول و الخرء حرمة أكل الحيوان لا عدم حليته.

فالنتيجة: أنه لا مانع من جريان اصالة الطهارة في فضلة الحيوان الذي لا يكون معنونا بعنوان مخصوص و هل يمكن الحكم بطهارة بوله و خرئه بجريان اصالة الحلية في لحمه؟ بتقريب: أن الحيوان اذا كان محلل الاكل يكون بوله طاهرا.

الذي يمكن أن يقال: ان التلازم المستفاد من الحديث هو التلازم الواقعي الموجود بين الحلية و الطهارة و أما الحيوان اذا حكم عليه بالحلية ظاهرا فلا وجه للحكم بطهارة بوله لعدم الدليل.

نعم حيث ان النجاسة من أحكام محرم الاكل يمكن اثبات عدم نجاسة البول و الخرء باستصحاب عدم جعل الحرمة لأكل لحمه فان مقتضي الاستصحاب عدم كونه حراما و الاستصحاب اصل محرز و مع احراز عدم جعل الحرمة يثبت عدم جعل النجاسة.

______________________________

(1) لاحظ ص: 118

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 146

______________________________

تنبيه: ربما يقال: بأن الاصل الاولي في اللحوم في الشبهة الحكمية هي الحرمة بتقريب أن أكل الحيوان حال الحياة حرام و مقتضي الاستصحاب بقاء تلك الحرمة.

و يرد عليه أولا أنه اي دليل دل علي حرمة الحيوان الحي و لذا نري أنهم يجوزون ابتلاع السمكة الحية.

ان قلت: بمقتضي حصر الجواز في المذكي لا يجوز الا أكل الحيوان المذكي.

قلت: التذكية تقع علي الحيوان المذبوح أو المصاد و بعبارة اخري: تحقق التذكية يتوقف علي خروج الروح من البدن فلا

موضوع للتذكية بالنسبة إلي الحيوان الحي.

و ثانيا: قد مر منا مرارا في هذا الشرح أن الاستصحاب لا يجري في الحكم الكلي.

و ثالثا: انه لا مجال للاستصحاب مع وجود الدليل الاجتهادي و مقتضي جملة من الآيات حلية لحم الحيوان الا ما خرج بالدليل:

منها قوله تعالي: يَسْئَلُونَكَ مٰا ذٰا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ وَ مٰا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوٰارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّٰا عَلَّمَكُمُ اللّٰهُ فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهِ وَ اتَّقُوا اللّٰهَ إِنَّ اللّٰهَ سَرِيعُ الْحِسٰابِ «1».

و منها: قوله تعالي: قُلْ لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَليٰ طٰاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّٰا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّٰهِ «2».

______________________________

(1) المائدة/ 3

(2) الانعام/ 145

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 147

______________________________

فالمتحصل: أنه في الشبهة الحكمية يكون مقتضي الدليل الاجتهادي و الاصل العملي هي الحلية فلا مجال لان يقال: ان مقتضي الاصل حرمة أكل الحيوان و يترتب عليه نجاسة بوله و خرئه بمقتضي حديث ابن سنان.

مضافا إلي أن المستفاد من الدليل أن الموضوع المأخوذ في الادلة حرمة الحيوان بما هو حيوان اما بعنوانه الاولي كالسباع أو بعنوانه الثانوي كالجلال و الموطوء و أما الحرمة العارضة بالعنوان العرضي- ككونه مغصوبا أو كونه غير مذكي- فلا يترتب علي مثل هذه الحرمة نجاسة البول و الخرء.

اضف إلي ذلك أن التلازم الشرعي بين الحرمة و النجاسة انما يكون بين الحرمة الواقعية و النجاسة و أما الحرمة المترتبة عليه ظاهرا بمقتضي الاصل العملي فلا يترتب عليها النجاسة و عليه لو فرضنا أن مقتضي الاصل في مورد الشك هي الحرمة لم يترتب عليه نجاسة البول و الخرء للحيوان فلا تغفل.

الا أن يقال:

بأن الاستصحاب اصل محرز و يترتب عليه آثار الواقع فلاحظ.

هذا تمام الكلام في الفرع الاول.

و اما الفرع الثاني و هو ما يكون الشك في النجاسة و الطهارة من جهة الشك من جهة الشبهة الموضوعية فأيضا لا مانع من اجراء اصالة الطهارة بل يكفي لإثباتها عدم كون الحيوان محرم الاكل فان الشك في الطهارة مسبب من كون الحيوان حراما أو حلالا و مع الاصل السببي لا تصل النوبة إلي الاصل المسببي فببركة استصحاب عدم كون الحيوان محرم الاكل يثبت طهارة بوله و خرئه.

لكن يشكل بأن هذا يتوقف علي القول بحجية المثبت توضيحه أن المستفاد من الدليل أن الميزان في النجاسة حرمة الاكل كما أن الميزان للطهارة حليته

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 148

[الثالث: المني من كل حيوان له نفس سائلة]

الثالث: المني من كل حيوان له نفس سائلة و ان حل أكل لحمه و أما مني ما لا نفس له سائلة فطاهر (1).

______________________________

و استصحاب عدم كون الحيوان محرم الاكل لا يثبت انه محلل الاكل الا بتقريب الاثبات.

اللهم الا ان يقال: انه يكفي لنفي النجاسة اصالة عدم كونه محرم الاكل و لا نحتاج إلي اثبات الطهارة كي يقال بأنه يتوقف علي القول بالاثبات فلاحظ.

(1) يستفاد مما أفاده الماتن في المقام فروع:

الاول: أن مني الانسان نجس و لا اشكال في نجاسته فانه من الواضحات و تدل علي المدعي مضافا إلي الاجماع و الضرورة جملة من النصوص منها: ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: قال سألته عن المذي يصيب الثوب فقال: ينضحه بالماء ان شاء و قال في المني يصيب الثوب قال: ان عرفت مكانه فاغسله و ان خفي عليك فاغسله كله «1».

و في قبال النصوص الدالة علي النجاسة طائفة اخري من النصوص يمكن

أن يقال بأنه يستفاد منها طهارة المني لاحظ ما رواه زرارة قال: سألته عن الرجل يجنب في ثوبه أ يتجفف فيه من غسله؟ فقال: نعم لا بأس به الا أن تكون النطفة فيه رطبة فان كانت جافة فلا بأس «2».

و ما رواه أبو اسامة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام تصيبني السماء و علي ثوب فتبله و أنا جنب فيصيب بعض ما أصاب جسدي من المني أ فأصلي فيه؟ قال:

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق مباني منهاج الصالحين؛ ج 3، ص: 148

(2) الوسائل الباب 27 من أبواب النجاسات الحديث: 7.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 149

______________________________

نعم «1».

و لكن لا يمكن رفع اليد عن المدعي بهذه الطائفة و لا بد من حملها علي بعض الوجوه منها كونها موافقة مع بعض العامة- علي ما نقل- و محصل الكلام أنه لا اشكال و لا كلام في نجاسة مني الانسان.

الفرع الثاني: المني من الحيوان الذي يكون محرم الاكل و ذا نفس سائلة فانه نقل الاجماع علي نجاسته و تدل علي المدعي النصوص الدالة علي نجاسة المني اذ لا وجه لانصرافها إلي خصوص مني الانسان الا أن يقال: بندرة ابتلاء الانسان بمني غيره من الحيوانات.

و يرد عليه أولا: ان ندرة الابتلاء به أول الكلام. و ثانيا: أن ندرة الابتلاء لا تقتضي الانصراف و ملخص الكلام أن اطلاقات النصوص محكمة.

الفرع الثالث: المني من الحيوان الحلال ذي نفس سائله كالبقر و أمثاله فانه نقل عليه الاجماع أيضا و قد ظهر مما تقدم أنه يكفي لإثبات المدعي اطلاق نصوص نجاسة المني.

و في المقام

روايتان تعارضان نصوص النجاسة أحدهما ما رواه عمار «2» فان اطلاق قوله: «فلا بأس بما يخرج منه» يشمل مني الحيوان و النسبة بين الطرفين بالعموم من وجه و يقع التعارض بين الطرفين في مني الحيوان المحلل.

و اختصاص المراد مما يخرج منه بالبول و الروث- كما في الحدائق- عهدة اثباته عليه و لا وجه له فلا بد من العلاج و يمكن القول بأن الترجيح مع حديث

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 3

(2) لاحظ ص: 123

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 150

______________________________

عمار و يترتب عليه الطهارة لمخالفتها مع العامة- علي ما يظهر من خلاف الشيخ قدس سره «1» كما أنه لو قلنا: بأن مقتضي التعارض التساقط تصل النوبة الي الطهارة.

ثانيهما ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: ان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كل شي ء منه جائز اذا علمت أنه ذكي «2».

فان مقتضي هذا الخبر أن كل حيوان يكون حلالا يجوز الصلاة في كل شي ء منه و لا شبهة في أن المني من مصاديق هذا الكلي فمنيه طاهر بمقتضي هذا الخبر.

و قال صاحب الحدائق: «المراد هي الاشعار و الاوبار و الجلود و نحوها فلا يشمل الدليل مني الحيوان».

بدعوي أن الحكم بعدم البأس حيثي فلا ينافي نجاسة المني بدليل آخر.

و بعبارة اخري: الحكم بعدم البأس في حديث زرارة بلحاظ كونه محلل الاكل فلا ينافي البأس من ناحية اخري و هي النجاسة.

و الحق أن هذه الدعوي خلاف ظاهر الدليل فان الظاهر منه أنه في مقام بيان الحكم الفعلي فالمستفاد من الحديث أن الحيوان اذ حل أكله يجوز الصلاة في منيه و بالملازمة تثبت طهارته فيقع التعارض

بين خبر زرارة و نصوص نجاسة المني علي نحو الاطلاق و الترجيح مع حديث زرارة لكون عمومه وضعيا فالنتيجة هي

______________________________

(1) كتاب الخلاف ج 1 ص: 182

(2) الوسائل الباب 9 من أبواب النجاسات ذيل الحديث: 6.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 151

[الرابع: الميتة من الحيوان ذي النفس السائلة]
اشارة

الرابع: الميتة من الحيوان ذي النفس السائلة (1).

______________________________

الطهارة لكن هل يمكن رفع اليد عن الاجماع القائم علي النجاسة؟ فان الالتزام بالطهارة خلاف التورع.

الفرع الرابع: المني من الحيوان الذي ليس له نفس سائلة فان كان محلل الاكل فلا اشكال في طهارته لدلالة حديث زرارة مضافا إلي الاجماع المدعي علي الطهارة و أما ان كان من محرم الاكل كمني الحية فيشكل الجزم بالطهارة بعد وجود الاطلاقات و قد تقدم أن الانصراف المدعي بلا وجه بعد صدق اللفظ بما له من المفهوم علي مني غير الانسان فلا مناص من الاحتياط.

(1) بلا اشكال و لا كلام بينهم بل ادعي أن نجاسة الميتة من ضروريات المذهب بل من ضروريات الدين هكذا نقل عن الجواهر.

و كيف كان استدل علي المدعي بطوائف من النصوص:

الطائفة الاولي: ما يدل علي نزح البئر لموت جملة من الحيوانات فمن تلك النصوص ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان سقط في البئر دابة صغيرة أو نزل فيها جنب نزح منها سبع دلاء فان مات فيها ثور أو صب فيها خمر نزح الماء كله «1».

و منها: ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا سقط في البئر شي ء صغير فمات فيها فانزح منها دلاء و أن وقع فيها جنب فانزح منها سبع دلاء و ان مات فيها بعير أو صب فيها خمر فلتنزح «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من

أبواب الماء المطلق الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 6.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 152

______________________________

و منها: رواه سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفارة تقع في البئر أو الطير قال: ان أدركته قبل أن ينتن نزحت منها سبع دلاء و ان كانت سنورا أو أكبر منه نزحت منها ثلاثين دلوا أو أربعين دلوا و ان أنتن حتي يوجد ريح النتن في الماء نزحت البئر حتي يذهب النتن من الماء «1».

و منها: ما رواه زرارة و محمد بن مسلم و بريد بن معاوية عن أبي عبد اللّه أو أبي جعفر عليهما السلام في البئر تقع فيها الدابة و الفارة و الكلب و الخنزير و الطير فيموت قال: يخرج ثم ينزح من البئر دلاء ثم اشرب منه و توضأ «2».

و منها: ما رواه أبو العباس الفضل البقباق قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام في البئر يقع فيها الفارة أو الدابة أو الكلب أو الطير فيموت قال: يخرج ثم ينزح من البئر دلاء ثم يشرب منه و يتوضأ «3».

و منها ما رواه أبو أسامة زيد الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الفارة و السنور و الدجاجة و الكلب و الطير قال: فاذا لم يتفسخ أو يتغير طعم الماء فيكفيك خمس دلاء و ان تغير الماء فخذ منه حتي يذهب الريح «4».

و منها ما رواه أبو سعيد المكاري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا وقعت الفارة في البئر فتسلخت فانزح منها سبع دلاء «5» الي غيرها.

______________________________

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب الماء المطلق الحديث: 4.

(2) نفس المصدر الحديث: 5.

(3) نفس المصدر الحديث: 6

(4) نفس المصدر الحديث: 7

(5) الوسائل الباب 19 من أبواب

الماء المطلق الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 153

______________________________

بتقريب أن المستفاد من هذه النصوص نجاسة ماء البئر بموت الحيوان فيه فيفهم نجاسة الميتة.

ان قلت: بناء الاصحاب علي عدم نجاسة البئر بموت الحيوان فيه. قلت:

غاية ما في الباب رفع اليد عن نجاسة البئر لكن لا نرفع اليد عن دلالة النصوص علي نجاسة الميتة.

و ان شئت قلت: ان هذه النصوص تدل علي انفعال ماء البئر بملاقاته النجس و تدل أيضا علي كون الميتة نجسا لكن نرفع اليد من احدي الدلالتين و تبقي الاخري بحالها.

و لقائل أن يقول: ان نصوص المنزوحات لا تدل علي النجاسة اذ قد امر بالنزح بلحاظ وقوع الحيوان فيه أو وقوع الجنب لاحظ ما رواه عبد اللّه بن سنان «1» و من الظاهر عدم نجاسة بدن الجنب و عدم نجاسة الحيوان قبل الموت فلاحظ و مجرد ذكر الميتة في كلام الامام عليه السلام في عداد جملة من الاعيان النجسة كما في حديث زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام بئر قطرت فيها قطرة دم أو خمر قال: الدم و الخمر و الميت و لحم الخنزير في ذلك كله واحد ينزح منه عشرون دلوا فان غلب الريح نزحت حتي تطيب «2» لا يدل علي المدعي اذ لو كان الميزان في النزح ملاقاة ماء البئر مع النجاسة لم يكن وجه لتخصيص الذكر بهذا العدد الخاص الا أن يقال: ان الوجه فيه أن مقدار النزح يختلف باختلاف النجاسات.

______________________________

(1) لاحظ ص: 151

(2) الوسائل الباب 15 من أبواب الماء المطلق الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 154

______________________________

الطائفة الثانية: ما يدل علي نجاسة الماء بملاقاة الميتة لاحظ ما رواه حريز بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام

قال: كلما غلب الماء علي ريح الجيفة فتوضأ من الماء و الشرب فاذا تغير الماء و تغير الطعم فلا توضأ منه و لا تشرب «1».

و ما رواه أبو خالد القماط أنه سمع أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في الماء يمر به الرجل و هو نقيع فيه الميتة و الجيفة فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: ان كان الماء قد تغير ريحه أو طعمه فلا تشرب و لا تتوضأ منه و ان لم يتغير ريحه و طعمه فاشرب و توضأ «2».

و ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يمر بالماء و فيه دابة ميتة قد انتنت قال: اذا كان النتن الغالب علي الماء فلا تتوضأ و لا تشرب «3».

و ما رواه عمار بن موسي الساباطي أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل يجد في انائه فارة و قد توضأ من ذلك الاناء مرارا أو اغتسل منه أو غسل ثيابه و قد كانت الفارة متسلخة فقال: ان كان رآها في الاناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثم يفعل ذلك بعد ما رآها في الاناء فعليه أن يغسل ثيابه و يغسل كل ما أصابه ذلك الماء و يعيد الوضوء و الصلاة و ان كان انما رآها بعد ما فرغ من ذلك و فعله فلا يمس من ذلك الماء شيئا و ليس عليه شي ء لأنه لا يعلم متي سقطت فيه ثم قال:

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب الماء المطلق الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 4

(3) نفس المصدر الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 155

______________________________

لعله أن يكون انما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها «1» و الظاهر أنه

لا اشكال في دلالة هذه الطائفة علي المدعي.

الطائفة الثالثة: النصوص الدالة علي حرمة أكل ما وقعت فيه الميتة لاحظ ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: اذا وقعت الفارة في السمن فماتت فان كان جامدا فالقها و ما يليها و كل ما بقي و ان كان ذائبا فلا تأكله و استصبح به و الزيت مثل ذلك «2».

و ما رواه جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: أتاه رجل فقال: وقعت فارة في خابية فيها سمن أو زيت فما تري في أكله؟ قال: فقال له أبو جعفر عليه السلام لا تأكله فقال له الرجل: الفارة أهون علي من أن أترك طعامي من أجلها قال:

فقال له أبو جعفر عليه السلام انك لم تستخف بالفارة و انما استخففت بدينك ان اللّه حرم الميتة من كل شي ء «3».

و ما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام سئل عن قدر طبخت و اذا في القدر فارة قال: يهرق مرقها و يغسل اللحم و يؤكل «4».

و ما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن الخنفساء و الذباب و الجراد و النملة و ما أشبه ذلك يموت في البئر و الزيت و السمن و شبهه قال: كل ما ليس له دم فلا بأس «5».

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب الماء المطلق الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 5 من أبواب الماء المضاف الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث 2:

(4) نفس المصدر الحديث: 3

(5) الوسائل الباب 35 من أبواب النجاسات الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 156

______________________________

و ما رواه معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت: جرذ مات في زيت

أو سمن أو عسل فقال: أما السمن و العسل فيؤخذ الجرذ و ما حوله و الزيت يستصبح به «1» و ما رواه أبو بصير «2».

بتقريب: أن النهي عن الاكل يدل علي نجاسة الملاقي.

الطائفة الرابعة ما ورد في الاستصباح باليات الغنم لاحظ ما رواه الحسن بن علي قال: سألت أبا الحسن عليه السلام فقلت: جعلت فداك ان أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها قال: هي حرام قلت: فنصطبح بها؟ قال: أما تعلم أنه يصيب اليد و الثوب و هو حرام «3».

الطائفة الخامسة ما يدل علي النهي عن الاكل في آنية أهل الكتاب اذا كانوا يأكلون فيها الميتة لاحظ ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال:

سألته عن آنية أهل الكتاب فقال: لا تأكل في آنيتهم اذا كانوا يأكلون فيه الميتة و الدم و لحم الخنزير «4».

فانه لا اشكال في استفادة نجاسة الميتة من هذه النصوص.

الطائفة السادسة: ما ورد فيمن يعمل أغماد السيوف لاحظ ما رواه قاسم الصيقل قال: كتبت إلي الرضا عليه السلام: اني أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثيابي فاصلي فيها؟ فكتب إلي: اتخذ ثوبا لصلاتك فكتبت إلي أبي

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 3

(3) الوسائل الباب 30 من أبواب الذبائح الحديث: 2

(4) الوسائل الباب 54 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 157

______________________________

جعفر الثاني عليه السلام: كنت كتبت إلي أبيك عليه السلام بكذا و كذا فصعب علي ذلك فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشية الذكية فكتب إلي: كل أعمال البر بالصبر يرحمك اللّه فان كان ما تعمل وحشيا ذكيا فلا بأس «1».

الطائفة السابعة: ما يدل علي أن

ما لا نفس له لا يفسد الماء لاحظ ما رواه حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام قال: لا يفسد الماء الا ما كانت له نفس سائلة «2».

و يفهم بمقتضي الشرطية أن ما له نفس سائلة يفسد الماء و ليس الفساد في أمثال المقام الا النجاسة.

الطائفة الثامنة: ما يدل علي عدم جواز الصلاة في الميتة لاحظ ما رواه محمد بن مسلم قال: سألته عن الجلد الميت أ يلبس في الصلاة اذا دبغ قال: لا و لو دبغ سبعين مرة «3».

و أما ما ارسله الصدوق قال: سئل الصادق عليه السلام عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن و الماء و السمن ما تري فيه؟ فقال: لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن و تتوضأ منه و تشرب و لكن لا تصلي فيها «4» فلا يمكن أن يقاوم في قبال الروايات المتواترة فيطرح مضافا إلي أن المرسل لا اعتبار به.

هذا كله بالنسبة إلي الميت غير الادمي و أما فيه فقد ورد ما يدل علي نجاسته

______________________________

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب النجاسات الحديث: 4

(2) الوسائل الباب 35 من أبواب النجاسات الحديث: 2

(3) الوسائل الباب 1 من أبواب لباس المصلي الحديث: 1

(4) الوسائل الباب 34 من أبواب النجاسات الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 158

و ان كان محلل الاكل (1) و كذا أجزائها المبانة منها (2).

______________________________

لاحظ ما رواه ابراهيم بن ميمون قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل يقع ثوبه علي جسد الميت قال: ان كان غسل الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه و ان كان لم يغسل فاغسل ما اصاب ثوبك منه يعني اذا برد الميت

«1» و مثله غيره.

(1) بلا اشكال و لا كلام و قد وردت جملة من النصوص المشار اليها في الحيوان المحلل أكله فلاحظ.

(2) فانه لا اشكال في أن العرف يفهم من دليل نجاسة الميتة نجاسة أجزائها المبانة منها و لا يفرق بين حالتي اتصال الاجزاء و انفصالها.

و بعبارة اخري: ان العرف لا يفهم من الدليل اشتراط الهيئة الاتصالية كما هو الحال في نظائر المقام و العرف ببابك.

اضف إلي ذلك ما ورد في خصوص بعض أجزائها لاحظ ما رواه محمد بن مسلم «2». و لاحظ ما ورد في النهي عن الاكل في آنية أهل الذمة معللا بأنهم يأكلون فيها الميتة اذ من الظاهر أن ما يأكلون فيها بعض الميتة إلي غيرهما من الشواهد.

و يضاف إلي ذلك ما دل علي طهارة مالا تحله الحياة بعلة عدم الروح فيها لاحظ الروايات في الباب 68 من أبواب النجاسات من الوسائل منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة ان الصوف ليس فيه روح «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب النجاسات الحديث: 1

(2) لاحظ ص 157

(3) الوسائل الباب 68 من أبواب النجاسات الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 159

و ان كانت صغارا (1).

(360) الجزء المقطوع من الحي بمنزله الميتة (2).

______________________________

فانه يفهم من تلك النصوص أن الميزان في النجاسة و الطهارة عدم حلول الروح و حلوله فلاحظ.

فتحصل أنه لا مجال للمناقشة- كما عن صاحب المدارك- في نجاسة الاجزاء المبانة بتقريب أن عنوان الميتة لا يصدق علي الجزء منها و استدل علي النجاسة باستصحابها فانه لا تصل النوبة إلي الاصل مضافا إلي أن الاستصحاب في الحكم الكلي معارض فتصل النوبة إلي قاعدة

الطهارة.

(1) للإطلاق.

(2) ادعي عليه الاجماع و تدل علي المدعي جملة من النصوص منها ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يدا أو رجلا فذروه فانه ميت و كلوا ما أدركتم حيا و ذكرتم اسم اللّه عليه «1». و مثله غيره المذكور في الباب 24 من أبواب الصيد من الوسائل.

و تقريب الاستدلال بهذه الروايات علي المدعي أن المولي حكم علي القطعة المبانة بكونها ميتة و مقتضي عموم التنزيل كونها نجسة و اختصاص التنزيل بلحاظ حرمة الاكل فقط لا وجه له بعد كون النجاسة من أظهر آثار الميتة فلاحظ.

و يؤيد المدعي ما وردت من النصوص الدالة علي أن أليات الغنم المقطوعة

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب الصيد الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 160

و يستثني من ذلك الفالول و البثور و ما يعلو الشفة و القروح و نحوها عند البرء و قشور الجرب و نحوه المتصل بما ينفصل من شعره و ما ينفصل بالحك و نحوه من بعض الابدان فان ذلك كله طاهر اذا فصل من الحي (1).

______________________________

ميتة لاحظ ما رواه الحسن بن علي «1».

و ما رواه الكاهلي قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده عن قطع أليات الغنم فقال: لا بأس بقطعها اذا كنت تصلح بها مالك ثم قال: ان في كتاب علي عليه السلام أن ما قطع منها ميت لا ينتفع به «2» و ما رواه أبو بصير «3».

و تقريب الاستدلال بها علي المدعي ذلك التقريب بعينه و انما عبرنا بالتأييد لضعف اسنادها فلاحظ.

(1) تارة يستدل علي الطهارة بعدم المقتضي للنجاسة فيحكم بطهارتها بقاعدة الطهارة

بتقريب أن الروايات المستدل بها علي نجاسة القطعة المبانة منصرفة عن الامور المذكورة.

و فيه: أنه ان تم الانصراف بالنسبة إلي غير الثالول فلا وجه لانصرافها عنه اذ لا وجه له الاصغر الجزء و هل يمكن أن يفرق بين العضو الكبير و الصغير؟

و الانصاف أنه مشكل فان المستفاد من تلك النصوص أن العضو المبان بحكم الميتة بلا فرق بين الصغير و الكبير.

______________________________

(1) لاحظ ص: 156

(2) الوسائل الباب 30 من أبواب الذبائح الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 161

______________________________

و ربما يستدل علي طهارتها بجريان السيرة عليها. و الانصاف أن تمامية السيرة بالنسبة إلي الثالول غير تام و دعوي بلا بينة نعم بالنسبة إلي غيره لا تبعد دعوي السيرة كما أن دعوي لزوم الحرج لو لم يكن طاهرا جزافية.

و ربما يستدل علي المدعي بما رواه علي بن جعفر أنه سأل أخاه موسي بن جعفر عليه السلام عن الرجل يتحرك بعض أسنانه و هو في الصلاة هل ينزعه؟ قال:

ان كان لا يدميه فلينزعه و ان كان يدميه فلينصرف و عن الرجل يكون به الثالول أو الجرح هل يصلح له أن يقطع الثالول و هو في صلاته أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح و يطرحه؟ قال: ان لم يتخوف أن يسيل الدم فلا بأس و ان تخوف أن يسيل الدم فلا يفعله الحديث «1».

بتقريب: أن مقتضي اطلاق عدم البأس طهارته بدعوي: أنه ربما يصيبه اليد المرطوبة فعدم البأس يستلزم طهارته.

و فيه: أنه لا اطلاق في الرواية من هذه الجهة بل المستفاد منها أن قطع الثالول في الصلاة أو نتف بعض اللحم من حيث هو لا يفسدها و لذا نري أن الفقهاء القائلين بالطهارة لا يلتزمون

ظاهرا بطهارة اللحم الصغير المنتوف من البدن و الحال أنه مذكور في الرواية في عرض قطع الثالول فلاحظ فالمتحصل أن مقتضي الصناعة الاحتياط.

______________________________

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب قواطع الصلاة الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 162

[مسألة 361: أجزاء الميتة إذا كانت لا تحلها الحياة طاهرة]

(مسألة 361): أجزاء الميتة اذا كانت لا تحلها الحياة طاهرة و هي الصوف و الشعر و الوبر و العظم و القرن و المنقار و الظفر و المخلب و الريش و الظلف و السن (1).

______________________________

(1) ادعي عليها عدم الخلاف و لا يخفي أن المقصود من الحياة الحيوانية لا الاعم منها و من النباتية. و عمدة الدليل علي المدعي النصوص الواردة في المقام و يستفاد عموم الحكم للمذكورات من عموم العلة المذكورة في بعضها لاحظ ما رواه الحلبي «1» فانه يفهم من قوله عليه السلام: «ان الصوف ليس فيه روح» أن كل جزء لا تحله الحياة طاهر.

و يدل علي المدعي ما رواه حريز قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام لزرارة و محمد بن مسلم: اللبن و اللباء و البيضة و الشعر و الصوف و القرن و الناب و الحافر و كل شي ء يفصل من الشاة و الدابة فهو ذكي و ان أخذته منه بعد أن يموت فاغسله و صل فيه «2».

فان هذه الرواية تدل بوضوح علي طهارة الامور المذكورة في الرواية.

و صفوة القول: أنه لا اشكال في استفادة الطهارة من النصوص بل المستفاد منها عدم البأس بالمذكورات من جميع الجهات فلا تترتب عليها أحكام الميتة من النجاسة و عدم الصلاة فيها و غيرهما من الاحكام.

و ربما يقال: بعدم الحاجة إلي دليل الاستثناء بتوهم قصور دليل نجاسة الميتة عن شموله لهذه الامور بدعوي عدم صدق الميتة عليها حيث ان الميتة

تصدق علي

______________________________

(1) لاحظ ص: 158

(2) الوسائل الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 163

و البيضة (1).

______________________________

ما تخرج عنه الحياة بلا تذكية و المفروض أن هذه الامور تحلها الحياة فتكون سالبة بانتفاء الموضوع.

و لكن يرد عليه أن الفهم العرفي لا يساعده لصدق الميتة عرفا علي الحيوان الميت بجميع أجزائه فلو لا هذه الاخبار كان حكمها النجاسة.

(1) تدل علي المدعي جملة من النصوص منها ما رواه أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام في حديث أن قتادة قال له: أخبرني عن الجبن فقال: لا بأس به فقال: انه ربما جعلت فيه أنفحة الميت فقال: ليس به بأس ان الانفحة ليس لها عروق و لا فيها دم و لا لها عظم انما تخرج من بين فرث و دم و انما الانفحة بمنزلة دجاجة ميتة اخرجت منها بيضة فهل تأكل تلك البيضة؟ قال قتادة: لا و لا آمر بأكلها قال أبو جعفر عليه السلام و لم؟ قال: لأنها من الميتة قال فان حضنت تلك البيضة فخرجت منها دجاجة أ تأكلها؟ قال: نعم قال: فما حرم عليك البيضة و أحل لك الدجاجة؟! ثم قال: فكذلك الانفحة مثل البيضة فاشتر الجبن من أسواق المسلمين من أيدي المصلين و لا تسأل عنه الا أن يأتيك من يخبرك عنه «1».

و منها: ما رواه يونس عنهم عليهم السلام قالوا: خمسة أشياء ذكية مما فيه منافع الخلق الانفحة و البيض و الصوف و الشعر و الوبر و لا بأس بأكل الجبن كله ما عمله مسلم و غيره و انما كره أن يؤكل سوي الانفحة مما في آنية المجوس و أهل الكتاب لأنهم لا يتوقون الميتة و الخمر «2».

و منها:

ما رواه الحسين بن زرارة قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام و أبي

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 164

اذا اكتست القشر الاعلي (1) و ان لم يتصلب (2) سواء كان ذلك كله مأخوذا من الحيوان الحلال أم الحرام (3) و سواء أخذ

______________________________

يسأله عن السن من الميتة و البيضة من الميتة و أنفحة الميتة فقال: كل هذا ذكي قال: قلت: فشعر الخنزير يجعل حبلا يستقي به من البئر التي يشرب منها أو يتوضأ منها؟ فقال: لا بأس به «1» و منها ما رواه حريز «2».

مضافا إلي عدم المقتضي لنجاستها لأنها ليست من أجزاء الميتة بل الميتة ظرف لتكونها فتكفي لإثبات طهارتها قاعدتها.

(1) الظاهر أنه يكفي للحكم بالطهارة اكتساء البيضة الجلد الرقيق المانع عن سراية النجاسة اليها.

لكن في المقام رواية رواها غياث بن ابراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في بيضة خرجت من است دجاجة ميتة قال: ان كانت اكتست البيضة الجلد الغليظ فلا بأس بها «3» ربما يقال بعدم دلالتها علي المدعي بدعوي ظهور الرواية في نفي البأس بالنسبة إلي الاكل فطهارة البيضة لا تتوقف علي تحقق القشر الاعلي.

و لكن الانصاف- كما استفاد الاصحاب من الرواية- أن مقتضي مفهوم الشرطية أنه يترتب عليها آثار الميتة مع عدم الاكتساء بلا فرق بين الاكل و النجاسة.

(2) للإطلاق فان المذكور في الرواية عنوان اكتساء البيضة القشر الاعلي.

(3) لإطلاق الروايات و عموم التعليل المقتضي لعدم نجاسة ما لا تحله الحياة و مجرد حرمة أكل بيضة محرم الاكل لا يقتضي نجاستها كما هو ظاهر فانه لا تلازم

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 4

(2) لاحظ ص: 162.

(3) الوسائل الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث:

6

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 165

بجز أم نتف أم غيرهما (1) نعم يجب غسل المنتوف من رطوبات الميتة (2) و يلحق بالمذكورات الانفحة (3).

______________________________

بين حرمة الاكل و النجاسة كما هو ظاهر.

(1) لإطلاق الادلة.

(2) فانه مقتضي نجاسة الميتة المقتضي لنجاسة ما يلاقيها بالرطوبة مضافا إلي النص الخاص الوارد في حكم المقام لاحظ ما رواه حريز «1».

(3) حكي عليه الاجماع- كما في كلام سيد المستمسك- و نفي الخلاف في طهارتها عن جماعة- كما في كلامه أيضا- و تدل علي المدعي جملة من النصوص:

منها ما رواه أبو حمزة «2» و منها: ما رواه يونس «3» و منها: ما رواه الحسين بن زرارة «4».

و منها: ما رواه الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي اسحاق عن أبي الحسن عليه السلام قال: كتبت اليه أسأله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها ذكيا فكتب عليه السلام: لا ينتفع من الميتة باهاب و لا عصب و كلما كان من السخال الصوف ان جزّوا الشعر و الوبر و الانفحة و القرن و لا يعتدي إلي غيرها ان شاء اللّه «5».

و منها: ما رواه الصدوق قال: قال الصادق عليه السلام: عشرة أشياء من

______________________________

(1) لاحظ ص: 162

(2) لاحظ ص: 163.

(3) لاحظ ص: 163.

(4) لاحظ ص: 163.

(5) الوسائل الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 7

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 166

______________________________

الميتة ذكية: القرن و الحافر و العظم و السن و الانفحة و اللبن و الشعر و الصوف و الريش و البيض «1».

و منها: ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: قال: سألته عن الانفحة تخرج من الجدي الميت قال: لا بأس به قلت: اللبن يكون في ضرع الشاة و قد ماتت؟ قال: لا بأس به

قلت: و الصوف و الشعر و عظام الفيل و الجلد و البيض يخرج من الدجاجة؟ فقال: كل هذا لا بأس به «2».

و هل يختص الحكم بالإنفحة من الحيوان المحلل أكله؟ أفاد سيدنا الاستاد بأن مقتضي الصناعة هو الاختصاص بدعوي أن النصوص الخاصة ناظرة إلي نفي النجاسة و الحرمة من حيث كون المأخوذ منه ميتة فلو كانت الحرمة من ناحية اخري ككونه محرم الاكل ذاتا فلا يشمله الدليل.

و فيه: أنه لا تلازم بين الحرمة و النجاسة و مقتضي اطلاق الادلة طهارتها و لو كان من محرم الاكل و لا وجه للاختصاص.

و بعبارة اخري: نلتزم بحرمة أكلها لان حرمة محرم الاكل ليست من جهة كون الحيوان ميتة فلا تحل و أما النجاسة فبلحاظ كونها ميتة و عليه نلتزم بالطهارة علي الاطلاق و لكن نحكم بحرمة الاكل فلاحظ.

لكن يمكن أن يستشكل في الطهارة من ناحية اخري و هي عدم دليل معتبر يكون باطلاقه شاملا للأنفحة من محرم الاكل فيكفي للحكم بالنجاسة نجاسة الميتة فان نجاسة الميتة توجب نجاستها الا أن يقال: بأن الانفحة لا تعد جزءا من الحيوان

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 9

(2) نفس المصدر الحديث: 10

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 167

و كذلك اللبن في الضرع (1).

______________________________

فلا يحكم عليها بالنجاسة بتبع نجاسة الميتة فلو لم تكن مائعا يمكن تطهيرها.

(1) الذي يظهر من بعض الكلمات أن المسألة ذات قولين و تدل علي طهارته جملة من النصوص: منها ما رواه زرارة «1» و منها ما رواه الصدوق «2» و منها: ما رواه حريز «3» فلا اشكال في طهارته من حيث النصوص.

و ربما يستدل علي نجاسته بجملة من الوجوه: الاول: أن مقتضي انفعال المائع بالملاقاة مع النجس نجاسته اذ الظرف جزء من

الميتة فينجس ما يلاقيه من اللبن.

و فيه: أن الامر و ان كان كذلك بحسب القاعدة لكن القاعدة المذكورة ليست غير قابلة للتخصيص فيرفع اليد عنها بالنصوص المشار اليها الدالة علي طهارته.

الثاني: ما رواه وهب عن جعفر عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن فقال علي عليه السلام ذلك الحرام محضا «4».

و هذه الرواية لا اعتبار بها سندا قال الشيخ الطوسي في التهذيب: «هذه رواية شاذة لم يروها غير وهب بن وهب و هو ضعيف جدا عند اصحاب الحديث و لو كان صحيحا لجاز أن يكون الوجه فيه ضربا من التقية لأنها موافقة لمذاهب العامة لأنهم يحرمون كل شي ء من الميتة و لا يجيزون استعمالها علي حال» «5».

______________________________

(1) لاحظ ص: 166

(2) لاحظ ص: 165

(3) لاحظ ص: 162

(4) الوسائل الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 11

(5) التهذيب ج 9 ص: 77

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 168

اذا كان مما يؤكل لحمه (1).

و لا ينجس بملاقاة الضرع النجس و ان كان الاحوط استحبابا اجتنابه (2) هذا كله في ميتة طاهرة العين أما ميتة نجسة العين فلا يستثني

______________________________

الثالث: ما رواه الفتح بن يزيد الجرجاني «1» و الرواية ضعيفة سندا مضافا إلي أن غايته الدلالة علي النجاسة بالعموم و مقتضي القاعدة تخصيص العام بالنصوص الخاصة المشار اليها آنفا.

فتحصل أن الحق طهارة اللبن الموجود في ضرع الميتة. و لا يخفي أن المستفاد من النصوص طهارة اللبن و أما نفس الضرع فلا دليل علي طهارته بل مقتضي ادلة نجاسة الميتة كونه نجسا فلاحظ.

(1) بدعوي أن النصوص اما مختصة بما يحل أكله أو مطلق منصرف إلي خصوص الحلال بتقريب: أن الحكم بالطهارة بلحاظ جواز الانتفاع

و المنفعة الظاهرة هي الشرب.

و يرد عليه: أنها دعوي بلا دليل و لا وجه للانصراف بل يكفي للإطلاق ما يدل من النصوص باطلاقه علي طهارة اللبن في الضرع من الميتة بلا تقييد لاحظ ما رواه حريز «2».

و ربما يقال: انه لا اطلاق في الرواية فان الدابة بما لها من المفهوم لا تطلق ظاهرا علي كل حيوان و قال في مجمع البحرين: «انها غلبت فيما يركب» فالاشكال المتقدم في الانفحة جار في اللبن في الضرع.

(2) لا اشكال في حسن الاحتياط بل يستحب.

______________________________

(1) لاحظ ص: 165

(2) لاحظ ص: 162

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 169

منها شي ء (1).

[مسألة 362: فأرة المسك طاهرة إذا انفصلت من الظبي الحي]

(مسألة 362): فأرة المسك طاهرة اذا انفصلت من الظبي الحي أما اذا انفصلت من الميت ففيها اشكال (2).

______________________________

(1) كما هو ظاهر اذ المفروض أن الحيوان المذكور من الاعيان النجسة فلاحظ.

(2) الفأرة تتصور لها ثلاثة حالات: الاولي: أن تنفصل من الحيوان الذي ذبح بالطريق الشرعي فانه لا اشكال في طهارتها اذ لا مقتضي للنجاسة كما هو ظاهر.

الثانية: أن تنفصل من الميتة و حكمها النجاسة لان الميتة بمقتضي الادلة من الاعيان النجسة فكل جزء منها نجس بتبع نجاسة الكل اي اصل الميتة و ما ربما يقال: ان الفأرة من فضلات الحيوان و ليست من أجزائه فلا مقتضي لنجاستها مجازفة.

و ربما يقال: ان المستفاد من حديث علي بن جعفر عن أخيه موسي عليه السلام قال: سألته عن فارة المسك تكون مع من يصلي و هي في جيبه أو ثيابه؟ قال:

لا بأس بذلك «1» طهارتها لأنه عليه السلام نفي البأس عن الصلاة و هي معه.

و فيه: أن حمل الميتة في الصلاة لا وجه لحرمته فلا يدل جواز الحمل علي الطهارة. اضف إلي ذلك أنه لا

يبعد أن ينصرف الدليل عن المأخوذ عن الميتة فلاحظ.

و يضاف إلي ذلك كله أن الحديث علي فرض اطلاقه يقيد بما رواه عبد اللّه بن جعفر قال: كتبت اليه يعني أبا محمد عليه السلام: يجوز للرجل أن يصلي و معه

______________________________

(1) الوسائل الباب 41 من أبواب لباس المصلي الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 170

______________________________

فارة المسك؟ فكتب لا بأس به اذا كان ذكيا «1».

فانه قد قيد عدم البأس في هذه الرواية بكون ما معه ذكيا و كونه ذكيا اما بمعني كونه جزءا من الحيوان الذي ذكي و اما باعتبار كونه طاهرا و علي كلا التقديرين يكون مفاد الرواية تحقق البأس في صورة عدم التذكية.

الثالثة: أن تنفصل من الحيوان الحي و يمكن الاستدلال علي نجاستها بوجهين:

احدهما: أن ما دل علي نجاسة القطعة المبانة من الحي و كونها ميتة يشمل ما نحن فيه.

و ما أفاده سيدنا الاستاد من عدم الشمول لا وجه له فانه لا اشكال في كون الجلدة جزءا من الحيوان.

و بعبارة اخري: يستفاد من النصوص الدالة علي نجاسة القطعة المبانة من الحيوان أن الجزء المقطوع ميتة فالجلدة المذكورة في المقام من مصاديقها.

ثانيهما ما رواه عبد اللّه بن جعفر «2» فانه قد قيد الجواز بكون ما معه مذكي و كون المبانة من الحي مذكي أول الكلام و الاشكال.

و أفاد سيدنا الاستاد بأن المذكي في مقابل الميتة فهذا القيد يخرج المأخوذ من الميتة و أما بالنسبة إلي المأخوذة من الحي فلا دلالة في الرواية لان المأخوذ من الحي خارج عن المقسم.

و يرد عليه: أولا أن الميتة بالنسبة إلي الجزء المبان تتصور- كما صرح في الروايات بأن العضو المقطوع من الحي ميتة.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) لاحظ ص: 169

مباني منهاج

الصالحين، ج 3، ص: 171

و مع الشك في ذلك يبني علي الطهارة (1) و أما المسك فطاهر علي

______________________________

و ثانيا: أن المستفاد من الحديث أن غير المذكي فيه بأس فنسأل أن المبان من الحي مذكي أو غير مذكي؟ لا شبهة في عدم كونها مذكي فتدخل تحت عنوان غير المذكي ففيه بأس.

الا أن يقال: ان التقابل بين الميتة و المذكي اذا كان بالعدم و الملكة ففي مورد عدم الملكة لا يصدق شي ء من العنوانين و لذا لا يمكن أن يقال: ان الجدار بصير أو أعمي.

و لا يتوقف علي ارجاع الضمير إلي الحيوان كي يقال: بأنه لا بد من التقدير و هو خلاف الاصل فان الضمير اعم من أن يرجع إلي الحيوان أو يرجع إلي العضو يثبت المدعي.

و ان شئت قلت: لا وجه لان يقال: ان القيد راجع إلي مورد يكون داخلا في احد القسمين من المذكي أو الميتة كي يقال- كما في كلام سيدنا الاستاد-: ان الجلدة المبانة من الحي ليست داخلة في احدهما فلا تشملها الرواية فان مقتضي قوله عليه السلام «اذا كان ذكيا» أن الجلدة المأخوذة ان لم تكن ذكية ففيه بأس و عدم التذكية كما تصدق علي الجلدة باخذها من الحيوان الميت الذي لم يمت بالطريق الشرعي كذلك تصدق عليها باخذها من الحيوان الحي فلاحظ فتحصل أن الظاهر نجاستها.

(1) ان قلنا ان المستفاد من حديث عبد اللّه بن جعفر تعليق الطهارة علي التذكية تكون النتيجة عكس ما أفاده في المتن لان مقتضي الاصل عدم تحقق التذكية بالنسبة إلي الجزء المشكوك فيه فتكون نجسا و مع جريان اصالة عدم التذكية

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 172

كل حال الا أن يعلم برطوبته المسرية حال موت الظبي ففيه اشكال

(1).

[مسألة 363: ميتة ما لا نفس له سائلة طاهرة]

(مسألة 363): ميتة ما لا نفس له سائلة طاهرة كالوزغ و العقرب و السمك و منه الخفاش علي ما قضي به الاختبار (2).

______________________________

لا تصل النوبة إلي اصالة الطهارة اذ الاصل الموضوعي حاكم علي الاصل الحكمي فلاحظ.

(1) كما هو ظاهر و لا وجه لنجاسته الذاتية نعم يمكن عروض النجاسة عليه و مع الشك فيه يكون المرجع اصالة الطهارة فلاحظ.

(2) ادعي عليه الاجماع و التسالم و تدل علي المدعي جملة من النصوص:

منها: ما رواه عمار بن موسي «1» و منها: ما رواه حفص بن غياث «2» و منها: ما رواه ابن مسكان «3» و منها ما رواه سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن جرة وجد فيها خنفساء قد مات قال القه و توضأ منه و ان كان عقربا فارق الماء و توضأ من ماء غيره «4».

و منها ما رفعه محمد بن يحيي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا يفسد الماء الا ما كانت له نفس سائلة «5».

______________________________

(1) لاحظ ص: 155

(2) لاحظ ص: 157

(3) لاحظ ص: 128

(4) الوسائل الباب 35 من أبواب النجاسات الحديث: 4.

(5) نفس المصدر الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 173

و كذا ميتة ما يشك في أنه له نفس سائلة أم لا (1).

[مسألة 364: المراد من الميتة ما استند موته إلي أمر آخر غير التذكية علي الوجه الشرعي]

(مسألة 364): المراد من الميتة ما استند موته إلي امر آخر غير التذكية علي الوجه الشرعي (2).

______________________________

و منها ما رواه علي بن جعفر عليه السلام أنه سأل أخاه موسي بن جعفر عليه السلام عن العقرب و الخنفساء و أشباههما تموت في الجرة أو الدن يتوضأ منه للصلاة؟

قال: لا بأس «1».

فانه يستفاد من هذه الروايات بوضوح أن ميتة ما لا نفس له لا تكون من الاعيان النجسة و

الا كيف يمكن نفي البأس عنها.

(1) اذا قلنا بأن الاستصحاب يجري في الاعدام الازلية نقول: اذا شككنا في كون حيوان ذا نفس سائلة أم لا نحكم عليه بأنه ليست له نفس سائلة بمقتضي الاستصحاب فان مقتضاه عدم كونه ذا نفس سائلة فيحرز موضوع الطاهر بالاستصحاب فان ما لا نفس له لا يفسد الماء.

و أما اذا قلنا: بعدم جريان الاستصحاب في الاعدام الازلية فنقول: لا اشكال في أن عموم دليل نجاسة الميتة خصص بما لا نفس له فالدليل بعد التخصيص عنون بهذا العنوان فاذا شككنا في حيران من حيث كونه مصداقا للعام و عدمه لا يمكن الاخذ بالعموم لعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية فتجري اصالة الطهارة و نحكم عليه بالطهارة هذا فيما يكون الشك من حيث الشبهة المفهومية و قس عليه الشبهة الموضوعية فان الكلام فيها هو الكلام.

(2) الماتن في مقام اثبات أن الميتة بما لها من المفهوم عبارة عن معني مضاد

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 174

______________________________

للمذكي.

و بعبارة اخري لا يكون المراد من الميتة غير المذكي بل المراد ما يضاد المذكي و يترتب علي المدعي أنه لو شك في التذكية و عدمها و أجرينا اصالة عدمها يترتب علي الاصل كل حكم مترتب علي عدم التذكية كحرمة الاكل و عدم جواز الصلاة في المشكوك فيه لموثق ابن بكير و أما الاحكام المترتبة علي الميتة فلا يترتب علي الاصل الاعلي القول بالاثبات الذي لا نقول به.

هذا ملخص مدعاه و استشهد عليه ببعض النصوص كحديث سماعة قال: سألته عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال: اذا رميت و سميت فانتفع بجلده و أما الميتة فلا «1».

بدعوي أن المستفاد من هذا الحديث و نحوه أن

الميتة ليست عبارة عن غير المذكي بل الميتة ما يضاد المذكي.

هذا ملخص كلامه اذا عرفت هذا نقول: المستفاد من مفردات الراغب و من بعض كتب اللغة كالمنجد و أقرب الموارد أن غير المذكي عبارة عن الميتة.

قال في أقرب الموارد: «و الميتة من الحيوان ما زال روحه بغير تذكية».

و قال في المنجد: «الميتة مؤنث الميت الحيوان الذي مات حتفة أو علي هيئة غير شرعية».

و قال في أقرب الموارد: «الميتة مؤنث الميت ما لم تلحقه الزكاة و الحيوان الذي يموت حتف أنفه».

______________________________

(1) الوسائل الباب 49 من أبواب النجاسات الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 175

______________________________

و عن القاموس: «الميتة بالكسر و التخفيف و فسرها في محكي المصباح بما لم تلحقها الذكاة سواء مات حتف أنفه أو قتل أو ذبح بغير الوجه الشرعي».

و عن الصحاح و القاموس: «انها لم تلحقها الذكاة» فالميتة عبارة عن معني عدمي يثبت باصالة العدم.

و أما الرواية فليست شاهدة علي المدعي اذ المستفاد منها أن الميتة مقابل المذكي و أما كون الميتة مضادا للمذكي فلا يستفاد منها بل يمكننا أن نقول بأن المستفاد منها خلاف مدعاه اذ المستفاد منها أن ما يجوز الانتفاع به هو المذكي و أما غيره فلا يجوز و حيث ان الامام عليه السلام عبر عن غير المذكي بالميتة يعلم أن الميتة عبارة عن معني عدمي اعني غير المذكي و عليه في كل مورد جرت اصالة عدم التزكية يترتب عليها جميع الاحكام المترتبة علي الميتة فلا وجه للتخصيص فالنتيجة: ان المرجع عند الشك اصالة عدم التذكية.

و بهذا التقريب الذي ذكرنا يمكن دفع ما يمكن أن يرد من الايرادات: منها:

أن الحكم قد رتب علي عنوان الميتة كقوله تعالي: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ» اذ قلنا:

ان

الميتة عبارة عن غير المذكي.

و منها: أن الحيوان في حال الحياة لا يصدق عليه أنه غير مذكي فكيف يستصحب. و بعبارة اخري لا تكون للمستصحب حالة سابقة.

و فيه: أن العدم مسبوق بالعدم و لو بنحو عدم الموضوع و بعبارة اخري: العدم النعتي ليس له سبق و أما العدم المحمولي فهو سابق.

و بتعبير واضح: ان الحيوان في حال حياته لا يصدق عليه عنوان المذكي لعدم تحقق زهاق الروح لكن يصح أن يقال: ان عدم التذكية أمر ازلي مثلا لو رتب

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 176

______________________________

حكم علي الشهيد و فرض أن زيدا قتل و شك في أنه قتل شهيدا أم لا لا مانع من جريان عدم تحقق الشهادة و لا مجال لان يقال: بأن زيدا في حال الحياة لا يصدق عليه عدم كونه شهيدا فلا يستصحب فان زيدا قبل قتله لم يكن شهيدا ازلا نعم لو لم يجر الاستصحاب في الاعدام الازلية يشكل جريان الاصل.

و منها: عدم الاثر علي العدم سابقا و لو صدق عليه بعنوان فان الاثر يترتب علي الموضوع حال الموت لا حال الحياة.

و فيه: أن الشرط في جريان الاستصحاب ترتب الاثر حين جريانه و لا يشترط ترتب الاثر من أول الامر.

و منها: ان العدم السابق كان مقارنا مع الحياة و الحياة مرتفعة قطعا فاثبات العدم المقارن مع الموت باستصحاب العدم السابق من قبيل اثبات حكم الموضوع باستصحاب موضوع آخر.

و فيه: أن الموضوع عبارة عن زهاق الروح من الحيوان و عدم تحقق التذكية و هنا الموضوع محرز جزئه بالوجدان و جزئه الاخر بالاصل و العدم المذكور ذلك العدم السابق.

و ان شئت قلت: ان العدم السابق المقارن مع شي ء لا يوجب استناده اليه كي يقال بالتعدد.

اضف

إلي ذلك أن العدم المقارن مع الحياة مرتفع قطعا و لا مجال لاستصحابه فعلي فرض جريان الاستصحاب- كما فرضنا- يترتب عليه الحكم لتمامية الموضوع فلاحظ.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 177

[مسألة 365: ما يؤخذ من يد المسلم أو سوقهم من اللحم و الشحم و الجلد إذا شك في تذكية حيوانه]

(مسألة 365): ما يؤخذ من يد المسلم أو سوقهم من اللحم و الشحم و الجلد اذا شك في تذكية حيوانه فهو محكوم بالطهارة و الحلية ظاهرا بل لا يبعد ذلك حتي لو علم بسبق يد الكافر عليه اذا احتمل أن المسلم قد احرز تذكيته علي الوجه الشرعي و كذا ما صنع في أرض الإسلام أو وجد مطروحا في أرض المسلمين اذا كان عليه أثر الاستعمال منهم الدال علي التذكية مثل ظرف الماء و السمن و اللبن لا مثل ظروف العذرات و النجاسات (1).

______________________________

(1) تستفاد من هذه المسألة فروع:

الفرع الاول: أن المأخوذ من يد المسلم من اللحم و غيره محكوم بالطهارة و التذكية.

و بعبارة اخري: يد المسلم امارة التذكية و ادعي عليه الاجماع من بعض و عدم الخلاف فيه عن آخر.

و يمكن الاستدلال علي المدعي مضافا إلي الاجماع و عدم الخلاف بامرين:

احدهما: السيرة الجارية بين المتشرعة بتقريب: أن هذه السيرة الجارية متصلة إلي زمان المعصوم و لو لا حجية يد المسلم لم يكن الامر كذلك و لو لاه لم يقم للمسلمين سوق.

ثانيهما النصوص الواردة في المقام لاحظ ما رواه اسماعيل بن عيسي قال:

سألت أبا الحسن عليه السلام عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل أ يسأل عن ذكاته اذا كان البائع مسلما غير عارف؟ قال: عليكم أنتم أن تسألوا عنه اذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك و اذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 178

______________________________

عنه «1».

و ما رواه اسحاق بن عمار

عن العبد الصالح أنه قال: لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني و فيما صنع في ارض الإسلام قلت: فان كان فيها غير أهل الإسلام؟

قال: اذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس «2».

و علي الجملة: لا اشكال في أن يد المسلم امارة علي التذكية. و يمكن اثبات المدعي بنحو آخر و هو أن المستفاد من جملة من النصوص- كما تأتي إن شاء اللّه تعالي- أن سوق المسلمين امارة علي التذكية بتقريب أن السوق بما هو سوق لا يكون امارة بل السوق امارة علي كون البائع مسلما و اسلام البائع امارة علي التذكية فالسوق امارة علي الامارة.

ثم انه لا يخفي أن كون يد المسلم امارة علي التذكية انما يكون كذلك في مورد انتفاع المسلم من أجزاء الحيوان انتفاء متوقفا علي التذكية و الوجه في هذا الاشتراط أنه لا اطلاق في الدليل أما السيرة فهي لا لسان لها كما هو ظاهر و أما الاخبار فلا اطلاق فيها يشمل جميع الصور اللهم الا أن يقال بأنه لا دليل علي حرمة بيع الميتة لا وضعا و لا تكليفا و أما لو قلنا بعدم جواز بيع الميتة فنفس البيع تصرف يتوقف علي التذكية فلاحظ.

ثم انه لا فرق في المسلم بين كونه عارفا و عدمه فان السيرة جارية علي أن ما يؤخذ من يد المسلم غير العارف يعامل معه كما يعامل مع ما يؤخذ من يد العارف

______________________________

(1) الوسائل الباب 50 من أبواب النجاسات الحديث: 7

(2) نفس المصدر الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 179

______________________________

بلا فرق مضافا إلي أن الموضوع المذكور في النصوص عنوان الإسلام و سوق المسلمين فلا يفرق بين الشيعي و غيره.

الفرع الثاني: المأخوذ من سوق المسلمين يحكم عليه بالتذكية بالسيرة

القطعية مضافا إلي جملة من النصوص: منها: ما رواه الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الخفاف التي تباع في السوق فقال: اشتر وصل فيها حتي تعلم أنه ميتة بعينه «1».

و منها: ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فراء لا يدري أذكية هي أم غير ذكية أ يصلي فيها؟ فقال: نعم ليس عليكم المسألة ان أبا جعفر عليه السلام كان يقول: ان الخوارج ضيقوا علي أنفسهم بجهالتهم ان الدين أوسع من ذلك «2».

و منها: ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه السلام قال:

سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشتري الخف لا يدري أ ذكي هو أم لا ما تقول في الصلاة فيه و هو لا يدري؟ أ يصلي فيه؟ قال: نعم أنا اشتري الخف من السوق و يصنع لي و اصلي فيه و ليس عليكم المسألة «3».

و منها: ما رواه الحسن ابن الجهم قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: اعترض السوق فأشتري خفا لا ادري أ ذكي هو أم لا قال: صل فيه قلت: فالنعل قال: مثل ذلك قلت: اني اضيق من هذا قال: أ ترغب عما كان أبو الحسن عليه السلام

______________________________

(1) المصدر السابق الحديث: 2

(2) نفس المصدر الحديث: 3

(3) نفس المصدر الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 180

______________________________

يفعله «1».

فلا اشكال في كون سوق المسلمين امارة علي التذكية انما الكلام في أن السوق يلزم أن يكون للمسلمين العارفين أم يكفي الإسلام و أيضا يقع الكلام في أن السوق امارة علي التذكية حتي اذا كان السوق للكفار؟.

فنقول: أما اختصاص اعتبار السوق بكونه مضافا إلي خصوص العارف فغير صحيح اولا السيرة جارية

علي المعاملة مع المخالفين بلا اشكال و لا ريب ثانيا:

اطلاق الروايات يكفي للعموم و أما احتمال كون مطلق السوق امارة فلا يفرق بين سوق المسلمين و الكفار بتقريب أن اطلاق النصوص يقتضي عدم الفرق فمدفوع أولا: بانصراف السوق في الروايات إلي سوق أهل الإسلام و الوجه في الانصراف مناسبة الحكم و الموضوع و لا وجه لان يقال: حرف التعريف في «السوق» للعهد الخارجي فتكون اشارة إلي الخارج في ذلك الزمان و من الظاهر أنه في ذلك العصر لم يكن سوق للكفار في بلد المسلمين فالمقتضي قاصر.

و ثانيا: علي فرض تسلم الاطلاق نقيده بالمقيد لاحظ ما رواه فضيل و زرارة و محمد بن مسلم أنهم سألوا أبا جعفر عليه السلام عن شراء اللحوم من الاسواق و لا يدري ما صنع القصابون فقال: كل اذا كان ذلك في سوق المسلمين و لا تسأل عنه «2».

ثم انه ليس خصوصية للسوق بما هو بل الميزان أن يكون الامر للمسلمين فلا فرق بين السوق و الشارع و الزقاق و غيرها من الامكنة.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 9

(2) الوسائل الباب 29 من أبواب الذبائح الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 181

______________________________

ثم ان المستفاد من حديث اسحاق بن عمار «1» أن الميزان بكون الغلبة للمسلمين فالمأخوذ من سوقهم محكوم بالتذكية و ان كان البائع مجهول الحال.

و لقائل أن يقول: ان المستفاد من الحديث المشار اليه أن الميزان غلبة المسلمين و عليه لو اخذ الجلد و نحوه من الكافر مع احتمال التذكية بشرط العلم بكونه مصنوعا في بلاد الإسلام يكون طاهرا.

و مما يدل بوضوح علي كون سوق المسلمين امارة علي التذكية ما رواه أبو الجارود قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الجبن فقلت

له: أخبرني من رأي أنه يجعل فيه الميتة فقال: أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم في جميع الارضين؟ اذا علمت أنه ميتة فلا تأكله و ان لم تعلم فاشتر و بع و كل و اللّه اني لاعترض السوق فأشتري بها اللحم و السمن و الجبن و اللّه ما اظن كلهم يسمون هذه البربر و هذه السودان «2».

فان هذه الرواية تدل علي أمارية السوق لكن سند الرواية مخدوش بمحمد بن سنان.

الفرع الثالث: أن ما شك في تزكيته اذا اخذ من يد الكافر مع العلم بكونه مأخوذا من يد المسلم فهل يمكن الحكم بطهارته و تزكيته؟ الماتن نفي البعد عن ذلك بتقريب: أن مقتضي اطلاق النصوص عدم الفرق بين موارد الاخذ من المسلم نعم يشترط فيه ان يحتمل احراز المسلم تذكيته بطريق شرعي و الوجه في هذا

______________________________

(1) لاحظ ص: 178

(2) الوسائل الباب 61 من أبواب الأطعمة المباحة الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 182

______________________________

الاشتراط أن يد المسلم امارة علي التذكية لان اليد بما هي لا توجب الحلية فلا بد من احتمال احراز التذكية كي تصلح للأمارية.

الفرع الرابع: ما صنع في أرض الإسلام محكوم بكونه مذكي لما رواه ابن عمار «1».

الفرع الخامس: المطروح في أرض المسلمين محكوم بالتذكية بتقريب أن المستفاد من حديث ابن عمار أن الميزان احراز كون المشكوك فيه مصنوعا في بلاد الإسلام و لا موضوعية للأخذ من يد المسلم فعليه لو وجد لحم مطروح في بلاد الإسلام يحكم بكونه مذكي لكن هل يشترط وجود اثر عليه دال علي التذكية ككونه ظرفا للماء أو السمن أو لا يشترط؟.

أفاد سيدنا الاستاد بأنه يشترط فيه ذلك و الذي يختلج بالبال أن يقال: الشرط الوحيد أن يكون

المطروح بنحو يحرز كونه مصنوعا في أرض الإسلام فان المذكور في الرواية هكذا و عليه لا بد من الحكم بالتذكية علي المطروح مع كونه مصنوعا في بلاد الإسلام و يترتب عليه أن مجرد كونه مطروحا في أرض الإسلام لا أثر له اذ الموضوع في الدليل عبارة عن مصنوع أرض الإسلام فلا يترتب الاثر علي مطلق المطروح بل الميزان كونه مصنوعا في بلاد الإسلام فما يكون مصنوعا في بلاد الإسلام يحكم عليه بكونه مذكي علي الاطلاق بلا فرق بين كونه ظرفا للقاذورات و أن يكون ظرفا للسمن و الزيت و أما مع عدم احراز كونه مصنوعا في بلاد الإسلام فلا دليل علي الحكم بالتذكية فالنتيجة أن المطروح في ارض الإسلام لا موضوعية له.

______________________________

(1) لاحظ ص: 178

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 183

[مسألة 366: المذكورات إذا أخذت من أيدي الكافرين محكومة بالطهارة أيضا إذا احتمل أنها مأخوذة من المذكي]

(مسألة 366): المذكورات اذا اخذت من أيدي الكافرين محكومة بالطهارة أيضا اذا احتمل أنها مأخوذة من المذكي لكنه لا يجوز أكلها و لا الصلاة فيها ما لم يحرز أخذها من المذكي من جهة العلم بسبق يد المسلم عليها (1).

[مسألة 367: السقط قبل ولوج الروح نجس و كذا الفرخ في البيض علي الاحوط وجوبا فيهما]

(مسألة 367): السقط قبل ولوج الروح نجس و كذا الفرخ في البيض علي الاحوط وجوبا فيهما (2).

______________________________

(1) ما أفاده في هذا الفرع مبني علي ما بني عليه من أن الميتة بحسب المفهوم مضاد مع المذكي فمع الشك في التذكية لا مانع من اصالة الطهارة و اما الآثار المترتبة علي المذكي فلا يجوز ترتيبها الا أن يكون يد الكافر مسبوقة بيد المسلم.

و لكن قد تقدم منا الاشكال فيما أفاده و قلنا ان الميتة عبارة عن غير المذكي و عليه نقول: المأخوذ من يد الكافر محكوم بكونه غير مذكي و يترتب عليه جميع الآثار بلا فرق بينها نعم صورة سبق يد الكافر بيد المسلم تستثني اذ المفروض أن يد المسلم امارة علي التذكية و مع فرض وجود الامارة علي التذكية لا تصل النوبة الي الاصل العملي فلاحظ.

(2) ما يمكن أن يستدل عليه أو استدل امور:

الاول: الاجماع قال المحقق الآملي قدس سره في مصباح الهدي: «المحكي عن شرح المفاتيح الاتفاق علي نجاسته و عن لوامع النراقي دعوي نفي الخلاف عنها.

و فيه: أنه علي فرض تحقق الاجماع لا يعتد به لأنه محتمل المدرك.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 184

______________________________

الثاني: أن الجنين جزء من امه و قد تقدم أن القطعة المبانة من الحي بحكم الميتة.

و يمكن ان يرد عليه اولا: انه ليس جزءا من امه بل هو بمنزلة البيضة في بطن الدجاجة.

و بعبارة اخري الام ظرف للجنين فلا يقاس علي القطعة المبانة.

و

ثانيا: سلمنا انه جزء من الحيوان او الانسان لكن مما لا تحله الحياة و حكمه الطهارة كما سبق.

لكن لقائل ان يقول: ان المستفاد من دليل طهارة ما لا تحله الحياة ان الجزء الذي لا يكون من شأنه أن تحله الحياة طاهر و اما الجزء الذي من شأنه أن تحله الحياة فلا يكون طاهرا و الا يلزم الالتزام بطهارة الجزء الذي عرضه الموت بالشلل و هو كما تري.

و ثالثا: انصراف ادلة نجاسة القطعة المبانة، عن السقط بتقريب: ان الدليل عليها هو ادلة نجاسة ما قطع من أليات الغنم و ما قطع بحبالة الصيد و شي ء منهما لا يشمل ما نحن فيه.

و فيه: انه لا وجه للانصراف فان المستفاد من الدليل بحسب الفهم العرفي ان الجزء المبان من الحيوان بحكم الميتة و لذا لو قطع جزء من الحيوان بغير آلة الصيد كما لو قطع جزء من الغنم بواسطة الذئب يكون محكوما بالنجاسة بلا كلام.

و رابعا: ان لازم ما ذكر أن يجب بمسه الغسل اذا كان من الانسان و كان ذا عظم و المستدل لا يلتزم بهذا اللازم فلا يمكن الالتزام بكونه جزءا من الحيوان.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 185

______________________________

الثالث: أنه قد ورد في جملة من النصوص من ان ذكاة الجنين ذكاة امه منها:

ما رواه يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحوار تذكي امه أ يؤكل بذكاتها؟ فقال: اذا كان تماما (تاما يب) و نبت عليه الشعر فكل «1».

و منها: ما رواه سماعة قال: سألته عن الشاة يذبحها و في بطنها ولد و قد اشعر قال: ذكاته ذكاة امه «2» الي غيرهما مما ورد في الباب 18 من أبواب الذبائح من الوسائل فيستفاد

من هذه النصوص انه لو ذكي الحيوان يذكي ما في بطنه من الجنين و ان لم يذك يكن الجنين غير مذكي.

و بعبارة اخري: المستفاد من هذه النصوص ان الجنين بحكم الشارع قابل للتذكية و تذكيتها بتذكية امه.

و بتعبير آخر تذكيته و عدمها منوطة بتذكية امه و عدمها و حيث ان المفروض ان الام لم تقع عليه التذكية فالجنين غير مذكي.

و أورد عليه سيد المستمسك قدس سره أولا: بأنه لا اطلاق في النصوص و يمكن أن تكون ناظرة إلي خصوص ما ولجته الروح.

و ثانيا: أنه لا يصلح اطلاق الحي و الميت علي كل عضو من البدن و لا علي الحمل و لذا لا نقول بنجاسة العضو الميت المتصل بالبدن ما دام متصلا و الحكم بالنجاسة بعد الانفصال للأخبار الخاصة.

و يرد علي ايراده الاول أنه لا وجه لعدم الاطلاق و يؤيد المدعي أن المحقق

______________________________

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب الذبائح الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 186

______________________________

الآملي قدس سره قال في مصباح الهدي في هذا المقام: «ان الاجماع قائم علي عدم توقف حلية ذكاة الجنين بذكاة امه علي ولوج الروح». و صفوة القول انا لا نري مانعا من الاطلاق.

و أما ايراده الثاني فلا يبعد أن يكون متوجها اذا لمقسم للتذكية و عدمها الحيوان فالجنين قبل ولوج الروح ليس داخلا في المقسم.

و لقائل أن يقول بأنه يكفي في الاتصاف القابلية و من الظاهر أن الجنين قابل لولوج الروح فيه فيصدق عليه عنوان المذكي بذكاة امه و يصدق عليه عنوان الميتة بعدمها.

و يرد عليه: أن المذكي ما خرج روحه بالطريق الشرعي و الميتة ما خرج روحه من غير تذكية فيتوقف صدق العنوان علي ولوج الروح.

الرابع:

ما أفاده سيدنا الاستاد و هو أن السقط يصدق عليه عنوان الميتة فان التقابل بين المذكي و الميتة بالعدم و الملكة فكل شي ء قابل للحياة تصدق عليه الميتة مع عدم الحياة و لا يتوقف الصدق علي سبق الحياة و لذا نري أنه يصدق الاعمي علي من تولد من امه كذلك و لا يشترط بسبق البصر و عليه يكفي لإثبات النجاسة الادلة الدالة علي نجاسة الميتة.

ان قلت: لا اطلاق في ادلة نجاسة الميتة كي يشمل غير المسبوق بالحياة لاختصاص تلك الادلة بوقوع مثل الانسان أو الدابة أو الفارة أو السنور و نحو ذلك في البئر أو نحوه فتختص دلالتها بنجاسة الميتة من الحيوان المسبوق بالحياة.

قلت: يكفي لإثبات المدعي وقوع الميتة في بعض نصوص النجاسة لاحظ

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 187

[مسألة 368: الإنفحة هي ما يستحيل اليه اللبن الذي يرتضعه الجدي أو السخل]

(مسألة 368): الانفحة هي ما يستحيل اليه اللبن الذي يرتضعه الجدي أو السخل (1).

______________________________

ما رواه أبو خالد القماط «1» فان الموضوع في هذه الرواية عنوان الميتة.

اضف إلي ذلك انه قد رتب الحكم علي عنوان الجيفة كما في الخبر المتقدم ذكره و خبر حريز بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كلما غلب الماء علي ريح الجيفة فتوضأ من الماء و اشرب فاذا تغير الماء و تغير الطعم فلا تتوضأ منه و لا تشرب «2» و من الواضح ان صدق الجيفة لا يتوقف علي سبق الحياة في الحيوان هذا ما أفاده في هذا المقام علي ما في التقرير.

و يرد عليه: أن الميتة عبارة عن الحيوان الميت بغير طريق شرعي فلا يصدق عنوان الميتة علي الحيوان الذي لم تلجه الروح. و أما صدق الجيفة فلا يفيد لإثبات المدعي اذ من الظاهر أن مطلق الجيفة لا

يوجب انفعال الماء بل الجيفة النجسة توجب الانفعال فهذا القيد مأخوذ في عنوان الموضوع و كون جيفة السقط نجسا اول الكلام و ليس قابلا للإثبات بهذه الادلة اذ الحكم لا يتعرض لموضوع نفسه.

فالنتيجة: أن الحكم بالنجاسة مشكل لكن الاحتياط في المقام مما لا يمكن تركه مع دعوي الاجماع و عدم الخلاف و مما ذكرنا ظهر حكم الفرخ في البيض فلاحظ.

(1) قد صرح الماتن- علي ما في التقرير- بأنه لا يمكن الجزم بالمراد من هذا اللفظ و لا يسعنا تحقيق معني الانفحة و مع ذلك قد جزم بكونها اسما للمظروف

______________________________

(1) لاحظ ص: 154

(2) الوسائل الباب 3 من أبواب الماء المطلق الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 188

قبل أن يأكل (1).

______________________________

و قد أفاد في هذا المقام انه اختلف في معني هذا اللفظ فبعض ذهب إلي كونها اسما للمظروف و ذهب بعض آخر إلي كونها اسما للظرف و ذهب ثالث إلي كونها اسما للمجموع و القدر المتقين من ادلة الطهارة طهارة نفس المظروف فانه طاهر علي جميع التقادير الثلاثة أما علي التقدير الاول و الثالث فظاهر و أما علي القدير الثاني فانه لا مقتضي لنجاسته لا ذاتا و لا عرضا.

فحاصل البحث أنه لا اشكال في طهارة المظروف و أما طهارة الظرف فمحل الكلام و الاشكال اذ مقتضي ادلة نجاسة الميتة كونه نجسا و لا تنافي بين طهارة المظروف و نجاسة الظرف و كونه خلاف اذهان المتشرعة لا يرجع إلي محصل فان الاحكام الشرعية دائرة مدار ادلتها.

و ان شئت قلت: لا اشكال في عدم انفعال المظروف بالظرف غاية الامر لا ندري أن عدم الانفعال من جهة كون السطح الداخل للأنفحة طاهرا أو أنه نجس لكنه لا ينجس المظروف.

و بعبارة

اخري: الامر دائر بين كون السطح الداخلي لأجل كونه طاهرا لا ينجس المظروف فيكون خارجا عن دائرة النجاسات موضوعا و أن يكون نجسا غير منجس لما يلاقيه من المظروف فيكون خارجا حكما و لا طريق إلي اثبات طهارة السطح الداخل بل مقتضي عموم نجاسة الميتة نجاسته فلاحظ.

(1) كما هو المصرح به في كلماتهم و عليه لو شك فيما يتحقق به الاكل فتارة يشك بنحو الشبهة المفهومية و اخري يشك بنحو الشبهة الموضوعية.

أما علي الاول فلا مانع من جريان استصحاب بقاء العنوان بناء علي جريان الاصل فيها كما قويناه و أما علي القول بعدم جريان الاصل في الشبهة المفهومية- كما

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 189

[الخامس: الدم من الحيوان ذي النفس السائلة]
اشارة

الخامس: الدم من الحيوان ذي النفس السائلة أما دم ما لا نفس له سائلة كدم السمك و البرغوث و القمل و نحوها فانه طاهر (1).

______________________________

هو المشهور عندهم- فربما يقال- كما في المستمسك- أن المرجع ادلة نجاسة الميتة.

و لكن الذي يختلج بالبال أن المقام داخل في الشبهة المصداقية اذ المفروض أن دليل طهارة الانفحة قد خصص دليل نجاسة الميتة و المخصص يوجب تعنون العام بما عد المخصص و مع الشك في الصدق لا يجوز التمسك بالعام فتصل النوبة إلي الاصل العملي و مقتضاه الطهارة و أما علي الثاني فلا اشكال في جريان استصحاب عدم تحقق الموضوع و النتيجة هي الطهارة.

(1) قد تعرض الماتن في المقام لفرعين:

أحدهما نجاسة الدم من كل حيوان ذي نفس.

ثانيهما: طهارة دم الحيوان الذي لا نفس له فيقع الكلام في كل واحد منهما.

أما الفرع الاول فقد قال في الحدائق: «أجمع الاصحاب عدا ابن الجنيد و ظاهر الصدوق في الفقيه علي نجاسة الدم قليله و كثيره اذا كان من ذي

نفس سائلة» «1».

و لكن الاجماع مع قطع النظر عن النصوص لا يمكن جعله دليلا علي المدعي لاحتمال كونه مدركيا اللهم الا أن يقال: بأن نجاسة الدم في الجملة من المرتكزات بل من ضروريات الفقه.

و كيف كان فقد دلت جملة من النصوص علي نجاسة الدم فلا بد من ملاحظتها و اعتبار سندها و مقدار دلالتها:

______________________________

(1) الحدائق ج 5 ص: 39

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 190

______________________________

منها: ما رواه علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السلام في حديث قال: و سألته عن رجل رعف و هو يتوضأ فتقطر قطرة في انائه هل يصلح الوضوء منه؟ قال: لا «1».

و هذه الرواية تامة سندا و يستفاد منها نجاسة دم الانسان.

و منها ما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال:

كل شي ء من الطير يتوضأ مما يشرب منه الا أن تري في منقاره دما فان رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه و لا تشرب «2».

و هذه الرواية تامة سندا و تدل بالاطلاق علي نجاسة كل دم بلا فرق بين أفراده.

و أفاد في المستمسك بأن المستفاد من الرواية حكم ظاهري اي طهارة ظاهرية عند الشك في وجود الدم في منقار الطير فتكون ناظرة إلي صورة نجاسة الدم فلا بد من فرض كون الدم نجسا فلا يستفاد الاطلاق من الرواية و عليه لا يمكن جعل هذه الرواية دليلا علي النجاسة علي الاطلاق.

و فيه: أنه لا دليل علي كون الرواية في مقام بيان الحكم الظاهري بل المستفاد من الرواية التفصيل بين صورتي الرؤية و عدمها و حيث ان الظاهر من الروية الطريقية إلي الواقع فتكون الرواية ناظرة إلي بيان كون الدم نجسا.

و بعبارة اخري: لا تكون الرواية

ناظرة إلي بيان حكم فرض الشك بل ناظرة الي صورة وجود الدم و عدمه فلا قصور في اطلاقها و النتيجة دلالة الرواية علي نجاسة الدم من كل حيوان بلا تفصيل و الاستثناء يحتاج إلي الدليل.

______________________________

(1) الوسائل الباب 82 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 191

______________________________

و ربما يقال: ان الدم في الرواية منصرف إلي دم الميتة لغلبة تلوث منقار الطيور الجوارح بدمها.

و لا وجه لهذه الدعوي فانه يرد عليه منع الغلبة المدعاة اذ تلوث منقار الطيور بغير دم الميتة من الدماء امر متصور و ليس قليلا بحيث يكون ملحقا بالعدم مضافا الي أنه لا وجه للانصراف فان المستفاد من الرواية التفصيل بين صورتي وجود الدم في منقار الطير و عدمه بلا فرق بين مصاديقه فالمحكم هو الاطلاق بلا وجه للانصراف.

و مما يدل علي نجاسة مطلق الدم ما ورد من النصوص الدالة علي النهي عن الصلاة في الثوب الذي اصابه الدم لاحظ ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور في حديث قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسي أن يغسله فيصلي ثم يذكر بعد ما صلي أ يعيد صلاته؟ قال: يغسله و لا يعيد صلاته الا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله و يعيد الصلاة «1».

و ما رواه اسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال: في الدم يكون في الثوب ان كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة و ان كان أكثر من قدر الدرهم و كان رآه فلم يغسل حتي صلي فليعد صلاته و ان لم يكن رآه حتي صلي فلا يعيد الصلاة «2».

و ما

رواه محمد بن مسلم قال: قلت له: الدم يكون في الثوب علي و أنا في الصلاة قال: ان رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صل في غيره و ان لم يكن عليك

______________________________

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب النجاسات الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 192

______________________________

ثوب غيره فامض في صلاتك و لا اعادة عليك ما لم يزد علي مقدار الدرهم و ما كان أقل من ذلك فليس بشي ء رأيته قبل أو لم تره و اذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله و صليت فيه صلاة كثيرة فاعد ما صليت فيه «1».

و ما رواه سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يري في ثوبه الدم فينسي أن يغسله حتي يصلي قال: يعيد صلاته كي يهتم بالشي ء اذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه قلت: فكيف يصنع من لم يعلم؟ أ يعيد حين يرفعه؟ قال: لا و لكن يستأنف «2».

و ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان رأيت في ثوبك دما و انت تصلي و لم تكن رأيته قبل ذلك فاتم صلاتك فاذا انصرفت فاغسله قال:

و ان كنت رأيته قبل أن تصلي فلم تغسله ثم رأيته بعد و أنت في صلاتك فانصرف فاغسله و أعد صلاتك «3».

بتقريب: أن المستفاد من هذه النصوص نجاسة الدم اذ وجوب الغسل ارشاد الي النجاسة و حيث ان الدم بنحو الاطلاق مورد السؤال يكون شاملا لكل دم فبمقتضي هذه النصوص يكون الدم علي نحو الاطلاق نجسا.

و مما يدل علي نجاسة مطلق الدم ما رواه محمد بن اسماعيل بن بزيع قال:

كتبت إلي رجل أسأله أن

يسأل أبا الحسن الرضا عليه السلام عن البئر تكون في المنزل للوضوء فيقطر فيها قطرات من بول أو دم أو يسقط فيها شي ء من عذرة

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 6

(2) الوسائل الباب 42 من أبواب النجاسات الحديث: 5.

(3) الوسائل الباب 44 من أبواب النجاسات الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 193

______________________________

كالبعرة و نحوها ما الذي يطهرها حتي يحل الوضوء منها للصلاة؟ فوقع عليه السلام بخطه في كتابي: ينزح دلاء منها «1».

بتقريب: أن المرتكز في ذهن السائل نجاسة البئر بنجاسة ما وقع فيه من الدم و السؤال عن طريق تطهيره و الامام عليه السلام لم يردعه عما زعمه و مقتضي عدم تقييد الدم الواقع في السؤال نجاسة مطلق الدم.

و يؤيد المدعي ما ورد من النصوص الدالة علي نجاسة الدم في الجملة لاحظ ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام أو أبي جعفر عليه السلام قال: لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره غير دم الحيض فانه قليله و كثيره في الثوب ان رآه أو لم يره سواء «2».

و ما رواه أحمد بن أبي عبد اللّه عن أبيه رفعه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

قال: دمك أنظف من دم غيرك اذا كان في ثوبك شبه النضح من دمك فلا بأس و ان كان دم غيرك قليلا أو كثيرا فاغسله «3».

و ما رواه سورة بن كليب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة الحائض أ تغسل ثيابها التي لبستها في طمثها؟ قال: تغسل ما أصاب ثيابها من الدم و تدع ما سوي ذلك الحديث «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب الماء المطلق الحديث: 21

(2) الوسائل الباب 21 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

(3) نفس

المصدر الحديث: 2.

(4) الوسائل الباب 28 من أبواب النجاسات الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 194

______________________________

و ما رواه اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: الحائض تصلي في ثوبها ما لم يصبه دم «1».

و ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يمس أنفه في الصلاة فيري دما كيف يصنع؟ أ ينصرف؟ قال: ان كان يابسا فليرم به و لا بأس «2».

و ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: سألته عن الجرح كيف يصنع به في غسله؟ قال: اغسل ما حوله «3».

و ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الجرح كيف يصنع به صاحبه؟ قال: يغسل ما حوله «4».

و ما رواه عمار الساباطي قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل يسيل من أنفه الدم هل عليه أن يغسل باطنه يعني جوف الانف؟ فقال: انما عليه أن يغسل ما ظهر منه «5».

و ما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه قال: سألته عن الدمل يسيل منه القيح كيف يصنع؟ قال: ان كان غليظا أو فيه خلط من دم فاغسله كل يوم مرتين غدوة و عشية و لا ينقض ذلك الوضوء و ان أصاب ثوبك قدر دينار من الدم فاغسله و لا تصل

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 3

(2) الوسائل الباب 24 من أبواب النجاسات الحديث: 2

(3) نفس المصدر الحديث: 3

(4) نفس المصدر الحديث: 4

(5) نفس المصدر الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 195

______________________________

فيه حتي تغسله «1».

و ما رواه أبو بصير قال: دخلت علي أبي جعفر عليه السلام و هو يصلي فقال لي قائدي: ان في ثوبه

دما فلما انصرف قلت له: ان قائدي أخبرني أن بثوبك دما فقال لي: ان بي دما ميل و لست أغسل ثوبي حتي تبرأ «2».

و ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يأخذه الرعاف و القي ء في الصلاة كيف يصنع؟ قال: ينفتل فيغسل أنفه و يعود في صلاته الحديث «3».

الي غيرها من الروايات المذكورة في الباب 22 من أبواب النجاسات و الباب 7 من أبواب نواقض الوضوء و الباب 21 من أبواب الماء المطلق و الباب 2 من أبواب قواطع الصلاة من الوسائل.

فتحصل أن المقتضي للدلالة علي نجاسة مطلق الدم تام.

بقي في المقام ما نسب إلي الشيخ و ما نسب إلي الصدوق أما الاول فعدم نجاسة الدم الذي لا يدركه الطرف بتقريب: أن ذلك مستفاد من حديث علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن موسي بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل رعف فامتخط فصار بعض ذلك الدم قطعا صغارا فاصاب اناءه هل يصلح له الوضوء منه؟ فقال: ان لم يكن شيئا يستبين في الماء فلا بأس و ان كان شيئا بينا فلا تتوضأ منه قال و سألته عن رجل رعف و هو يتوضأ فتقطر قطرة في انائه هل يصلح الوضوء

______________________________

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب النجاسات الحديث: 8

(2) الوسائل الباب 22 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

(3) الوسائل الباب 7 من أبواب نواقص الوضوء الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 196

______________________________

منه؟ قال: لا «1».

و فيه: أنه علي فرض تمامية التقريب غاية ما يدل عليه عدم انفعال الماء بملاقاة الدم و هذا لا يدل علي عدم نجاسة الدم بل دليل علي عدم انفعال الماء بملاقاة هذا المقدار من الدم.

و أما

الثاني فقد قال في الحدائق: «و أما الصدوق فانه قال في الفقيه: و ان كان الدم دون حمصة فلا بأس بأن لا يغسل الا أن يكون دم الحيض» ثم قال في الحدائق: «و هذه العبارة مأخوذة من الفقه الرضوي بتغيير ما حيث قال عليه السلام:

و ان كان الدم حمصة فلا بأس بأن لا تغسله الا أن يكون دم الحيض» «2».

و لا يخفي عدم اعتبار الكتاب المذكور.

و ربما يتمسك علي المدعي بما رواه مثني بن عبد السلام عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: اني حككت جلدي فخرج منه دم فقال: ان اجتمع قدر حمصة فاغسله و الا فلا «3». و هذه الرواية ضعيفة بمثني.

و عن ابن الجنيد: «أنه لا بأس بما دون الدرهم من الدم» و لا يخفي أنه لا دليل علي مدعاه بل اطلاقات ادلة النجاسة تقتضي عدم الفرق بين افراد الدم هذا تمام الكلام في الفرع الاول.

و أما الفرع الثاني: و هي طهارة دم الحيوان الذي لا نفس له فلا اشكال في تمامية المقتضي من حيث اطلاق الادلة للحكم بنجاسته فلا بد في اثبات الطهارة

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب الماء المطلق الحديث: 1

(2) الحدائق ج 5 ص 44.

(3) الوسائل الباب 20 من أبواب النجاسات الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 197

______________________________

من قيام دليل عليها و ما يمكن أن يستدل به عليها أمور:

الاول: الاجماع. و حاله في الاشكال ظاهر.

الثاني: ما دل من النصوص علي جواز الصلاة في الثوب الذي فيه دم البرغوث لاحظ ما رواه الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة فيه؟ قال: لا و ان كثر فلا

بأس أيضا يشبهه من الرعاف ينضحه و لا يغسله «1».

و ما رواه محمد بن ريان قال: كتبت إلي الرجل عليه السلام هل يجري دم البق مجري دم البراغيث؟ و هل يجوز لأحد أن يقيس بدم البق علي البراغيث فيصلي فيه؟ و أن يقيس علي نحو هذا فيعمل به؟ فوقع عليه السلام: يجوز الصلاة و الطهر منه أفضل «2».

و هذه الطائفة من النصوص تدل علي جواز الصلاة في دم البراغيث و البق و لا تلازم بين جواز الصلاة فيه و طهارته مضافا إلي أنه حكم وارد في مورد خاص غير شامل لدم كل حيوان لا تكون له نفس.

و يضاف إلي جميع ذلك الاشكال في سند الحديثين فان الحديث الاول مخدوش لاحتمال كون المراد بابن سنان محمد و الحديث الثاني مخدوش بسهل.

الثالث: ما دل علي عدم البأس بنحو الاطلاق بدم البراغيث و البق لاحظ ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما تقول في دم

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 7

(2) الوسائل الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 198

______________________________

البراغيث؟ قال: ليس به بأس قلت: انه يكثر و يتفاحش قال: و ان كثر «1» و ما رواه غياث «2» و مقتضي اطلاق عدم البأس عدم كونه نجسا.

و فيه: أنه مخصوص بالبرغوث و البق و التعدي يحتاج إلي الدليل سيما بالنسبة الي ما فيه اللحم كالسمك.

و بعبارة اخري: انه ان تعدينا عن المورد إلي دم مطلق ما ليس فيه اللحم كالزنبور- مثلا- فلا مجال للتسرية إلي مثل السمك فلاحظ.

الرابع: ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان عليا عليه السلام كان لا يري بأسا بدم ما

لم يذك يكون في الثوب فيصلي فيه الرجل يعني دم السمك «3».

و فيه: أولا أن السند مخدوش بالنوفلي و وقوعه في أسناد كامل الزيارة لا يقتضي وثاقته. و ثانيا: أن جواز الصلاة في الثوب الذي فيه دم السمك لا يستلزم طهارته كما هو ظاهر.

الخامس: ما أفاده سيدنا الاستاد و هو أن المدعي يستفاد من النصوص التي تدل علي عدم البأس بميتة ما لا نفس له و أنه لا يفسد الماء لاحظ ما رواه عمار «4» و ما رواه حفص بن غياث «5» و ما رواه محمد بن يحيي «6» و ما رواه

______________________________

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث: 1

(2) لاحظ ص: 157

(3) الوسائل الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث: 2.

(4) لاحظ ص: 155.

(5) لاحظ ص: 157

(6) لاحظ ص: 172

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 199

[مسألة 369: إذا وجد في ثوبه مثلا دما لا يدري أنه من الحيوان ذي النفس السائلة أو من غيره]

(مسألة 369): اذا وجد في ثوبه مثلا دما لا يدري أنه من الحيوان ذي النفس السائلة أو من غيره بني علي طهارته (1).

[مسألة 370 دم العلقة المستحيلة من النطفة و الدم الذي يكون في البيضة نجس علي الاحوط وجوبا]

(مسألة 370) دم العلقة المستحيلة من النطفة و الدم الذي يكون في البيضة نجس علي الاحوط وجوبا (2).

______________________________

علي بن جعفر «1».

بتقريب: أن مقتضي هذه الروايات عدم البأس و عدم انفعال ما القي فيه حتي فيما يخرج عنه الدم فيعلم ان دم ما ليس ذا نفس لا يكون نجسا و الا فكيف يمكن عدم افساده الماء الملاقي له.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق مباني منهاج الصالحين؛ ج 3، ص: 199

و يرد عليه: أن المستفاد من هذه النصوص نفي البأس عن الميتة بما هي و بعبارة اخري: نفي البأس من هذه الحيثية فلا دلالة فيها علي عدم نجاسة الدم الخارج عنها فتلخص أن الجزم بهذه المقالة مشكل و اللّه العالم.

(1) فان مقتضي عدم كونه من ذي نفس سائلة عدم نجاسته و بعبارة اخري: بعد تسلم تخصيص دليل النجاسة بما لا نفس له يمكن احراز الموضوع باستصحاب العدم الازلي بأن نقول: هذا الدم لم يكن من الحيوان ذي نفس سائلة و الان كما كان فلا يكون نجسا.

و بعبارة اخري: العام بعد التخصيص يتعنون بعنوان مغاير لعنوان الخاص اذ لا يعقل بقائه علي العموم الاولي فلا بد من تعنونه بعنوان مغاير لعنوان الخاص ففي المقام بعد اخراج ما لا نفس له بالدليل علي الفرض يتعنون موضوع العام بدم الحيوان ذي نفس سائلة و ببركة الاستصحاب ينقح الموضوع و يترتب عليه الحكم.

(2) لا وجه للترديد في نجاسة الدم المذكور فان مقتضي اطلاق دليل نجاسة

______________________________

(1) لاحظ

ص: 173

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 200

[مسألة 371: الدم المتخلف في الذبيحة بعد خروج ما يعتاد خروجه منها بالذبح طاهر]

(مسألة 371): الدم المتخلف في الذبيحة بعد خروج ما يعتاد خروجه منها بالذبح طاهر (1) الا أن يتنجس بنجاسة خارجية مثل السكين التي يذبح بها (2).

[مسألة 372: إذا خرج من الجرح أو الدمل شي ء اصفر يشك في أنه دم أم لا يحكم بطهارته]

(مسألة 372): اذا خرج من الجرح أو الدمل شي ء اصفر يشك في أنه دم أم لا يحكم بطهارته (3) و كذا اذا شك من جهة الظلمة أنه دم أو قيح (4).

______________________________

الدم نجاسته و قد مر منا أن مقتضي بعض الطوائف من النصوص نجاسة مطلق الدم لاحظ حديث عمار «1».

(1) فان طهارة الدم المتخلف من الامور المعروفة و السيرة جارية علي طهارته فلا مجال للتشكيك و الترديد.

و ان شئت قلت: ان الدم المذكور لو كان نجسا كان معروفا بحيث لم يكن مجال للبحث فيه و الحال أن طهارته معروفة مشهورة فلاحظ لكن كما قيده في المتن لا بد من خروج ما يعتاد اذ في غير هذه الصورة لا يكون دليل علي طهارته و مع عدم الدليل عليها يكون مقتضي اطلاق دليل النجاسة نجاسته.

(2) فان تنجسه بنجاسة خارجية امر علي القاعدة الاولية من تنجس المضاف بملاقاة النجس.

(3) لأصالة عدم كونه دما كما أن مقتضي استصحاب بقاء طهارة ما يلاقيه طهارته.

(4) الكلام فيه هو الكلام.

______________________________

(1) لاحظ ص: 190

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 201

و لا يجب عليه الاستعلام (1) و كذلك اذا حك جسده فخرجت رطوبة يشك في أنها دم أو ماء أصفر يحكم بطهارتها (2).

[مسألة 373: الدم الذي قد يوجد في اللبن عند الحلب نجس و منجس للبن]

(مسألة 373): الدم الذي قد يوجد في اللبن عند الحلب نجس و منجس للبن (3).

[السادس و السابع: الكلب و الخنزير البريان]

السادس و السابع: الكلب و الخنزير البريان بجميع اجزائهما و فضلاتهما و رطوباتهما دون البحريين (4).

______________________________

(1) كما هو الميزان في الشبهة الموضوعية.

(2) قد ظهر الوجه مما ذكرنا آنفا فلاحظ.

(3) أما كونه نجسا فلكونه دما و الدم نجس و أما كونه منجسا فلان المفروض ملاقاته مع اللبن في الخارج و مقتضي القاعدة انفعال المضاف بملاقاة عين النجاسة فلاحظ.

(4) تتولد مما أفاده في المقام فروع:

الفرع الاول: أن الكلب البري نجس و هذا من الواضحات و لا خلاف في نجاسته في الجملة و الروايات الدالة علي نجاسته بالسنة مختلفة كثيرة جدا منها: ما رواه الفضل أبو العباس قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام ان أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله و ان مسه جافا فاصبب عليه الماء. قلت: و لم صار بهذه المنزلة؟ قال: لان النبي صلي اللّه عليه و آله أمر بقتلها (بغسلها) «1».

و منها: ما رواه أيضا في حديث: أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكلب

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 202

______________________________

فقال: رجس نجس لا يتوضأ بفضله و اصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء «1».

و منها: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الكلب يشرب من الاناء قال: اغسل الاناء «2».

و منها: ما رواه أيضا قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكلب يصيب شيئا من جسد الرجل قال: تغسل المكان الذي أصابه «3».

و منها: ما رواه معاوية بن شريح عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث: أنه

سئل عن سؤر الكلب يشرب منه أو يتوضأ؟ قال: لا قلت: أ ليس هو سبع؟ قال:

لا و اللّه انه نجس لا و اللّه انه نجس «4».

و منها: ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: لا يشرب سؤر الكلب الا أن يكون حوضا كبيرا يستقي منه «5».

و منها ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكلب يصيب شيئا من جسد الرجل قال: يغسل المكان الذي أصابه «6».

و منها: ما رواه أيضا قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكلب السلوقي فقال:

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) نفس المصدر الحديث: 3

(3) نفس المصدر الحديث: 4

(4) نفس المصدر الحديث: 6

(5) نفس المصدر الحديث: 7

(6) نفس المصدر الحديث: 8

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 203

______________________________

اذا مسسته فاغسل يدك «1».

و منها: ما رواه أبو سهل القرشي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن لحم الكلب فقال: هو مسخ قلت. أ هو حرام؟ قال: هو نجس: اعيده (ها) عليه ثلاث مرات كل ذلك يقول: هو نجس «2».

و منها: ما رواه الصدوق «3» و منها: ما رواه حريز «4».

و منها: ما رواه حريز عمن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا مس ثوبك كلب فان كان يابسا فانضحه و ان كان رطبا فاغسله «5».

و منها: ما رواه علي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الكلب يصيب الثوب قال: انضحه و ان كان رطبا فاغسله «6».

و في المقام رواية ربما يتوهم معارضتها مع دليل نجاسة الكلب و هي ما رواه ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الوضوء مما ولغ الكلب فيه

و السنور أو شرب منه جمل أو دابة أو غير ذلك أ يتوضأ منه؟ أو يغتسل؟ قال:

نعم الا أن تجد غيره فتنزه عنه «7».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 9

(2) نفس المصدر الحديث: 10

(3) نفس المصدر الحديث: 11

(4) نفس المصدر الحديث: 5

(5) الوسائل الباب 26 من أبواب النجاسات الحديث: 3.

(6) نفس المصدر الحديث: 4

(7) الوسائل الباب 2 من أبواب الأسآر الحديث: 6.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 204

______________________________

و لكن يمكن دفع هذا التوهم اولا: بأن غاية دلالة هذه الرواية علي المدعي بالاطلاق فان مورد الرواية لم يفرض فيه كون الماء قليلا و اطلاقها يقيد بما دل علي نجاسة ما باشره الكلب من المياه القليلة.

و ثانيا أن غاية ما يدل عليه الحديث عدم نجاسة الماء و عدم نجاسته أعم من نجاسة الكلب.

و ثالثا: انه لا مجال لهذا التوهم فان نجاسة الكلب كما ذكرنا من الواضحات الاولية التي لا تقبل الانكار فلاحظ.

ثم انه لا يخفي ان مقتضي اطلاق الادلة عدم الفرق بين كلب الصيد و غيره مضافا إلي ما رواه محمد بن مسلم «1» فان هذه الرواية واردة في خصوص كلب الصيد و دالة علي نجاسته فلا مجال لما عن الصدوق من الفرق بين القسمين من الكفاية برش الماء بدل الغسل اذا كان الملاقاة مع كلب الصيد.

الفرع الثاني: الخنزير البري نجس بالإجماع و التسالم بل نجاسته في الجملة من ضروريات المذهب.

اضف إلي ذلك النصوص الدالة علي نجاسته فمن تلك النصوص ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر و هو في صلاته كيف يصنع به؟ قال: ان كان دخل في صلاته فليمض فان لم يكن دخل

في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه الا أن يكون فيه أثر فيغسله قال: و سألته عن خنزير يشرب من اناء كيف يصنع به؟ قال: يغسلي

______________________________

(1) لاحظ ص: 202

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 205

______________________________

سبع مرات «1»،

و منها: ما رواه سليمان الاسكاف قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شعر الخنزير يخرز به قال: لا باس به و لكن يغسل يده اذا أراد أن يصلي «2».

و منها: ما رواه علي بن رئاب عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الشطرنج قال:

المقلب لها كالمقلب لحم الخنزير قلت: و ما علي من قلب (يقلب) لحم الخنزير قال: يغسل يده «3».

و منها: ما رواه موسي بن القاسم عن علي بن محمد (جعفر) عليه السلام قال: سألته عن خنزير أصاب ثوبا و هو جاف هل تصلح الصلاة فيه قبل أن يغسله قال: نعم ينضحه بالماء ثم يصلي فيه «4».

و منها: ما رواه المعلي بن خنيس قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الخنزير يخرج من الماء فيمر علي الطريق فيسيل منه الماء أمر عليه حافيا؟ فقال: أ ليس ورائه شي ء جاف؟ قلت: بلي قال: فلا باس ان الارض يطهر بعضها بعضا «5» و منها: ما رواه زرارة «6».

الفرع الثالث: المشهور بين الاصحاب طهارة الكلب و الخنزير البحريين

______________________________

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 3.

(3) نفس المصدر الحديث: 4

(4) الوسائل الباب 26 من أبواب النجاسات الحديث: 6.

(5) الوسائل الباب 32 من أبواب النجاسات الحديث: 3.

(6) لاحظ ص: 153.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 206

______________________________

و ربما يقال: ان مقتضي اطلاق الادلة نجاستهما حيث انهما من مصاديق الكلب و الخنزير.

و يرد عليه: أولا أن اطلاق الاسم عليهما

بنحو الحقيقة اول الكلام نعم يمكن صحة الاستعمال مع الاضافة بأن يطلق علي الكلب البحري كلب الماء و هذا يدل علي خلاف المقصود فان الاستعمال مع الاضافة لو كان دليلا علي الفردية لكان المضاف داخلا في افراد الماء المطلق و الحال أن اطلاق الماء بلا اضافة علي المضاف لعله يعد من الاغلاط فلا يقال لماء الرمان أنه ماء بل يقال له: انه ماء رمان و لو وصلت النوبة إلي الشك يكفي للمنع من الاطلاق اذ تحقق الاطلاق في الدليل يتوقف علي احراز الصدق و مع الشك يكون من التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية و مقتضي الاصل عدم كونه مصداقا للطبيعة.

اضف إلي جميع ذلك ما ورد في المقام من النصوص الخاصة الدالة علي عدم البأس بلبس الخز و الخز كلب بحري و من تلك النصوص ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج قال: سأل أبا عبد اللّه عليه السلام رجل و أنا عنده عن جلود الخز فقال:

ليس بها بأس فقال الرجل: جعلت فداك انها علاجي (في بلادي) و انما هي كلاب تخرج من الماء فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: اذا خرجت من الماء تعيش خارجة من الماء؟ فقال الرجل: لا قال: ليس به بأس «1».

و في الرواية اشارة إلي عدم البأس بجلد الخنزير البحري أيضا.

الفرع الرابع: ان البريين منهما جميع اجزائهما و رطوباتهما نجسة و الدليل عليها اطلاق ادلة النجاسة فان العرف يفهم من دليل النجاسة عدم الفرق و أن النجاسة شاملة

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب لباس المصلي الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 207

______________________________

لجميع ما ذكر.

الفرع الخامس: أن ما لا تحله الحياة من الكلب و الخنزير نجس- كما هو المشهور عند الاصحاب- و ذلك

لإطلاق ادلة نجاستهما.

و ربما يقال: بطهارة ما لا تحله الحياة و قد ذكرت في مقام الاستدلال عليه وجوه: منها: الاجماع.

و حاله في الاشكال معلوم مضافا إلي أنه لا اجماع علي عدم النجاسة بل علي ما يظهر من بعض الكلمات أن الاجماع قائم عليها.

و منها: أن ما لا تحله الحياة لا يعد جزءا من الحيوان فلا يشمله دليل النجاسة.

و هذه الدعوي غريبة و العرف ببابك و الذي يدل علي بطلانها أنه يقال:

الاجزاء التي لا تحلها الحياة.

و منها: قياس المقام بالميتة فكما أن أجزاء الميتة التي لا تحلها الحياة طاهرة كذلك المقام.

و فساده ظاهر اذ القياس باطل مضافا إلي الفرق بين الموردين فان نجاسة الميتة عرضية و النجاسة في المقام ذاتية فلاحظ.

و ربما يستدل بجملة من الروايات علي طهارة شعر الخنزير منها: ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقي به الماء من البئر هل يتوضأ من ذلك الماء؟ قال: لا بأس «1».

بتقريب: أن المستفاد من الرواية عدم تنجس ماء البئر بملاقاة الحبل الذي

______________________________

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب الماء المطلق الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 208

______________________________

فرض كونه من شعر الخنزير فلا يكون الشعر نجسا.

و فيه: أن غاية ما هناك علي هذا التقريب عدم انفعال ماء البئر بملاقاة النجاسة فلا يرتبط بالمدعي.

و يمكن الاستدلال بالرواية علي المدعي بتقريب آخر و هو أن المستفاد منها عدم انفعال الماء الذي في الدلو بملاقاة الحبل.

و فيه أنه لم يفرض في الرواية ملاقاة الحبل مع الماء المستقر في الدلو غاية ما في الباب تقاطر الماء من الحبل في الدلو و هذا من ادلة عدم تنجيس المتنجس و لا يرتبط بالمدعي.

مضافا

إلي أنه لو سلم ملاقاة الحبل مع الماء الموجود في الدلو فلا تكون الرواية دالة علي المدعي بل تدل علي عدم انفعال الماء القليل و علي كل لا ترتبط بالمدعي.

و منها: ما رواه الحسين بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: قلت له: الشعر الخنزير يعمل حبلا و يستقي به من البئر التي يشرب منها أو يتوضأ منها؟ قال: لا بأس به «1».

و التقريب هو التقريب و الجواب هو الجواب مضافا إلي ضعف السند بحسين بن زرارة.

و منها ما رواه زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن جلد الخنزير يجعل دلوا يستقي به الماء قال: لا بأس «2».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 3:

(2) نفس المصدر الحديث: 16.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 209

[الثامن: المسكر المائع بالأصالة بجميع أقسامه]
اشارة

الثامن: المسكر المائع بالاصالة بجميع اقسامه (1).

______________________________

و هذه الرواية ضعيفة بأبي زياد فانه لم يوثق مضافا إلي أن هذه الرواية علي تقدير تسليم دلالتها تدل علي عدم نجاسة جلد الخنزير و من الظاهر أن الكلام فيما لا تحله الحياة و الجلد مما تحله الحياة كما هو ظاهر.

فالمتحصل مما ذكرنا نجاسة الكلب و الخنزير بجميع أجزائهما علي نحو الاطلاق فلاحظ.

(1) ينبغي أن يتكلم أولا في حكم الخمر ثم البحث عن حكم مطلق المسكر المائع بالاصالة فنقول: المشهور بين الاصحاب نجاسة الخمر و ما استدل به علي المدعي أو يمكن أن يستدل به عليه وجوه:

الاول: الاجماع و فيه: ان الاجماع المنقول ليس حجة و المحصل منه علي تقدير حصوله محتمل المدرك.

الثاني: قوله تعالي: «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ» «1».

و فيه: أن الرجس ليس مساويا للنجس و الا يلزم كون الميسر نجسا و

كذلك الانصاب و الازلام و هو كما تري فالرجس عبارة عن الخبيث الذي يعبر عنه في الفارسية ب «پليد».

الثالث: النصوص منها: ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل لحم الجري أو يشرب الخمر فيرده أ يصلي فيه قبل أن يغسله؟ قال: لا يصلي فيه حتي يغسله «2».

______________________________

(1) المائدة/ 92

(2) الوسائل الباب 38 من أبواب النجاسات الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 210

______________________________

و منها: ما رواه يونس عن بعض من رواه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

اذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ مسكر فاغسله ان عرفت موضعه و ان لم تعرف موضعه فاغسله كله و ان صليت فيه فاعد صلاتك «1».

و منها: ما رواه هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفقاع فقال: لا تشربه فانه خمر مجهول فاذا اصاب ثوبك فاغسله «2».

و منها: ما رواه خيران الخادم قال: كتبت إلي الرجل عليه السلام أسأله عن الثوب يصيبه الخمر و لحم الخنزير أ يصلي فيه أم لا؟ فان أصحابنا قد اختلفوا فيه فقال: بعضهم: صل فيه فان اللّه انما حرم شربها و قال بعضهم: لا تصل فيه فكتب عليه السلام لا تصل فيه فانه رجس «3».

و منها: ما رواه عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا تصل في بيت فيه خمر و لا مسكر لان الملائكة لا تدخله و لا تصل في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتي تغسله «4».

و منها: ما رواه ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث النبيذ قال:

ما يبل الميل ينجس حبا من ماء يقولها ثلاثا «5».

و

منها: ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن آنية أهل

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 3.

(2) نفس المصدر الحديث: 5.

(3) نفس المصدر الحديث: 4

(4) نفس المصدر الحديث: 7

(5) نفس المصدر الحديث: 6.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 211

______________________________

الذمة و المجوس فقال: لا تأكلوا في آنيتهم و لا من طعامهم الذي يطبخون و لا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر «1».

و منها: ما رواه عبد اللّه بن سنان «2» و منها ما رواه كردويه قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن البئر يقع فيها قطرة دم أو نبيذ مسكر أو بول أو خمر قال: ينزح منها ثلاثون دلوا «3» و منها: ما رواه زرارة «4».

و منها: ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في البئر يبول فيها الصبي أو يصب فيها بول أو خمر فقال: ينزح الماء كله «5». و منها ما رواه الحلبي «6».

و منها: ما رواه عمار بن موسي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الدن يكون فيه الخمر هل يصلح أن يكون فيه خل أو ماء كامخ أو زيتون؟ قال:

اذا غسل فلا بأس و عن الابريق و غيره يكون فيه خمر أ يصلح أن يكون فيه ماء؟

قال: اذا غسل فلا بأس و قال: في قدح أو اناء يشرب فيه الخمر قال: تغسله ثلاث مرات و سئل أ يجزيه أن يصب فيه الماء؟ قال: لا يجزيه حتي يدلكه بيده و يغسله

______________________________

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

(2) لاحظ ص: 151

(3) الوسائل الباب 15 من أبواب الماء المطلق الحديث: 2.

(4) لاحظ ص: 153.

(5) الوسائل الباب 15 من أبواب الماء المطلق الحديث: 4.

(6) لاحظ ص:

151

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 212

______________________________

ثلاث مرات «1».

و منها: ما رواه عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الاناء يشرب فيه النبيذ فقال: تغسله سبع مرات و كذلك الكلب إلي أن قال: و لا تصل في بيت فيه خمر و لا مسكر لان الملائكة لا تدخله و لا تصل في ثوب أصابه خمر أو مسكر حتي يغسل «2».

و منها غيرها المذكور في الوسائل في الباب 30 من أبواب الاشربة المحرمة.

و في قبال هذه الطائفة طائفة اخري من النصوص تدل علي طهارة الخمر لاحظ ما رواه عبد اللّه بن بكير قال: سأل رجل ابا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده عن المسكر و النبيذ يصيب الثوب قال: لا بأس «3».

و ما رواه الحسين بن أبي سارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: انا نخالط اليهود و النصاري و المجوس و ندخل عليهم و هم يأكلون و يشربون فيمر ساقيهم و يصب علي ثيابي الخمر فقال: لا بأس به الا أن تشتهي أن تغسله لأثره «4».

و ما رواه الصدوق قال: سئل أبو جعفر و أبو عبد اللّه عليهما السلام فقيل لهما:

انا نشتري ثيابا يصيبها الخمر و ودك الخنزير عند حاكتها أ نصلي فيها قبل أن نغسلها فقال: نعم لا بأس ان اللّه انما حرم أكله و شربه و لم يحرم لبسه و مسه و الصلاة فيه «5».

______________________________

(1) الوسائل الباب 51 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 35 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 2

(3) الوسائل الباب 38 من أبواب النجاسات الحديث: 11

(4) نفس المصدر الحديث: 12

(5) نفس المصدر الحديث: 13

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 213

______________________________

و رواه بكير عن أبي جعفر.

و ما رواه علي بن

رئاب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الخمر و النبيذ المسكر يصيب ثوبي فاغسله أو اصلي فيه؟ قال: صل فيه الا أن تقذره فتغسل منه موضع الاثر ان اللّه تعالي انما حرم شربها «1».

و ما رواه الحسين بن أبي سارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ان أصاب ثوبي شي ء من الخمر اصلي فيه قبل أن اغسله؟ قال: لا باس ان الثوب لا يسكر «2».

و ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي عليه السلام قال: سألته عن البيت يبال علي ظهره و يغتسل من الجنابة ثم يصيبه المطر أ يؤخذ من مائه فيتوضأ به للصلاة؟

فقال: اذا جري فلا بأس به قال و سألته عن الرجل يمر في ماء المطر و قد صب فيه خمر فاصاب ثوبه هل يصلي فيه قبل أن يغسله؟ فقال: لا يغسل ثوبه و لا رجله و يصلي فيه و لا بأس (به خ) «3».

فيقع التعارض بين الطرفين فربما يقال بأنه يحمل ما دل علي النجاسة علي الاستحباب ببركة ما دل علي الطهارة.

و قد مر منا مرارا أن العرف يري التعارض في أمثال المقام و لا مجال للجمع الدلالي مضافا إلي أنا لا نفهم معني الحمل علي الاستحباب في مثل المقام.

و بعبارة اخري: لا نتصور ما معني حمل الحكم بالطهارة علي الاستحباب و حيث ان أقوال العامة مختلفة بالنسبة إلي الطهارة و النجاسة فلا مجال لحمل أحد

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 14

(2) نفس المصدر الحديث: 10

(3) الوسائل الباب 6 من أبواب الماء المطلق الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 214

______________________________

الطرفين علي التقية و أيضا لا مرجح لإحدي الطائفتين علي الاخري بموافقة الكتاب فما الحيلة؟

فنقول: في المقام رواية يمكن علاج

التعارض بها و هي ما رواه علي بن مهزيار قال: قرأت في كتاب عبد اللّه بن محمد إلي أبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك روي زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليه السلام في الخمر يصيب ثوب الرجل أنهما قالا: لا بأس بأن تصلي فيه انما حرم شربها و روي عن (غير) زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال: اذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ يعني المسكر فاغسله ان عرفت موضعه و ان لم تعرف موضعه فاغسله كله و ان صليت فيه فاعد صلاتك فاعلمني ما آخذ به. فوقع عليه السلام و قرأته: خذ بقول أبي عبد اللّه عليه السلام «1».

فانه لا يبعد أن يقال: بأن هذه الرواية لا تعد معارضا في نظر العرف بل تكون كالأخبار العلاجية في خصوص المقام و مقتضاها النجاسة.

و ان أبيت عما ذكر و قلت هذه الرواية بنفسها طرف المعارضة يكون الترجيح معها للأحدثية.

فتحصل ان الحق نجاسة الخمر اذا عرفت ذلك فاعلم أنه يقع الكلام في أنه هل يلحق بالخمر في النجاسة كل مائع مسكر بالاصالة أم لا؟ الذي يمكن أن يستدل به علي الالحاق امور:

الاول: الاجماع و حاله في الاشكال ظاهر مضافا إلي أن الاقوال في الخمر مختلفة.

______________________________

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب النجاسات الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 215

______________________________

الثاني: النصوص الدالة علي نجاسة مطلق المسكر منها ما رواه عمار «1» فان النهي عن الصلاة في الثوب الذي أصابه المسكر الا بعد الغسل ارشاد إلي نجاسته.

و منها: ما رواه عمر بن حنظلة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما تري في قدح من مسكر يصب عليه الماء حتي تذهب عاديته و يذهب سكره

فقال: لا و اللّه و لا قطرة قطرت في حب الا اهريق ذلك الحب «2».

و هذه الرواية ضعيفة بعمر و يعارض حديث عمار ما رواه عبد اللّه بن بكير «3» و حيث ان العامة قائلون بالنجاسة فالترجيح مع ما دل علي الطهارة و مجرد احتمال الصدور تقية- كما في كلام سيدنا الاستاد- لا أثر له فانه لا يترتب الاثر علي مجرد الاحتمال مع أن مقتضي الاصل الاولي عدمها. و ان شئت قلت: ان مقتضي الامر بالاخذ بما خالف العامة الاخذ بدليل الطهارة.

و لكن يمكن أن يقال بأن مقتضي حديث علي بن مهزيار «4» الاخذ بدليل النجاسة فان قوله: «يعني المسكر» يقتضي نجاسة كل مسكر و حمل المسكر علي خصوص النبيذ المسكر بلا وجه. فالحق نجاسة مطلق المسكر المائع بالاصالة.

الثالث: ما أفاده صاحب الحدائق: «من أن الخمر حقيقة شرعية بل لغوية في مطلق المسكر أما الاول فلما ورد في تفسير الاية الكريمة «انما الخمر و الميسر»

______________________________

(1) لاحظ ص: 210

(2) الوسائل الباب 18 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 1

(3) لاحظ ص: 212

(4) لاحظ ص: 214

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 216

______________________________

الي آخر الاية من أن المراد بالخمر كل مسكر من الشراب «1» و أما الثاني فلما قاله جمع من أهل اللغة من أن الخمر انما سميت بهذا الاسم لأنها تخمر العقل و تستره و عليه كل مسكر خمر» «2».

و اورد عليه سيدنا الاستاد أما بالنسبة إلي تفسير الاية فبأنه لا يمكن اثبات الحقيقة الشرعية بارادة مطلق الشراب المسكر من الاية ببركة النص مضافا إلي أن الاية لا تدل علي نجاسة الخمر بل الاية تدل علي حرمته. أضف إلي ذلك أن الرواية مرسلة لا اعتبار بها.

و أما عن الثاني

فبعدم اطراد الاستعمال و لذا نري عدم صحة اطلاق الخمر علي الحشيش المسكر مضافا إلي أن المنقول من كلام جماعة من أهل اللغة أن الخمر حقيقة في المسكر من عصير العنب «3».

الرابع: ما دل من النصوص علي أن الخمر علي أقسام مثل ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الخمر من خمسة: العصير من الكرم و النقيع من الزبيب و البتع من العسل و المزر من الشعير و النبيذ من التمر «4».

و ما رواه الحسن الحضرمي عمن أخبره عن علي بن الحسين عليهما السلام

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 5 و تفسير القمي ج 1 ص 180

(2) الحدائق ج 5 ص: 113- 115

(3) الحدائق ج 5 ص: 112

(4) الوسائل الباب 1 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 217

______________________________

قال: الخمر من خمسة اشياء: من التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير و العسل «1».

و ما رواه علي بن اسحاق الهاشمي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: الخمر من خمسة: العصير من الكرم و النقيع من الزبيب و البتع من العسل و المزر من الشعير و النبيذ من التمر «2» و غيرها مما ورد في الوسائل في الباب امن أبواب الاشربة المحرمة.

بتقريب: أن المستفاد من هذه النصوص أن الخمر لا يختص بما يتخذ من العنب فكل مسكر خمر و المفروض أن الخمر نجس.

و فيه: ان اثبات النجاسة يتوقف علي تحقق عنوان الخمرية و بعبارة اخري:

كل شراب صدق عليه هذا العنوان يحكم عليه بالنجاسة و أما مجرد كونه

مسكرا فلا دليل علي نجاسته.

و أفاد سيدنا الاستاد: أنه يظهر الجواب بما ذكر عن الاستدلال بما دل من النص علي نجاسة النبيذ المسكر اذ المستفاد من هذه الأحاديث نجاسة النبيذ المسكر فلا يمكن اثبات النجاسة بالنسبة إلي الاسبرتو الذي لا يصدق عليه لا عنوان الخمر و لا عنوان النبيذ المسكر هذا ملخص كلامه.

لكن يرد عليه أن المستفاد من بعض النصوص نجاسة مطلق المسكر لاحظ حديثي علي بن مهزيار و عمار «3» فان المستفاد من هذين الحديثين أن المسكر علي الاطلاق نجس الا أن يقال بالانصراف عن مثل الاسبرتو الذي لا يكون معدا

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2.

(2) نفس المصدر الحديث: 3

(3) لاحظ ص: 214 و 210.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 218

دون الجامد كالحشيشة و ان غلي و صار مائعا بالعارض لكنه حرام (1).

______________________________

للشرب و ادعاء الانصراف مشكل.

الخامس: ما دل من النصوص أن كل مسكر خمر مثل ما رواه علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: ان اللّه عز و جل لم يحرم الخمر لاسمها و لكن حرمها لعاقبتها فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر «1».

و ما رواه أيضا عن أبي ابراهيم عليه السلام قال: ان اللّه عز و جل لم يحرم الخمر لاسمها و لكن حرمها لعاقبتها فما فعل فعل الخمر فهو خمر «2».

و ما رواه عطاء بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي عليه و آله: كل مسكر حرام و كل مسكر خمر «3».

بتقريب: أن مقتضي التنزيل كون المنزل بمنزلة المنزل عليه في الآثار.

و أورد عليه سيدنا الاستاد بأن الاثر الظاهر للخمر هي الحرمة و أما النجاسة فليست اثرا ظاهرا له فدليل التنزيل ناظر إلي خصوص

الحرمة.

و يرد عليه أنه لا دليل علي الاختصاص بل مقتضي اطلاق الدليل ترتيب جميع الآثار عليه الا ما خرج بالدليل فلاحظ.

(1) ادعي عليه الاجماع فان ثبت اجماع تعبدي كاشف و الا يشكل الامر لعدم مجال للتوسل إلي الاصل لا لصدق الخمر عليه بل لوجهين.

أحدهما ما دل من النص علي نجاسة كل مسكر فان مقتضي اطلاق ذلك

______________________________

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

(3) الوسائل الباب 5 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 219

و أما اسبرتو المتخذ من الاخشاب أو الاجسام الاخر فالظاهر طهارته (1).

[مسألة 374: العصير العنبي إذا غلا بالنار أو بغيرها فالظاهر بقائه علي الطهارة]

(مسألة 374): العصير العنبي اذا غلا بالنار أو بغيرها فالظاهر بقائه علي الطهارة (2).

______________________________

الدليل عدم الفرق بين المائع و الجامد.

ثانيهما: عموم التنزيل المستفاد من النص و دعوي كون التنزيل بلحاظ خصوص الحرمة بلا دليل كما أن دعوي أن المناسبة تقتضي أن تكون ناظرا إلي المائع المسكر بلا وجه و لذا لا مجال للشك في أن ذلك الدليل يدل علي حرمة المسكر الجامد.

فالانصاف أن الجزم بالطهارة مشكل و اثبات تحقق الاجماع التعبدي علي الطهارة اشكل.

(1) قد ظهر مما ذكرنا أن المسألة محل الاشكال الا أن يشك في كون مثل «الألكل» مسكرا فيحكم بطهارته باستصحاب عدم كونه مسكرا.

(2) قد وقع الكلام فيه و اختلفوا في حكمه من حيث النجاسة و الطهارة و من الظاهر أنه لو لم يقم دليل علي نجاسته فالاصل الاولي يقتضي طهارته.

و ما قيل أو يمكن أن يقال في مقام الاستدلال علي النجاسة وجوه:

الوجه الاول: الاجماع و فيه أن المسألة مورد الاختلاف كما يظهر من كلمات القوم مضافا إلي أنه كيف يمكن تحصيل الاجماع التعبدي الكاشف في مثل هذه المسألة

التي اقيمت عليها وجوه من الادلة.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 220

______________________________

الوجه الثاني: أنه مسكر و المسكر المائع بالاصالة نجس حسب النص «1» علي كلام فيه كما مر.

و فيه: أن كونه مسكرا محل الاشكال و لذا جعلوه مقابل الخمر و باقي المسكرات و مجرد الشك في كونه مسكرا يكفي للحكم بطهارته باستصحاب عدم اسكاره و قاعدتها.

اضف إلي ذلك أن مجرد الغليان لا يستلزم الاسكار قطعا فالدليل اخص من المدعي.

الوجه الثالث: عد العصير من أنواع الخمر لاحظ ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج «2».

و فيه: أن المراد من هذه الرواية و أمثالها الاشارة إلي أنواع الخمر من حيث اصولها بنحو الاجمال و لا اطلاق فيها من جميع الجهات و الا يلزم حرمة شرب ما ينبذ فيه من التمر بلا حصول تغيير فيه و هل يمكن الالتزام به؟

الوجه الرابع: ما دل من النصوص علي النزاع الواقع بين آدم و نوح مع ابليس و أن الثلث لآدم و نوح و الثلثين لإبليس لاحظ ما رواه أبو الربيع الشامي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن أصل الخمر كيف كان بدء حلالها و حرامها و متي اتخذ الخمر؟ فقال: ان آدم لما اهبط إلي الجنة اشتهي من ثمارها فانزل اللّه عليه قضيبين من عنب فغر سهما فلما أن أورقا و أثمرا و بلغا جاء ابليس فحاط عليهما حائطا فقال آدم: ما حالك يا ملعون قال: فقال ابليس: انهما لي قال:

______________________________

(1) لاحظ ص: 210 حديث عمار

(2) لاحظ ص: 216

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 221

______________________________

كذبت فرضيا بينهما بروح القدس فلما انتهيا اليه قص آدم عليه قصته فأخذ روح القدس ضغثا من نار فرمي به عليهما و العنب في أغصانها حتي ظن

آدم أنه لم يبق منه و ظن ابليس مثل ذلك قال: فدخلت النار حيث دخلت و قد ذهب منهما ثلثاهما و بقي الثلث فقال الروح: أما ما ذهب منهما فحظ ابليس و ما بقي فلك يا آدم «1».

و ما رواه سعيد بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان ابليس نازع نوحا في الكرم فأتاه جبرئيل فقال له: ان له حقا فأعطاه الثلث فلم يرض ابليس ثم اعطاه النصف فلم يرض فطرح عليه جبرئيل نارا فأحرقت الثلثين و بقي الثلث فقال: ما أحرقت النار فهو نصيبه و ما بقي فهو لك يا نوح حلال «2».

و غيرهما من الروايات الواردة في الباب 2 من أبواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

و فيه: أنه لا ترتبط هذه النصوص بنجاسة العصير بل المستفاد منها مجرد الحرمة في الجملة.

الوجه الخامس: ما رواه معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج و يقول قد طبخ علي الثلث و أنا اعرفه انه يشربه علي النصف فقال: خمر لا تشربه قلت: فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه يشربه علي الثلث و لا يستحله علي النصف يخبرنا ان عنده بختجا علي

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 2.

(2) نفس المصدر الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 222

______________________________

الثلث قد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه يشرب منه؟ قال: نعم «1».

بتقريب: أنه حكم علي العصير بكونه خمرا و مقتضي التنزيل ترتيب جميع الآثار علي المنزل اي ترتيب آثار المنزل عليه علي المنزل و حيث ان الخمر نجس يكون العصير نجسا أيضا.

و قد اورد وافي الاستدلال بهذا الخبر علي المدعي ايرادات: منها: أن

نسخة التهذيب تغاير نسخة الكافي فانه ليس فيها «خمر» «2» و ليس المقام داخلا في اشتباه الحجة بلا حجة كي يسقط كلا الخبرين عن الاعتبار بل المقام داخل في مسألة التعارض و مقتضي قانون تقديم اصالة عدم الزيادة علي أصل عدم النقيصة، تقديم نسخة التهذيب لكن حيث ان الكافي أضبط- علي ما يقولون- فلعل الترجيح معه و أقل منه عدم ترجيح الطرف المقابل فتصل النوبة إلي قاعدة الطهارة.

و يرد عليه: أن الشيخ ينقل الرواية عن أحمد بن محمد و أما الكليني فينقل الحديث عن محمد بن يحيي فطرف المعارضة للشيخ ليس هو الكليني كي يقال:

انه أضبط بل طرف الشيخ هو محمد بن يحي و لم يعلم كونه أضبط من الشيخ مضافا إلي أن متن الحديث يختلف حسب اختلاف النقل فلاحتمال كونه حديثين مجال و ان كان الاحتمال بعيدا و اللّه العالم.

و منها: أنه حمل كلمة خمر علي العصير كما يمكن أن يكون بعنوان التنزيل و الحكومة كذلك يمكن أن يكون تطبيقا حقيقيا بلحاظ ما يكون مصداقا للمسكر من العصير و مع تطرق الاحتمالين لا يبقي مجال للاستدلال علي المدعي بدليل

______________________________

(1) التهذيب: ج 9 ص 122 حديث: 526

(2) الكافي ج 6 ص: 421 الحديث: 7

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 223

و ان صار حراما فاذا ذهب ثلثاه بالنار صار حلالا و الظاهر عدم كفاية ذهاب الثلثين بغير النار في الحلية (1).

______________________________

التنزيل.

و فيه: أن الظاهر من الكلام اعمال العناية و تنزيل العصير علي الاطلاق منزلة الخمر و احتمال النظر إلي خصوص مصداق خاص منه خلاف الظاهر لا يصار اليه.

و منها: أن كلمة «لا تشربه» في كلامه عليه السلام لم تصدر بفاء التفريع كي يقال: بأن قوله عليه السلام

«خمر» جعل للعصير خمرا عناية و بعموم التنزيل يترتب عليه جميع الآثار الخمريه و قوله «فلا تشربه» ذكر الخاص بعد العام.

و بعبارة اخري: ان كلمة «لا تشربه» قد تكون تفريعا علي تطبيق الخمر علي العصير و قد تكون تفسيرا للمراد من ذلك التطبيق فعلي الاول يصح الاستدلال به علي المدعي بخلافه علي الثاني و مع عدم الظهور لا يبقي مجال للاستدلال بل لا يبعد أن يكون الكلام ظاهرا في الاحتمال الثاني فالنتيجة أنه لا يكون دليل علي نجاسة العصير.

(1) لا اشكال في حرمة العصير المغلي و تدل علي المدعي جملة من النصوص منها ما رواه حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا يحرم العصير حتي يغلي «1».

و منها: ما رواه محمد بن عاصم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا بأس بشرب العصير ستة أيام قال ابن أبي عمير: معناه ما لم يغل «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 224

______________________________

و منها: ما رواه حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن شرب العصير قال: تشرب ما لم يغل فاذا غلا فلا تشرب قلت. اي شي ء الغليان؟

قال: القلب «1».

ثم انه يقع الكلام في عدة امور: الاول أن الحرمة في حديث ذريح قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: اذا نش العصير أو غلا حرم «2»، رتبت علي احد امرين من النش و الغليان فان العطف بأو يقتضي التعدد بين المعطوف و المعطوف عليه فيحمل النشيش علي الرغوة التي تحصل في العصير قبل الغليان بالنار أو غيرها.

و يشكل بأن التحريم بالنشيش قبل الغليان يوجب لغوية

تعلق الحرمة.

علي الغليان اذ عليه تحصل الحرمة قبل الغليان بالنشيش الذي هو عبارة عن الرغوة اي الزبد الذي يعلو العصير قبل الغليان.

و نقل سيدنا الاستاد عن رسالة شيخ الشريعة بأن العطف في النسخ المصححة من الكافي بالواو هذا من ناحية و من ناحية اخري لم يثبت بحسب اللغة فرق بين النش و الغليان بحسب المعني فان النش حسب المنقول عن أقرب الموارد عبارة عن الغليان.

فالنتيجة أن النش هو الغليان و يكون العطف في الرواية حسب النسخ المصححة بشهادة الشيخ الشريعة تفسيريا و اذا ثبت العطف ب (أو) نحمل النشيش علي الغليان بغير النار.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 3

(2) نفس المصدر الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 225

______________________________

فالمتحصل: أن الميزان في تحقق الحرمة هو الغليان و النشيش عبارة اخري عن الغليان و أما الرغوة الحاصلة قبل الغليان فلا دليل علي كونها موجبة للحرمة.

الثاني: أن الحرمة تدور مدار الغليان بلا فرق بين كون الغليان بالنار أو بغيرها و الوجه اطلاق الدليل فان مقتضي نصوص المقام حرمة العصير بالغليان علي الاطلاق.

الثالث: أنه يشترط في الحلية أن يذهب ثلثاه بالنار خلافا لما أفاده سيد العروة حيث اكتفي في الحلية بذهاب الثلثين بالنار أو بغيرها و الظاهر انه ناظر الي رواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كل عصير أصابته النار فهو حرام حتي يذهب ثلثاه و يبقي ثلثه «1» فان مقتضي اطلاقها أن الميزان في الحلية ذهاب الثلثين.

و قال سيدنا الاستاذ: ان الظاهر من هذه الرواية أنه يشترط أن يكون الذهاب بالنار. و عهدة هذه الدعوي عليه.

و الحق أن مقتضي اطلاق ذيل الرواية أن المناط ذهاب الثلثين و لا دليل علي كون الذهاب بالنار فقط.

و

أفاد أيضا بأن المدعي يستفاد من موثقة ابي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام و سئل عن الطلا فقال: ان طبخ حتي يذهب منه اثنان و يبقي واحد فهو حلال و ما كان دون ذلك فليس فيه خير «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 226

[مسألة 375: العصير الزبيبي و التمري لا ينجس و لا يحرم بالغليان بالنار]

(مسألة 375): العصير الزبيبي و التمري لا ينجس (1) و لا يحرم بالغليان بالنار (2).

______________________________

بتقريب أن المستفاد من الرواية أن الميزان في الحلية الطبخ علي النار حتي يذهب ثلثاه.

و فيه: اولا أن سند الرواية ضعيف بابن أبي حمزة و ثانيا أنه لا يستفاد من متن الرواية اشتراط الطبخ بالنار بل الميزان هو الطبخ و لو بغير النار.

بقي شي ء: و هو أنه لو غلا العصير بغير النار فما الدليل علي حليته بذهاب ثلثيه فان ما دل علي الحلية بالذهاب يختص مورده بما غلا بالنار لكن الظاهر أن الحكم مورد التسالم و عدم الخلاف.

(1) لعدم دليل علي النجاسة و القاعدة الاولية تقتضي الطهارة كما هو ظاهر و بعبارة اخري: لم يتم الدليل علي نجاسة العصير العنبي فكيف في غيره.

(2) يقع الكلام تارة في العصير الزبيبي و اخري في التمري فيقع الكلام في مقامين:

المقام الاول: في العصير الزبيبي من حيث الحرمة و الحلية و ربما يستدل علي حرمته اذا غلا بوجوه:

الوجه الاول: الاستصحاب بتقريب أن العنب كان يحرم عصيره عند الغليان و مقتضي الاستصحاب بقائه علي ما كان حتي بعد صيرورته زبيبا.

و فيه اشكالات: منها: عدم وجود الموضوع فان الحرمة في العصير العنبي عارضة للماء الخارج من العنب و أما الزبيب فان المفروض كونه يابسا و لا ماء فيه

و الماء المضاف اليه ماء خارجي يضاف اليه بسبب المجاورة مع الزبيب و الحال

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 227

______________________________

أن جريان الاستصحاب يتوقف علي بقاء الموضوع و وحدة القضية.

و منها: أن الاصل المذكور من الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي الالهي و قد ذكرنا في بحث الاستصحاب تبعا للنراقي قدس سره عدم جريان الاستصحاب في الحكم الكلي لمعارضته باستصحاب عدم المجعول و التفصيل موكول إلي ذلك الباب.

و منها: انه من الاستصحاب التعليقي الذي لا دليل عليه. و توضيحه: أنه تارة يشك في الحكم من حيث بقاء الجعل و عدم النسخ و اخري يشك في بقاء المجعول أما من حيث النسخ فلا كلام في المقام فانه ليس الكلام في المقام من حيث احتمال نسخ الحكم و أما من حيث بقاء المجعول فالمفروض أن القيود الدخيلة في الحكم ترجع إلي الموضوع و ما دام لم يتحقق الموضوع في الخارج لم يتحقق الحكم و الموضوع للحرمة العصير العنبي المغلي و المفروض عدمه فلا مجال للاستصحاب.

و بعبارة اخري: الاستصحاب عبارة عن ابقاء الحكم الشرعي ان كان جاريا فيه و المفروض عدم تحقق الموضوع و مع عدم تحققه لا يكون الحكم موجودا فبأي شي ء يتعلق الاستصحاب.

و صفوة القول: أن الحرمة قبل غليان العصير غير متحققة فلا مجال لاستصحابها و لا فرق من هذه الجهة بين أن يكون الموضوع المأخوذ في لسان الدليل هو العصير المغلي و أن يكون المأخوذ هو العصير و يكون الغليان شرطا للحرمة فان الحرمة لا تتحقق قبل الغليان علي كل حال فلا مجال لما أفاده في المستمسك من الفرق.

و لما انجر الكلام إلي هنا فاعلم أن الحق أنه لا معني لإرجاع القيود إلي

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 228

______________________________

الحكم

بل لا مناص عن رجوع القيد إلي الموضوع فان رتبة الموضوع متقدمة علي الحكم و في الرتبة السابقة اما بلحاظ الموضوع مطلقا أو مقيدا لعدم تعقل الاهمال فعلي الاول لا تقيد و علي الثاني يكون الموضوع هو المقيد و أما تعليق الحكم علي الشرط اللحاظي فلا نعلم له معني معقولا بل الحكم معلق علي القيود الخارجية في القضايا الحقيقية.

و لا مجال للإشكال بأنه يلزم التفكيك بين الجعل و المجعول بدعوي: أن الجعل عين المجعول فتفكيكه أوضح فسادا من التفكيك بين العلة و المعلول، فان الجعل امر واقعي و من أفعال النفس و المجعول امر اعتباري لا واقعية له و لا يعقل اتحاد الامر الاعتباري مع الامر الواقعي و لا مانع من التفكيك بل الواقع في الخارج كذلك كالوصية بالنسبة إلي بعد الموت فان اعتبار الملكية من الان لكن الملكية تحصل بعد الموت فالنتيجة أنه لا مجال للاستصحاب التعليقي.

و منها: ان الاستصحاب التعليقي يعارضه الاستصحاب التنجيزي اي استصحاب حلية الزبيب قبل الغليان و عن الشيخ قدس سره أن أمر الشك في الحلية مسبب عن الشك في بقاء الحلية المغياة و الاصل الجاري في السبب حاكم علي الاصل الجاري في المسبب.

و فيه: أنه لا وجه للحكومة فان الشك في الحلية و الحرمة موضوع لكلا الاستصحابين و بعد التعارض و التساقط تصل النوبة إلي اصالة الاباحة.

و عن صاحب الكفاية أنه لا تعارض بين الاصلين لان الحلية المغياة جعلت للعصير العنبي و من الظاهر أن الحلية المغياة ترتفع عند الغاية اي الغليان فبمقتضي

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 229

______________________________

الاستصحاب يحكم بأن الزبيب كالعنب فلا تنافي بين الحلية الفعلية و الحرمة بعد الغليان فلا تعارض.

و قد أجاب سيدنا الاستاد عن الاشكال

و قال: يكون المقام نظير ما لو علم المحدث بالاصغر بخروج رطوبة مرددة بين البول و المني فانه لا اشكال في عدم استصحاب الحدث بعد الوضوء اذ مقتضي الاستصحاب بقاء الحالة السابقة و عدم تبدل الحدث الاصغر بالاكبر و المقام كذلك.

و فيه: أنه قياس مع الفارق فان المعلوم في مورد المحدث كونه محدثا بالاصغر و مقتضي استصحاب عدم كون الرطوبة الخارجية منيا عدم وجوب الغسل فلا يجب الا الوضوء و أما في المقام فلا اشكال في حلية الزبيب و انقلابها إلي الحرمة بالغليان، اول الكلام و الاشكال فالتعارض باق بحاله فلاحظ.

فالنتيجة أنه لا مجال للاستصحاب التعليقي و أما استصحاب السببية ففيه أنها امر انتزاعي من حكم الشارع بالحرمة عند الغليان فان العصير اذا غلا تنتزع السببية و أما الملازمة فهي حكم عقلي و لا شك فيه بالنسبة إلي العصير العنبي و أما بالنسبة الي الزبيبي فلا لعدم الدليل عليه.

الوجه الثاني: ما رواه زيد النرسي في أصله قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الزبيب يدق و يلقي في القدر ثم يصب عليه الماء و يوقد تحته فقال: لا تأكله حتي يذهب الثلثان و يبقي الثلث فان النار قد أصابته قلت: فالزبيب كما هو في القدر و يصب عليه الماء ثم يطبخ و يصفي عنه الماء فقال: كذلك هو سواء اذا ادت الحلاوة إلي الماء فصار حلوا بمنزلة العصير ثم نش من غير أن تصيبه النار

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 230

______________________________

فقد حرم و كذلك اذا اصابته النار فاغلاه فقد فسد «1».

و هذه الرواية من حيث المتن واضحة الدلالة علي الحرمة و يستفاد منها الفرق بين أن يغلي بالنار فيحل بالذهاب و أن يغلي بنفسه فلا

يحل به و أما من حيث السند فلا اعتبار بها لعدم ثبوت وثاقة زيد بل لم يثبت انتساب الاصل اليه و مجرد كون زيد واقعا في بعض اسناد كامل الزيارات لا يكون دليلا علي وثاقته كما ذكرناه غير مرة فلا يعتد بهذه الرواية.

الوجه الثالث ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الزبيب هل يصلح أن يطبخ حتي يخرج طعمه ثم يؤخذ الماء فيطبخ حتي يذهب ثلثاه و يبقي ثلثه ثم يرفع فيشرب منه السنة؟ فقال: لا بأس به «2».

بتقريب: أن المستفاد من الرواية أن الحلية تتوقف علي ذهاب الثلثين.

و فيه: اولا أن الرواية ضعيفة فان في احد طريقيها سهل و في الاخر عبد اللّه بن الحسن و لم يوثقا.

و ثانيا: يمكن أن يمكن ذهاب الثلثين دخيلا في عدم صيرورته مسكرا بمرور الزمان عليه فاذا ذهب ثلثاه لا يصير خمرا و لو مع بقائه سنة.

الوجه الرابع: ما رواه عمار بن موسي الساباطي قال: وصف لي أبو عبد اللّه عليه السلام المطبوخ كيف يطبخ حتي يصير حلالا فقال لي عليه السلام: تأخذ ربعا من زبيب و تنقيه ثم تصب عليه اثنا عشر رطلا من ماء ثم تنقعه ليلة فاذا كان أيام الصيف و خشيت أن ينش جعلته في تنور سخن قليلا حتي لا ينش ثم تنزع الماء

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 2 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 8 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 231

______________________________

منه كله اذا أصبحت ثم تصب عليه من الماء بقدر ما يغمره ثم تغليه حتي تذهب حلاوته ثم تنزع ماءه الاخر فتصبه علي الماء الاول ثم تكيله كله فتنظر

كم الماء ثم تكيل ثلثه فتطرحه في الاناء الذي تريد أن تغليه و تقدره و تجعل قدره قصبة أو عودا فتحدها علي قدر منتهي الماء ثم تغلي الثلث الاخر حتي يذهب الماء الباقي ثم تغليه بالنار فلا تزال تغليه حتي يذهب الثلثان و يبقي الثلث ثم تأخذ لكل ربع رطلا من عسل فتغليه حتي تذهب رغوة العسل و تذهب قساوة العسل في المطبوخ ثم تضربه بعود ضربا شديدا حتي يختلط و ان شئت أن تطيبه بشي ء من زعفران أو شي ء من زنجبيل فافعل ثم اشربه فان أحببت أن يطول مكثه عندك فروقه «1».

بتقريب أن الامر باذهاب الثلثين لأجل حصول الحلية. و فيه: أن الرواية ضعيفة سندا بالارسال فلا يعتد بها.

الوجه الخامس: ما رواه عمار أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن الزبيب كيف يحل طبخه حتي يشرب حلالا قال: تأخذ ربعا من زبيب فتنقيه ثم تطرح عليه اثني عشر رطلا من ماء ثم تنقعه ليلة فاذا كان من غد نزعت سلافته ثم تصب عليه من الماء بقدر ما يغمره ثم تغليه بالنار غلية ثم تنزع مائه فتصبه علي الاول ثم تطرحه في اناء واحد ثم توقد تحته النار حتي يذهب ثلثاه و يبقي ثلثه و تحته النار ثم تأخذ رطل عسل فتغليه بالنار غلية و تنزع رغوته ثم تطرحه علي المطبوخ ثم اضربه حتي يختلط به و اطرح فيه ان شئت زعفرانا و طيبه ان شئت بزنجبيل قليل.

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 232

______________________________

قال: فان أردت أن تقسمه أثلاثا لتطبخه فكله بشي ء واحد حتي تعلم كم هو ثم اطرح عليه الاول في الاناء الذي

تغليه فيه ثم تضع فيه مقدارا وحده حيث يبلغ الماء ثم اطرح الثلث الاخر وحده حيث يبلغ الماء ثم اطرح الثلث الاخر وحده حيث يبلغ الماء ثم توقد تحته بنار لينة حتي يذهب ثلثاه و يبقي ثلثه «1».

بتقريب أن المستفاد من الرواية أن المركوز في ذهن السائل حرمة العصير الزبيبي علي بعض التقادير و الامام عليه السلام قرره علي ما في ذهنه و ارتكازه و علمه طريق الحلية.

و أورد وافي الاستدلال بأنه من المقطوع أن الخصوصيات المذكورة في الرواية غير دخيلة في الحلية مضافا إلي ما ذكر أنه لم يظهر من الرواية ارادة الحل في قبال التحريم الحاصل بالغليان كما هو المدعي أو في قبال التحريم الحاصل بالنشيش و التغير الملازم للبقاء غالبا الذي هو مورد الرواية بقرينة المقادير المذكورة سيما بلحاظ ذيل المرسلة حيث قال: «فان احببت أن يطول مكثه عندك فروقه».

و يؤيد المدعي حديث اسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: شكوت إلي أبي عبد اللّه عليه السلام قراقر تصيبني في معدتي و قلة استمرائي الطعام فقال لي: لم لا تتخذ نبيذا نشربه نحن و هو يمرئ الطعام و يذهب بالقراقر و الرياح من البطن قال: فقلت له: صفه لي جعلت فداك قال: تأخذ صاعا من زبيب فتنقيه من حبه و ما فيه ثم تغسل بالماء غسلا جيدا ثم تنقعه في مثله من الماء أو ما يغمره ثم تتركه في الشتاء ثلاثة أيام بلياليها و في الصيف يوما و ليلة فاذا اتي عليه ذلك القدر صفيته و أخذت صفوته و جعلته في اناء و أخذت مقداره بعود ثم طبخته طبخا رقيقا حتي

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 233

______________________________

يذهب ثلثاه و يبقي ثلثه

ثم تجعل عليه نصف رطل عسل و تأخذ مقدار العسل ثم تطبخه حتي تذهب الزيادة ثم تأخذ زنجبيلا و خولنجان و دارصيني و زعفران و قرنفلا و مصطكي و تدقه و تجعله في خرقة رقيقة و تطرحه فيه و تغليه معه غلية ثم تنزله فاذا برد صفيت و أخذت منه علي غدائك و عشائك قال: ففعلت فذهب عني ما كنت أجده و هو شراب طيب لا يتغير اذا بقي ان شاء اللّه «1».

فمن الممكن أن الامر باذهاب الثلثين لأجل أنه لولاه يصير مسكرا اذا بقي مدة من الزمان.

و ان شئت قلت: ان العصير الزبيبي اذا كان حكمه الحرمة في صوره الغليان قبل ذهاب ثلثيه لكان المناسب أن يجيبه عليه السلام به بلا تفصيل.

و بعبارة اخري: لو كان سؤاله ناظرا إلي الحرمة العارضة علي الغليان لكان المناسب أن يجيب أنه يحرم بالغليان و يحل بذهاب ثلثيه و حيث انه فصل في مقام الجواب بهذا التفصيل يناسب أن يكون نظر السائل في سؤاله أن العصير اذا بقي مدة طويلة يمكن أن يعرضه الاسكار فما الحيلة في الخلوص عن هذه العويصة.

و ان أبيت فلا أقلّ من احتمال هذا المعني و مع طرو الاحتمال لا يبقي للرواية ظهور بل غايتها الاجمال و مع الاجمال لا تكون قابلة للاستدلال فالنتيجة أن هذه الرواية أيضا لا تكون قابلة للاستناد اليها في الحكم بالحرمة.

الوجه السادس: النصوص الدالة علي أن العصير اذا غلا يحرم و لا يحل الا بذهاب ثلثيه لاحظ ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: ذكر أبو عبد اللّه عليه السلام أن

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 234

______________________________

العصير اذا طبخ حتي يذهب ثلثاه و يبقي ثلثه فهو

حلال «1».

و ما رواه أبو الربيع الشامي «2». و ما رواه حماد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا يحرم العصير حتي يغلي «3». و ما رواه حماد بن عثمان «4» و ما رواه محمد بن عاصم «5» و ما رواه ذريح «6».

بتقريب: أن مقتضي اطلاق هذه النصوص حرمة العصير بالغليان فلا فرق بين العصير العنبي و الزبيبي.

و فيه: اولا أن العصير عبارة عن الماء الخارج عن الشي ء بالعصر و المفروض أن الزبيب لا ماء فيه كي يصدق عليه عصير الزبيب و الماء الخارجي النافذ فيه لا يكون عصيرا له و الا يلزم أن يصدق علي الماء الخارج من كل جسم لاقاه الماء أنه عصيره و هو كما تري.

و ثانيا: أنه لا يمكن الاخذ باطلاق هذه النصوص و الا يلزم تخصيص الاكثر المستهجن فلا اطلاق فيها من أول الامر و القدر المعلوم الذي اريد منها هو العصير العنبي.

الوجه السابع: ما رواه أبو البلاد قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام فقلت:

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 1

(2) لاحظ ص: 220

(3) الوسائل الباب 3 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 1

(4) لاحظ ص: 223

(5) لاحظ ص: 223

(6) لاحظ ص: 224

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 235

______________________________

يا جارية اسقيني ماء فقال لها: اسقيه من نبيذي فجاءت بنبيذ مريس في قدح من صفر قلت: لكن أهل الكوفة لا يرضون بهذا قال: فما نبيذهم؟ قلت: يجعلون فيه القعوة قال: و ما القعوة؟ قلت: الزازي (اللازي) قال: و ما الزازي؟ قلت ثفل التمر يفري به الاناء حتي يهدر النبيذ فيغلي ثم يسكن فيشرب قال: ذاك حرام «1».

بتقريب: أن مقتضي اطلاق الرواية شمولها لنبيذ الزبيب.

و فيه: أن السند مخدوش بأبي البلاد و هو يحي

بن سليم فانه لم يوثق مضافا الي أنه لا يبعد أن تكون الحرمة لأجل الاسكار العارض له و يضاف إلي ذلك كله أنه ليس في الرواية توقف حرمته علي غليانه و الحال أن الكلام في الحرمة بعد الغليان.

و بما ذكرنا يظهر ما في الاستدلال بحديث ابراهيم بن أبي البلاد قال: دخلت علي أبي جعفر بن الرضا عليه السلام فقلت أني اريد ألصق بطني ببطنك فقال:

هاهنا يا أبا اسماعيل فكشف عن بطنه و حسرت عن بطني و ألصقت بطني ببطنه ثم أجلسني و دعا بطبق فيه زبيب فأكلت ثم أخذ في الحديث فشكا إلي معدته و عطشت فاستقيت فقال: يا جارية اسقيه من نبيذي فجاءتني بنبيذ مريس في قدح من صفر فشربت أحلا من العسل فقلت: هذا الذي أفسد معدتك قال: فقال لي: هذا تمر من صدقة النبي صلي اللّه عليه و آله يؤخذ غدوة فيصب عليه الماء فتمرسه الجارية فأشربه علي أثر طعامي و ساير نهاري فاذا كان الليل أخرجته الجارية فأسقته أهل الدار قلت لكن أهل الكوفة لا يرضون بهذا فقال: و ما نبيذهم؟ قلت: يؤخذ التمر فينقي و تلقي

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 236

______________________________

عليه القعوة قال: و ما القعوة؟ قلت: الزازي قال: و ما الزازي؟ قلت: حب يؤتي به من البصرة يلقي في هذا النبيذ حتي يغلي و يسكن ثم يشرب قال: ذاك حرام «1».

و الرواية ضعيفة بسهل.

و يمكن الاستدلال علي الحلية بجملة من النصوص: منها ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج قال: استأذنت لبعض أصحابنا علي أبي عبد اللّه عليه السلام فسأله عن النبيذ فقال حلال فقال: انما سألتك عن النبيذ الذي يجعل

فيه العكر فيغلي ثم يسكن فقال ابو عبد اللّه عليه السلام: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: كل مسكر حرام «2».

و منها: ما رواه عبد اللّه بن حماد عن محمد بن جعفر عن أبيه في حديث: ان وفد اليمن بعثوا وفدا لهم يسألون عن النبيذ فقال لهم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الي أن قال: فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: فيسكر؟ قالوا نعم قال: كل مسكر حرام و حق علي اللّه أن يستقي كل شارب مسكر من طينة خبال الحديث «3».

و منها: ما رواه معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ان رجلا من بني عمي و هو من صلحاء مواليك يأمرني أن أسألك عن النبيذ و أصفه لك فقال: أنا أصف لك قال رسول اللّه عليه و آله: كل مسكر حرام و ما أسكر كثيره فقليله حرام قال: فقلت فقليل الحرام يحله كثير الماء؟ فرد بكفيه مرتين: لا لا «4».

و منها: ما رواه كليب الاسدي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن النبيذ

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 3

(2) نفس المصدر الحديث: 5

(3) نفس المصدر الحديث: 6.

(4) الوسائل الباب 17 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 237

______________________________

فقال: ان رسول اللّه عليه و آله خطب الناس فقال: أيها الناس ألا ان كل مسكر حرام و ما أسكر كثيره فقليله حرام «1».

و منها: ما رواه صفوان الجمال قال: كنت مبتلي بالنبيذ معجبا به فقلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أصف لك النبيذ؟ فقال: بل أنا أصفه لك قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: كل مسكر حرام و ما أسكر كثيره فقليله

حرام «2». و منها ما رواه سماعة «3».

و منها: ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج «4». فان المستفاد من هذه النصوص أن الميزان في الحرمة كون الشراب مسكرا فاذا كان كذلك فقليله حرام ككثيره فلاحظ.

هذا تمام الكلام في المقام الاول و أما المقام الثاني فالحق أن العصير التمري اذا غلا لا يصير حراما ما دام لا يكون مسكرا لعدم ما يقتضي حرمته و مقتضي القاعدة الاولية حليته كطهارته.

و مما ذكرناه في المقام الاول من الاستدلال علي المدعي و الجواب عنه يظهر تقريب الاستدلال بتلك النصوص علي الحرمة في المقام و الجواب عنها فان جملة من النصوص المذكورة هناك قابلة للاستدلال بها علي المدعي في كلا المقامين و لكن قد ظهر الجواب عن الاستدلال بها.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) نفس المصدر الحديث: 3

(3) نفس المصدر الحديث: 5

(4) نفس المصدر الحديث: 7

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 238

فيجوز وضع التمر و الزبيب و الكشمش في المطبوخات مثل المرق و المحشي و الطبيخ و غيرها و كذا دبس التمر المسمي بدبس الدمعة (1)

[التاسع: الفقاع]

التاسع: الفقاع (2).

______________________________

نعم في المقام رواية تختص بالتمر و هي ما رواه عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن النضوح قال: يطبخ التمر حتي يذهب ثلثاه و يبقي ثلثه ثم يمتشطن «1».

و هذه الرواية لا ترتبط بالمدعي بل المستفاد منها أن جواز التمشط يتوقف علي ذهاب الثلثين و بقاء الثلث و لا قائل به مضافا إلي أن السؤال مجمل من حيث انه يحتمل أن يكون السؤال ناظرا إلي الموضوع الخارجي و ليس في الرواية بيان الحكم الشرعي و اللّه العالم بحقائق الاشياء.

(1) لعدم ما يقتضي الحرمة و مقتضي الاصل الاولي هو الجواز فلاحظ

هذا علي تقدير عدم القول بحرمة العصير الزبيبي و التمري و أما علي القول بالحرمة فايضا لا مقتضي لحرمة المذكورات اذ لا يصدق علي المرق- مثلا- أنه عصير الزبيب كما أنه ليس في جوفه ما يحرم بالغليان.

(2) الظاهر أنه لا خلاف بين الاصحاب في أن الفقاع محكوم بحكم الخمر و تدل علي أنه كذلك جملة من النصوص:

منها: ما رواه الوشاء قال: كتبت اليه يعني الرضا عليه السلام أسأله عن الفقاع قال فكتب: حرام و هو خمر «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 37 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 27 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 239

______________________________

و منها: ما رواه ابن فضال قال: كتبت إلي أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الفقاع فقال: هو الخمر و فيه حد شارب الخمر «1».

و منها: ما رواه عمار بن موسي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفقاع فقال: هو خمر «2».

و منها ما رواه حسين القلانسي قال: كتبت إلي أبي الحسن الماضي عليه السلام أسأله عن الفقاع فقال: لا تقربه فانه من الخمر «3».

و منها: ما محمد بن سنان قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الفقاع فقال: هي الخمر بعينها «4».

و منها: ما رواه هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفقاع فقال: لا تشربه فانه خمر مجهول و اذا أصاب ثوبك فاغسله «5».

و منها ما رواه زاذان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لو أن لي سلطانا علي أسواق المسلمين لرفعت عنهم هذه الخميرة يعني الفقاع «6».

و منها: ما رواه الحسن بن جهم و ابن فضال جميعا قال: سألنا أبا الحسن عليه السلام عن الفقاع

فقال: هو خمر مجهول و فيه حد شارب الخمر «7».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) نفس المصدر الحديث: 4

(3) نفس المصدر الحديث: 6

(4) المصدر السابق الحديث: 7

(5) نفس المصدر الحديث: 8

(6) نفس المصدر الحديث: 9

(7) نفس المصدر الحديث: 11

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 240

______________________________

و منها: ما رواه الوشاء قال: كتبت اليه يعني الرضا عليه السلام أسأله عن الفقاع فكتب حرام و من شربه كان بمنزلة شارب الخمر قال: و قال أبو الحسن عليه السلام لو ان الدار داري لقتلت بايعه و لجلدت شاربه قال: و قال أبو الحسن الاخير عليه السلام: حده حد شارب الخمر و قال عليه السلام: هي خمرة استصغرها الناس «1».

و منها: ما رواه سليمان بن جعفر قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: ما تقول في شرب الفقاع؟ فقال: هو خمر مجهول يا سليمان فلا تشربه أما يا سليمان لو كان الحكم لي و الدار لي لجلدت شاربه و لقتلت بايعه «2».

فان مقتضي التنزيل أن الفقاع محكوم بحكم الخمر فكما أن الخمر حرام كذلك الفقاع. مضافا إلي النهي عن شربه أو ما دل علي حرمته لاحظ ما رواه الحسن بن علي الوشاء عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: كل مسكر حرام و كل مخمر حرام و الفقاع حرام «3».

و ما رواه ابن فضال قال: كتبت إلي أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الفقاع فكتب ينهاني عنه «4».

و ما رواه الفضل بن شاذان قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: لما حمل رأس الحسين بن علي عليهما السلام إلي الشام أمر يزيد لعنه اللّه فوضع و نصب عليه

______________________________

(1) الوسائل الباب 28 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 2

(3) الوسائل الباب

27 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 3

(4) الوسائل الباب 27 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 10.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 241

______________________________

مائدة فاقبل هو و أصحابه يأكلون و يشربون الفقاع فلما فرغوا أمر بالرأس فوضع في طشت تحت سريره و بسط عليه رقعة الشطرنج و جلس يزيد لعنه اللّه يلعب بالشطرنج إلي أن قال: و يشرب الفقاع فمن كان من شيعتنا فليتورع من شرب الفقاع و الشطرنج و من نظر إلي الفقاع و إلي الشطرنج فليذكر الحسين عليه السلام و ليلعن يزيد و آل زياد يمحو اللّه عز و جل بذلك ذنوبه و لو كانت بعدد النجوم «1».

و منها: ما رواه عبد السلام بن صالح الهروي «2» و منها ما رواه اسحاق بن يعقوب «3» و منها ما رواه الوشاء «4».

فلا اشكال في حرمته و علي القول بنجاسة الخمر يكون الفقاع نجسا أيضا لأن اطلاق التنزيل يقتضي ترتيب آثار المنزل عليه علي المنزل و النجاسة من الآثار الظاهرة مضافا إلي حديث هشام «5» فاصل الحكم مما لا اشكال فيه.

ثم انه هل يعتبر فيه الاسكار أم لا؟ الحق هو الثاني لعدم الدليل علي التقييد فان مقتضي اطلاق النصوص حرمة الفقاع علي الاطلاق و عن مجمع البحرين:

«انه شراب غير مسكر» و علي كل حال لا مقتضي للتقييد.

ثم انه لا يخفي أنه لا بد من تقييد الحرمة بالغليان لحديث مرازم قال: كان يعمل لأبي الحسن عليه السلام الفقاع في منزله قال: ابن أبي عمير: و لم يعمل

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 13

(2) نفس المصدر الحديث: 14

(3) نفس المصدر الحديث: 15

(4) لاحظ ص: 240.

(5) لاحظ ص: 239

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 242

______________________________

فقاع يغلي «1».

فانه يستفاد من الحديث المذكور أن عمل الفقاع

له كان أمرا مستمرا فيدل علي جوازه في بعض الفروض و يدل قول ابن أبي عمير أن المصنوع له عليه السلام كان بدون الغليان بل يدل علي المدعي ما رواه عثمان بن عيسي قال: كتب عبد اللّه بن محمد الرازي إلي أبي جعفر الثاني عليه السلام ان رأيت أن تفسر لي الفقاع فانه قد اشتبه علينا أ مكروه هو بعد غليانه أم قبله؟ فكتب عليه السلام: لا تقرب الفقاع الا ما لم يضر آنيته أو كان جديدا فأعاد الكتاب اليه كتبت أسأل عن الفقاع ما لم يغل فأتاني أن اشربه ما كان في اناء جديد أو غير ضار و لم أعرف حد الضراوة و الجديد و سأل أن يفسر ذلك له و هل يجوز شرب ما يعمل في الغضارة و الزجاج و الخشب و نحوه من الاواني فكتب عليه السلام يفعل الفقاع في الزجاج و في الفخار الجديد إلي قدر ثلاث عملات ثم لا يعد منه بعد ثلاث عملات الا في اناء جديد و الخشب مثل ذلك «2».

فانه لا يبعد أن لا يضر الانية الا بعد الغليان فيدل الحديث علي المطلوب.

و يؤيد المدعي ان لم يدل عليه ما رواه علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: سألته عن شرب الفقاع الذي يعمل في السوق و يباع و لا أدري كيف عمل و لا متي عمل أ يحل أن اشربه؟ قال: لا احبه «3».

فانه يفهم من الحديث ان بعض اقسام الفقاع حلال و يسأل الامام عن الحكم

______________________________

(1) الوسائل الباب 39 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

(3) نفس المصدر الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 243

و هو شراب مخصوص متخذ

من الشعير (1) و ليس منه ماء الشعير الذي يصفه الاطباء (2)

[العاشر الكافر]
اشارة

العاشر الكافر (3).

______________________________

حال الشك فلاحظ.

(1) هل الحكم مختص بالمتخذ من الشعير او يعم المتخذ من غيره و لا يخفي ان الكلام في غير المسكر و الا فالمسكر حرام علي الاطلاق.

و الحق أن يقال: ان الحكم مختص بالمتخذ من الشعير- كما في المتن- اذ الخروج عن قاعدتي الحل و الطهارة يحتاج إلي الدليل و لم يقم دليل علي الحرمة و كونه كالخمر في غير المتخذ من الشعير و لم يثبت كون اللفظ موضوعا للأعم فعن مجمع البحرين و المدنيات و السيد في الانتصار و أبي هاشم الواسطي هو الاختصاص و عن بعض آخر انه المتخذ عن الاعم من الشعير.

و يؤيد الاول ما نقل عن الانتصار: «روي أصحاب الحديث بطرق معروفة أن قوما من العرب سألوا رسول اللّه عن الشراب المتخذ من القمح فقال رسول اللّه يسكر؟ قالوا نعم فقال: صلي اللّه عليه و آله: لا تقربوه و لم يسأل في الشراب المتخذ عن الشعير عن الاسكار بل حرم ذلك علي الاطلاق» «1».

(2) فان ما يستعمله الاطباء ماء يطبخ فيه الشعير فيغلي فيؤخذ ذلك و يشرب و لا دليل علي حرمته أو نجاسته.

(3) قال في الحدائق: «و قد حكي جماعة دعوي الاجماع علي نجاسة الكافر بجميع أنواعه» «2».

______________________________

(1) مستمسك العروة ج 1 ص: 433

(2) الحدائق ج 5 ص: 162

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 244

______________________________

و قال سيد المستمسك قدس سره: «ان القول بالطهارة هو المعروف عند المخالفين».

و العمدة النظر في الادلة و استفادة الحكم الشرعي منها و الحري بنا أن نجعل كل واحد من أنواع الكفار موردا للبحث و نري ما هو المستفاد من الادلة فنقول:

الكافر

علي أنواع:

النوع الاول: الملحد. قال سيدنا الاستاد: «العناوين الثلاثة: المشرك و الملحد و الناصب مما لا اشكال و لا خلاف عند الشيعة في نجاستهم».

و هل يكفي هذا الادعاء في اثبات الحكم؟ و الانصاف أنه في غاية الاشكال.

و بعبارة اخري لم تتحقق ضرورة علي نجاسة الملحد سيما مع ذهاب العامة علي خلاف هذا القول.

و ربما يقال: بأن المشرك اذا ثبت كونه نجسا يثبت نجاسة الملحد بطريق اولي لان المشرك يعبد الاوثان تقربا إلي اللّه و الملحد لا يقر بوجوده تعالي فالملحد أخبث من المشرك و أبعد عن الحق فيكون أنجس.

و هذا الاستدلال علي تقدير تماميته يتوقف علي اثبات نجاسة المشرك.

النوع الثاني: المشرك. و لا يخفي أن ما ادعاه سيدنا الاستاد من وضوح نجاسة المشرك عند الشيعة و هو نجس بضرورة المذهب، مورد التأمل و المناقشة و مع عدم تمامية الادلة المدعاة علي نجاسته يكون الجزم بالحكم مشكلا نعم لا مناص عن الاحتياط فتوي و عملا.

و استدل علي نجاسته بقوله تعالي: «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 245

______________________________

الْحَرٰامَ» «1».

و استشكل في هذا الاستدلال بوجوه: الاول: أن المصدر لا يحمل علي الذات الا بتقدير «ذو» و يكفي في الاضافة التي تحكيها ذو أدني ملابسة و لو من جهة النجاسة العرضية الحاصلة لهم من مباشرتهم الاعيان النجسة فلا تدل الاية علي نجاسة الذاتية التي هي المدعاة.

و اجيب عن الاشكال المذكور اولا أنه يمكن حمل المصدر علي الذات مبالغة كقولهم «زيد عدل» في مقام المبالغة في العدالة.

و ثانيا: أن النجس بالفتح وصف كالنجس بالكسر فلا مانع من أن يحمل علي الذات بلا ارتكاب المجاز.

و ثالثا: أنه لو أغمض عما ذكر و التزم بالمجاز و قلنا بأن

معناه أنه ذو نجاسة أمكن الاستدلال باطلاقه علي المدعي فان مقتضي اطلاقه عدم الفرق بين ملاقاته للنجاسة و استعمال المطهر و عدمه و من الظاهر أنه لا يتم الاطلاق الا علي القول بالنجاسة الذاتية.

الثاني: أن الاية علي فرض دلالتها علي نجاسة المشرك لا يمكن الاستدلال بها علي نجاسة الكافر بقول مطلق لعدم كون الكافر بقول المطلق مشركا.

و هذا الاشكال لا يتوجه في المقام اذا الكلام في خصوص المشرك.

الثالث: أنه لم يثبت ارادة المعني المعهود اي النجاسة من الاية لاحتمال عدم معهودية النجاسة المعهودة في زمن نزول الاية فان الاحكام نزلت تدريجا و من

______________________________

(1) التوبة/ 27

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 246

______________________________

المحتمل ارادة المعني الاخر من الاية و المعني المناسب مع النهي عن الدخول في المسجد القذارة النفسانية فان المسجد الحرام مهبط الوحي و محل نزول الآيات الالهية و بيت التوحيد فلا يناسب أن يدخله عدو اللّه القائل بالشريك له تعالي و أما ادخال النجاسة الخبثية في المسجد فلا دليل علي حرمته الا أن يوجب الهتك.

و ما أفاده في المستمسك من أن الظاهر من الاية نجاسة بدنهم فتدل الاية علي المدعي مدفوع بأن الاية غير ظاهرة في هذا المدعي و العرف ببابك فانه لو قبل فلان خبيث يفهم العرف منه أن ذاته خبيث.

و ملخص الكلام: أنه لو لا القرينة الخارجية لا تكون الجملة ظاهرة في كون موضوع النجاسة البدن.

و ان أبيت فلا أقل من الاجمال و تعدد الاحتمال و اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

و لكن يرد عليه أنه لا وجه لتأخير بيان النجاسة و أحكامها فان الاحتراز عن القذارة امر عقلائي و لا يكون ثقيلا علي طبع الانسان كي يقال: بأن المصلحة كانت تقتضي أن يؤخر بيانها.

مضافا

إلي أن الاية من آيات سورة التوبة و هي مدنية و قيل: انها نزلت في السنة التاسعة من الهجرة فلم تكن الاية نازلة في اول البعثة بل نزلت بعد سنين متعددة.

و يضاف إلي ذلك النص الدال علي أن جعل الماء طهورا و رافعا للنجاسة كان في اوائل البعثة لاحظ ما روي عن موسي بن جعفر عليه السلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن الحسين بن علي عن ابيه علي بن أبي طالب و في تلك الرواية قال عليه السلام: «و كانت الامم السالفة اذا اصابهم اذي من نجاسة قرضوه من اجسادهم

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 247

______________________________

و قد جعلت الماء لأمتك طهورا «1».

فان المستفاد من هذه الرواية صريحا ان اللّه تبارك و تعالي من علي رسول الإسلام بأن رفع عن امته وجوب المقراض و جعل بدله الماء مطهرا للنجاسة.

و لاحظ ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: الماء يطهر و لا يطهر «2».

و ما رواه مسعدة بن اليسع عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال علي عليه السلام:

الماء يطهر و لا يطهر «3».

و ما روي أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول- عند النظر إلي الماء- الحمد للّه الذي جعل الماء طهورا و لم يجعله نجسا «4».

و ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا صلاة الا بطهور و يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار بذلك جرت السنة من رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و أما البول فانه لا بد من غسله «5».

و ما رواه مسعدة بن زياد عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام أن النبي صلي اللّه

عليه و آله قال لبعض نسائه: مري نساء المؤمنين أن يستنجين بالماء و يبالغن فانه مطهرة للحواشي و مذهبة للبواسير «6».

______________________________

(1) تفسير البرهان ج 1 ص: 244

(2) الوسائل الباب 1 من أبواب الماء المطلق الحديث: 6

(3) نفس المصدر الحديث: 7

(4) نفس المصدر الحديث: 8

(5) الوسائل الباب 9 من أبواب احكام الخلوة الحديث: 1

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق مباني منهاج الصالحين؛ ج 3، ص: 247

(6) نفس المصدر الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 248

______________________________

فانها تدل علي كون الماء مطهرا و لا يطهر. و الحاصل أن المراجع إلي الاخبار و الآثار يقطع بأن النجاسة و الطهارة حكمان مجعولان من زمن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و علي فرض الشك يكون مقتضي الاستصحاب القهقري الذي هو من الاصول اللفظية كون النجاسة هي المعني المعهود.

و بعبارة اخري: المستفاد من اللغة و مفردات الراغب أن النجس بالفتح ضد الطهارة و لا اشكال في أن النجاسة في لسان الشرع في زمان الصادقين المعني المعهود و بمقتضي الاستصحاب القهقري نحكم بأن الامر كان كذلك في زمان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فيستفاد من الاية أن المشرك نجس بالمعني المعهود.

و لكن مع ذلك كله لا يمكن الجزم بالمدعي لان المستفاد من الاية الشريفة ان المشرك نجس فلا يقرب المسجد الحرام و من الظاهر أن تناسب الحكم و الموضوع يقتضي أن يكون المراد بالنجس في الاية الخباثة الذاتية فانها تنافي دخول مركز التوحيد و مهبط الوحي و الرسالة و أما النجاسة الخبثية فلا تنافيه.

مضافا إلي أنه لو كان الخبث بما هو ينافي كونه في المسجد فيلزم أن

يفرق بين أنواعه. و الحال ان ادخال الاعيان النجسة من البول و الدم و لحم الخنزير في المسجد لا يكون حراما فيلزم تخصيص الاكثر.

و بعبارة اخري: يستفاد من التفريع أن ادخال النجس و النجاسة إلي المسجد حرام و الحال أن الامر ليس كذلك فيلزم التخصيص الاكثر المستهجن فيصير الكلام مجملا فلا يمكن الجزم بكون المشرك نجسا بالمعني المعهود نعم لو استفيد من الادلة نجاسة الكتابي أو الناصب أمكن أن يقال بأنه تثبت نجاسة المشرك و الملحد بالاولوية و اللّه العالم.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 249

______________________________

النوع الثالث: الغلاة و عن جامع المقاصد: «انه لا كلام في نجاستهم و عن بعض الاعيان دعوي الاجماع علي نجاستهم و غاية ما يحصل من هذه الكلمات هو الاجماع و تحقق الاجماع التعبدي الكاشف عن رأي المعصوم في غاية الاشكال.

و ربما يستدل علي المدعي بما رواه محمد بن عيسي قال قرأنا في كتاب الدهقان و خط الرجل في القزويني إلي أن قال و توقوا مساورته (مشاورته) «1» بتقريب أن النهي عن مساورة الرجل دليل علي نجاسته.

و فيه: مع قطع النظر عن سند الرواية يحتمل أن يكون النهي عن مشاورة الرجل كما هو كذلك في نسخة تنقيح المقال فلاحظ و عليه اذا ثبت دليل علي نجاسة مطلق الكافر يثبت نجاسة الغالي من حيث انه من مصاديق الكافر و الا فيشكل الجزم بالحكم.

النوع الرابع: الخارجي و عن جامع المقاصد: انه لا كلام في نجاسته و عن جملة من الاجلة دعوي الاجماع عليه.

و الذي ينبغي أن يقال: ان المراد به ان كانت هم الطائفة الملعونة التي خرجت علي امير المؤمنين عليه السلام و اعتقدت كفره و انجر امرهم إلي قتله عليهم لعائن اللّه و

الملائكة و الناس اجمعين فهو من أظهر مصاديق الناصب و يأتي البحث عن نجاستهم.

و يدل علي كونه مشركا ما روي عن الباقر عليه السلام أنه دخل عليه رجل محصور عظيم البطن فجلس معه علي سريره فحياه و رحب به فلما قام قال هذا من الخوارج كما هو قال: قلت: مشرك؟ فقال: مشرك و اللّه مشرك «2».

______________________________

(1) تنقيح المقال ج 2 باب الفاء ص: 1

(2) فقه الشيعة ج 3 ص: 126

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 250

______________________________

و ان كان المراد من الخارجي من يعارض امام الوقت لأجل الدنيا و لذاتها فيمكن أن يقال: بأنه لا دليل علي نجاسته و ان كان مرتكبا لأشد الفسوق فان المنازعة مع الامام العادل و المعصوم عليه السلام من اشد المعاصي و من الغريب ما عن سيدنا الاستاد- علي ما في التقرير- «و من هنا يحكم باسلام الاولين الغاصبين لحق امير المؤمنين عليه السلام اسلاما ظاهريا لعدم نصبهم- ظاهرا- عداوة لأهل البيت و انما نازعوهم في تحصيل المقام و الرئاسة العامة» الي آخر كلامه «1»

فانا نسأل من سيدنا الاستاد اي عداوة أعظم من الهجوم إلي دار الصديقة و احراق بابها و ضرب الطاهرة الزكية و اسقاط ما في بطنها و هتك حرمة مولي الثقلين و أخذه كالأسير المأخوذ من الترك و الديلم و سوقه إلي المسجد لأخذ البيعة منه جبرا و تهديده بالقتل و انكار كونه أخا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله.

و الذي يدل علي نصبهم و عداوتهم و انحرافهم أن الصديقة المعصومة لم ترد جواب سلام الرجلين و أعرضت وجهها عنهما و قالت للأول: و اللّه لأدعون عليك ما دام حياتي و نتعرض لجملة من هذه القضايا بحول اللّه

في كتابنا «امير المؤمنين» الي اللّه و إلي رسوله المشتكي و لقد أجاد المحقق الاصفهاني في منظومته حيث قال:

لكن كسر الضلع ليس ينجبر الا بصمصام عزيز مقتدر

النوع الخامس: الناصبي و قد نفي الخلاف عن نجاسته في بعض الكلمات

______________________________

(1) فقه الشيعة ج 3 ص: 126

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 251

______________________________

بل قيل انه ادعي عليه الاجماع في كلام جمع من الاصحاب و تدل علي المدعي جملة من النصوص:

منها: ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: و اياك أن تغتسل من غسالة الحمام ففيها تجتمع غسالة اليهودي و النصراني و المجوسي و الناصب لنا أهل البيت فهو شرهم فان اللّه تبارك و تعالي لم يخلق خلقا أنجس من الكلب و أن الناصب لنا اهل البيت لا نجس منه «1»

و منها: ما رواه خالد القلانسي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: القي الذمي فيصافحني قال: امسحها بالتراب او بالحائط قلت فالناصب؟ قال: اغسلها «2».

فالنتيجة ان نجاسة الناصبي لا اشكال فيها من حيث الدليل الشرعي اي النص الدال عليها. و ربما يشكل علي الاستدلال علي المدعي بحديث ابن ابي يعفور بأن المذكور فيه «ان الناصب انجس من الكلب» و اشدية النجاسة تناسب النجاسة الذاتية المعنوية غير المرتبط بما نحن فيه.

و فيه: انه تتصور الاشدية في النجاسة الخبثية أيضا و لعل الوجه في اشدية نجاسة الناصب عن الكلب ان الكلب ليس خبيثا باطنيا لعدم كونه مكلفا بالتكاليف حيث انه فاقد لنفس الناطقة بخلاف الناصب الذي يكون خبيثا من حيث الباطن و الظاهر.

و ربما يشكل من جهة اخري و هي أنه قد جعل الناصب في بعض النصوص في عداد ولد الزنا لاحظ

ما أرسله علي بن الحكم عن رجل عن أبي الحسن عليه السلام

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب الماء المطلق الحديث: 5

(2) الوسائل الباب 14 من أبواب النجاسات الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 252

______________________________

في حديث أنه قال: لا تغتسل من غسالة ماء الحمام فانه يغتسل فيه من الزنا و يغتسل فيه ولد الزنا و الناصب لنا اهل البيت و هو شرهم «1» و ما رواه حمزة بن أحمد «2» و ما رواه الوشاء «3».

و من الظاهر أن ولد الزنا ليس نجسا كما أن الاغتسال من الزنا لا يوجب النجاسة فيكون المراد من نجاسة الناصبي النجاسة المعنوية.

و يجاب عن هذا الاشكال بأنه يكفي للاستدلال علي المدعي ما رواه ابن أبي يعفور فلا يهمنا عدم دلالة النصوص المشار اليها مضافا إلي ضعف تلك النصوص سندا فلاحظ.

و ثالثة قد اورد علي القول بنجاسة النصاب بشيوع النصب في دولة بني امية و اختلاط أصحاب الائمة مع النصاب و الخوارج و لم يعرف تجنب الائمة و أصحابهم عنهم بل الظاهر أنهم كانوا يعاملون معهم معاملة المسلمين و حمل المعاشرة في هذه المدة الطويلة علي التقية بعيد.

و الجواب: عن هذه الشبهة أنه يمكن أن يكون الوجه فيه أن الاعلان بنجاستهم و بيان الحكم الشرعي في زمان بني امية كان في غاية الاشكال و أما بعد اضمحلال دولة بني امية و انتقال الحكومة إلي العباسيين و اظهار ولائهم مع أهل البيت ظاهرا و ضعف الدولة لأجل انتقال السلطة صار بيان هذا الحكم ممكنا كجملة من الاحكام.

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب الماء المضاف الحديث: 3

(2) نفس المصدر الحديث: 1

(3) الوسائل الباب 3 من أبواب الأسآر الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 253

______________________________

النوع

السادس: المنكر للرسالة او المعاد او ضروريا من ضروريات الدين بحيث يرجع إلي انكار الرسالة و تكذيب النّبيّ صلي اللّه عليه و آله فبعد ثبوت كفر هذا القسم يقع الكلام في نجاسته فان تم دليل علي نجاسة مطلق الكافر يتم المدعي و الا فالجزم بالنجاسة مشكل.

النوع السابع: الكتابي و الاصحاب اختلفوا في حكمه من حيث النجاسة و الطهارة فبعضهم ذهب إلي نجاسته و بعضهم اختار كونه طاهرا و أما العامة فهم قائلون بطهارته.

و لا يخفي أن مقتضي القاعدة الاولية طهارته فلا بد من ملاحظة ما يمكن أن يستدل به علي النجاسة فان تم و الا نلتزم بطهارته فنقول:

قد استدل علي نجاسته بقوله تعالي إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ «1» و قد سبق تقريب الاستدلال بالآية علي النجاسة من حيث الكبري مع ما أوردنا عليه «2».

و أما من حيث الصغري و أن الكتابي مشرك فاما اليهود فلقولهم بأن عزير ابن اللّه و أما النصاري فلقولهم المسيح ابن اللّه و قد حكم الشارع بالشرك بقوله «سُبْحٰانَهُ عَمّٰا يُشْرِكُونَ» «3» و أما المجوس- بناء علي أنهم من اهل الكتاب- فلقولهم بالوهية يزدان و اهريمن و النور و الظلمة.

و يرد عليه: أنه سبحانه فرق بين المشرك و الكتابي و قسم الكافر إلي قسمين و التقسيم قاطع للشركة مضافا إلي أن اطلاق المشرك علي الكتابي في القرآن لا

______________________________

(1) التوبة/ 27

(2) لاحظ ص: 244- 248

(3) التوبة/ 30- 31

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 254

______________________________

يدل علي المدعي لأنه سبحانه ليس في مقام التشريع كي يؤخذ بكلامه و نلتزم بالتنزيل.

و ان شئت قلت: ان غاية ما يستفاد من الاية استعمال المشرك في حقهم و الاستعمال اعم من الحقيقة بل هو مجرد الاسناد لا الاستعمال و يكفي

التجوز في الاسناد و يضاف الي ذلك كله أن كون الكتابي مشركا خلاف الارتكاز عند المتشرعة فلاحظ.

و استدل علي المدعي بجملة من النصوص منها ما رواه محمد بن مسلم «1» بتقريب أن النهي عن الاكل في آنيتهم لأجل نجاستهم.

و فيه: أنه يمكن الاستدلال بهذه الرواية علي عكس المدعي أما أولا فلانه قيد المنهي بالذي يطبخ فيه فلا يبعد أن يكون الوجه فيه أنه ربما تطبخ في الانية الميتة أو الدم أو لحم الخنزير و الا فلا وجه للفرق بين الطبخ و عدمه.

و ثانيا: قد قيد النهي عن الاكل في الانية التي يشربون فيها الخمر فيفهم أن النهي بلحاظ الخمر لا بلحاظ نجاسة بدن الكافر.

و الحاصل: أن الرواية ان لم تكن دالة علي طهارتهم فلا أقلّ من الاجمال و عدم الدلالة علي النجاسة.

ان قلت: ما ذكرته لا يرد بالنسبة إلي الجملة الاولي في الرواية و هي قوله عليه السلام: «لا تأكلوا في آنيتهم» فانه لم يذكر في هذه الجملة الطبخ و كذلك ليس ذكر للخمر.

قلت: مقتضي اطلاق متعلق النهي عدم الفرق بين كون المأكول جافا أو رطبا رطوبة مسرية فيدور الامر بين تقييد متعلق النهي بكونه رطبا رطوبة مسرية كي يكون النهي

______________________________

(1) لاحظ ص: 210

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 255

______________________________

ارشاد إلي النجاسة و بين رفع اليد عن ظهور النهي في الحرمة بحمله علي كراهة الاكل في آنيتهم و ليس الاول أولي بل يمكن أن يقال بأن الثاني أولي اذ لا وجه لرفع اليد عن ظهور النهي في المولوية.

و بعبارة اخري: الظهور الاولي للنهي كونه للتحريم المولوي غاية الامر نرفع اليد عنه بدليل خارجي و هو العلم بعدم الحرمة فلاحظ.

و منها: ما رواه الكاهلي قال: سألت أبا

عبد اللّه عليه السلام عن قوم مسلمين يأكلون و حضرهم رجل مجوسي أ يدعونه إلي طعامهم؟ قال: أما أنا فلا اواكل المجوسي و اكره أن احرم عليكم شيئا تصنعون في بلادكم «1».

بتقريب: أن كراهته عليه السلام مؤاكلة المجوسي تدل علي نجاسته.

و فيه: أن مجرد كراهته لا يدل علي المدعي اذ يمكن أن مقام الامامة ينافيها و أما كراهته تحريم ما يصنعون تدل علي طهارتهم مضافا إلي سقوط سند الرواية عن الاعتبار بالكاهلي اذ أنه لم يوثق.

و منها: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في رجل صافح رجلا مجوسيا فقال: يغسل يده و لا يتوضأ «2».

بتقريب أن الامر بغسل اليد يرشد إلي نجاسة المجوسي.

و فيه: أن الامر يدور بين تقييد متعلق الامر بوجود الرطوبة المسرية في اليد اذ قد ثبت من الخارج أن «كل يابس زكي» «3» و بين حمل الامر علي

______________________________

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب النجاسات الحديث: 2.

(2) نفس المصدر الحديث: 3

(3) الوسائل الباب 31 من أبواب احكام الخلوة الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 256

______________________________

الاستحباب و ربما يقال: بأن الثاني أولي بالقرينة الداخلية و الخارجية أما الاولي فلان التقييد يستلزم حمل المطلق علي الفرد النادر فتأمل و أما الثانية فلرواية خالد القلانسي «1» اذ المسح بالتراب أو بالحائط لا يوجب الطهارة فتكون الرواية دالة علي طهارة الكتابي.

و لا يخفي أن رواية خالد القلانسي ضعيفة سندا بعلي بن معمر فلا تكون صالحة الا للتأييد أضف إلي ذلك كله أن حديث ابن مسلم المتقدم علي فرض تمامية دلالته يختص بالمجوسي الا أن يقال بعدم الفصل بين أقسام الكتابي في الطهارة و النجاسة.

و منها: ما رواه أبو بصير عن أحدهما عليهما السلام

في مصافحة المسلم اليهودي و النصراني قال من وراء الثوب فان صافحك بيده فاغسل يدك «2».

بتقريب: ان الامر بالغسل يدل و يرشد إلي النجاسة. و فيه: أنه علي تقدير كونهم نجسا لا يفرق بين اليد و الثوب فالتفريق بين الامرين بنفسه دليل علي عدم نجاستهم و الا كان اللازم انفعال الثوب اذا لاقي بدنهم مع الرطوبة فلاحظ.

و منها: ما رواه علي بن جعفر عن أبي الحسن موسي عليه السلام قال: سألته عن مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة و أرقد معه علي فراش واحد و اصافحه؟

قال: لا «3».

______________________________

(1) لاحظ ص: 251

(2) الوسائل الباب 14 من أبواب النجاسات الحديث: 5

(3) نفس المصدر الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 257

______________________________

بتقريب: أن النهي عن المؤاكلة مع المجوسي و المصافحة معه يرشد إلي نجاسته.

و فيه: أن النهي عن الرقود يدل علي أن النهي ليس من جهة النجاسة و الا فمن الواضح أن الرقود معه في فراش واحد لا يقتضي التنجيس كما أن المؤاكلة علي الاطلاق و كذلك المصافحة لا يوجب السراية فمن الممكن أن يكون الوجه في النهي الاحتراز منه و توهينه و هتكه لخسته.

و يضاف إلي جميع ذلك أن الحكم مختص بالمجوسي فالعموم يحتاج إلي مؤنة زائدة فلاحظ.

و منها: ما رواه هارون بن خارجة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: اني أخالط المجوس فآكل من طعامهم؟ فقال: لا «1».

و التقريب ظاهر. و فيه أن النهي عن أكل طعامهم لا يدل علي كونهم نجسا كما هو ظاهر مضافا إلي كون الحكم واردا في المجوسي.

و منها: ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال:

سألته عن فراش اليهودي و النصراني ينام عليه؟ قال: لا بأس و

لا يصلي في ثيابهما و قال: لا يأكل المسلم مع المجوسي في قصعة واحدة و لا يقعده علي فراشه و لا مسجده و لا يصافحه قال: و سألته عن رجل اشتري ثوبا من السوق للبس لا يدري لمن كان هل تصلح الصلاة فيه؟ قال: ان اشتراه من مسلم فليصل فيه و ان اشتري من نصراني فلا يصلي فيه حتي يغسله «2»:

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 7

(2) نفس المصدر الحديث: 10

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 258

______________________________

بتقريب أن النهي عن الامور المذكورة في الرواية يرشد إلي نجاستهم.

و يرد عليه أن الاذن في النوم علي فراش اليهودي و النصراني لعله دال علي عدم نجاستهم ببعض التقريبات.

و أما النهي عن المؤاكلة مع المجوسي في قصعة واحدة فلا يمكن الاخذ باطلاقه- كما مر- بالاضافة إلي أن الرواية واردة في المجوسي.

و أما النهي عن الصلاة في اللباس المأخوذ من الكافر فلا يمكن العمل باطلاقه مضافا إلي ورود الاذن فيه في بعض النصوص لاحظ ما رواه معاوية بن عمار قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الثياب السابرية يعملها المجوس و هم أخباث (أجناب) و هم يشربون الخمر و نسائهم علي تلك الحال البسها و لا أغسلها و اصلي فيها؟ قال: نعم قال معاوية فقطعت له قميصا و خططته و فتلت له ازرارا و رداء من السابري ثم بعثت بها اليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار فكأنه عرف ما اريد فخرج بها الي الجمعة «1».

و ما رواه المعلي بن خنيس قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: لا بأس بالصلاة في الثياب التي تعملها المجوس و النصاري و اليهود «2».

و ما رواه عبيد اللّه بن علي الحلبي قال: سألت أبا عبد

اللّه عليه السلام عن الصلاة في ثوب المجوسي فقال: يرش بالماء «3».

و ما رواه أبو علي البزاز عن أبيه قال: سألت جعفر بن محمد عليهما السلام

______________________________

(1) الوسائل الباب 73 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 2

(3) نفس المصدر الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 259

______________________________

عن الثوب يعمله أهل الكتاب اصلي فيه قبل أن يغسل؟ قال: لا بأس و ان يغسل احب إلي «1».

و ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: سأل أبي أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا حاضر اني اعير الذمي ثوبي و أنا اعلم أنه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير فيرده علي فاغسله قبل أن اصلي فيه؟ فقال ابو عبد اللّه عليه السلام صل فيه و لا تغسله من أجل ذلك فانك أعرته اياه و هو طاهر و لم يستيقن أنه نجسه فلا بأس أن تصلي فيه حتي تستيقن.

أنه نجسه «2».

و غيرها من الروايات الواردة في الباب 73 و 74 من أبواب النجاسات من الوسائل.

و منها: ما رواه سعيد الاعرج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن سؤر اليهودي و النصراني فقال: لا «3».

بتقريب أن النهي عن أكل سؤر اليهودي و النصراني بلحاظ نجاستهم و النهي ارشاد اليها و الظاهر أن السؤر بما هو مورد النهي فلا مجال لان يقال ان النهي بلحاظ النجاسة العرضية.

و يرد علي الاستدلال أنه لا وجه لرفع اليد عن ظهور النهي في الحرمة النفسية و حمله علي الارشاد إلي النجاسة.

و ان شئت قلت: المستفاد من الحديث حرمة سؤر اليهودي و النصراني لكن

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 5

(2) الوسائل الباب 74 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

(3) الوسائل الباب 14 من أبواب النجاسات الحديث: 8.

مباني منهاج

الصالحين، ج 3، ص: 260

______________________________

لا ندري أن وجه الحرمة نجاستهم أو امر آخر.

و بعبارة واضحة: المستفاد من الرواية أن تناول سؤرهم محرم و لم يعلم الوجه في التحريم. و ملخص الكلام أن مقتضي الانصاف عدم دلالة الرواية علي المدعي.

و منها: ما رواه علي بن جعفر أنه سأل أخاه موسي بن جعفر عليه السلام عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمام قال: اذا علم أنه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام الا أن يغتسل وحده علي الحوض فيغسله ثم يغتسل و سأله عن اليهودي و النصراني يدخل يده في الماء أ يتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا الا أن يضطر اليه «1».

و تقريب الاستدلال به علي المدعي أن المستفاد من صدر الرواية أن لا يجوز الاغتسال بما في الحوض الصغير من الماء لمباشرته بدن الكافر الا بعد غسل الحوض و الاغتسال منه وحده و لا اشكال في أن الرواية غير ناظرة إلي صورة اتصال ما في الحوض بالخزانة اذ لا وجه للنهي عنه فيستفاد أن بدن الكافر بما هو نجس ينجس الحوض و الماء القليل الموجود فيه فيتوقف الجواز علي غسل الحوض و الاغتسال منه وحده.

و لكن يصادم الصدر الذيل حيث حكم عليه السلام بجواز الوضوء من الماء الذي أدخل النصراني يده فيه فانه يدل علي عدم كونه نجسا فانه لو كان الماء منفعلا بمباشرة بدن النصراني لكان المناسب ان تصل النوبة إلي التيمم و أما حمل الاضطرار علي التقية فهو خلاف الظاهر.

و بعبارة اخري: الظاهر من الرواية أن المكلف مضطر إلي الوضوء منه لانحصار الماء فيه لا أنه يضطر إلي الوضوء من الماء النجس و بعد تصادم الظهورين

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 9.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 261

______________________________

لا يبقي

ظهور معتبر للصدر فلاحظ.

و منها ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في آنية المجوسي قال: اذا اضطررتم اليها فاغسلوها بالماء «1».

بتقريب: أن الغسل ارشاد إلي النجاسة. و يرد عليه ان الرواية ضعيفة سندا بموسي بن بكر مضافا إلي أنها واردة في خصوص المجوسي و يحتمل فيه الاختصاص.

و منها: ما ارسله الوشاء عمن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه كره سؤر ولد الزنا و سؤر اليهودي و النصراني و المشرك و كل من خالف الإسلام و كان أشد ذلك عنده سؤر الناصب «2».

و فيه أنه مرسل و هو لا اعتبار به مضافا إلي الاشكال في الدلالة فلاحظ.

و منها: ما رواه علي بن جعفر «3» بتقريب أن الامر بالغسل يرشد إلي نجاسة اللباس و يرد عليه مضافا إلي وجود المعارض كما مر ان الامر يدور بين رفع اليد عن الاطلاق و الحمل علي صورة اصابته بدن الكافر مع الرطوبة و بين حمل النهي علي الكراهة و لا ترجيح لتقديم الاحتمال الاول و مما ذكرنا تقدر علي الجواب عن الاستدلال بجملة اخري من النصوص:

منها: ما رواه اسماعيل بن جابر قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: لا تأكل ذبائحهم و لا تأكل في آنيتهم يعني أهل الكتاب «4».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 12

(2) الوسائل الباب 3 من أبواب الأسآر الحديث: 2.

(3) لاحظ ص: 257.

(4) الوسائل الباب 72 من أبواب النجاسات الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 262

______________________________

و منها ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام في حديث قال سألته عن الصلاة علي بواري النصاري و اليهود الذين يقعدون عليها في بيوتهم أ تصلح قال: لا تصل عليها «1».

و

منها: ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال:

سألته عن المسلم له أن يأكل مع المجوسي في قصعة واحدة أو يقعد معه علي فراش واحد أو في المسجد أو يصاحبه؟ قال: لا «2».

و منها: ما رواه العيص قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام: عن مؤاكلة اليهودي و النصراني و المجوسي أ فآكل من طعامهم؟ قال: لا «3».

و منها غيرها المذكور في الباب 54 من أبواب الأطعمة المحرمة من الوسائل.

فالمتحصل من مجموع النصوص في الابواب المختلفة أنه لا يصح الاستدلال بشي ء منها علي المدعي.

و في قبال هذه الطائفة طائفة اخري من النصوص يستفاد منها عدم نجاسة الكتابي:

منها: ما رواه ابراهيم بن أبي محمود قال: قلت للرضا عليه السلام: الجارية النصرانية تخدمك و أنت تعلم أنها نصرانية لا تتوضأ و لا تغتسل من جنابة قال: لا بأس تغسل يديها «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 73 من أبواب النجاسات الحديث: 4

(2) الوسائل الباب 52 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 4

(3) نفس المصدر الحديث: 3

(4) الوسائل الباب 14 من أبواب النجاسات الحديث: 11.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 263

______________________________

فانه يستفاد من الرواية أن المرتكز في ذهن الراوي عدم نجاسة النصرانية و انما كان سؤاله عن نجاسة العرضية العارضة بواسطة ملاقاتها مع النجاسة و أيضا يعلم من جواب الامام عليه السلام بوضوح أنها اذا اغتسلت يديها فلا اشكال.

و منها: ما رواه عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن مؤاكلة اليهود و النصراني و المجوسي فقال: اذا كان من طعامك و توضأ فلا بأس «1».

فان المستفاد من جوابه عليه السلام أن الكتابي طاهر اذ لو كان نجسا لم يكن وضوئه مفيدا كما هو ظاهر.

و

منها: ما رواه اسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام ما تقول في طعام أهل الكتاب فقال لا تأكله ثم سكت هنيئة ثم قال: لا تأكله ثم سكت هنيئة ثم قال: لا تأكله و لا تتركه تقول: انه حرام و لكن تتركه تتنزّه عنه ان في آنيتهم الخمر و لحم الخنزير «2».

فان المستفاد من الرواية أن المنع بلحاظ النجاسة العارضة و أما من حيث ذات الكافر بما هو كافر فلا محذور.

و منها: ما رواه زكريا بن ابراهيم قال: دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام فقلت: اني رجل من أهل الكتاب و اني اسلمت و بقي أهلي كلهم علي النصرانية و أنا معهم في بيت واحد لم افارقهم بعد فآكل من طعامهم؟ فقال لي: يأكلون الخنزير؟ فقلت: لا و لكنهم يشربون الخمر فقال لي: كل معهم و اشرب «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 54 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 54 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 4

(3) نفس المصدر الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 264

______________________________

فان المستفاد من الحديث أن المحذور من ناحية نجاسة الخنزير لا من جهة نجاسة الكتابي بما هو.

و لا يخفي أن الحديث المذكور مما يدل علي طهارة الخمر.

و منها: ما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل هل يتوضأ من كوز أو إناء غيره اذا شرب منه علي أنه يهودي؟ فقال: نعم فقلت: من ذلك الماء الذي يشرب منه؟ قال: نعم «1».

فان المستفاد من الحديث أن الماء المفروض كونه قليلا لا ينجس بملاقاة بدن اليهودي.

و منها: ما رواه معاوية بن عمار «2» فان المستفاد من الحديث أن المركوز في ذهن السائل عدم نجاسة

المجوس و انما جهة السؤال شربهم الخمر و عدم مبالاتهم من كونهم منحرفين و الامام عليه السلام قرره علي ارتكازه.

و مما ذكرنا يعلم تقريب الاستدلال بما رواه محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري أنه كتب إلي صاحب الزمان عليه السلام: عندنا حاكة مجوس يأكلون الميتة و لا يغتسلون من الجنابة و ينسجون لنا ثيابا فهل تجوز الصلاة فيها من قبل أن تغسل فكتب اليه في الجواب: لا بأس بالصلاة فيها «3».

و منها: ما رواه عمار بن موسي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: قلت فان مات رجل مسلم و ليس معه رجل مسلم و لا امرأة مسلمة من ذوي قرابته و معه رجال نصاري

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب الأسآر الحديث: 3

(2) لاحظ ص: 258

(3) الوسائل الباب 73 من أبواب النجاسات الحديث: 9

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 265

و هو من لم ينتحل دينا (1).

______________________________

و نساء مسلمات ليس بينه و بينهن قرابة؟ قال: يغتسل النصاري ثم يغسلونه فقد اضطر و عن المرأة المسلمة تموت و ليس معها امرأة مسلمة و لا رجل مسلم من ذوي قرابتها و معها نصرانية و رجال مسلمون (ليس بينها و بينهم قرابة) قال: تغتسل النصرانية ثم تغسلها «1».

فان المستفاد من هذه الرواية أن الكتابي طاهر و انما اغتساله بلحاظ تحصيل الطهارة و زوال النجاسة العرضية.

فان قلنا بعدم قيام دليل في الطائفة الاولي علي النجاسة فهو و الا فلا بد من علاج التعارض فان قلنا بأن الجمع العرفي يقتضي حمل اخبار النجاسة علي رجحان الاجتناب و الا فلا بد من اعمال قانون التعارض و لا يبعد أن يكون الترجيح مع أخبار النجاسة لكونها علي خلاف مسلك العامة فلاحظ.

(1)

كما هو ظاهر اذ المفروض انه لا يتدين بدين فلا يكون مسلما و يدل علي المدعي من الكتاب قوله تعالي: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ» * «2» فان المستفاد من الاية الشريفة حصر المؤمن في الذي يعتقد بذاته تعالي و من الروايات ما رواه سماعة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أخبرني عن الإسلام و الايمان أ هما مختلفان؟ فقال: ان الايمان يشارك الإسلام و الإسلام لا يشارك الايمان فقلت فصفهما لي فقال: الإسلام شهادة أن لا إله الا اللّه و التصديق برسول اللّه صلي اللّه عليه و آله به حقنت الدماء و عليه جرت المناكح و المواريث و علي ظاهره جماعة

______________________________

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب غسل الميت الحديث: 1

(2) النور/ 62

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 266

أو انتحل دينا غير الإسلام (1) أو انتحل الإسلام و جحد ما يعلم أنه من الدين الاسلامي بحيث رجع جحده إلي انكار الرسالة (2).

______________________________

الناس و الايمان الهدي و ما يثبت في القلوب من صفة الإسلام و ما يظهر من العمل به و الايمان أرفع من الإسلام بدرجة ان الايمان يشارك الإسلام في الظاهر و الإسلام لا يشارك الايمان في الباطن و ان اجتمعا في القول و الصفة «1».

فان صريح الرواية أن تحقق الإسلام يتوقف علي كلمة التوحيد.

(1) فان عدم كون مثله مسلما من الواضحات اذ المفروض أنه انتحل غير الإسلام مضافا إلي أن المستفاد من الاية و الرواية توقف الإسلام علي التصديق بالرسالة.

(2) ربما يقال: ان انكار الضروري بما هو يوجب الكفر و يمكن أن يستدل علي المدعي بجملة من النصوص و هي علي طوائف.

منها ما يدل علي أن انكار مطلق الشي ء و لو كان

أمرا تكوينيا موجب للكفر اذا دان به لاحظ ما رواه بريد العجلي عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن أدني ما يكون العبد به مشركا قال: فقال: من قال للنواة: انها حصاة و للحصاة انها نواة ثم دان به «2».

بتقريب أن المستفاد من الرواية أن الاعتقاد بخلاف الواقع بعنوان الدين يوجب الكفر و يترتب عليه أنه اذا اعتقد بحكم شرعي مخالف للواقع و لو لم يكن ضروريا يكون موجبا للكفر و لا يمكن الالتزام به الا أن يقال: بأنه يرفع اليد عن الاطلاق بالمقدار المعلوم لكن يبقي تحت الدليل انكار الضروري الا أن يقال:

______________________________

(1) الاصول من الكافي ج 2 ص: 25

(2) الاصول من الكافي ج 2 ص: 397 باب الشرك الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 267

______________________________

بأنه يلزم تخصيص الاكثر المستهجن.

و منها ما يدل علي أن انكار الفرائض و مطلق الحكم الشرعي يوجب الكفر فلا فرق بين الضروري و غيره بل مطلق انكار الحكم الشرعي يوجب الكفر مثل ما رواه أبو الصباح الكناني عن أبي جعفر عليه السلام قال: قيل لأمير المؤمنين عليه السلام: من شهد أن لا إله الا اللّه و أن محمدا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله كان مؤمنا؟ قال: فأين فرائض اللّه؟ الي ان قال: ثم قال: فما بال من جحد الفرائض كان كافرا «1».

و ما رواه عبد الرحيم القصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث: قال:

الإسلام قبل الايمان و هو يشارك الايمان فاذا أتي العبد بكبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهي اللّه عنها كان خارجا من الايمان و ثابتا عليه اسم الإسلام فان تاب و استغفر عاد إلي الايمان و لم

يخرجه إلي الكفر و الجحود و الاستحلال و اذا قال للحلال هذا حرام و للحرام هذا حلال و دان بذلك فعندها يكون خارجا من الايمان و الإسلام إلي الكفر «2».

و فيه: أن المستفاد من الدليل عنوان الجحد و هو لا يتحقق الا مع وجود العلم الا أن يقال: بأنه يتحقق الجحد مع العلم بأن الحكم الفلاني ثبت بواسطة اخبار الثقات لكن الحديثين ضعيفان سندا اما الاول فبمحمد بن فضيل لعدم الوثوق يكون الرجل موثقا و أما الثاني فبعبد الرجيم القصير.

و منها: ما يدل علي أن من ارتكب كبيرة بزعم كونها حلالا يكون كافرا لاحظ

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب مقدمات العبادات الحديث: 13.

(2) نفس المصدر الحديث: 18.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 268

______________________________

ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يرتكب الكبيرة فيموت هل يخرجه ذلك من الإسلام؟ و ان عذب كان عذابه كعذاب المشركين؟

أم له مدة و انقطاع؟ فقال: من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنها حلال أخرجه ذلك من الإسلام و عذب أشد العذاب و ان كان معترفا أنه ذنب و مات عليها أخرجه من الايمان و لم يخرجه من الإسلام و كان عذابه أهون من عذاب الاول «1».

و ما رواه مسعدة بن صدقة «2» و المستفاد منهما أن الاعتقاد بخلاف ما ثبت شرعا يوجب الكفر و عليه يكون منكر الضروري كافرا و لو لم يثبت عنده كونه ضروريا.

و بعبارة اخري: مقتضي الحديثين المذكورين أن الاعتقاد بالخلاف عن تقصير يقتضي الكفر و ان لم يكن مرجعه إلي انكار الرسالة.

و ما أفاده سيدنا الاستاد من أنه لا يمكن الاخذ بذلك لمنافاته مع ما دل علي أنه يتحقق الإسلام

بالشهادة بالتوحيد و الرسالة فلا بد من تقييد ما يدل علي هذا المعني برجوعه إلي انكار الرسالة، مدفوع بأنه لا وجه لهذا التقييد بل مقتضي القاعدة تقييد تلك الطائفة بهذه الطائفة بأن نقول: الإسلام مقيد بعدم انكار حكم من احكام الإسلام عن تقصير و مقتضي اطلاق الدليل عدم الفرق بين كون حكم المذكور ضروريا أو غير ضروري غاية الامر بالنسبة إلي غير الضروري نرفع اليد عن الحديث و يبقي الضروري تحته.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 10

(2) نفس المصدر الحديث: 11

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 269

نعم انكار المعاد يوجب الكفر مطلقا (1) و لا فرق بين المرتد و الكافر الاصلي الحربي و الذمي و الخارجي و الغالي و الناصب هذا في غير الكتابي أما الكتابي فالمشهور علي نجاسته و هو الاحوط (2).

[مسألة 376: عرق الجنب من الحرام طاهر و لكن لا تجوز الصلاة فيه علي الاحوط]

(مسألة 376): عرق الجنب من الحرام طاهر و لكن لا تجوز الصلاة فيه علي الاحوط (3).

______________________________

(1) قد استدل الماتن علي المدعي بجملة من الآيات التي قرن الايمان بالمعاد فيها بالايمان باللّه كقوله تعالي: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنٰازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَي اللّٰهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ «1» و قوله: «قٰاتِلُوا الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ لٰا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ» «2».

و هذه الآيات لا تدل علي المدعي و إلي الان لم نجد آية تدل علي أن منكر المعاد كافر نعم يمكن أن يتمسك بالإجماع و التسالم علي أن منكر المعاد كافر مضافا إلي أن المعاد من ضروريات الدين فانكاره انكار للرسالة.

(2) قد تقدم أن نجاسة غير الناصبي من أقسام الكافر محل الكلام و الاشكال فراجع.

(3) وقع الكلام بين الاصحاب في حكم

عرق الجنب من الحرام من حيث النجاسة تارة و من حيث عدم جواز الصلاة فيه اخري و منشأ الخلاف جملة من النصوص فلا بد من ملاحظتها سندا و دلالة فمنها ما رواه في المناقب نقلا من كتاب المعتمد في الاصول قال علي بن مهزيار في حديث وروده علي أبي الحسن صاحب

______________________________

(1) النساء/ 58

(2) التوبة/ 29

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 270

______________________________

العسكر عليه السلام ثم قلت: اريد أن أسأله عن الجنب اذا عرق في الثوب فقلت في نفسي ان كشف وجهه فهو الامام فلما قرب مني كشف وجهه ثم قال: ان كان عرق الجنب في الثوب و جنابته من حرام لا يجوز الصلاة فيه و ان كان جنابته من حلال فلا بأس فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة «1».

و هذه الرواية ساقطة عن الاعتبار سندا اذ كتاب المعتمد للشيخ المفيد قدس سره و هو نقل الرواية عن ابن مهزيار مرسلا فلا اعتبار به و عمل المشهور بها علي تقدير تحققه لا يوجب اعتباره كما مر منا مرارا.

و قد نقل الحديث بطريق آخر يصل إلي علي بن يقطين ابن موسي الاهوازي «2» و هذا الطريق أيضا ضعيف بعلي بن يقطين و غيره.

و أما من حيث الدلالة فلا تدل علي النجاسة بل تدل علي عدم جواز الصلاة فيه.

و ربما يقال- كما في المستمسك-: أن مقتضي اطلاق النهي عن الصلاة حتي بعد الجفاف و ذهاب عين العرق نجاسته «3».

و يرد عليه: أن بقاء الحكم يتوقف علي بقاء الموضوع و بعد انعدامه لا يبقي الحكم فلا يشمل الاطلاق ما بعد الجفاف الا اذا بقي أثر العرق كما يشاهد في بعض الاحيان.

و منها: ما رواه احمد بن محمد بن مابنداذ الكاتب

الاسكافي في حديث قال:

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 20 من أبواب النجاسات الحديث: 5.

(2) نفس المصدر ملحق هذا الحديث

(3) مستمسك العروة ج 1 ص 435

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 271

______________________________

اذا لقيت سيدي أبا الحسن عليه السلام أن أسأله عن مسائل و كان فيما عددته أن أسأله عن عرق الجنب هل يجوز الصلاة في القميص الذي اعرق فيه و أنا جنب أم لا؟ فسرت إلي سر من رأي فلم اصل اليه فأبطأ عني الركوب لعلة كانت به ثم سمعت الناس إلي أن قال عليه السلام: ان كان العرق من الحلال فحلال و ان كان من الحرام فحرام «1».

و هذه الرواية ضعيفة سندا باحمد بن محمد و أما من حيث الدلالة فلا يبعد أن تدل علي النجاسة اذ السؤال عن الصلاة في القميص الذي يعرق فيه و المنع عن الصلاة في القميص لا وجه له الا كونه متنجسا بعرق الجنب من الحرام.

و منها ما رواه الكفرتوثي أنه كان يقول بالوقف فدخل سر من رأي في عهد أبي الحسن عليه السلام فأراد أن يسأله من الثوب الذي يعرق فيه الجنب أ يصلي فيه؟ فبينما هو قائم في طاق باب لانتظاره اذ حركه أبو الحسن عليه السلام بمقرعة و قال متبدئا ان كان من حلال فصل فيه و ان كان من حرام فلا تصل فيه «2».

و هذه الرواية أيضا ضعيفة لجهالة طريق محمد بن همام إلي الكفرتوثي و الكلام من حيث الدلالة هو الكلام فيما قبلها.

و منها: مرسل علي بن الحكم عن أبي الحسن عليه السلام «3» و المرسل لا اعتبار به و أما من حيث الدلالة فالرواية اجنبية عن المقام اذ علي تقدير دلالتها علي النجاسة تدل علي نجاسة

بدن ولد الزنا من حيث هو لا من حيث عرقه أي

______________________________

(1) المصدر: السابق الحديث: 7

(2) الوسائل الباب 27 من أبواب النجاسات الحديث: 12

(3) لاحظ ص: 251.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 272

و يختص الحكم بما اذا كان التحريم ثابتا لموجب الجنابة بعنوانه كالزنا و اللواط و الاستمناء بل و وطؤ الحائض أيضا و أما اذا كان بعنوان آخر كإفطار الصائم أو مخالفة النذر و نحو ذلك فلا يعمه الحكم (1).

______________________________

عرق الجنب من الحرام فلاحظ.

و منها: ما رواه محمد بن علي بن جعفر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في حديث قال: من اغتسل من الماء الذي قد اغتسل فيه فاصابه الجذام فلا يلومن إلا نفسه فقلت لأبي الحسن عليه السلام: ان أهل المدينة يقولون: ان فيه شفاء من العين فقال: كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام و الزاني و الناصب الذي هو شرهما و كل من خلق اللّه ثم يكون فيه شفاء من العين «1».

و هذه الرواية ضعيفة بمحمد بن علي بن جعفر و أما من حيث الدلالة فالكلام فيها هو الكلام فيما قبلها فلاحظ.

و منها: ما في الفقه الرضوي: «ان عرقت في ثوبك و أنت جنب و كانت الجنابة من الحلال فتجوز الصلاة فيه و ان كانت حراما فلا تجوز الصلاة فيه حتي يغسل «2».

و الفقه الرضوي لا اعتبار به و أما من حيث الدلالة فالرواية دالة علي النجاسة اذ علق فيها جواز الصلاة في الثوب علي غسله فلاحظ. فتحصل مما ذكر انه لا دليل علي نجاسة عرق الجنب من الحرام و لا علي حرمة الصلاة فيه.

(1) الذي يختلج بالبال أن يقال: ان الموضوع المذكور في لسان الدليل عرق

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الماء

المضاف الحديث: 2

(2) الحدائق ج 5 ص 217.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 273

[مسألة 377: عرق الإبل الجلالة و غيرها من الحيوان الجلال طاهر و لكن لا تجوز الصلاة فيه]

(مسألة 377): عرق الابل الجلالة و غيرها من الحيوان الجلال طاهر و لكن لا تجوز الصلاة فيه (1).

______________________________

الجنب من الحرام فالميزان صدق هذا العنوان و مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين كون الحرمة بالعنوان الاولي كالزنا و كونها بالعنوان العارضي كالوطي في الصوم و وطي الحائض و نحوهما و أما الحرمة بلحاظ حنث النذر فالظاهر عدم شمول الدليل اياها اذ ليس متعلق الحرمة الإجناب الا أن يقال: بأن الإجناب في الفرض المذكور حرام أو ليس بحرام أما علي الاول فيشمله الدليل و اما علي الثاني فيلزم الخلف فلاحظ و يترتب علي ما ذكرنا أن الحلية العارضة كموارد الاكراه توجب عدم ترتب الحكم من النجاسة علي القول بها أو فساد الصلاة فيه علي القول به اذ لو لم يكن الإجناب حراما و لو لأمر خارجي لا يصدق عنوان الجنب من الحرام.

فرع: لو اجنب بالحرام الواقعي الحلال الظاهري كما لو قامت البينة علي أن المرأة الفلانية زوجة زيد و الحال أنها لا تكون زوجة فجامعها زيد باعتبار حجية البينة فهل يكون عرقه نجسا علي القول بالنجاسة أم لا؟.

لا يبعد أن يقال: بأنه نجس اذ مع الجهل الحكم الواقعي محفوظ فيصح أن يقال: انه اجنب حراما كما أنه لو انعكس الامر بأن يكون حلالا واقعا و قامت البينة عند الزوج انها ليست زوجته و مع ذلك جامعها لم يكن الإجناب بالحرام.

(1) الكلام يقع تارة في حكم عرق الابل و اخري في حكم مطلق الجلال فيقع الكلام في مقامين:

أما المقام الاول فنقول قد دل علي نجاسته ما رواه حفص بن البختري عن

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 274

______________________________

أبي

عبد اللّه عليه السلام قال: لا تشرب من ألبان الابل الجلالة و ان أصابك شي ء من عرقها فاغسله «1».

فان الامر بالغسل يرشد إلي النجاسة. و ما في كلام سيدنا الاستاد من أن الغسل تعلق بنفس العرق لا بالثوب فلا يدل علي النجاسة بل ارشاد إلي مانعيته عن الصلاة مدفوع بأن الغسل و لو تعلق في الرواية بنفس العرق و لكن هذا الاستعمال في مقام الارشاد إلي النجاسة صحيح و ان كان المراد مجرد ازالة العرق لكان الحق أن يقال: ازله و أما الامر بالغسل فالعرف يفهم منه الارشاد إلي كونه ينجس الثوب.

و أما ارداف الامر بالغسل بالنهي عن شرب اللبن فلا يخل بالدلالة المقصودة.

و بعبارة اخري قد تعرض في الرواية لأمرين: احدهما حرمة شرب لبنها ثانيهما نجاسة عرقها.

و صفوة القول: انه لا يمكن رفع اليد عن الرواية و لا بد من الالتزام بالنجاسة.

المقام الثاني: في حكم عرق مطلق الجلال و يدل علي نجاسة عرق مطلق الجلال ما رواه هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا تأكل اللحوم الجلالة و ان أصابك من عرقها شي ء فاغسله «2».

و تقريب الاستدلال علي المدعي بالحديث هو التقريب المتقدم فان قام اجماع تعبدي علي عدم نجاسته نرفع اليد عن ظهور الامر في الارشاد إلي النجاسة و نحمل الامر علي الارشاد إلي خباثة في بوله لكن لا بحد يوجب النجاسة الشرعية.

فتحصل مما ذكر ان عرق الابل الجلالة بل مطلق الجلال نجس فلا تجوز

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب النجاسات الحديث: 2.

(2) نفس المصدر الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 275

[الفصل الثاني: في كيفية سراية النجاسة إلي الملاقي]

اشارة

الفصل الثاني: في كيفية سراية النجاسة إلي الملاقي:

[مسألة 378: الجسم الطاهر إذا لاقي الجسم النجس لا تسري النجاسة إليه إلا إذا كان في أحدهما رطوبة مسرية]

(مسألة 378): الجسم الطاهر اذا لاقي الجسم النجس لا تسري النجاسة اليه الا اذا كان في أحدهما رطوبة مسرية يعني تنتقل من أحدهما إلي الاخر بمجرد الملاقاة فاذا كانا يابسين أو نديين جافين لم يتنجس الطاهر بالملاقاة (1) و كذا لو كان أحدهما مائعا بلا رطوبة كالذهب و الفضة و نحوهما من الفلزات فانها اذا اذيبت في ظرف الصلاة فيه.

______________________________

(1) يشترط في تحقق التنجس بالملاقاة أن يكون في المتلاقيين أو في أحدهما رطوبة مسرية و أما مع جفاف كليهما فلا يتحقق التنجس و يمكن الاستدلال عليه بوجوه:

الوجه الاول: الاجماع فانه نقل عن جملة من الاجلة و الاساطين حكايته.

الوجه الثاني: الارتكاز العرفي في باب الطهارة و النجاسة فان المرتكز عندهم توقف التأثير علي السراية بمعني أن النجس لا ينجس غيره إلا مع السراية فمع الجفاف لا يؤثر.

الوجه الثالث: ارتكاز المتشرعة بما هم كذلك فان المفروض في اذهان الكل أن تلاقي اليابسين لا يترتب عليه أثر.

الوجه الرابع: النصوص الدالة علي المدعي فمنها ما رواه محمد بن مسلم في حديث أن أبا جعفر عليه السلام وطئ علي عذرة يابسة فأصاب ثوبه فلما أخبره

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 276

______________________________

قال: أ ليس هي يابسة؟ فقال: بلي فقال: لا بأس «1».

و منها ما رواه حريز عمن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا مس ثوبك كلب فان كان يابسا فانضحه و ان كان رطبا فاغسله «2».

و منها ما رواه الفضل أبو العباس قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام اذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله و ان مسه جافا فاصبب عليه الماء «3».

و منها: ما رواه علي «4» و منها:

ما رواه موسي بن القاسم «5».

و منها ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال: و سألته عن الرجل يمشي في العذرة و هي يابسة فتصيب ثوبه و رجليه هل يصلح له أن يدخل المسجد فيصلي و لا يغسل ما أصابه؟ قال: اذا كان يابسا فلا بأس «6».

و منها: ما رواه أيضا قال: سألته عن المكان يغتسل فيه من الجنابة أو يبال فيه أ يصلح أن يفرش؟ فقال: نعم اذا كان جافا «7». و منها ما رواه الكليني «8».

و منها: ما رواه عبد اللّه بن بكير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل

______________________________

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب النجاسات الحديث: 14

(2) نفس المصدر الحديث: 3

(3) نفس المصدر الحديث: 2.

(4) لاحظ ص: 203

(5) لاحظ ص: 205

(6) الوسائل الباب 26 من أبواب النجاسات الحديث: 8.

(7) نفس المصدر الحديث: 11

(8) نفس المصدر الحديث: 16

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 277

نجس لا تنحس (1).

[مسألة 379: الفراش الموضوع في أرض السرداب إذا كانت الأرض نجسة لا ينجس]

(مسألة 379): الفراش الموضوع في أرض السرداب اذا كانت الارض نجسة لا ينجس و ان سرت رطوبة الارض له و صار ثقيلا بعد ان كان خفيفا فان مثل هذه الرطوبة غير المسرية لا توجب سراية النجاسة و كذلك جدران المسجد المجاور لبعض المواضع النجسة مثل الكنيف و نحوه فان الرطوبة السارية منها إلي الجدران ليست مسرية و لا موجبة لتنجسها و ان كانت مؤثرة في الجدار علي نحو تؤدي إلي الخراب (2).

______________________________

يبول و لا يكون عنده الماء فيمسح ذكره بالحائط قال: كل شي ء يابس زكي «1».

فالمتحصل أن الملاقاة بلا رطوبة لا يقتضي الانفعال.

(1) لان الذوبان لا يستلزم الرطوبة كما هو المشاهد و مع عدم الرطوبة لا مقتضي للانفعال فلاحظ.

(2) فرق

بين الرطوبة و النداوة و لا يخفي أن الكلام في المقام ليس دائرا مدار الدقه الفلسفية بل يدور مدار الفهم العرفي فان الرطوبة المسرية ما يكون مستقلا بالوجود و يكون حاملا للنجاسة و ناقلا اياها من محل إلي محل آخر و أما النداوة التي يعبر عنها في الفارسي ب (نم) فلا تكون مستقلة بالوجود بل تكون من عوارض الجسم و لا تكون مسرية فلا يضر انتقالها من النجس إلي الطاهر و لا يوجب نجاسة الملاقي فما أفاده في المتن تام.

______________________________

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب احكام الخلوة الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 278

[مسألة 380: يشترط في سراية النجاسة في المائعات أن لا يكون المائع متدافعا إلي النجاسة]

(مسألة 380): يشترط في سراية النجاسة في المائعات أن لا يكون المائع متدافعا إلي النجاسة و الا اختصت النجاسة بموضع الملاقاة و لا تسري إلي ما اتصل به من الاجزاء فاذا صب الماء من الابريق علي شي ء نجس لا تسري النجاسة إلي العمود فضلا عما في الابريق و كذا الحكم لو كان التدافع من الاسفل إلي الاعلي كما في الفوارة (1).

[مسألة 381: الأجسام الجامدة إذا لاقت النجاسة مع الرطوبة المسرية تنجس موضع الاتصال]

(مسألة 381): الاجسام الجامدة اذا لاقت النجاسة مع الرطوبة المسرية تنجس موضع الاتصال أما غيره من الاجزاء المجاورة له فلا تسري النجاسة اليه و ان كانت الرطوبة المسرية مستوعبة للجسم فالخيار أو البطيخ أو نحوهما اذا لاقته النجاسة يتنجس موضع الاتصال منه لا غير و كذلك بدن الانسان اذا كان عليه عرق و لو كان كثيرا فانه اذا لاقي النجاسة تنجس الموضع الملاقي لا غير الا أن يجري العرق المتنجس علي الموضع الاخر فانه ينجسه أيضا (2).

______________________________

(1) قد تكلمنا حول هذه الجهة في الجزء الاول من هذا الشرح ص 160 و لا وجه للإعادة فراجع ما ذكرناه هناك.

(2) ربما يتوهم أنه مع وجود الرطوبة المسرية تتنجس الاجزاء جميعها بتقريب أنه اذا تنجس جزء من الجسم الجامد المرطوب برطوبة مسرية فيتنجس الجزء الملاصق للموضع المتنجس و يتأثر كل جزء ملاصقة و هكذا فالنتيجة نجاسة جميع الاجزاء.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 279

______________________________

و يندفع أن المستفاد من النصوص أن موضوع النجاسة في الجوامد عبارة عن الاصابة و لا اصابة إلا مع بعض الجامد و أما بقية الاجزاء فلا يشملها الدليل.

و يرد عليه: أنه كيف لا يصدق الملاقاة و الاصابة و كيف يمكن انكارهما و الذي يدل علي تحقق العنوان أنه لو لاقي الموضع النجس جسم خارجي يتنجس

بالملاقاة و الحال أنه لا فرق بين الصورتين بل لو انفصل الجزء المتصل بالموضع بعد الانفصال يتنجس بالملاقاة الثانية.

الا أن يقال: ان سراية النجاسة بنظر العرف لان النجاسة عبارة عن القذارة غاية الامر الشارع جعل لها حدودا و العرف في حكمه لا يحكم بتحقق القذارة بمجرد ملاقاة جزء من الجامد المرطوبة مع القذارة بل يكتفي بتنظيف شخص الموضع الملاقي.

اضف إلي ذلك أنه يمكن أن يستفاد المدعي من النصوص الواردة في السمن و الزيت و العسل اذا كانت جامدة لاحظ ما رواه معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت: جرذ مات في زيت أو سمن أو عسل فقال: أما السمن و العسل فيؤخذ الجرز و ما حوله و الزيت يستصبح به «1».

و ما رواه الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفارة و الدابة تقع في الطعام و الشراب فتموت فيه فقال: ان كان سمنا أو عسلا أو زيتا فانه ربما يكون بعض هذا فان كان الشتاء فانزع ما حوله و كله و ان كان الصيف فارفعه حتي تسرج به و ان كان ثردا فاطرح الذي كان عليه و لا تترك طعامك من أجل دابة ماتت فيه «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 43 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 280

[مسألة 382: يشترط في سراية النجاسة في المائعات أن لا يكون المائع غليظا]

(مسألة 382): يشترط في سراية النجاسة في المائعات أن لا يكون المائع غليظا و الا اختصت بموضع الملاقاة لا غير فالدبس الغليظ اذا اصابته النجاسة لم تسر النجاسة إلي تمام أجزائه بل يتنجس موضع الاتصال لا غير و كذا الحكم في اللبن الغليظ نعم اذا كان المائع رقيقا سرت النجاسة إلي تمام أجزائه كالسمن

و الدبس في أيام الصيف بخلاف أيام البرد فان الغلظ مانع من سراية النجاسة إلي تمام الاجزاء (1).

و الحد في الغلظ و الرقة هو أن المائع اذا كان بحيث لو اخذ منه شي ء بقي مكانه خاليا حين الاخذ و ان امتلا بعد ذلك فهو غليظ و ان امتلا مكانه بمجرد الاخذ فهو رقيق (2).

______________________________

و غيرهما مما ورد في الباب 43 من أبواب الأطعمة المحرمة من الوسائل.

فانها تدل علي اختصاص النجاسة بموضع الملاقاة مع أن في بعض مراتب الجمود رطوبة مسرية.

و يضاف إلي ذلك كله أنه خلاف المقطوع به قال في المستمسك- في هذا المقام-: لو بني علي سراية النجاسة إلي جميع أجزاء الجسم بتوسط الرطوبة لزم نجاسة جميع الارض المبتلة بنزول المطر بمجرد ملاقاة جزء منها للنجس فتنجس أرض جزيرة العرب مثلا بمجرد وقوع قطرة من البول في موضع منها.

(1) ما أفاده موافق للارتكاز العرفي مضافا إلي أنه وردت في المقام جملة من من النصوص التي تقدمت آنفا فان المستفاد منها أن النجاسة تختص بموضع الملاقاة.

(2) هذان المفهومان من المفاهيم العرفية فالمرجع فيه هو العرف و يستفاد من حديث زرارة أن المناط في الانفعال و عدمه الذوبان و الجمود روي عن أبي

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 281

[مسألة 383: المتنجس بملاقاة عين النجاسة كالنجس ينجس ما يلاقيه مع الرطوبة المسرية]

(مسألة 383): المتنجس بملاقاة عين النجاسة كالنجس ينجس ما يلاقيه مع الرطوبة المسرية و كذلك المتنجس بملاقاة المتنجس ينجس الماء القليل بملاقاته و أما في غير ذلك فالحكم مبني علي الاحتياط (1).

______________________________

جعفر عليه السلام قال: اذا وقعت الفارة في السمن فماتت فيه فان كان جامدا فألقها و ما يليها و كل ما بقي و ان كان ذائبا فلا تأكله و استصبح به و الزيت مثل ذلك «1».

(1) وقع

الكلام بين القوم في تنجيس المتنجس و لعل المشهور فيما بينهم الانفعال بالملاقاة مع الرطوبة المسرية و نسب إلي الكاشاني و ابن ادريس و السيد القول بالعدم بل نقل عن الكاشاني و السيد عدم تنجيس العين النجس فيدور الامر مدار وجودها الا فيما ثبت من الشرع تعبدا وجوب الغسل كالثوب و البدن و هذا هو السر في عدم نجاسة بدن الحيوان و باطن الانسان.

و ان شئت قلت: انه من باب السالبة بانتفاء الموضوع فلا خصوصية لبدن الحيوان و لا لباطن الانسان فان الوجه فيهما أنه لا مقتضي للانفعال.

و من الظاهر أن هذه الجهة ليست قابلة للبحث فان تأثير الاعيان النجسة في انفعال ما يلاقيها من الواضحات التي لا يعتريها ريب فان الامر بالغسل الوارد في الموارد الكثيرة و كذلك بيان بقية المطهرات يدل بوضوح علي خلاف مقالتهما.

اذا عرفت محل الكلام فاعلم أنه يقع البحث في جهات:

الاولي: في أنه هل المتنجس جامدا كان أو مائعا ينجس ما يلاقيه و لو مع الف واسطة أم لا؟ و ما قيل أو يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال به علي المدعي

______________________________

(1) الوسائل الباب 43 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 282

______________________________

وجوه:

الوجه الاول: أن تنجيس المتنجس أمر واضح و بعبارة اخري: انه أمر ارتكازي عند أهل الشرع.

و يرد عليه: أنه يعتبر في هذا الارتكاز وقوعه مورد الامضاء من الشارع الاقدس و اتصاله بزمان المعصوم عليه السلام و المفروض أنه غير محرز و لعله حدث في زمان متأخر و لم يتصل بزمانه عليه السلام و مع عدم الاتصال لا اثر له.

و ان شئت قلت: ان تنجيس المتنجس ليس من ضروريات الدين أو المذهب او الفقه بل امر

قابل للبحث.

الوجه الثاني: الاجماع بتقريب: أن الفقهاء في كل عصر أفتوا بتنجيس المتنجس.

و فيه اولا أن الاجماع المنقول لا يكون حجة و أما الاجماع المحصل الكاشف عن رأي المعصوم فكيف يمكن تحصيله و مع تحققه يحتمل أن يكون مدركه بعض الوجوه المستدل بها في المقام كالنصوص- مثلا- فلا يترتب أثر علي الاجماع.

اضف إلي ذلك أنه ذهب إلي خلاف المشهور جملة من الاساطين كالكاشاني و الحلي و السيد فلاحظ.

الوجه الثالث: أنه علم من الشرع أنه أحال امر النجاسات إلي العرف و أن تسرية النجاسات الشرعية كتسرية القذرات العرفية و حيث ان القذر العرفي يوجب التنفر عن ملاقيه فكذلك النجس الشرعي.

و فيه أولا أن الامر ليس كذلك علي النحو الكلي و ليس تطابق بين الشرع و العرف بنحو الموجبة الكلية و ثانيا: أنه لا اشكال في أن تعدد الوسائط يوجب قلة التنفر

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 283

______________________________

و يصل إلي حدّ يرتفع التنفر و يزول.

الوجه الرابع: النصوص و هي علي طوائف: الطائفة الاولي ما يدل علي وجوب غسل ما لاقاه الماء الملاقي للنجس بتقريب: أن الامر بالغسل ارشاد إلي أن المغسول نجس و لو لا تنجس الماء بالملاقاة و تنجيسه ما يلاقيه لم يكن وجه للأمر بالغسل و هذه الطائفة عدة روايات:

منها: ما رواه علي بن جعفر عن موسي بن جعفر عليه السلام في حديث:

قال: و سألته عن خنزير شرب من اناء كيف يصنع به قال: يغسل سبع مرات «1».

و تقريب الاستدلال ظاهر فان الامر بغسل الاناء مع فرض عدم ملاقاته مع بدن الخنزير يدل علي المدعي.

و بعبارة اخري: ان العادة تقتضي أن يكون شرب الكلب أو الخنزير في الاناء من غير ملاقاتها له سيما في الكلب حيث

انه انما يلغ بطرف لسانه مما في الاناء و لا يصيب فمه الاناء.

و منها: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الكلب يشرب من الاناء قال: اغسل الاناء «2».

و منها: ما رواه الفضل أبو العباس قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن فضل الهرة و الشاة و البقرة و الابل و الحمار و الخيل و البغال و الوحش و السباع فلم اترك شيئا الا سألته عنه فقال: لا بأس به حتي انتهيت إلي الكلب فقال: رجس

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الأسآر الحديث: 2

(2) نفس المصدر الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 284

______________________________

نجس لا تتوضأ بفضله و اصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب اول مرة ثم بالماء «1».

و التقريب في الروايتين هو التقريب.

و منها: ما رواه العيص بن القاسم قال: سألته عن رجل اصابته قطرة من طشت فيه وضوء فقال: ان كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه «2».

بتقريب: أنه يستفاد من الرواية أن الماء الملاقي للبول ينجس ما يلاقيه.

و منها ما رواه المعلي بن خنيس «3» فان المستفاد من الرواية أن الماء الملاقي لبدن الخنزير ينجس ما يلاقيه.

و منها: ما رواه عمار بن موسي الساباطي «4» بتقريب: ان المستفاد من الحديث أن الماء الملاقي مع الميتة ينجس كل شي ء و هذا هو المراد بتنجيس المتنجس إلي غيرها.

و أجاب سيدنا الاستاد عن الاستدلال بهذه الروايات أن محل الكلام في المقام المتنجس الجامد و أما المائع المتنجس فالظاهر أن الكاشاني قدس سره أيضا لا ينكر تنجيسه لملاقيه مضافا إلي أن المستفاد من هذه النصوص أن المتنجس بعين النجاسة ينجس ما يلاقيه و أما مع الواسطة فلا يستفاد

المدعي من هذه النصوص حتي بالنسبة إلي المائع المتنجس فكيف بالجامد.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 4

(2) الوسائل الباب 9 من أبواب الماء المضاف الحديث: 14.

(3) لاحظ ص: 205

(4) لاحظ ص: 154

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 285

______________________________

و في قبال هذه الطائفة حديث يستفاد منه أن الماء المتنجس بعين النجاسة لا ينجس ملاقيه و هو ما رواه زرارة «1» فيقع التعارض بين الطائفتين و الترجيح مع ما يدل علي الطهارة لمخالفتها مع العامة و قد اشرنا إلي هذه الجهة في الجزء الاول من هذا الشرح في بحث انفعال الماء القليل ص 144 فلاحظ.

ان قلت: هذه الرواية الدالة علي عدم التنجيس مطلقة من حيث وقوع القطرة الملاقية مع الحبل في الدلو و عدمه فيقيد بما دل علي التنجيس.

قلت: لقائل أن يقول بأن وجه السؤال احتمال انفعال ماء الدلو بوقوع القطرات الملاقية مع الحبل عليه فلا مجال للإطلاق.

و بعبارة اخري: علي ما ذكر فرض السائل وقوع القطرة علي ما في الدلو من الماء فكيف يتصور الاطلاق.

لكن يرد عليه أنه يمكن أن يكون الوجه في السؤال احتمال انفعال ماء البئر بملاقاته مع الحبل و عليه يبقي الاطلاق المنعقد في كلام الامام عليه السلام بقوله:

«لا بأس» و الاطلاق قابل للتقييد.

اللهم الا أن يقال: بأن التقاطر من الحبل علي ما في الدلو امر يلازم الاستقاء من البئر و فرض عدمه نادر بل غير قابل للتحقق الا مع العناية الخاصة و التعمد المصروف اليه و من الواضح أنه ليس في مورد الرواية كذلك و أما احتمال كون الحبل المفروض من شعر الخنزير غير متصل بالدلو- كما في كلام سيدنا الاستاد- علي ما في التقرير- في بحث انفعال الماء القليل- فهو احتمال خلاف الظاهر فان

الظاهر-

______________________________

(1) لاحظ ص: 208

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 286

______________________________

ان لم يكن صريحا- أن الحبل بتمامه فرض كونه من شعر الخنزير.

و أما احتمال طهارة الخنزير- كما نسب إلي السيد المرتضي- فهو خلاف المستفاد من الادلة كما تقدم في بحث النجاسات.

فالانصاف أن دلالة الرواية علي المدعي تامة و يؤيد المدعي مرسل علي بن حديد عن بعض أصحابنا قال: كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام في طريق مكة فصرنا إلي بئر فاستقي غلام أبي عبد اللّه عليه السلام دلوا فخرج فيه فارتان فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: أرقه فاستقي آخر فخرج فيه فارة فقال: أبو عبد اللّه عليه السلام أرقه قال: فاستقي الثالث فلم يخرج فيه شي ء فقال: صبه في الاناء فصبه في الاناء «1».

فان المستفاد من هذه الرواية- كما تري- أن الماء المتنجس بالميتة لا ينجس الماء بتقريب أنه بعد اراقة الماء مرة ثانية يبقي طبعا في الدلو مقدار من الماء المتنجس و هذا المقدار الباقي لا ينجس الماء المستقي بالدلو مرة ثالثة.

الا أن يقال: ان الدلو حين وصوله إلي البئر يصل ماء البئر إلي جميع أجزائه و لا يبقي فيه ماء الا و هو يطهر باستعلاء الماء العاصم عليه و اللّه العالم.

الطائفة الثانية: النصوص المتضمنة لكيفية تطهير الاواني و الفرش المتنجسة بالخمر أو الخنزير أو الكلب أو غيرها بتقريب أن الامر بغسل الاواني أو الفرش ارشاد إلي أنها تنجس ملاقيها اذ لو لا هذا لم يكن وجه لتطهيرها لان المذكورات لا تستعمل في الصلاة و نحوها مما يشترط فيه الطهارة فمن هذه النصوص ما رواه

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب الماء المطلق الحديث: 14.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 287

______________________________

عمار بن موسي «1» فان مقتضي

هذه الرواية أن الدن الذي كان فيه الخمر اذا لم يغسل ينجس ما يلاقيه من الخل و نحوه فيكون المتنجس منجسا لملاقيه.

و لا يعارض هذه الرواية ما رواه الحفص الاعور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الدن يكون فيه الخمر ثم يجفف يجعل فيه الخل؟ قال: نعم «2» لان رواية الحفص مطلقة قابلة للتقييد- مضافا إلي ضعف سندها بالاعور فانه لم يوثق- و هذه الرواية قد فرض فيها أن الدن فيه الخمر فلا تدل علي المدعي اذ غاية ما يستفاد منها نجاسة الخمر لا تنجيس المتنجس الذي هو محل الكلام لكن الاشتراط بالغسل الواقع في كلامه عليه السلام يدل علي أن الدن اذا كان فيه الخمر توقف جواز جعل الخل فيه علي الغسل حتي بعد التجفيف فدلالة الرواية علي المدعي لا تنكر لكن انما تدل علي أن المتنجس بعين النجاسة ينجس المائع الذي يلاقيه.

و منها: ما رواه عمار الساباطي عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن الكوز و الاناء يكون قذرا كيف يغسل؟ و كم مرة يغسل؟ قال: يغسل ثلاث مرات يصب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه ثم يصب ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ ذلك الماء ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه و قد طهر إلي أن قال: اغسل الاناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتا سبع مرات «3».

بتقريب أن تطهير الكوز و الانية ليس واجبا نفسيا كما أن الاكل و الشرب في الانية المتنجسة مع قطع النظر عن تأثير النجاسة في المأكول و المشروب ليس

______________________________

(1) لاحظ ص: 211

(2) الوسائل الباب 51 من أبواب النجاسات الحديث: 2.

(3) الوسائل الباب 53 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

مباني منهاج

الصالحين، ج 3، ص: 288

______________________________

حراما بلا اشكال فالامر بالغسل ليس الا للإرشاد إلي تنجس ملاقيه.

و بعبارة اخري: الاواني لا تستعمل في الصلاة و نحوها مما يشترط فيه الطهارة فتكون الرواية ارشادا إلي نجاسة ملاقيه.

و فيه: أنه لم يأمر الامام عليه السلام ابتداء بالغسل كي يصح هذا التقريب بل قوله عليه السلام مسبوق بسؤال الراوي و وظيفة الشارع بيان الحكم الشرعي سيما بعد السؤال.

و منها: ما رواه ابراهيم بن أبي محمود قال: قلت للرضا عليه السلام: الطنفسة و الفراش يصيبهما البول كيف يصنع بهما و هو ثخين كثير الحشو؟ قال: يغسل ما ظهر منه في وجهه «1».

بتقريب أن الامر بالغسل ارشاد إلي تنجس ما يلاقيه.

و فيه: أن أمره عليه السلام لم يكن ابتدائيا بل بعد سؤال الراوي مضافا إلي أن مورد الرواية و ما ذكر فيها و ان لم يتعارف أن تقع الصلاة فيه لكن مجرد القابلية و الامكان كاف في صحة بيان الحكم الشرعي.

و منها: ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال:

سألته عن الفراش يكون كثير الصوف فيصيبه البول كيف يغسل؟ قال: يغسل الظاهر ثم يصب عليه الماء في المكان الذي أصابه البول حتي يخرج من جانب الفراش الاخر «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب النجاسات الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 289

______________________________

و التقريب هو التقريب و الجواب هو الجواب.

و منها: ما رواه ابراهيم بن عبد الحميد قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الثوب يصيبه البول فينفذ إلي الجانب الاخر و عن الفرو و ما فيه من الحشو قال:

اغسل ما أصاب منه و مس الجانب الاخر فان أحببت مس شي ء منه فاغسله و الا فانضحه

بالماء «1».

بتقريب: أن المستفاد من الرواية أن ملاقاة الموضع النجس من الثوب أو الفرو يوجب تنجس الملاقي.

و الظاهر أن دلالة الرواية علي المدعي المذكور لا تنكر لكن مقدار دلالتها تنجيس المتنجس بعين النجاسة.

و بعبارة اخري: المستفاد من الرواية أن المتنجس بعين النجاسة ينجس ما يلاقيه.

و ربما يقال: بأن الامر بالغسل في هذه الروايات لأجل ازالة عين النجاسة لا لأجل تنجيس المتنجس.

و فيه اولا: أن بقاء العين في الخمر ممكن و أما في مطلق النجاسات فلا و ثانيا:

أن مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين بقاء الاثر و عدمه و ثالثا: أن الامر بالغسل بالنحو الخاص ارشاد إلي تحصيل الطهارة بهذا النحو و أما ازالة الاثر فتمكن بأي وجه كان.

و منها: ما رواه شهاب بن عبد ربه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل الجنب

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 290

______________________________

يسهو فيغمس يده في الاناء قبل أن يغسلها انه لا بأس اذا لم يكن أصاب يده شي ء «1» بتقريب: أن مقتضي اطلاق الرواية انفعال الماء بملاقاة اليد القذرة و لو مع زوال عين النجاسة فالرواية تدل علي أن المتنجس ينجس الماء الملاقي له لكن مقدار دلالتها تنجس الماء بالمتنجس بعين النجاسة لا أزيد من هذا المقدار.

و منها: ما رواه أبو بصير عنهم عليهم السلام قال: اذا أدخلت يدك في الاناء قبل أن تغسلها فلا بأس الا أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة فان أدخلت يدك في الماء و فيها شي ء من ذلك فأهرق ذلك الماء «2».

و هذه الرواية اجنبية عن المدعي فان المستفاد منها أن تنجس الماء مشروط بوجود احد هذه الامور اي يشترط التنجيس بوجود عين النجاسة.

و منها: ما رواه أحمد بن

محمد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يدخل يده في الاناء و هي قذرة قال: يكفي الاناء «3».

و التقريب هو التقريب.

و منها: ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا (ان خ) أصاب الرجل جنابة فادخل يده في الاناء فلا بأس اذا لم يكن أصاب يده شي ء من المني «4».

و التقريب هو التقريب.

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب الماء المطلق الحديث: 3

(2) نفس المصدر الحديث: 4

(3) نفس المصدر الحديث: 7.

(4) نفس المصدر الحديث: 9

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 291

______________________________

و منها: ما رواه أيضا قال: سألته عن رجل يمس الطست أو الركوة ثم يدخل يده في الاناء قبل أن يفرغ علي كفيه قال يهريق من الماء ثلاث جفنات و ان لم يفعل فلا بأس و ان كانت أصابته جنابة فأدخل يده في الماء فلا بأس به ان لم يكن أصاب يده شي ء من المني و ان كان أصاب يده فأدخل يده في الماء قبل أن يفرغ علي كفيه فليهرق الماء كله «1».

و التقريب هو التقريب.

و منها: ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الجنب يحمل (يجعل خ ل) الركوة أو التور فيدخل اصبعه فيه قال: ان كانت يده قذرة فأهرقه و ان كان لم يصبها قذر فليغتسل منه هذا مما قال اللّه تعالي: مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «2».

و التقريب هو التقريب.

و منها: ما رواه علي بن جعفر عن أبي الحسن الاول عليه السلام قال سألته عن الرجل يصيبه الماء في ساقية أو مستنقع أ يغتسل منه للجنابة أو يتوضأ منه للصلاة؟ اذا كان لا يجد غيره و الماء لا

يبلغ صاعا للجنابة و لا مدا للوضوء و هو متفرق فكيف يصنع و هو يتخوف أن يكون السباع قد شربت منه؟

فقال: ان كانت يده نظيفة فليأخذ كفا من الماء بيد واحدة فلينضحه خلفه و كفا أمامه و كفا عن يمينه و كفا عن شماله فان خشي ان لا يكفيه غسل رأسه ثلاث مرات

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 10

(2) نفس المصدر الحديث: 11

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 292

______________________________

الحديث «1».

و منها ما رواه أيضا عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يتوضأ في الكنيف بالماء يدخل يده فيه أ يتوضأ من فضله للصلاة؟ قال؟ اذا أدخل يده و هي نظيفة فلا بأس و لست احب ان يتعود ذلك الا أن يغسل يده قبل ذلك «2».

و تقريب الاستدلال بهما علي المدعي ظاهر.

فتحصل مما تقدم أن المتنجس ينجس ما يلاقيه و بعبارة اخري: الذي استفيد مما تقدم أن المتنجس بعين النجاسة ينجس ما يلاقيه فالنتيجة أن الواسطة الاولي تنجس ما يلاقيها و أما الزائد علي هذا المقدار فلا.

الجهة الثانية: في أنه هل هناك دليل علي التعميم بحيث يعم الحكم الوسائط أم لا؟ و ما يمكن أن يستدل به علي التعميم عدة نصوص:

منها: ما رواه عمار الساباطي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن البارية يبل قصبها بماء قذر هل تجوز الصلاة عليها؟ فقال: اذا جفت فلا بأس بالصلاة عليها «3».

بتقريب: أن الامام نهي عن الصلاة علي البارية التي يبل قصبها بماء قذر و علق الجواز علي الجفاف فيفهم عرفا أن البلل القذر ينجس لباس المصلي أو بدنه فلا تجوز الصلاة عليها الا بعد الجفاف فالمستفاد من الرواية أن البلل الموجود

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب

الماء المضاف الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 14 من أبواب الماء المضاف الحديث: 1

(3) الوسائل الباب 30 من أبواب النجاسات الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 293

______________________________

في القصب ينجس لباس المصلي و بدنه و حيث انه لا فرق بين الموارد من هذه الجهة فمثل هذا البلل ينجس الماء القليل اذا يلاقيه و بعد الملاقاة يصدق علي ذلك الماء أنه ماء قذر فذلك الماء ينجس الثوب بدلالة الرواية و حيث انه لا فرق بين الثوب و بقية الاشياء ينجس الماء القليل و هكذا.

فهذه الرواية تدل علي أن الماء المتنجس و لو بالف واسطة ينجس ما يلاقيه لكن هذا الدليل يختص مورده بالماء المتنجس و لا يشمل المتنجس الجامد بل لا يشمل المائع المضاف فلاحظ.

و منها: ما رواه الفضل أبو العباس «1» بتقريب: أن العلة توجب تعميم الحكم و قد علل في الرواية النهي عن الوضوء بسؤر الكلب بكونه نجسا هذا من ناحية و من ناحية اخري المتنجس نجس فيتشكل القياس بأن نقول: المتنجس نجس و كل نجس متنجس.

و يرد عليه: أن المذكور في الرواية بعنوان التعليل كونه رجسا نجسا و المتنجس و ان كان عنوان النجس صادقا عليه لكن لا يصدق عليه عنوان الرجس فان الرجاسة صفة معنوية و لا ترتبط بالقذارة الظاهرية و لذا أطلق الرجس في الكتاب الشريف علي الميسر في قوله تعالي: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ «2» و الحال أن الميسر لا يكون نجسا و ان أبيت فلا أقل من عدم الظهور في القذارة الظاهرية. فالعلة مجموع الامرين فالنجس بما هو لا يكون رجسا.

______________________________

(1) لاحظ ص: 283.

(2) المائدة/ 89

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 294

______________________________

اضف إلي ذلك

ان المذكور في الحديث علة لأمرين من الغسل و التعفير و من الظاهر ان التعفير مختص بولوغ الكلب.

ان قلت: قد امر في الرواية بالغسل و التعفير و قد قام الدليل علي اختصاص التعفير بولوغ الكلب فما المانع من الالتزام بوجوب الغسل في بقية الموارد.

قلت: الامر بالغسل و التعفير ليس أمرا مولويا كي يصح هذا البيان بل ارشاد الي نجاسة سؤر الكلب و نجاسة ذلك الاناء و بيان لطريق تطهيره.

و بعبارة اخري: العلة المذكورة علة للأمرين اللذين بما هما علة لزوال النجاسة و ان شئت قلت: ان هذا النحو الخاص من المطهر يختص بمورد مخصوص و لا يتعداه.

و منها: ما رواه معاوية بن شريح قال: سأل عذافر أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده عن سؤر السنور و الشاة و البقرة و البعير و الحمار و الفرس و البغال و السباع يشرب منه أو يتوضأ منه؟ فقال: نعم اشرب منه قال: قلت له: الكلب؟ قال: لا قلت: أ ليس هو سبع؟ قال: لا و اللّه انه نجس لا و اللّه انه نجس «1».

و تقريب الاستدلال بالرواية هو التقريب.

و الجواب عن الاستدلال بها أولا: أنها ضعيفة سندا بمعاوية حيث انه لم يوثق و هذه الرواية نقلت بسند آخر- علي ما في الوسائل- و لكن ذلك السند أيضا مخدوش بمعاوية بن ميسرة.

و ثانيا: ان الحكم في الرواية لم يعلل فلا وجه للتعدي فلم يتم الاستدلال.

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الأسآر الحديث: 6.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 295

______________________________

و منها: ما رواه زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام الا احكي لكم وضوء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله؟ فقلنا بلي فدعا بقعب فيه شي ء من ماء

فوضعه بين يديه ثم حسر عن ذراعيه ثم غمس فيه كفه اليمني ثم قال: هكذا اذا كانت الكف طاهرة «1».

بتقريب: أن المستفاد من الرواية عدم جواز الوضوء من الماء الملاقي لليد القذرة و لا وجه لعدم الجواز الا نجاسة الماء بالملاقاة فلو فرض أن اليد لاقت عين النجاسة تنجس بلا اشكال و بعد زوال العين عنها لو لاقتها يد اخري مع الرطوبة المسرية تنجس اليد الاخري لما تقدم من أن المتنجس بعين النجاسة ينجس ملاقيه فلو فرض أن اليد المتنجسة بالملاقاة مع المتنجس لاقت مع الماء القليل ينجس ذلك الماء القليل فينجس ذلك الماء بمقتضي الرواية اذ يصدق علي اليد أنها لا تكون طاهرة فينجس الماء بملاقاتها و هذا الماء إذا لاقي ماء آخر ينجس الماء الثاني اذ المفروض أنه لاقي ما لا يكون طاهرا و هكذا و بهذا التقريب تثبت سراية النجاسة و لو مع ألف واسطة.

و يرد علي الاستدلال المذكور انه يمكن أن يكون الوجه في المنع صيرورة الماء غسالة للخبث فان غسالة الخبث لا تزيل الحدث لاحظ ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا بأس بأن يتوضأ بالماء المستعمل فقال:

الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ منه و اشباهه و أما الذي يتوضأ الرجل به فيغسل به وجهه و يده في شي ء نظيف فلا بأس

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 296

______________________________

أن يأخذه غيره و يتوضأ به «1».

فان المستفاد من الحديث أن الماء الملاقي مع المتنجس لا يجوز الوضوء به و لا يخفي أن ما ذكرنا لا يتوقف علي عدم اشتراط

ورود الماء علي النجس في التطهير بل الاشكال سار حتي علي القول بالاشتراط اذ يمكن أن يكون الوجه للمنع ملاقاة الماء مع المتنجس.

و ان شئت قلت: ان الذي يستفاد من الرواية عدم جواز الوضوء بالماء الكذائي و أما وجه النهي فغير معلوم عندنا و مع تعدد الاحتمال لا يبقي مجال للاستدلال.

و أورد سيدنا الاستاد علي هذا البيان بوجوه: الوجه الاول: انه خلاف الظاهر عرفا فان العرف يفهم من قوله عليه السلام: «هكذا اذا كانت الكف طاهرة» أن الوجه في المنع سراية قذارة اليد إلي الماء و ينفعل الماء بملاقاة اليد القذرة و يتضح هذا بملاحظة الاستعمالات العرفية فان المولي العرفي اذا قال لعبده لا تضع يدك الوسخة في الماء الموجود في الاناء يفهم عرفا أن العلة في المنع سراية قذارة اليد إلي الماء.

و يرد عليه: أن قياس الامور الشرعية علي الامور العرفية مع الفارق فان الملاكات في الاحكام العرفية منكشفة لدي العرف و أما الملاكات الشرعية فهي غير معلومة عند العرف و في مثل المقام كما يحتمل أن الوجه انفعال الماء بالملاقاة كذلك يحتمل أن يكون الوجه كذلك اي الغسالة لا تصلح لان يتوضأ بها مع بقائها علي طهارتها.

الوجه الثاني: أن الموضوع في المفهوم اليد غير الطهارة و لها أفراد ثلاثة

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الماء المضاف الحديث: 13

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 297

______________________________

اليد المتنجسة مع بقاء العين فيها، اليد المتنجسة بالعين مع زوالها، اليد المتنجسة بالمتنجس بالعين. لا اشكال في انفعال الماء في الصورة الاولي لان العين تنجس ما يلاقيها كما أن اليد في الصورة الثانية تنجس الماء اذ المفروض أن المتنجس بعين النجاسة ينجس ما يلاقيه و في هذين التقديرين يكون وجه

المنع نجاسة الماء فيختص المنع بلحاظ استعمال الماء في الخبث بالصورة الثالثة و اختصاص المفهوم بخصوص الصورة الثالثة لا وجه له و ارادة الجميع بارادة كون المنع في الصورة الاولي و الثانية بلحاظ النجاسة و في الصورة الثالثة بلحاظ الاستعمال في الخبث غير صحيح.

و يرد عليه: أنه لم يظهر وجه عدم الصحة اذ لا يلزم استعمال اللفظ في أكثر من معني واحد كي يقال: بأنه ممتنع أو يقال: انه خلاف الظاهر بل النهي تعلق بالوضوء عن الملاقي مع اليد غير الطاهرة علي نحو الاطلاق غاية الامر أن وجه المنع يكون مختلفا.

و بعبارة اخري: النهي استعمل في معناه و ان شئت قلت: يمكن للمولي أن ينهي عن الجلوس مع جماعة كذائية و يكون وجه المنع بالنسبة إلي بعضهم كونه كافرا و إلي بعضهم كونه فاسقا و إلي بعضهم كونه سفيها و هكذا فهل يتوهم عدم جواز هذا الاستعمال؟

و لعمري هذا الذي ندعي واضح و ان أبيت فلا أقلّ من الاجمال فلا موقع للجزم بما جزم به سيدنا الاسناد.

الوجه الثالث: أنه قد ورد في بعض النصوص الامر باراقة الماء الذي وقع فيه القذر لاحظ ما رواه سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل معه اناء ان فيهما ماء وقع في احدهما قذر لا يدري أيهما هو و ليس يقدر علي ماء غيره

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 298

______________________________

قال: يهريقهما جميعا و يتيمم «1» و ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر «2».

فان الامر باراقة الماء يدل علي انفعاله و نجاسته و لو لاه لم يكن وجه لإراقته اذ لا منافاة بين جواز استعماله في جملة من الامور و عدم جواز استعماله في رفع الحدث.

و

يرد عليه: أن الكلام في المقام في المستفاد من حديث زرارة و قلنا بأن حديث زرارة لا يستفاد منه انفعال الماء بملاقاة اليد غير الطهارة و أما بقية الروايات فلا بد من ملاحظتها و استفادة المراد منها.

و بعبارة اخري: ان تلك النصوص لا تكون قرينة علي أن المراد من هذه الرواية بيان أن الماء ينفعل بملاقاة القذر.

فالنتيجة أن ما أورده سيدنا الاستاد في مقام رفع الاشكال المتوجه إلي الاستدلال بالرواية غير وارد و تحصل انه لا يمكن الاستدلال بالرواية علي أثبات السراية و لو مع الوسائط العديدة.

اضف إلي ذلك أن اساس الاستدلال عدم الفرق بين الماء و غيره من المائعات و الجوامد و لقائل أن يقول: يمكن الفرق شرعا بين الماء و غيره فلا ملازمة بين انفعال الماء باليد غير الطاهرة و غيره و مع هذا الاحتمال لا يتم الاستدلال فلاحظ.

و من تلك النصوص ما أرسله ابن عمير عن بعض و ما أحسبه الا عن حفص بن البختري قال: قيل لأبي عبد اللّه عليه السلام في العجين يعجن من الماء النجس كيف يصنع به؟ قال: بباع ممن يستحل أكل الميتة «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب الماء المطلق الحديث: 2

(2) لاحظ ص: 290

(3) الوسائل الباب 11 من أبواب الأسآر الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 299

______________________________

بتقريب: أن الماء المتنجس نجس العجين. و فيه أولا أن الرواية لإرسالها لا يترتب عليها الاثر و كون المرسل ابن أبي عمير لا يوجب اعتبار الخبر كما حققناه في محله و أما قوله «ما احسبه الا عن حفص بن البختري» فليس شهادة بأنه حفص بل اخبار عن حسبانه و من الظاهر أن حسبان شخص لا يفيد لغيره.

و ثانيا أن المستفاد

من الرواية أن الماء فرض كونه نجسا فغاية ما يستفاد منها أن الماء النجس ينجس ما يلاقيه من الجوامد و أما الكبري الكلية التي هي محل الكلام في المقام فلا يستفاد منها فلاحظ.

و من تلك النصوص الروايات الدالة علي وجوب اهراق الماء الملاقي مع القذر لاحظ ما رواه سماعة «1» و ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر «2» و ما رواه أبو بصير «3» و ما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: سئل عن رجل معه اناء ان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدري أيهما هو و حضرت الصلاة و ليس يقدر علي ماء غيرهما قال: يهريقهما جميعا و يتيمم «4».

بتقريب: أن القذر يطلق علي المتنجس و هذه النصوص تدل علي أن الماء ينجس بملاقاة القذر فاذا تنجس يطلق عليه أنه قذر فاذا لاقي ماء آخر ينجسه و هكذا فمقتضي هذه النصوص سراية النجاسة و لو مع الوسائط الكثيرة.

______________________________

(1) لاحظ ص: 297.

(2) لاحظ ص: 290

(3) لاحظ ص: 291

(4) الوسائل الباب 8 من أبواب الماء المطلق الحديث: 14.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 300

______________________________

لكن مقدار دلالتها مقصورة في خصوص الماء و أما تنجيسها الجوامد بل مطلق المائع الاعم من الماء المطلق فلا تدل عليه النصوص المشار اليها.

و في المقام رواية يمكن أن يقال: انها تعارض هذه النصوص معارضة المقيد مع المطلق و هي ما رواه أبو بصير «1» فان مقتضي المفهوم من الشرطية الواردة في ذيل الحديث أن اليد الملاقي للماء اذا كان فيها شي ء من القذر المذكور في الصدر ينجس الماء و الا فلا و القذر بالفتح علي ما يستفاد من اللغة عبارة عن النجاسة و

بالكسر عبارة عن المتنجس فان كان الواقع في الخبر بالفتح- كما هو الظاهر- كان المراد من الذيل أن اليد اذا كانت فيها نجاسة بولية تنجس الماء و الا فلا فالمستفاد من الرواية علي هذا التقدير أن اليد اذا لم تكن منجسة بالبول لا تنجس الماء و حيث ان النسبة بين الخبر المذكور و بقية النصوص المتقدمة عموم مطلق و تكون هذه الرواية أخص من تلك الروايات تقيد تلك النصوص بهذه الرواية فلا يمكن القول بالانفعال مع تعدد الوسائط بل الامر منحصر بالواسطة الاولي.

و اما ان كان اللفظ المذكور بكسر المعجمة و قلنا بأن الاضافة بيانية و يكون المراد أن الانفعال مقوم بوقوع عين البول أو المني في الماء و الا فلا ينجس فالامر أوضح اذ تكون النتيجة أن اليد اذا كانت فيها عين البول أو المني تنجس الماء و مقتضي المفهوم أنه لا أثر لملاقاة المتنجس حتي في الواسطة الاولي فعلي جميع التقادير تكون هذه الرواية مقيدة لتلك النصوص.

______________________________

(1) لاحظ ص: 290

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 301

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق مباني منهاج الصالحين؛ ج 3، ص: 301

______________________________

و أما ان قلنا بأن الاضافة نشوية فيرجع إلي المعني الاول اذ يصير المراد بالرواية ان النجاسة في اليد اذا كانت ناشئة من البول فاليد تنجس الماء و الا فلا و من الظاهر أن النجاسة الناشئة من البول تختص بالمتنجس بنفس البول و المني و أما المتنجس بالمتنجس بالبول فلا تكون نجاسة ناشئة من البول كما هو ظاهر.

اللهم الا أن يقال: ان هذه الرواية موردها الجامد و تلك الروايات موردها المائع و من الممكن الاختلاف

في السراية و التأثير بلحاظ الشرع بين الجامد و المائع كما أن الامر كذلك في القذارة العرفية فلاحظ.

فتحصل مما ذكرنا أنه لا مقتضي لتنجيس المتنجس الا في الواسطة الاولي اذا لاقت مع الماء و أما في غيره من الجوامد بل المائعات المضافة فلا مقتضي حتي بالنسبة إلي الواسطة الاولي هذا كله بالنسبة إلي الجامد المتنجس و أما المائع المتنجس فلا اشكال في أن الماء الملاقي لعين النجاسة ينجس كل ما يلاقيه و الدليل عليه ما رواه عمار «1» كما أن مقتضي خبر آخر لعمار «2» ان الجامد المتنجس و لو مع الوسائط ينجس ما يلاقيه و قد تقدم تقريب الاستدلال بالخبر علي المدعي فراجع و للعمار خبر ثالث «3» يدل علي أن الجامد المتنجس بعين النجاسة ينجس المائع الملاقي معه.

فالمتحصل من مجموع ما تقدم امور: الاول: أن الماء المتنجس بعين

______________________________

(1) لاحظ ص: 154

(2) لاحظ ص: 292.

(3) لاحظ ص: 211

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 302

______________________________

النجاسة ينجس كل شي ء يلاقيه و الدليل عليه حديث عمار «1».

الثاني: أن الماء المتنجس و لو مع الواسطة ينجس ما يلاقيه و الدليل عليه خبر آخر لعمار كما تقدم «2».

الثالث: أن الجامد المتنجس بعين النجاسة ينجس المائع الملاقي معه و الدليل عليه خبر ثالث لعمار «3» كما تقدم كما أن مقتضي الجمع بين النصوص المتقدمه كذلك بالتقريب الذي تقدم فراجع.

الجهة الثالثة: في أنه هل يكون في المقام ما يستدل به علي عدم تنجيس المتنجس أو لا؟.

و ما قيل أو يمكن أن يقال في مقام الاستدلال علي المدعي وجوه:

الوجه الاول: ما عن المحقق الهمداني قدس سره من أن الحكم بتنجيس المتنجس علي الاطلاق لغو و غير قابل للامتثال اذ لو كان الامر كذلك

يلزم سراية النجاسة إلي جميع الاشياء في جميع البلاد بعد مرور الشهور و الايام و الدهور و الاعوام و ذلك لأنه لا اشكال في أن كثيرا من المسلمين لا يجتنبون عن النجاسات فكيف عن المتنجسات مع أنهم يخالطون غيرهم بدخولهم المطاعم و المقاهي و الفنادق و الحمامات و أيضا غير المسلمين من الكفار يخالطون المسلمين و لازم هذا تسرية النجاسة بعد مدة إلي جميع الاشياء و السرّ فيه أن النجاسة امر سار.

و بعبارة اخري: الطهارة غير قابلة للتسرية و أما النجاسة فهي تسري بواسطة

______________________________

(1) لاحظ ص: 154

(2) لاحظ ص: 292.

(3) لاحظ ص: 211.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 303

______________________________

الرطوبة السارية و لازمها ما ذكرنا و من ينكر هذا اللازم مع اعترافه بان اجماع العلماء علي حكم كاشف عن رأي المعصوم خارج عن المتعارف و لا يمكن أن يكون مثله مجتهدا قادرا علي استنتاج المطالب من المبادي و قد علم من الشرع أنه لم يتعلق التكليف بالاجتناب عن جميع الاشياء و توقف جواز الاستعمال علي التطهير فانه من المصاديق الظاهرة للحرج و العسر المرفوعين في الشرع الاقدس هذا ملخص كلامه مع توضيح منا.

و أجاب عن هذا الوجه سيدنا الاستاد أنا لو التزمنا بتنجيس المتنجس علي نحو الاطلاق بلا فرق بين المائع و الجامد و بلا فرق بين كون الواسطة واحدة أو متعددة كان ما أفاده تاما و غير قابل للإنكار و أما اذا التزمنا باختصاص هذا الحكم بالمائع أو التزمنا بشمول الحكم للجامد لكن خصصنا الحكم بالواسطة الاولي فلا يتوجه هذا المحذور.

و لا يخفي أن ما أفاده سيدنا الاستاد في مقام الجواب لا يدفع الاشكال المذكور بالكلية نعم المحذور المذكور في كلام الهمداني قدس سره لا يبقي

بتلك المرتبة من الشدة فان المتنجس لو كان منجسا علي الاطلاق في المائع لزمت سراية النجاسة بعد مدة إلي كثير من الاشياء فلاحظ.

الوجه الثاني: استقرار سيرة المتشرعة علي عدم الاجتناب عما يأخذونه من أيدي المسلمين إلا مع العلم بنجاسة خاصة بحيث يعد المجتنب خارجا عن المتعارف و يرمي بكونه وسواسيا.

و أجاب سيدنا الاستاد عن هذا الوجه بعين ذلك الوجه. و يرد عليه ما أوردناه هناك فلاحظ.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 304

______________________________

و ربما يقال: بأن الوجه في عدم وجوب الاجتناب هو الحرج الرافع للتكليف.

و يرد عليه: أنه ان كان المراد ارتفاع التكليف للحرج الشخصي و بعبارة اخري:

ان كان المراد أنه في كل مورد يتحقق الحرج الشخصي يرتفع الالزام بالاجتناب فيلزم التفصيل في الموارد اي لا بد من الالتزام بالوجوب بالنسبة إلي من لا يكون الاجتناب له حرجيا و هذا باطل و الظاهر أنه لا يلتزم به احد و لا يفصل بين الموارد و الاشخاص.

و ان كان المراد الحرج النوعي و أن وجوب الاجتناب مرتفع بلحاظ الحرج نوعا فاعتبار النجاسة لغو محض.

الا أن يقال بأن الاعتبار خفيف المئونة فانه مقتضي اطلاق بعض النصوص و الاطلاق عبارة عن رفض القيود فلا عناية فيه و ليس جمعا بين القيود كي يقال:

يحتاج إلي المقتضي فلاحظ.

الوجه الثالث: جملة من النصوص: منها: ما رواه حنان بن سدير قال:

سمعت رجلا سأل أبا عبد اللّه عليه السلام فقال: اني ربما بلت فلا أقدر علي الماء و يشتد ذلك علي فقال: اذا بلت و تمسحت فامسح ذكرك بريقك فان وجدت شيئا فقل هذا من ذاك «1».

بتقريب: أن المستفاد من الحديث عدم تنجس الريق بملاقاة رأس الذكر و لو لاه لم يكن مسحه بريق مخلصا للسائل.

و

يمكن أن يقال: بأن المستفاد من الرواية عدم تنجس ما يلاقي مع ذلك

______________________________

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 7.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 305

______________________________

الريق و أما نفس الريق فلا دلالة في الرواية علي طهارته فتأمل.

و أورد عليه سيدنا الاستاد بأنه لا بد من ملاحظة وجه الاشتداد فان كان وجهه أن الرطوبة الخارجة قبل الاستبراء محكومة بالبولية فعلمه عليه السلام طريقا للتخلص من هذه الجهة فيرد عليه اولا أنه علي هذا كان الاولي تعليمه عليه السلام الراوي الاستبراء اذ مع الاستبراء لا تكون الرطوبة الخارجة محكومة بالبولية و من ناحية اخري لا يكون المتنجس منجسا فلا موجب لاختيار الطريق الابعد.

و ثانيا: أنه علي هذا التقدير يتوقف الاستدلال علي ارادة مسح خصوص المخرج كما هو ظاهر و الحال أن المذكور في الرواية مسح الذكر بلا تقييد.

و ثالثا: أن الشدة من هذه الجهة لا ترتبط بوجود الماء و عدمه لان الرطوبة الخارجة المشتبهة محكومة بالنجاسة اعم من وجود الماء و عدمه.

و ان كان وجه الاشتداد من أجل تنجس البلل الخارج بعد الاستبراء بلحاظ كون المخرج متنجسا له فعلمه طريقا لحصول الشك و الحكم بالطهارة لقاعدتها فالرواية تدل علي كون المتنجس منجسا و ان أبيت عن الظهور في هذا المعني فلا أقلّ من الاجمال فلا تكون دليلا علي المدعي فلاحظ.

و يرد عليه أن الظواهر حجة و المستفاد من الرواية بحسب الفهم العرفي أن امره عليه السلام بمسح الذكر اولا و تجفيفه مقدمة لمسح رأس الذكر بالريق و الا لم يكن وجه للترتيب و أما وجه الاشتداد أنه مع عدم الماء يمكن خروج البلل و تنجيسه لما يلاقيه و المفروض عدم الماء فانه لا شدة مع وجود

الماء اذ مع وجوده يمكن التطهير به فلا شدة فعلمه عليه السلام طريق التخلص بأن يمسح رأس ذكره بريقه و أما وجه عدم تعليمه الاستبراء فهو أعلم بافعاله و تروكه.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 306

______________________________

و صفوة القول: أن دلالة الرواية علي المدعي غير قابلة للإنكار و لا مجال لرفع اليد عن الظهور بمثل هذه الشبهات الا أن يقال: بأن المستفاد من الرواية عدم انفعال الريق بملاقاة الملاقي للبول و لا تنافي بينه و بين القول بانفعال الماء بالملاقاة مع ملاقي النجس كما هو المستفاد من بعض النصوص المتقدمة اذ يمكن أن يكون فرق في نظر الشارع الاقدس بين الماء و الريق لكن الانصاف انه بعيد عن الفهم العرفي.

و منها: ما رواه حكم بن حكيم بن أخي خلاد أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام فقال له: أبول فلا اصيب الماء و قد أصاب يدي شي ء من البول فأمسحه بالحائط و بالتراب ثم تعرق يدي فامسح (فأمس) به وجهي أو بعض جسدي أو يصيب ثوبي قال: لا بأس به «1».

بتقريب: أن المستفاد من الرواية أنه لا بأس بملاقاة الملاقي للبول و أن الموضع المتنجس بالبول من اليد لا ينجس ما يلاقيه من الوجه أو بعض البدن أو الثوب و لو مع الرطوبة كما هو المفروض في السؤال.

و أورد علي الاستدلال بالرواية علي المدعي سيدنا الاستاد بأنه من الممكن أن يكون محل الملاقاة مع البول غير معلوم تفصيلا فيكون عدم البأس من باب أن الملاقي لبعض أطراف الشبهة المحصورة لا ينجس و لم يفرض في الحديث أن المسح وقع بتمام اليد كما أنه ليس المسح بتمام اليد متعارفا و من الممكن أيضا أن محل الملاقاة من اليد

معلوم تفصيلا لكن لا يعلم المكلف بملاقاة بدنه أو وجهه أو

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب النجاسات الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 307

______________________________

ثوبه مع ذلك الموضع و مع عدم العلم يكون مقتضي الاستصحاب بقاء طهارته و اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

و بعبارة اخري: لا يتعين أن الوجه في عدم البأس من أجل عدم تنجيس المتنجس.

و يرد عليه: أنه لو فتحت باب هذه المناقشات لا انسدت باب الاستنباط. و ان شئت قلت: ان المرجع في أمثال المقام الظهور العرفي لا الاحتمالات المتصورة في عالم التصور و العرف يفهم من الرواية أن الملاقاة مع موضع النجس مفروضة فلا يبقي مجال لما ابداه و لو كان الامر كما ذكره كان المناسب أن يفرض السائل في سؤاله عدم العلم بالملاقاة.

و ان شئت قلت: ان الظاهر من كلام السائل اتحاد موضع ملاقاة اليد مع البول مع موضع العرق فانه المتناسب.

و بعبارة واضحة: الاحكام الشرعية تؤخذ من مخازن الوحي الالهي و حيث لا يعلم الراوي أن الموضع الملاقي للبول هل ينجس ما يلاقيه أم لا يسئل الامام عليه السلام فهذه الرواية كالرواية السابقة تدل علي عدم تنجيس المتنجس حتي في الواسطة الاولي فلاحظ.

و حيث لا يحتمل الفرق من هذه الجهة بين العرق و الماء تكون هذه الرواية معارضة لما دل من النصوص علي أن الجامد المتنجس بعين البول ينجس ملاقيه من الماء.

و منها: ما رواه سماعه قال: قلت لأبي الحسن موسي عليه السلام: اني أبول

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 308

______________________________

ثم أتمسح بالاحجار فيجي ء مني البلل ما يفسد سراويلي قال: ليس به بأس «1».

بتقريب: أن المستفاد من الرواية أن البلل الخارج بعد البول الملاقي للموضع الملاقي مع البول لا ينجس و

لا بأس به و هذه الرواية لا اعتبار بها سندا فان الهيثم و الحكم لم يوثقا فلا وجه للبحث عن مدلولها.

و لا يخفي أن سيدنا الاستاد رد الرواية بضعف السند بهذين المذكورين و الحال أنهما واقعان في بعض أسناد كامل الزيارة لاحظ الباب 128 الحديث 2 و الباب 70 الحديث: 3 و الحال أن سيدنا الاستاد يري وقوع الراوي في سند كامل الزيارات نحو توثيق و يرتب الاثر عليه الا أن يقال: بأنه ناظر إلي وجه آخر و اللّه العالم.

و منها: ما رواه العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عمن مسح ذكره بيده ثم عرقت يده فأصابه ثوبه يغسل ثوبه؟ قال: لا «2».

بتقريب: أن المستفاد من الرواية أن الموضع الملاقي مع البول لا ينجس و هذا هو المطلوب.

و أفاد سيدنا الاستاد في مقام الاشكال علي الاستدلال بأنه لم يفرض في سؤال الراوي تنجس اليد بالبول.

و بعبارة اخري: لم يفرض في الرواية مسح المخرج باليد و عليه يمكن أن يكون الوجه في السؤال احتمال أن مسح الذكر في حد نفسه يوجب تنجس اليد في قبال العامة القائلين بأن مسح الذكر يوجب الحدث.

و ان أبيت عن ذلك و قلت: انه يظهر من الرواية تنجس اليد بالبول فانها لا

______________________________

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 4

(2) الوسائل الباب 6 من أبواب النجاسات الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 309

______________________________

تكون الرواية دليلا علي المدعي لاحتمال أن الوجه في عدم البأس عدم العلم بمحل النجاسة و مع الشك يكون من صغريات الملاقي لبعض أطراف الشبهة المحصورة و حكمها الطهارة كما حقق في محله كما أنه يحتمل أنه يشك في ملاقاة الثوب لمحل اصابة البول

و مع الشك يكون مقتضي استصحاب طهارة الملاقي بقائه علي الطهارة.

و يرد عليه: أن الظاهر من الرواية بحسب الفهم العرفي أن السؤال عن تنجس الثوب بملاقاة اليد القذرة باعتبار مسح الذكر بها.

و ان شئت قلت: الظاهر من الحديث بالفهم العرفي اتحاد الصدر و الذيل في أن الممسوح من الذكر المخرج منه اي المراد بالممسوح في الصدر و الذيل مخرج البول فعليه تكون الرواية تامة الدلالة علي المدعي و العرف ببابك.

و لا يعارضها صدر الرواية قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر و قد عرق ذكره و فخذه قال: يغسل ذكره و فخذه «1».

فان المستفاد من الصدر أن العرق الخارج من الذكر خلط مع البول و العرق الملاقي للبول ينجس ما يلاقيه بلا اشكال و الدليل علي المدعي أن الواو في قوله:

«و قد عرق ذكره» حالية و ليست للعطف فالمراد أن خروج العرق في حال وجود البول علي رأس الذكر فالعرق الخارج ينجس بملاقاة البول و ينجس المحل الذي يلاقيه.

______________________________

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 310

______________________________

و أما الذيل فقد دل علي عدم تنجس الثوب الملاقي مع اليد الملاقية مع البول فهذه الرواية أيضا من ادلة عدم تنجيس الجامد المتنجس بعين النجاسة.

و أفاد سيدنا الاستاد أنه يحتمل أن يكون سؤال الراوي ناظرا إلي أن مس الذكر هل يوجب تنجس اليد الملاقية معه أم لا.

و هذا الاحتمال خلاف الظاهر لان الظاهر من الرواية بحسب الفهم العرفي أن الراوي فرض نجاسة اليد و انما يسأل عن الثوب بعد ملاقاته لليد المتنجسة بالبول فدلالة الرواية علي المدعي تامة.

و ان أبيت عن حمل

الصدر علي المعني المتقدم ذكره و قلت: بأنه لا يتعارف أن يعرق الذكر فالمراد بيان حكم الملاقي للموضع بعد ازالة العين فلا مجال للاستدلال بها للإجمال.

لكن الانصاف أن هذا الايراد في غير محله اذ الراوي فرض أن الذكر قد عرق و من الظاهر أنه لا فرق بين المخرج و غيره و اما كونه فردا نادرا فلا يحمل عليه السؤال- كما في عبارة سيدنا الاستاد- علي ما في التقرير- فغريب اذ المفروض أن الفرض المذكور وقع في كلام السائل و لا يبعد أن يسأل السائل عن حكم فرد نادر و اللّه العالم.

و منها: ما رواه حفص الاعور «1» بتقريب: ان الدن متنجس بالخمر و لكن لا ينجس الخل المجعول فيه فالرواية دالة علي أن الجامد المتنجس بعين النجاسة لا ينجس ما يلاقيه.

______________________________

(1) لاحظ ص: 287

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 311

______________________________

و هذه الرواية ضعيفة سندا بالاعور حيث انه لم يوثق فلا تصل النوبة إلي تقريب دلالتها علي المدعي فلاحظ.

و منها: ما رواه حفص الاعور أيضا قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: اني آخذ الركوة فيقال: انه اذا جعل فيها الخمر و غسلت ثم جعل فيها البختج كان أطيب له فنأخذ الركوة فنجعل فيها الخمر فنخضخضه ثم نصبه فنجعل فيها البختج قال: لا بأس به «1».

بتقريب: أن المستفاد من الرواية أن الركوة الملاقية للخمر لا تنجس البختج فالمتنجس لا ينجس و هذا هو المطلوب.

و فيه: أن الرواية ساقطة عن الاعتبار سندا بالرفع و بالاعور فلا تصل النوبة الي تقريب دلالتها علي المدعي.

و منها: ما رواه علي بن مهزيار قال: كتب اليه سليمان بن رشيد يخبره أنه بال في ظلمة الليل و أنه أصاب كفه برد نقطة من

البول لم يشك أنه أصابه و لم يره و أنه مسحه بخرقة ثم نسي أن يغسله و تمسح بدهن فمسح به كفيه و وجهه و رأسه ثم توضأ وضوء الصلاة فصلي فاجابه بجواب قرأته بخطه: أما ما توهمت مما أصاب يدك فليس بشي ء الا ما تحقق فان حققت ذلك كنت حقيقا أن تعيد الصلاة اللواتي كنت صليتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها و ما فات وقتها فلا اعادة عليك لها من قبل أن الرجل اذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة الا ما كان في وقت و اذا كان جنبا أو صلي علي غير وضوء فعليه اعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته

______________________________

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 3.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 312

______________________________

لان الثوب خلاف الجسد فاعمل علي ذلك ان شاء اللّه «1».

و هذه الرواية تارة يبحث فيها من ناحية السند و اخري من ناحية الدلالة أما الناحية الاولي فقد استشكل سيدنا الاستاد في صحة سند الرواية من أنها مضمرة و المضمر سليمان بن رشيد و لا دليل علي أن الرجل لا يضمر عن غير المعصوم يبقي أن علي بن مهزيار اطمأن بأن الاضمار عن المعصوم أو ظن به بطريق معتبر عنده و لا أثر لاطمينان احد او ظنه بالنسبة إلي غيره «2».

و هذا الاشكال غير وارد فان ابن مهزيار يشهد بأنه عليه السلام أجابه بخطه و أنه قرأه و الشهادة تحمل علي الحسن فالانصاف أن سند الرواية تام غير قابل للنقاش.

و أما الناحية الثانية فيمكن تقريب الاستدلال بالرواية علي المدعي بأن الامام عليه السلام أفاد كبري كلية قد فصلت بين الحدث و الخبث بأن نسيان الاول يوجب الاعادة و

القضاء و أما نسيان الثاني فلا يوجب الا الاعادة و طبق هذه الكبري علي مورد السؤال و هذا التطبيق لا يتم الا مع صحة الوضوء و صحة الوضوء لا تتم الا علي القول بعدم تنجيس المتنجس.

ان قلت: المفروض نجاسة اليد بالبول فعلي كل تقدير يكون الوضوء باطلا لنجاسة العضو.

قلت: لا دليل علي اشتراط طهارة العضو و انما اللازم طهارة الماء الذي

______________________________

(1) الوسائل الباب 42 من أبواب النجاسات الحديث: 1

(2) التنقيح ج 2 ص: 248

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 313

______________________________

يتوضأ به.

ان قلت: ان كان الامر كذلك فما وجه تخصيصه عليه السلام بطلان الصلاة بالصلاة التي صلاها مع ذلك الوضوء؟ فمن هذا التقييد يفهم أن المتنجس منجس فالماء تنجس بالاصابة اليد القذرة فالرواية علي خلاف المطلوب.

قلت: لو كان عليه السلام ناظرا إلي تنجيس المتنجس لم يكن وجه للتفصيل فانه عليه تسري النجاسة إلي جميع الاعضاء و إلي ثيابه و إلي بقية ما يباشره فنفس التفصيل دليل علي عدم كونه منجسا و يمكن أن يكون وجه التفصيل لزوم غسل ما أصابه البول مرتين و هما تحصلان بالوضوء الاول و الثاني فانه تتحقق الغسلة بالاول و الثانية بالثاني، فالوجه في التفريق أن محل اصابة البول يطهر بالوضوء الثاني لتحقق الغسل الثاني به فلا تجب الاعادة الا ما صلي مع الوضوء الاول اذ المفروض أنها وقعت مع اليد القذرة المنسية و أما بقية الصلوات فلا.

فالنتيجة: أن هذه الرواية تدل علي عدم تنجس الماء بالجامد الملاقي مع عين النجاسة و بعبارة اخري: المستفاد منها أن الواسطة الاولي لا ينجس ملاقيها علي الاطلاق فلاحظ.

فهذه الرواية من أحسن ادلة عدم تنجيس المتنجس اذ المستفاد منها كما قلنا ان الجامد المتنجس بعين النجاسة لا

ينجس ما يلاقيه حتي الماء فلاحظ.

و منها: ما رواه علي بن جعفر عن اخيه قال: سألته عن الكنيف يصب فيه الماء فينضح علي الثياب ما حاله؟ قال: اذا كان جافا فلا بأس «1».

______________________________

(1) الوسائل الباب 60 من أبواب النجاسات الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 314

______________________________

بتقريب: أن الكنيف متنجس بالبول و مع ذلك أجاب عليه السلام بأنه اذا كان جافا فلا بأس بما لاقاه من الماء.

و فيه أن السند مخدوش بعبد اللّه بن الحسن فلا تصل النوبة إلي ملاحظة الدلالة.

و منها: ما رواه الفضيل قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الجنب يغتسل فينضح من الارض في الاناء فقال: لا بأس هذا مما قال اللّه تعالي: «مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» «1».

بتقريب: أن الماء الملاقي للأرض النجسة لا ينجس و هذا هو المدعي.

و أورد علي الاستدلال بالرواية سيدنا الاستاد بأنه لم تفرض في الرواية نجاسة الارض فلا يتم المدعي.

و يرد عليه: أنه لو لا ذلك لم يكن وجه لاستناده عليه السلام إلي رفع الحرج فيعلم أن المقتضي للنهي عنه و الامر بالاجتناب موجود لكن بلحاظ رفع الحرج لم لم يأمر الشارع بالاجتناب فيمكن الاستدلال بالرواية لكن عمدة الاشكال من ناحية السند فان فضيل الراوي لهذه الرواية لم تثبت وثاقته عندنا فلا تصل النوبة إلي البحث في دلالتها.

و منها: ما رواه الفضيل بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل الجنب يغتسل فينتضح من الماء في الاناء فقال: لا بأس: «مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الماء المضاف الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 315

______________________________

و تقريب الاستدلال بالرواية علي المدعي

التقريب المتقدم و يمكن أن يرد عليه ما أورده سيدنا الاستاد بأنه لم تفرض في الرواية نجاسة بدن الجنب فيمكن أن يكون الوجه في السؤال احتمال أن بدن الجنب نجس فينجس الماء بملاقاة بدنه أو لاحتمال الملاقاة مع المني فلا تدل الرواية علي المدعي.

و فيه: أن الظاهر من كلامه تمامية المقتضي غاية الامر لأجل لزوم الحرج لم يأمر الشارع بالاجتناب و لكن الانصاف أن الجزم بدلالة الرواية علي المدعي مشكل.

و منها: ما رواه شهاب بن عبد ربه عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال في الجنب يغتسل فيقطر الماء عن جسده في الاناء فينتضح الماء من الارض فيصير في الاناء: أنه لا بأس بهذا كله «1».

بتقريب: أن الظاهر من السؤال فرض نجاسة الارض و لذا يسأل الامام عن الماء الملاقي لتلك القطعة منها فقوله عليه السلام في مقام الجواب: «لا بأس» يدل علي أن القطرة الملاقية مع الاناء لا ينجسه و لكن لا ينافي كون الملاقي نجسا فلا تغفل.

و منها: ما رواه محمد بن ميسر قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل الجنب ينتهي إلي الماء القليل في الطريق و يريد أن يغتسل منه و ليس معه اناء يغرف به و يداه قذرتان قال: يضع يده ثم (و خ ل) يتوضأ ثم يغتسل هذا مما قال

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 316

______________________________

اللّه عز و جل: «مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» «1».

بتقريب: أنه فرض أن الماء قليل و أيضا فرض أن اليدين قذرتان و مع ذلك أمر عليه السلام بوضع اليدين في الماء فيستفاد من كلامه عليه السلام أن الماء لا ينجس بملاقاة اليد القذرة.

ان قلت: فرض قلة

الماء لا سيما في الطريق لا يلازم كونه أقل من الكر فلا يرتبط بالمقام.

قلت: قد استشهد عليه السلام بقوله تعالي: «مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» و لو لا اقتضاء تنجس الماء باليد لم يكن وجه لهذا الاستشهاد إلي غيرها من النصوص فلاحظ.

فنقول: ان المستفاد من حديث علي بن مهزيار «2» كما تقدم أن الجامد المتنجس بعين النجاسة لا ينجس ما يلاقيه كما أن المستفاد من جملة من الروايات انفعال الماء بملاقاة الجامد المتنجس بعين النجاسة لاحظ حديث سماعة «3» فلا بد من ترجيح أحد الطرفين بالمرجح و حيث انه يظهر من كلماتهم أن العامة قائلون بتنجيس المتنجس يكون الترجيح بمخالفتهم مع ما يدل علي العدم كما أن الاحدثية تقتضي ترجيح دليل عدم التنجيس.

هذا بالنسبة إلي الجامد و أما المائع فالماء المطلق اذا تنجس بعين النجاسة

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب الماء المطلق الحديث: 5

(2) لاحظ ص: 311

(3) لاحظ ص: 290

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 317

[مسألة 384: تثبت النجاسة بالعلم و بشهادة العدلين]

(مسألة 384): تثبت النجاسة بالعلم (1) و بشهادة العدلين (2).

______________________________

ينجس كل شي ء أصابه و الدليل عليه ما رواه عمار «1» كما أن مقتضي خبر آخر لعمار «2» أن الماء المطلق القذر ينجس ما يلاقيه مطلقا و بما ذكرنا ظهر أن الحق في المقام التفصيل بما ذكرنا لا بما ذكره الماتن.

(1) فان حجية العلم ذاتية عقلية.

(2) ما قيل أو يمكن أن يقال في تقريب اعتبار قول العدلين وجوه:

الوجه الاول: الاجماع.

و فيه ما فيه و ملخص الكلام فيه أنه علي تقدير تحصيله محتمل المدرك فلا يترتب عليه اثر.

الوجه الثاني: الاولوية القطعية المستفادة من حجية قولهما في موارد الخصومات.

و فيه: أنه لا اولوية اذ يمكن أن يكون وجه الاعتبار قطع مادة

الخصومات و بعبارة اخري: من الممكن أن حفظ النظام الاجتماعي يقتضي اعتباره و لذا نري أنه ربما يحكم الحاكم علي مقتضي يمين أحد طرفي النزاع و الحال أنه لا أثر لليمين في بقية الموارد فلا وجه للقياس علي موارد الخصومات و المرافعات.

الوجه الثالث: ما رواه مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

سمعته يقول: كل شي ء هو لك حلال حتي تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك و ذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة و المملوك عندك لعله حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا أو امرأة تحتك و هي اختك أو رضيعتك و الاشياء

______________________________

(1) لاحظ ص: 154.

(2) لاحظ ص: 292

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 318

______________________________

كلها علي هذا حتي يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة «1».

بتقريب: أن المستفاد من الرواية أن الاشياء بنحو العموم يثبت بالبنية و شهادة العدلين بينة من البينات. و فيه أن الرواية ضعيفة سندا بمسعدة و لا أثر لها.

الوجه الرابع: ما رواه عبد اللّه بن سليمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الجبن قال: كل شي ء لك حلال حتي يجيئك شاهدان يشهدان أن فيه ميتة «2».

و هذه الرواية ضعيفة سندا مضافا إلي القصور في دلالتها.

الوجه الخامس: أنه قد ورد في النص أنه صلي اللّه عليه و آله قال: انما اقضي بينكم بالبينات و الايمان «3».

فمن هذه الرواية يعلم أنه صلي اللّه عليه و آله كان يحكم بالبينة و من ناحية اخري ان البينة عبارة عما يتبين به الشي ء قال في المنجد: «البينة مؤنث البين الدليل، الحجة» و حيث نعلم بأنه صلي اللّه عليه و آله كان يقضي بشهادة عدلين نفهم

أن شهادة عدلين بينة شرعية.

الوجه السادس: أنه لو أغمض عما تقدم فلا اشكال في حجية قول عدلين اذ لو ادعي أحد انها من واضحات الفقه و من مرتكزات المتشرعة لم يكن مجازفا في قوله فلاحظ.

و ربما يقال: بكفاية مطلق الظن في اثبات النجاسة و لا يتوقف اثباتها علي

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 4

(2) الوسائل الباب 61 من أبواب الأطعمة المباحة الحديث: 2

(3) الوسائل الباب 2 من أبواب كيفية الحكم والد عاوي الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 319

______________________________

العلم و علي امارة معتبرة و استدل علي المدعي بامور:

الاول: أن الامور الشرعية تبتني علي الظن. و فيه: أنه ان كان المراد بهذا الابتناء عدم اعتبار خصوص العلم فهو صحيح لكن هذا ليس مقتضيا لاعتبار مطلق الظن بل لا بد في صورة عدم العلم من تحصيل امارة معتبرة و الا فمجرد الظن لا يغني من الحق شيئا و ان كان المراد به اعتبار مطلق الظن فليس ما افيد تماما اذ لا دليل علي اعتبار مطلق الظن نعم في بعض الموارد قد استفيد من الدليل كفاية الظن كالظن بالقبلة في بعض الموارد و الظن بالركعات في باب الصلاة و أمثالها و اذا تمت مقدمات الانسداد أمكن الالتزام باعتبار الظن المطلق المتعلق بالاحكام علي التفصيل المذكور في محله.

الثاني: أن ترجيح المرجوح قبيح فلا يمكن تقديم الجانب غير المظنون علي ما ظن به.

و يرد عليه: أنه لا قبح مع قيام الدليل علي الاعتبار.

الثالث: بعض النصوص لاحظ ما رواه علي بن جعفر «1» فان المستفاد منه عدم جواز ترتيب آثار الطهارة علي الثوب المأخوذ من النصراني و ليس هذا الامن جهة أن المأخوذ من الكافر مظنة النجاسة

فنهي.

و يرد عليه أولا: أنه يمكن أن لا يحصل الظن و مع ذلك قد حكم بلزوم الاجتناب و ثانيا أنه معارض بغيره لاحظ ما رواه معاوية بن عمار «2» فان المرجح بعد

______________________________

(1) لاحظ ص: 257.

(2) لاحظ ص: 258

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 320

و بأخبار ذي اليد (1).

______________________________

التعارض و التساقط قاعدة الطهارة.

و في مقابل هذا القول قول بتوقف اثبات النجاسة علي العلم الوجداني و استدل علي المدعي بوجهين:

احدهما أن الطهارة معلومة فكيف يمكن رفع اليد عن المعلوم بالظن.

و فيه: أن الطهارة المعلومة مقتضي قاعدة الطهارة أو استصحابها فتكون طهارة ظاهرية و دليل الامارة حاكم علي دليل الاصل فلا يبقي مجال لجريان الاصل مع وجود الامارة كما حقق في محله.

ثانيهما: أنه قد استفيد من بعض النصوص أن الاشياء محكومة بالطهارة إلي زمان حصول العلم بالنجاسة لاحظ ما رواه عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: كل شي ء نظيف حتي تعلم أنه قذر فاذا علمت فقد قذر و ما لم تعلم فليس عليك «1».

فلا مجال لرفع اليد عن النجاسة بمجرد قيام امارة علي خلافها.

و فيه أنه قد ثبت في الاصول قيام الامارات مقام القطع الطريقي و من الظاهر أن قوله عليه السلام «حتي تعلم» علم طريقي فكل طريق معتبر يقوم مقامه.

(1) قال في الحدائق: «ظاهر الاصحاب الاتفاق علي قبول قول المالك في طهارة ثوبه و انائه و نحوهما و نجاستها» «2».

و ما يمكن أن يستدل به علي المدعي امور: الاول: السيرة بدعوي أنها

______________________________

(1) الوسائل الباب 37 من أبواب النجاسات الحديث: 4

(2) الحدائق ج 5 ص: 252

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 321

______________________________

جارية علي معرفة حال الاشياء من اخبار المتولي عليها لأنه أعرف من غيره بحال ما

في يده و هذه السيرة ممضاة عند الشرع.

الثاني: النصوص الدالة علي جواز بيع الدهن المتنجس بشرط اعلام المشتري بالنجاسة ليستصبح به لاحظ ما رواه أبو بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفارة تقع في السمن أو في الزيت فتموت فيه فقال: ان كان جامدا فتطرحها و ما حولها و يؤكل ما بقي و ان كان ذائبا فاسرج به و أعلمهم اذا بعته «1».

و ما رواه معاوية بن وهب و غيره عن أبي عبد اللّه عليه السلام في جرذ مات في زيت ما تقول في بيع ذلك؟ فقال: بعه و بينه لمن اشتراه ليستصبح به «2».

و ما رواه اسماعيل بن عبد الخالق «3» بتقريب: أن وجوب الاخبار يلازم وجوب القبول و اعتبار قول المخبر و الا يكون الاخبار لغوا.

و فيه: أن الوارد في الخبر الاول عنوان الاعلام و الوارد في الخبر الثاني عنوان التبيين و كذلك الوارد في الخبر الثالث و ليس مجرد الاخبار كي يتم هذا البيان.

و بعبارة اخري تارة يخبر المكلف بامر و يكون اخباره حجة و اخري يعلم الغير بامر و هذا قد ورد في الخبر و من الظاهر أن العلم بعد حصوله حجة بأي سبب كان.

الثالث: ما رواه عبد اللّه بن بكير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 3

(2) نفس المصدر الحديث: 4.

(3) نفس المصدر الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 322

______________________________

أعار رجلا ثوبا فصلي فيه و هو لا يصلي فيه قال: لا يعلمه قال: قلت: فان أعلمه؟

قال: يعيد «1».

بدعوي: أن المستفاد من الرواية أنه لو أعلمه بالنجاسة يجب عليه الاعادة و هذا يكشف عن اعتبار قول

المخبر.

و فيه: أنه لا يمكن الالتزام بمفاد الرواية لمخالفته مع ما تسالم عليه الاصحاب و دل عليه النص من عدم اعادة الصلاة مع الجهل بالنجاسة لاحظ ما رواه العيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل صلي في ثوب رجل أياما ثم ان صاحب الثوب أخبره أنه لا يصلي فيه قال: لا يعيد شيئا من صلاته «2».

مضافا إلي أن الاعلام غير الاخبار فان اعتبار العلم ذاتي.

الرابع: ما دل من النصوص علي طهارة ما يؤخذ من يد المسلم أو سوق المسلمين مثل ما رواه علي بن جعفر «3» و ما رواه الحلبي «4» و ما رواه احمد بن محمد بن أبي نصر «5» و غيرها من الروايات الواردة في الباب 50 من أبواب النجاسات من الوسائل.

و يرد عليه: أنه لا ربط بين المقامين فان المستفاد من هذه النصوص أن المأخوذ

______________________________

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب النجاسات الحديث: 3

(2) نفس المصدر الحديث: 4

(3) لاحظ ص: 257.

(4) لاحظ ص: 179.

(5) لاحظ ص: 179.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 323

بل باخبار مطلق الثقة أيضا علي الاظهر (1).

[مسألة 385: ما يؤخذ من أيدي الكافرين من الخبز و الزيت و العسل و نحوها من المائعات و الجامدات طاهر]

(مسألة 385): ما يؤخذ من أيدي الكافرين من الخبز و الزيت و العسل و نحوها من المائعات و الجامدات طاهر (2) الا أن يعلم

______________________________

من يد المسلم أو سوق المسلمين طاهر مع عدم العلم بالنجاسة و الكلام في المقام في اثبات النجاسة باخبار ذي اليد فاي ربط بين المقامين.

الخامس: النصوص الدالة علي جواز شرب البختج اذا أخبر ذو اليد بذهاب ثلثيه مع عدم الاتهام مثل ما رواه معاوية بن عمار «1» و غيره مما ورد في الباب 7 من الابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

و فيه: أن الحق عدم نجاسة البختج و

انما يحرم شربه قبل ذهاب الثلثين فلا ترتبط هذه النصوص بالمقام و حيث ان المستفاد من هذه النصوص التفصيل بين عدم اتهام المخبر و كونه متهما بقبول قوله في الاول دون الثاني فاللازم رفع اليد عن عموم حجية قول ذي اليد في هذا المورد و تخصيص عموم العام و تقييد المطلق ليس عزيزا فلاحظ.

(1) قد ذكرنا في بحث حجية الخبر الواحد أن خبر الثقة حجة في الاحكام و استدللنا عليها بالسيرة و الكلام في المقام هو الكلام فانه قد ثبت بالسيرة العقلائية الممضاة عند الشارع أن خبر الثقة حجة فيكون اخباره طريقا إلي احراز الموضوعات الخارجية الا ما فيما قام الدليل علي التقييد و عليه لا نعتبر التعدد في الشاهد و لا العدالة و لا الوثوق الفعلي بالمخبر به بل يكفي كون المخبر ثقة.

(2) لعدم المقتضي للنجاسة فان قاعدة الطهارة محكمة عند الشك في الطهارة و النجاسة.

______________________________

(1) لاحظ ص: 221

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 324

بمباشرتهم له بالرطوبة المسرية (1) و كذلك ثيابهم و أوانيهم (2) و الظن بالنجاسة لا عبرة به (3).

[الفصل الثالث: في احكام النجاسة]

اشارة

الفصل الثالث: في احكام النجاسة:

[مسائل]
[مسألة 386: يشترط في صحة الصلاة الواجبة و المندوبة]

(مسألة 386): يشترط في صحة الصلاة الواجبة و المندوبة و كذلك في أجزائها المنسية طهارة بدن المصلي و توابعه من شعره و ظفره و نحوهما و طهارة ثيابه من غير فرق بين الساتر و غيره و الطواف الواجب و المندوب كالصلاة في ذلك (4).

______________________________

(1) بناء علي كون الكافر نجسا و قد ناقشنا و قوينا عدم نجاستهم.

(2) لما ذكرناه آنفا.

(3) فان الظن لا يغني عن الحق شيئا و قد مر منا قريبا أن الظن بالنجاسة لا يترتب عليه أثر.

(4) في هذه المسألة فروع:

الفرع الاول: أنه يشترط في صحة الصلاة طهارة بدن المصلي و الظاهر أن هذا الحكم من الواضحات التي لا يعتريها الشك و يستفاد المدعي من جملة من النصوص:

منها: ما رواه الحسن بن زياد قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يبول فيصيب بعض جسده (فخذه) قدر نكتة من بوله فيصلي ثم يذكر بعد أنه لم يغسله قال: يغسله و يعيد صلاته «1».

______________________________

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب النجاسات الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 325

______________________________

و منها: ما رواه ابن مسكان قال: بعثت بمسألة إلي أبي عبد اللّه عليه السلام مع ابراهيم بن ميمون قلت: سله عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من بوله فيصلي و يذكر بعد ذلك أنه لم يغسلها قال: يغسلها و يعيد صلاته «1».

و منها: ما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه قال: سألته عن الدمل يسيل منه القيح كيف يصنع؟ قال: ان كان غليظا أو فيه خلط من دم فاغسله كل يوم مرتين غدوة و عشية و لا ينقض ذلك الوضوء و ان أصاب ثوبك قدر دينار من الدم فاغسله

و لا تصل فيه حتي تغسله «2».

و منها: ما رواه عمار الساباطي «3» و منها: ما رواه علي بن مهزيار «4» و منها: ما رواه عمار الساباطي «5».

الفرع الثاني: لا فرق في هذا الحكم بين البدن و توابعه من الظفر و الشعر بلا خلاف ظاهر و الظاهر أن العرف يفهم من اشتراط طهارة البدن في الصلاة اشتراطها أيضا في المذكورات.

و قال في المستمسك في هذا المقام: «و يستفاد مما دل علي مانعية نجاسة الثوب- لو فرض قصور ادلة مانعية نجاسة البدن عن افادته» «6».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 3

(2) الوسائل الباب 20 من أبواب النجاسات الحديث: 8.

(3) لاحظ ص: 292

(4) لاحظ ص: 311

(5) الوسائل الباب 29 من أبواب النجاسات الحديث: 4.

(6) مستمسك العروة ج 1 ص: 488

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 326

______________________________

و لم يظهر لي وجه وجيه لهذا المدعي و كيف كان لا مجال للإشكال في اصل الحكم.

الفرع الثالث: أنه يشترط الطهارة في لباس المصلي قال في الحدائق:

«اتفق الاصحاب عدا ابن الجنيد علي أنه تجب ازالة النجاسات عن الثوب و البدن للصلاة و الطوافين الواجبين» «1».

و تدل علي المدعي نصوص كثيرة واردة في الابواب المختلفة منها ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: قال: إن أصاب الثوب شي ء من بول السنور فلا تصح الصلاة فيه حتي يغسله «2».

و منها: ما رواه ميسر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام آمر الجارية فتغتسل ثوبي من المني فلا تبالغ في غسله فاصلي فيه فاذا هو يابس قال: أعد صلاتك أما أنك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شي ء «3».

و منها: ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل

أصاب ثوبه جنابة أو دم قال: ان كان قد علم أنه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلي ثم صلي فيه و لم يغسله فعليه أن يعيد ما صلي و ان كان لم يعلم به فليس عليه اعادة و ان كان يري أنه أصابه شي ء فنظر فلم ير شيئا أجزأه أن ينضحه بالماء «4».

الفرع الرابع: أنه لا فرق في اللباس بين كونه ساترا و عدم كونه كذلك ادعي عليه الاجماع و يقتضيه اطلاق النصوص المانعة و يؤيد المدعي اطلاق الفتاوي.

______________________________

(1) الحدائق ج 5 ص: 290

(2) الوسائل الباب 8 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

(3) الوسائل الباب 18 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

(4) الوسائل الباب 40 من أبواب النجاسات الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 327

[مسألة 387: الغطاء الذي يتغطي به المصلي ايماء إن كان ملتفا به المصلي بحيث يصدق أنه صلي فيه وجب أن يكون طاهرا]

(مسألة 387): الغطاء الذي يتغطي به المصلي إيماء ان كان ملتفا به المصلي بحيث يصدق أنه صلي فيه وجب أن يكون طاهرا و الا فلا (1).

______________________________

الفرع الخامس: أنه تلتحق بالصلاة في هذا الحكم أجزائها المنسية ادعي عليه الاجماع و الحق أن الامر كذلك فان الصلاة عبارة عن عدة أجزاء و لا فرق بين القضاء و الاداء الا مجرد اختلاف الزمان.

و ان شئت قلت: استفيد من الدليل اشتراط السجدة مثلا بهذا الشرط فلا بد من رعايتها فيها فان السجدة المنسية المأتي بها بعد الصلاة هي السجدة و انما تغير مكانها فلا بد من رعاية الشروط فيها فلاحظ.

الفرع السادس: أنه لا فرق في هذا الاشتراط بين الصلاة الفريضة و النافلة فان الاطلاق يقتضي عدم الفرق.

و بعبارة اخري استفيد من الادلة أنه يشترط الطهارة في الصلاة و مقتضي الاطلاق رعاية هذا الشرط في مطلق الصلاة بلا فرق بين الفريضة و النافلة.

الفرع السابع: أن

الطواف من هذه الجهة كالصلاة فيعتبر فيه أن يكون بدن الطائف و لباسه طاهرا و قد تعرضنا لهذه الجهة في الجزء الثاني من كتاب مصباح الناسك ص 27 و ذكرنا هناك أنه لا دليل علي المدعي نعم يدل بعض النصوص علي المطلوب و لكن لضعف السند لا يعتد به لاحظ ما ذكرنا هناك.

(1) و الوجه فيما أفاده أن المستفاد من النصوص أنه يشترط في لباس المصلي أن يكون طاهرا فان صدق عنوان اللباس تجب رعاية الطهارة فيه و الا فلا.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 328

[مسألة 388: يشترط في صحة الصلاة طهارة محل السجود]

(مسألة 388): يشترط في صحة الصلاة طهارة محل السجود و هو ما يحصل به مسمي وضع الجبهة (1).

______________________________

(1) المستفاد من كلمات القوم أن الاقوال في المقام ثلاثة:

القول الاول: ما ذهب اليه المشهور من اشتراط الطهارة في خصوص مسجد الجبهة.

القول الثاني: ما ذهب اليه الحلبي علي ما نسب اليه و هو اشتراط المواضع السبعة بالطهارة.

القول الثالث: ما نسب إلي السيد المرتضي قدس سره من اشتراط الطهارة في مطلق مكان المصلي فيقع الكلام في كل من الاقوال.

أما ما ذهب اليه المشهور فما يمكن أن يستدل به عليه عدة نصوص: منها ما رواه الحسن بن محبوب قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الجص يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتي ثم يجصص به المسجد أ يسجد عليه؟ فكتب إلي بخطه:

ان الماء و النار قد طهراه «1».

بتقريب: أن المستفاد من الرواية أن عدم جواز السجود علي النجس كان مغروسا في ذهن السائل فيسأل عن طهارة الجص في هذا الحال و جوابه عليه السلام بأن الماء و النار قد طهراه تقرير لما في ذهنه من عدم جواز السجود فيما اذا كان محل السجدة نجسا لكن

حيث ان الماء و النار قد طهراه فيجوز فيثبت المدعي.

و يمكن بيان الاستدلال بتقريب آخر و هو أن السائل يسأل ابتداء عن

______________________________

(1) الوسائل الباب 81 من أبواب النجاسات

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 329

______________________________

جواز السجود علي الجص في هذا الحال و الامام عليه السلام يجيب بالجواز بعد العملية المذكورة فيدل جوابه علي عدم الجواز ان لم يكن المحل طاهرا فلا اشكال في دلالة الرواية علي المدعي.

لكن في المقام شبهة من ناحية اخري و هي أن الدلالة الالتزامية تابعة للدلالة المطابقية في الحجية و حيث انه لا يمكن الالتزام بمدلول الحديث مطابقة فلا أثر لدلالته الالتزامية.

و بعبارة واضحة: أن الجص المطبوخ لا يصدق عليه عنوان الارض فكيف يجوز السجود عليه.

و يجاب عن هذه الشبهة ان الطبخ لا يخرج الجص عن تحت عنوانه الاولي فيصدق عليه عنوان الارض بعد الطبخ أيضا كما يصدق عنوان اللحم عليه بعد طبخه مضافا إلي أنه يمكن الالتزام بالتوسعة بنفس الرواية.

لكن في المقام اشكال آخر في الدلالة المطابقية و هو أنه كيف يمكن الالتزام بتطهير الجص بالنحو المذكور فان غاية ما يمكن أن يقال- كما عن سيدنا الاستاد علي ما في التقرير «1» ان النار توجب استحالة العظام و العذرة إلي الرماد و الماء يطهر الجص بناء علي عدم اعتبار التعدد و عدم اعتبار ورود الماء علي المحل النجس و عدم نجاسة الغسالة المطهرة و كفاية انعدام الغسالة بمعني عدم اعتبار انفصالها عن المحل.

لكن يشكل بأن المعمول عن البنائين القاء الجص في الماء و حيث ان القائه

______________________________

(1) فقه الشيعة ج 4 ص: 20

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 330

______________________________

بحسب العادة بالتدريج فالماء يخرج عن الاطلاق في أثناء العملية لامتزاجه مع الجص فكيف يطهر الجص

و الحال أن المضاف لا يكون مطهرا.

مضافا إلي أنه يشترط في التطهير انفصال الغسالة عن المحل المغسول و الحال أن ليس كذلك في المقام و لا ينقض بتطهير الارض الرخوة اذ الماء هناك ينفصل عن سطح الارض و ينفذ فيها و بالنتيجة يحصل الشرط فلاحظ.

و منها: المرسل عن النبي صلي اللّه عليه و آله أنه قال: جنبوا مساجدكم النجاسة «1».

و حيث ان سند الحديث مخدوش بالارسال فلا تصل النوبة إلي تقريب دلالته.

و منها ما يدل علي عدم جواز الصلاة علي المحل النجس مثل ما رواه زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن البول يكون علي السطح أو في المكان الذي يصلي فيه فقال: اذا جففته الشمس فصل عليه فهو طاهر «2».

و ما رواه زرارة و حديد بن حكيم الازدي جميعا قالا: قلنا لأبي عبد اللّه عليه السلام السطح يصيبه البول أو يبال عليه يصلي في ذلك المكان؟ فقال: ان كان تصيبه الشمس و الريح و كان جافا فلا بأس به الا أن يكون يتخذ مبالا «3».

و ما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: سئل عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس و لكنه قد يبس

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب احكام المساجد الحديث: 2

(2) الوسائل الباب 29 من أبواب النجاسات الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 331

______________________________

الموضع القذر قال: لا يصلي عليه و أعلم موضعه حتي تغسله و عن الشمس هل تطهر الارض؟ قال: اذا كان الموضع قذرا من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس ثم يبس الموضع فالصلاة علي الموضع جائزة و ان أصابته الشمس و لم ييبس الموضع

القذر و كان رطبا فلا يجوز الصلاة حتي ييبس و ان كانت رجلك رطبة و جبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصل علي ذلك الموضع حتي ييبسن و ان كان غير الشمس أصابه حتي ييبسن فانه لا يجوز ذلك «1».

فان المستفاد من هذه النصوص عدم الجواز.

لكن يرد علي الاستدلال المذكور أولا: الاشكال في كون المسجد مما يصلي عليه فتأمل.

و ثانيا ان هذه النصوص معارضة بغيرها الدال علي الجواز لاحظ ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام في حديث قال: سألته عن البواري يصيبها البول هل تصلح الصلاة عليها اذا جفت من غير أن تغسل؟ قال: نعم لا باس «2».

و ما رواه أيضا أنه سأل أخاه موسي بن جعفر عليه السلام عن البيت و الدار لا تصيبهما الشمس و يصيبهما البول و يغتسل فيهما من الجناية أ يصلي فيهما اذا جفا؟

قال: نعم «3».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 4.

(2) نفس المصدر الحديث: 3

(3) الوسائل الباب 30 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 332

______________________________

و لاحظ ما رواه عمار الساباطي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن البارية يبل قصبها بماء قذر هل تجوز الصلاة عليها؟ فقال: اذا جفت فلا بأس بالصلاة عليها «1» فتحصل أن هذه النصوص لا تفي بالمقصود نعم يمكن الاستدلال علي المدعي بالتسالم و الارتكاز و السيرة و قد نقل دعوي الاجماع عليه عن ابن زهرة و الفاضلين و الشهيدين و المحقق الثاني و الأردبيلي و غيرهم.

و أما القول الثاني فيمكن أن يستدل عليه بما عن النبي صلي اللّه عليه و آله «2» بتقريب: أن الجمع المضاف يفيد العموم فلا بد

من رعاية هذا الشرط في جميع مساقط السجدة.

و يرد عليه اولا: أن السند ضعيف و غير قابل لان يستدل به و عمل المشهور علي تقدير كونه جابرا لا مصداق له في المقام لان المفروض- كما سبق- أنهم لم يلتزموا بهذا القول و ثانيا لا يبعد أن يكون المراد من المساجد المعابد كما ورد في الاخبار الواردة في الباب 27 من أبواب أحكام المساجد من الوسائل منها:

ما رواه عبد الحميد عن أبي ابراهيم عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: جنبوا مساجدكم صبيانكم و مجانينكم و شرائكم و بيعكم «3».

فالنتيجة أن هذا القول لا دليل عليه.

و أما القول الثالث فيمكن أن يستدل عليه بجملة من النصوص منها: ما رواه

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 5

(2) لاحظ ص: 330

(3) الوسائل الباب 27 من أبواب احكام المساجد الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 333

______________________________

عبد اللّه بن بكير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الشاذ كونه يصيبها الاحتلام أ يصلي عليها؟ فقال: لا «1».

و منها: ما رواه زرارة «2» و منها ما رواه زرارة و حديد بن حكيم «3» و منها ما رواه عمار «4».

فان المستفاد من هذه الروايات عدم جواز الصلاة في المكان النجس.

و في قبال هذه الطائفة طائفة اخري تدل علي الجواز منها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الشاذ كونه يكون عليها الجنابة أ يصلي عليها في المحمل؟ قال: لا بأس «5».

و منها: ما رواه محمد بن أبي عمير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: اصلي علي الشاذ كونة و قد أصابتها الجنابة؟ فقال: لا بأس «6».

و منها ما رواه علي بن جعفر «7» و ما

رواه أيضا «8» الي غيرها من الروايات الواردة في الباب 30 من أبواب النجاسات من الوسائل.

______________________________

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب النجاسات الحديث: 6

(2) لاحظ ص: 330

(3) لاحظ ص: 330

(4) لاحظ ص: 330.

(5) الوسائل الباب 30 من أبواب النجاسات الحديث: 3.

(6) نفس المصدر الحديث: 4

(7) لاحظ ص: 331

(8) لاحظ ص: 331

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 334

دون غيره من مواضع السجود و ان كان اعتبار الطهارة فيها أحوط استحبابا (1).

[مسألة 389: كل واحد من أطراف الشبهة المحصورة بحكم النجس]

(مسألة 389): كل واحد من أطراف الشبهة المحصورة بحكم النجس فلا يجوز لبسه في الصلاة و لا السجود عليه (2) بخلاف ما هو من أطراف الشبهة غير المحصورة (3).

______________________________

و لا اشكال في التعارض بين الطرفين فلا بد من العلاج و العامة علي ما يظهر من الشيخ قدس سره في الخلاف «1» مختلفون في المسألة و نقل عن الشافعي أنه قائل باشتراط الطهارة في جميع المصلي و عن أبي حنيفة أنه يشترط الطهارة في موضع القدمين و علي هذا لا يكون لأحد المتعارضين مرجح لا من الكتاب و لا من حيث المخالفة مع العامة فتصل النوبة إلي الترجيح بالاحدثية و الترجيح بها مع روايات الجواز فان فيها ما عن موسي بن جعفر عليه السلام.

أضف إلي ذلك كله أن الجواز أوضح من أن يخفي و لا مجال للإشكال و التأمل و اللّه العالم.

(1) خروجا عن شبهة الخلاف و لا اشكال في حسن الاحتياط بل يمكن أن يقال: بأن مقتضي الجمع بين أخبار البراءة و الاحتياط استحبابه فلاحظ.

(2) لتنجز العلم الإجمالي و سقوط الاصول الجارية في الاطراف بالمعارضة كما حقق في محله و لنا في هذا المقام تحقيق قد تعرضنا له في الجزء الاول من هذا الشرح ص 235

فلاحظه و تأمل فيه فانه دقيق و بالتأمل فيه حقيق.

(3) فان الاصل يجري في أطراف الشبهة غير المحصورة لعدم تعارض الاصول

______________________________

(1) الخلاف ج 1 ص 188 و 189

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 335

[مسألة 390: لا فرق في بطلان الصلاة لنجاسة البدن أو اللباس أو المسجد بين العالم بالحكم التكليفي أو الوضعي و الجاهل بهما عن تقصير]

(مسألة 390): لا فرق في بطلان الصلاة لنجاسة البدن أو اللباس أو المسجد بين العالم بالحكم التكليفي أو الوضعي و الجاهل بهما عن تقصير و كذلك فيما اذا كان المسجد نجسا في السجدتين معا حتي اذا كان الجهل عن قصور و أما في غير ذلك فالاظهر صحة الصلاة في موارد الجهل القصوري لاجتهاد أو تقليد (1).

______________________________

و ملخص الكلام أن عدم جريان الاصل للتعارض و عدم المرجح و حيث ان الاصل لا يجري في غير المحصورة بالنسبة إلي الخارج عن محل الابتلاء فلا مانع من جريانه فيما هو داخل في محل ابتلاء المكلف و تفصيل الكلام موكول إلي محله.

(1) اذ مقتضي اطلاق دليل المنع هو البطلان فلا بد في التقييد من مخصص و مقيد و الظاهر أنه لا دليل علي التخصيص الا حديث لا تعاد و هو ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا تعاد الصلاة الا من خمسة: الطهور و الوقت و القبلة و الركوع و السجود ثم قال عليه السلام: القراءة سنة و التشهد سنة و التكبير سنة و لا تنقض السنة الفريضة «1».

و الطهور الوارد في الحديث ان كان المراد به أعم من الحدثية و الخبثية فلا اشكال في البطلان.

اذ بناء عليه تكون الطهارة الخبثية داخلة في المستثني و حيث أن الطهور عبارة مما يتطهر به كالوقود و السحور و الفطور فلا يختص بخصوص الحدثية بل يعم الخبثية و عليه لا بد من وجود دليل علي التخصيص.

______________________________

(1)

الوسائل الباب 1 من أبواب افعال الصلاة الحديث: 14

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 336

______________________________

و في بعض المؤلفات: «لكن الظاهر أن المراد منه في الحديث خصوص الطهارة الحدثية لأنه لا شك في أن الحديث في مقام اهمية هذه الخمسة التي ثلاثة منها من الشرائط و اثنان منها من الاجزاء من بين سائر الشرائط و الاجزاء» الي أن يقول: «فمن باب مناسبة الحكم و الموضوع و اهمية الطهارة الحدثية في الصلاة يقطع الفقيه بأن المراد منها هي الطهارة الحدثية» الي آخر كلامه.

و يمكن أن يقال: انه يستفاد من ذيل حديث لا تعاد أن المقصود بالخمسة الاركان التي ذكرت في الكتاب العزيز حيث اشار إلي الركوع بقوله: «وَ ارْكَعُوا مَعَ الرّٰاكِعِينَ» «1» و إلي السجود بقوله: «وَ كُنْ مِنَ السّٰاجِدِينَ» «2» و إلي القبلة بقوله: «فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضٰاهٰا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ» «3» و إلي الوقت بقوله: «أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِليٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ» «4» و إلي الطهارة الحدثية: الغسل و الوضوء و التيمم بقوله: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَيْنِ وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضيٰ أَوْ عَليٰ سَفَرٍ أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «5».

فيفهم من ذيل الحديث أن ما سنه النبي صلي اللّه عليه و آله لا يبطل الفريضة

______________________________

(1) البقرة/ 43

(2) الحجر/ 98

(3) البقرة/ 144

(4) الاسراء/ 78

(5) المائدة/ 6

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 337

______________________________

و اما ما فرضه اللّه و ذكر في الكتاب اي الخمسة المذكورة فهو يوجب البطلان.

و خلاصة الكلام أنه يفهم من المذكورات

في الكتاب و ذيل الحديث أن الطهارة الخبثية ليست مرادة.

و يضاف إلي ذلك أن المشهور فهموا من الحديث خصوص الحدثية- علي ما في كلام سيدنا الاستاد حسب تقرير المقرر- اضف إلي ما ذكر ما يستفاد من النصوص الدالة علي صحة الصلاة في النجس في الشبهات الموضوعية لاحظ ما رواه زرارة قال: قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف إلي أن قال: قلت: فان لم اكن رأيت موضعه و علمت أنه أصابه فطلبته فلم أقدر عليه فلما أن صليت وجدته قال:

تغسله و تعيد الصلاة قلت: فان ظننت أنه قد أصابه و لم اتيقن ذلك فنظرت فلم أر فيه شيئا ثم صليت فرأيت فيه قال: تغسله و لا تعيد الصلاة قلت لم ذاك؟ قال: لأنك كنت علي يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا «1».

و ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ذكرا لمني فشدده فجعله أشد من البول ثم قال: ان رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك اعادة الصلاة و ان أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم رأيته بعد فلا اعادة عليك فكذلك البول «2».

و ما رواه ميمون الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: رجل أصابته

______________________________

(1) الوسائل الباب 41 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 338

______________________________

جنابة بالليل فاغتسل فلما أصبح نظر فاذا في ثوبه جنابة فقال: الحمد للّه الذي لم يدع شيئا الاوله حد ان كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا اعادة عليه و ان كان حين قام لم ينظر فعليه الاعادة «1».

بل يستفاد من بعض النصوص الجواز

حتي مع العلم في بعض الموارد لاحظ ما رواه محمد بن علي الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أجنب في ثوبه و ليس معه ثوب غيره (آخر) قال: يصلي فيه فاذا وجد الماء غسله «2».

و ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسي أن يغسله فيصلي ثم يذكر بعد ما صلي أ يعيد صلاته؟ قال: يغسله و لا يعيد صلاته الا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله و يعيد الصلاة «3».

و ما رواه ابو بصير «4» الي غيرها من الروايات الواردة في الباب 45 و 20 و 22 من أبواب النجاسات من الوسائل.

فلا يبعد أن يحصل من مجموع هذه المذكورات القطع أو الاطمينان بأن المراد من الطهور خصوص الحدثية.

و ربما يقال: بأن الخمسة لا تختص بذكرها في الكتاب الكريم بل قد ذكر جملة اخري مما يتعلق بالصلاة في القرآن العزيز منها التكبير فقد أشار اليه في كتابه

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 3:

(2) الوسائل الباب 45 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

(3) الوسائل الباب 20 من أبواب النجاسات الحديث: 1

(4) لاحظ ص: 195

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 339

______________________________

العزيز بقوله: «وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ» «1».

مضافا إلي أن الفقهاء و منهم الماتن يصرحون بان التكبيرة ركن تبطل الصلاة بنقصانها عمدا و سهوا.

و منها الصلاة علي النبي صلي اللّه عليه و آله و قد اشار في كتابه اليها بقوله:

«يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا «2».

و منها الذكر فقد أشار اليه في موارد عديدة منها قوله تعالي «وَ ذَكَرَ اللّٰهَ كَثِيراً» «3».

و اشار إلي الطهارة الخبثية بقوله في سورة

المدثر: وَ ثِيٰابَكَ فَطَهِّرْ» «4» و إلي القراءة بقوله: «وَ لٰا تَجْهَرْ بِصَلٰاتِكَ وَ لٰا تُخٰافِتْ بِهٰا» «5».

فالكلام في المقام مبني علي أن المراد من كلمة الطهور في الحديث الطهارة الحدثية فحديث لا تعاد بعقده السلبي يشمل الطهارة الخبثية فنقول: الصلاة في النجس تتصور بصور:

الصورة الاولي: أن يكون المصلي عالما بالحكم و الموضوع و مع ذلك صلي متعمدا في النجس و في هذه الصورة لا شك في بطلان الصلاة و تدل علي البطلان جملة من النصوص:

منها ما رواه عبد اللّه بن سنان «6» و منها: ما رواه عبد الرحمن بن أبي

______________________________

(1) المدثر/ 3

(2) الاحزاب/ 55

(3) الاحزاب/ 24

(4) المدثر/ 4

(5) الاسراء/ 109

(6) لاحظ ص: 326.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 340

______________________________

عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصلي و في ثوبه عذرة من انسان أو سنور أو كلب أ يعيد صلاته؟ قال: ان كان لم يعلم فلا يعيد «1».

و منها: ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان أصاب ثوب الرجل الدم فصلي فيه و هو لا يعلم فلا اعادة عليه و ان هو علم قبل أن يصلي فنسي و صلي فيه فعليه الاعادة «2».

و منها: ما رواه أبو بصير أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل صلي و في ثوبه بول أو جنابة فقال: علم به أو لم يعلم به فعليه اعادة الصلاة اذا علم «3».

الصورة الثانية: الجاهل بالحكم اعم من أن يكون جاهلا بالنجاسة او يكون جاهلا بالاشتراط و يكون جهله عن تقصير و يكون حين العمل متوجها إلي جهله و مترددا في صحة عمله فيمكن أن يقال: بأنه لا اشكال في البطلان

في هذه الصورة اذ مقتضي دليل الاشتراط هو الفساد فان المركب كما ينتفي بانتفاء احد اجزائه كذلك ينتفي بانتفاء احد شرائطه.

أضف إلي ذلك أن مقتضي القاعدة الاولية عدم الاكتفاء بحكم العقل اذ الاجزاء يحتاج إلي الدليل.

ان قلت: مقتضي قاعدة لا تعاد الصحة. قلت: علي فرض اختصاص الطهور

______________________________

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب النجاسات الحديث: 5.

(2) نفس المصدر الحديث: 7

(3) نفس المصدر الحديث: 9

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 341

______________________________

بالحدثية لا يمكن الاخذ باطلاقها اذ يلزم تخصيص الدليل بخصوص العالم و معناه تخصيص الدليل بالفرد النادر بل المعدوم اذ العالم بالبطلان كيف يمكنه الاتيان بالصلاة و الشروع فيها الاعلي نحو التشريع المحرم.

بل لا يبعد أن يقال: بأن دليل لا تعاد لا يشمل الجاهل المتردد حين العمل بتقريب: أن المتفاهم العرفي من الحديث بيان حكم الصلاة بعد الاتيان بها باعتقاد صحتها و عليه لا يشمل الدليل هذه الصورة بالاضافة إلي الاجماع القائم المدعي علي بطلانها في الصورة المفروضة.

و يضاف إلي ذلك كله أن صحة الصلاة في هذه الصورة تستلزم اختصاص الاشتراط بخصوص صورة العلم بالحكم و هو يستلزم الدور.

الصورة الثالثة: هي الصورة الثانية بعينها الا في كون المكلف لا يكون ملتفتا حين العمل و يكون غافلا و ادعي الاجماع في المقام مضافا إلي أن شمول الحديث للمفروض يستلزم تخصيص دليل المانعية بخصوص العالم و الجاهل الملتفت بالبطلان و هذا يوجب تخصيص دليل المانعية بالفرد النادر.

أصف إلي ذلك أن مقتضي حديث عبد اللّه بن سنان «1» هو البطلان و وجوب الاعادة.

و تقريب الاستدلال أن المستفاد من هذا الحديث وجوب الاعادة فعلي فرض شمول دليل القاعدة للصورة المفروضة بالاطلاق لا بد من تقييدها بحديث ابن سنان.

______________________________

(1) لاحظ ص 326

مباني منهاج

الصالحين، ج 3، ص: 342

______________________________

ان قلت: دليل القاعدة لا يشمل صورة العلم بالاشتراط و يختص بالجهل.

قلت: علي هذا حديث ابن سنان أيضا لا يشمل صورة العلم بالاشتراط.

و بعبارة اخري: لو قيل: ان الاعادة حكم من يصلي صلاته و يتصور صحتها و العالم بالاشتراط مع اعتقاده بالبطلان لا يتوجه اليه خطاب اعد بل المتوجه اليه وجوب الاستيناف.

قلنا: هذا التقريب بعينه يجري في حديث ابن سنان بلا فرق و لو تنزلنا عما تقدم نقول: لو التزمنا بالتعارض و التساقط تصل النوبة إلي الاخذ بدليل الاشتراط لاحظ ما رواه علي بن جعفر «1».

الصورة الرابعة: أن يكون جاهلا بالحكم بأن لا يعلم أن الشي ء الفلاني نجس او لا يعلم بالاشتراط و يكون جهله قصوريا كما لو ذهب رأيه اجتهادا إلي عدم نجاسة الشي ء الفلاني فالظاهر أنه لا مانع من الاخذ بدليل القاعدة فان الحديث المشار اليه يشمل الجاهل القاصر.

و قد اورد علي الاستدلال بالحديث علي الصحة في المقام بايرادات: منها:

أنه لا بد من رفع اليد عن اطلاق الحديث بما رواه ابن سنان «2» لان نسبة هذا الحديث إلي دليل القاعدة اما بالعموم و الخصوص و اما بالعموم من وجه فعلي الاول يقيد دليل القاعدة بحديث ابن سنان و النتيجة هو البطلان و أما علي الثاني فيقع التعارض في مادة الاجتماع و بعد التساقط تصل النوبة إلي ما يدل علي

______________________________

(1) لاحظ ص: 325.

(2) لاحظ ص: 326.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 343

______________________________

البطلان لاحظ ما رواه علي بن جعفر «1».

و أورد علي هذا الاستدلال سيدنا الاستاد بأن المستفاد من حديث ابن سنان هو الحكم الوضعي اي يستفاد منه مانعية نجاسة اللباس عن صحة الصلاة.

و بعبارة اخري: المستفاد من الحديث الارشاد إلي المانعية و

دليل القاعدة حاكم علي ادلة الاجزاء و الشرائط و الموانع فيخصص الجزئية و الشرطية و المانعية بصورة العمد و الجهل التقصيري فلو كان الجهل قصوريا لا تبطل الصلاة و لا تلاحظ النسبة بين دليل الحاكم و المحكوم «2».

و لا يبعد: أن ما أفاده تام و عليه لا مانع من شمول حديث لا تعاد للمورد و النتيجة صحة صلاة القاصر الجاهل بحكم لا تعاد فظهر أن هذا الايراد غير وارد.

و منها: أن الطهور الواقع في الحديث اعم من الطهارة الحدثية و باطلاقه يشمل الخبثية فالفاقد و لو قصورا داخل في الخمسة التي تعاد الصلاة منها.

و قد ظهر الجواب عن هذا الايراد مما ذكرناه آنفا و هو أن المستفاد من الحديث أن المراد من الطهور خصوص الطهارة الحدثية فهذا الايراد أيضا غير وارد.

و منها: ما عن الميرزا قدس سره و هو أن دليل لا تعاد يختص بالناسي و نحوه و هو المكلف الذي لا يمكن توجه التكليف الواقعي بالنسبة اليه لغفلته عن الواقع و عدم امكان انبعاثه عنه فانه يصح أن يقال له اعد فيصح أن يقال له أيضا لا تعد.

و بعبارة اخري لا تعاد يختص بمورد يصح جعل الاعاده فيه و هذا في مورد لا

______________________________

(1) لاحظ ص: 325.

(2) التنقيح ج 2 ص: 346

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 344

______________________________

يكون التكليف الواقعي متوجها إلي المكلف و أما في المورد القابل للتكليف الواقعي فهو متوجه اليه.

و ان شئت قلت: لا يجمع بين التكليف الواقعي و التكليف بالاعادة و الجاهل يمكن تكليفه بالواقع اذا الحكم الواقعي محفوظ مع الجهل غاية الامر في القصوري يكون المكلف معذورا فدليل لا تعاد لا يشمل الجاهل القاصر كما لا يشمل الجاهل المقصر.

و يرد عليه

أولا: أن الجاهل القاصر ربما لا يكون قابلا لتوجه التكليف الواقعي اليه كما لو كان غافلا عن الواقع و لا يخطر بذهنه احتمال فساد صلاته.

و ثانيا: أنه اذا لم يمكن الجمع بين الخطاب الواقعي و خطاب اعد فكيف حال من يتوجه بعد الفراغ من صلاته إلي فساد صلاته من ناحية الركوع مثلا فان الخطاب الاولي محفوظ مع توجه خطاب اعد اليه و السرّ فيه أن الخطاب الواقعي حكم تكليفي مولوي و خطاب اعد ارشاد إلي الفساد و عدم ترتب أثر علي ما أتي به.

و ثالثا: أن ما أفاده علي تقدير تماميته انما يتم فيما يمكن العمل بالتكليف الواقعي و اما فيما لا يمكن كما لو تجاوز عن محل التدارك كما لو ترك القراءة جهلا و دخل في الركوع فلا يمكن توجه التكليف الواقعي اليه لعدم امكانه الجبران فيجوز توجه التكليف بالاعادة فيشمله دليل لا تعاد.

و الحق في المقام أن يقال: لا فرق بين انواع الجاهل في هذه الجهة انما الكلام في امر آخر و هو أنه هل يمكن شمول دليل لا تعاد في الاثناء.

و الحق أنه لا يمكن اذ الاعادة عبارة عن الوجود الثاني للطبيعي بعد وجوده الاول فما دام لم يتحقق في ضمن فرده الاول لا يصدق عنوان الاعادة و يترتب عليه أنه لو التفت المكلف إلي نقصان صلاته أثناء الصلاة و لم يكن قابلا للتدارك كما

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 345

______________________________

لو ترك القراءة إلي أن دخل في الركوع لا يمكن الاخذ بدليل لا تعاد لاختصاص الدليل بمورد يصح صدق عنوان الاعادة.

و ان شئت قلت: ما دام المكلف لم يفرغ من الصلاة لا يصح في حقه عنوان الاعادة بل الصحيح في حقه عنوان الاستيناف.

و

يؤيد ما ذكرنا ما في كلام سيدنا الاستاد- علي حسب تقرير المقرر-:

«المتفاهم عرفا من الحديث هو بيان حكم تكرار الصلاة و اعادتها بعد الاتيان بها باعتقاد الصحة» «1» الي آخر كلامه.

فانه صرح بأن موضوع دليل لا تعاد لا يتحقق لا بعد الاتيان بالصلاة و الفراغ منها و هذا هو المدعي فلاحظ.

فتحصل أن الجاهل بالحكم بالجهل التقصيري تجب عليه الاعادة و لا يشمله دليل لا تعاد و أما الجاهل بالجهل القصوري فلا تجب عليه الاعادة لحديث لا تعاد.

بقي شي ء مما تعرض له الماتن في هذه المسألة و هو أنه لو سجد علي النجس جهلا بالحكم فان كان جهلا تقصيريا تجب الاعادة لعدم ما يقتضي الاجزاء و القاعدة الاولية تقتضي الاعادة.

و اما اذا كان جهلا قصوريا ففصل بين سجدة واحدة و بين سجدتين فحكم بالصحة في الاولي و حكم بالفساد في الثانية بتقريب: أن المستفاد من الادلة أن الاخلال بالسجدة الواحدة لا يفسد الصلاة فالسجود الركني سجدتان فالنتيجة التفصيل بين السجدة الواحدة و السجدتين.

______________________________

(1) فقه الشيعة ج 4 ص: 125

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 346

______________________________

و السيد اليزدي قدس سره في عروته قد أفتي بعدم وجوب الاعادة علي الاطلاق و الماتن لم يعلق علي كلام السيد و امضي ما أفتي به و لكن في المقام أفتي بالبطلان اذا كان السجود علي النجس في سجدتين من ركعة واحدة.

و يمكن أن يقال: بانه لو قلنا بأن الطهارة في المسجد ليست من واجبات السجود بل من واجبات الصلاة فمقتضي القاعدة شمول دليل لا تعاد و الحكم بالصحة لعدم اخلال بالنسبة إلي السجدة و ان قلنا بأنها من شرائط السجود فالاخلال بها اخلال بالسجدة فلا يمكن الالتزام بشمول حديث لا تعاد لعدم

شموله مورد الاخلال بالركن و المفروض أن السجدتين ركن.

و قد أفاد سيد المستمسك في هذا المقام في وجه عدم وجوب الاعادة «أنه لا اطلاق لدليل شرطية الطهارة في المسجد و المرجع في صورة الجهل اصالة البراءة» «1».

و يرد عليه اولا: أن الاحكام الواقعية مشتركة بين العالم و الجاهل و لذا يصح الاحتياط و الرجاء. و ثانيا: اشتراط تحقق الحكم الواقعي بالعلم يستلزم الدور.

و قد تصدي سيدنا الاستاد تقريب وجه الصحة و شمول دليل القاعدة بأن السجود لغة عبارة عن وضع الجبهة علي الارض و الامور الدخيلة في صحة السجدة ليست داخلة في مفهومها و الشارع الاقدس لم يتصرف في المفهوم.

و الحاصل: أن الحكم المستفاد من حديث لا تعاد ترتب علي السجود مطلقا فعلي هذا لو سجد المكلف سجدتين فاقدتين لبعض الشرائط لم يصح أن يقال انه ترك ركن الصلاة.

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقي ج 1 ص 554.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 347

______________________________

و أيد كلامه بأن الاصحاب متفقون علي بطلان الصلاة بزيادة سجدة عمدية و لو كانت فاقدة للشرائط المعتبرة كما لو سجد علي النجس أو ما لا يصح السجود عليه و هذه قرينة علي أن المراد منها في الاخبار معناه اللغوي «1».

و لنا أن نقول بأن حديث لا تعاد ناظر إلي الاخلال بما يكون مأمورا به شرعا و لذا لو فرضنا أن المصلي اتي بسجدة أو سجدتين لا بقصد الجزء لم يكن دليل لا تعاد متعرضا للبطلان بها اذ لا مقتضي للبطلان نعم يمكن أن نلتزم بالبطلان اذ استفيد من بعض النصوص عدم الجواز لاحظ ما رواه زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: لا تقرأ في المكتوبة بشي ء من العزائم فان السجود زيادة في المكتوبة «2».

فان

هذه الرواية تدل علي أن السجود زيادة في الصلاة و الرواية مخدوشة سندا بقاسم بن عروة و تفصيل الكلام من هذه الجهة موكول إلي محله.

و صفوة القول أن دليل القاعدة ناظر إلي المقرر الشرعي فلا يكون السجود بما هو موضوعا للحكم بل الموضوع المشار اليه في دليل القاعدة السجود المأمور به شرعا فلا بد من رعاية جميع الشرائط فيه.

و أما استشهاده علي مدعاه باتفاقهم علي بطلان الصلاة بزيادة سجدة عمدية و لو كانت فاقدة للشرط فلم افهم وجه الارتباط و لا أدري أن الاتفاق المذكور باي تقريب من التقاريب دال علي مدعاه فان الاتفاق المذكور ان كان ناظرا إلي صورة

______________________________

(1) فقه الشيعة ج 4 ص 234

(2) الوسائل الباب 40 من أبواب القراءة في الصلاة الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 348

[مسألة 391: لو كان جاهلا بالنجاسة و لم يعلم بها حتي فرغ من صلاته]

(مسألة 391): لو كان جاهلا بالنجاسة و لم يعلم بها حتي فرغ من صلاته فلا اعادة عليه في الوقت و لا القضاء في خارجه (1).

______________________________

قصد الجزئية فالبطلان مستند إلي الزيادة فان الصلاة تبطل بالزيادة كما تبطل بالنقيصة و ان كان متعلق الاتفاق صورة عدم قصد الجزئية فيمكن أن يكون ناظرا إلي النص الذي اشرنا اليه آنفا من أن السجود زيادة في المكتوبة و يوجب بطلانها و علي كلا التقديرين لا يرتبط بالمدعي في المقام.

فالحق أن يقال: ان طهارة المسجد ان كانت من الشرائط الصلاتية فلا يوجب الاخلال بها بطلان الصلاة و أما اذا كانت من شرائط السجود فالاخلال بها اخلال بالسجود و ليس قابلا للتصحيح فبالنتيجة الحق ما أفاده الماتن في المقام خلافا لما أفاده في هامش العروة تبعا للمتن هناك.

(1) قال في الحدائق: «و الاشهر الاظهر صحة صلاته و قال الشيخ في المبسوط

يعيد في الوقت لا في خارجه» الي أن قال: «و كيف كان فالظاهر هو القول الاول» «1» انتهي موضع الحاجة من كلامه.

و يدل علي عدم وجوب الاعادة علي الاطلاق حديث لا تعاد اذ قد مر أن المراد من الطهور هي الطهارة الحدثية فالاخلال بالطهارة الخبيثة يبقي تحت ذلك الدليل.

و تدل أيضا علي عدم وجوب الاعادة لا في الوقت و لا في خارجه عدة نصوص: منها: ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل صلي في ثوب فيه جنابة ركعتين ثم علم به قال: عليه أن يبتدي الصلاة قال: و سألته عن رجل يصلي و في ثوبه جنابة أو دم حتي فرغ من صلاته ثم علم قال: مضت صلاته و لا

______________________________

(1) الحدائق ج 5 ص 413.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 349

______________________________

شي ء عليه «1».

فان مقتضي اطلاق هذه الرواية أنه لو صلي مع الجهل بالنجاسة لا تجب اعادتها علي الاطلاق بل لا يبعد أن يكون الحديث صريحا في عدم وجوب الاعادة في الوقت.

و منها: ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه «2» و منها: ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الرجل يري في ثوب أخيه دما و هو يصلي قال: لا يؤذنه حتي ينصرف «3».

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان «4» و منها ما رواه العيص بن القاسم قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلي في ثوب رجل أياما ثم ان صاحب الثوب أخبر أنه لا يصلي فيه قال: لا يعيد شيئا من صلاته «5».

و هذه الرواية تدل بالصراحة علي عدم وجوب القضاء و بالاطلاق علي عدم وجوب الاعادة.

و منها: ما رواه أبو

بصير «6» و منها ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر قال: سألته عن الرجل احتجم فأصاب ثوبه دم فلم يعلم به حتي

______________________________

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب النجاسات الحديث: 2.

(2) لاحظ ص: 339

(3) الوسائل الباب 40 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

(4) لاحظ ص: 326

(5) الوسائل الباب 40 من أبواب النجاسات الحديث: 6

(6) لاحظ ص: 340.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 350

______________________________

اذا كان من الغد كيف يصنع؟ فقال: ان كان رآه فلم يغسله فليقض جميع ما فاته علي قدر ما كان يصلي و لا ينقص منه شي ء و ان كان رآه و قد صلي فليعتد بتلك الصلاة ثم ليغسله «1» و منها: ما رواه اسماعيل الجعفي «2».

و في المقام روايتان إحداهما رواية وهب بن عبد ربه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الجنابة تصيب الثوب و لا يعلم به صاحبه فيصلي فيه ثم يعلم بعد ذلك قال:

يعيد اذا لم يكن علم «3».

ثانيتهما رواية أبي بصير «4».

و هاتان الروايتان باطلاقهما تدلان علي وجوب الاعادة في الوقت و القضاء في خارجه و لكن حيث ان رواية العيص المتقدم ذكرها آنفا تدل بالصراحة علي عدم القضاء فعلي القول بانقلاب النسبة تقيد هاتان الروايتان المطلقتان بتلك الرواية اي رواية العيص و بعد تقييدهما بها تنقلب نسبتهما بالنسبة إلي روايات عدم الاعادة من التباين إلي العموم و الخصوص المطلقين فالروايات الدالة علي عدم وجوب الاعادة تقيد بهذين الحديثين.

و هذا التقريب علي القول بانقلاب النسبة تام و أما علي القول بخلافه فلا بد من العلاج فنقول: المستفاد من خلاف الشيخ قدس سره: «أن جملة من العامة كالشافعي و أبي قلابة و أحمد بن حنبل قائلون بالبطلان «5» فاما

نرجح اخبار عدم وجوب

______________________________

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب النجاسات الحديث: 10

(2) لاحظ ص: 191

(3) الوسائل الباب 40 من أبواب النجاسات الحديث: 8

(4) لاحظ ص: 340

(5) كتاب الخلاف ج 1 ص: 177 مسألة: 221

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 351

______________________________

الاعادة بترجيحها بمخالفة العامة و اما نقول تتساقط النصوص بالتعارض فتصل النوبة إلي الاخذ باطلاق حديث لا تعاد فلاحظ.

فتحصل مما ذكرنا أنه لا وجه للتفصيل بين الانكشاف في الوقت و خارجه بالالتزام بوجوب الاعادة في الوقت و عدم وجوب القضاء خارجه.

و ربما يفصل بين الدخول في الصلاة مع الفحص عن النجاسة و عدمه بوجوب الاعادة في الثاني دون الاول و يمكن الاستدلال عليه بعدة نصوص:

منها: ما رواه زرارة «1» بدعوي أن المستفاد من الحديث أن العلة في عدم الاعادة النظر في الثوب و عدم رؤيته النجاسة و بعبارة اخري: مقتضي مفهوم الشرطية وجوب الاعادة مع عدم الفحص و النظر.

و يرد عليه اولا: أن هذه الجملة انما وقعت في كلام الراوي لا في كلام الامام عليه السلام و ثانيا قد صرح في كلامه عليه السلام: أن العلة لعدم الاعادة تمامية اركان الاستصحاب من اليقين السابق بالطهارة و الشك اللاحق في النجاسة.

و ثالثا أنه قد صرح عليه السلام في ذيل الرواية أن الفحص لا يجب و لا يترتب عليه شي ء غير فائدة تكوينية و هي ذهاب الشك الذي يقع في النفس و لو كان الفحص مؤثرا في عدم وجوب الاعادة في مقابل عدم الفحص كان المتعين أن يذكره عليه السلام في مقام الفائدة.

ان قلت: ما التنافي بين عدم وجوب الفحص و وجوب الاعادة عند الانكشاف؟

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران،

اول، 1426 ه ق مباني منهاج الصالحين؛ ج 3، ص: 351

قلت: المستفاد من الرواية أن العلة لعدم الاعادة جريان الاستصحاب و هو

______________________________

(1) لاحظ ص: 337

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 352

______________________________

القدر المشترك بين الصورتين.

و منها: ما رواه محمد بن مسلم «1» بتقريب أن الشرطية الثانية بمفهومها تدل علي بطلان الصلاة لو انكشف وقوعها في النجس مع عدم الفحص.

و فيه أنه لا يبعد أن تكون الشرطية الثانية بيان مفهوم الشرطية الاولي بتقريب:

أن الميزان هي الرؤية قبل الصلاة أو أثنائها و ذكر النظر لأجل بيان الصحة مع عدم الرؤية لا أن النظر و الفحص لهما موضوعية.

و ان أبيت عما ذكرنا فلا أقل من عدم الظهور في احد الطرفين و مع الاجمال لا مجال للاستدلال.

اضف إلي ذلك أنه مع التسلم و التنزل يعارضها ما رواه زرارة فان المستفاد من تلك الرواية كما تقدم أن العلة لعدم الاعادة استصحاب الطهارة فان الرواية كالصريحة في عدم وجوب الاعادة مع استمرار الجهل و قد مر أن عدم الصحة و وجوب الاعادة يوافق التقية فالدليل علي عدم وجوب الاعادة أرجح.

و مع التعارض و التساقط يكون المرجع اطلاق حديث لا تعاد فانه قد مر أن المراد بالطهور المذكور في الحديث الطهارة الحدثية.

و في المقام روايتان ربما يدعي أنهما تدلان علي وجوب الاعادة مع التفصيل المذكور و هما ما رواه ميمون الصيقل «2» و ما رواه الصدوق قال: و قد روي في المني أنه ان كان الرجل حيث قام نظر و طلب فلم يجد شيئا فلا شي ء عليه فان

______________________________

(1) لاحظ ص: 337

(2) لاحظ ص: 337.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 353

[مسألة 392: لو علم في أثناء الصلاة بوقوع بعض الصلاة في النجاسة]

(مسألة 392): لو علم في أثناء الصلاة بوقوع بعض الصلاة في النجاسة فان كان الوقت واسعا

بطلت و استأنف الصلاة (1).

______________________________

كان لم ينظر و لم يطلب فعليه أن يغسله و يعيد صلاته «1».

و الروايتان ضعيفتان سندا فلا تصل النوبة إلي تقريب الدلالة و صحتها و سقمها أما الرواية الاولي فبالصيقل و أما الثانية فبالارسال فلاحظ.

(1) يظهر من بعض الكلمات أن المشهور ذهبوا إلي الصحة في هذه الصورة و ذكر توجيها لهذا القول. وجهان:

الاول: أنه يستفاد من جملة من النصوص الواردة في حكم الرعاف أثناء الصلاة أن الاكوان المتخللة الصلاتية لا تشترط بالطهارة لاحظ ما رواه عمر بن اذينة عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه سأله عن الرجل يرعف و هو في الصلاة و قد صلي بعض صلاته فقال: ان كان الماء عن يمينه أو عن شماله أو عن خلفه فليغسله من غير أن يلتفت و ليبن علي صلاته فان لم يجد الماء حتي يلتفت فليعد الصلاة قال:

و القي ء مثل ذلك «2».

و ما رواه بكر بن أعين أن أبا جعفر عليه السلام رأي رجلا رعف و هو في الصلاة و أدخل يده في أنفه فأخرج دما فأشار اليه بيده افركه بيدك وصل «3».

و ما رواه عبد اللّه بن سليمان أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يأخذه الرعاف في الصلاة فلا يريد أن يستنشفه أ يجوز ذلك؟ قال: نعم «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 41 من أبواب النجاسات الحديث: 4.

(2) الوسائل الباب 2 من أبواب قواطع الصلاة الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 2

(4) نفس المصدر الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 354

______________________________

و غيرها من الروايات الواردة في الباب 2 من أبواب قواطع الصلاة من الوسائل و من ناحية اخري قد دلت جملة من النصوص علي صحة الصلاة الواقعة في النجس لو

انكشف بعد الفراغ منها «1» فيستفاد بالاولوية من تلك النصوص عدم الفساد في مفروض الكلام فان وقوع تمام الصلاة في النجاسة مع الجهل اذا لم يوجب البطلان فعدم البطلان في صورة وقوع بعض الصلاة في النجس بالاولوية

و ان شئت قلت: الموجب للبطلان اما وقوع بعض الصلاة في النجس و اما النجاسة المعلومة بعد الانكشاف و شي ء منهما لا يوجب البطلان أما الاول فلدلالة النصوص الدالة علي عدم البطلان لو انكشف وقوع الصلاة في النجس بعد الصلاة فان تلك النصوص تدل علي عدم البطلان في المقام بالاولوية.

و أما الثاني فلأخبار الرعاف فانها تدل علي أن الاكوان المتخللة لا تشترط بالطهارة و لكن قد وردت جملة من النصوص ربما يستفاد منها خلاف المدعي المذكور فلا بد من ملاحظتها و انها هل تدل علي الخلاف أم لا؟

منها: ما رواه زرارة قال: قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو شي ء من مني الي أن قال: ان رايته في ثوبي و أنا في الصلاة قال: تنقض الصلاة و تعيد اذا شككت في موضع منه ثم رأيته و ان لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت و غسلته ثم بنيت علي الصلاة لأنك لا تدري لعله شي ء اوقع عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك ابدا «2».

______________________________

(1) لاحظ ص: 348

(2) الوسائل الباب 44 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 355

______________________________

بتقريب: أن المستفاد من قوله عليه السلام «لعله شي ء اوقع عليك» أنه لو علم بوقوع الصلاة في النجس تكون الصلاة باطلة و حيث ان الاحكام الشرعية تعبدية لا تنال ملاكاتها عقولنا نلتزم بالبطلان في المقام و نلتزم بالصحة فيما وقعت بتمامها في النجس بشرط عدم العلم إلي الفراغ من الصلاة.

و

لا يبعد أن يكون البيان المذكور تاما.

و منها: ما رواه محمد بن مسلم «1» بتقريب أنه لو علم بالنجاسة اثناء الصلاة تبطل صلاته و بعبارة اخري يستفاد من الحديث: أنه لو اعلمه بعد الصلاة لا يضره الاعلام و تكون صلاته تامة و أما لو اعلمه أثناء الصلاة لا وجب بطلان صلاته.

و منها: ما رواه محمد بن مسلم «2» أيضا بتقريب أن المستفاد من الرواية أن رؤية المني في الاثناء حيث انها تكشف عن وقوع بعض الصلاة في النجس تكون صلاته باطلة.

و ان شئت قلت: ان المني المرئي في الثوب أثناء الصلاة يكشف عن سبقه و أنه كان في اللباس من قبل فتكون الصلاة باطلة لوقوع بعض منها في النجس و هذا هو المدعي.

و منها: ما رواه أبو بصير «3» فانه يستفاد من هذه الرواية أن العلم بالنجاسة في الاثناء يوجب البطلان.

______________________________

(1) لاحظ ص: 349

(2) لاحظ ص: 337:

(3) لاحظ ص: 348

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 356

______________________________

الوجه الثاني: للقول المشهور عدة روايات: الاولي: ما رواه داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يصلي فأبصر في ثوبه دما قال:

يتم «1».

فان مقتضي اطلاق هذه الرواية عدم بطلان الصلاة و لو مع العلم بكون النجاسة من أول الامر لكن بمقتضي قانون تقييد المطلق بالمقيد لا بد من تقييده بالروايات المتقدمة الدالة علي البطلان في صورة وقوع بعض الصلاة في النجس.

الثانية: ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان رأيت في ثوبك دما و أنت تصلي و لم تكن رأيته قبل ذلك فاتم صلاتك فاذا انصرفت فاغسله قال: و ان كنت رأيته قبل أن تصلي فلم تغسله ثم رأيته بعد و

أنت في صلاتك فانصرف فاغسله و اعد صلاتك «2».

و تقريب الاستدلال بالرواية هو التقريب و الجواب عنه هو الجواب فان دلالة صدر الحديث علي عدم البطلان في صورة الجهل بالنجاسة و وقوع بعض الصلاة في النجس بالاطلاق و الاطلاق قابل للتقييد.

الثالثة: ما رواه محمد بن مسلم «3» بتقريب أن المستفاد من صدر الحديث باطلاقه صحة الصلاة و عدم بطلانها برؤية الدم و لو مع وقوع بعض الصلاة في النجس.

______________________________

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب النجاسات الحديث: 2

(2) نفس المصدر الحديث: 3

(3) لاحظ ص: 191

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 357

______________________________

و الجواب عن الاستدلال المذكور أن المطلق يقيد بالمقيد فلا بد من تقييد الرواية بالنصوص المتقدمة فالمتحصل أنه مع سعة الوقت لا بد من اعادة الصلاة مع اجتماع الشرائط المقررة.

ايقاظ: ظاهر كلام الماتن في الفرع المذكور باطلاقه يشمل صورة وقوع بعض الصلاة في النجس لا من اولها كما لو علم في الركعة الرابعة بوقوع الدم عليه في الركعة الثالثة.

و بعبارة اخري: وقوع بعض الصلاة في النجس يتصور بصورتين:

الاولي: سبق النجاسة و وقوع الصلاة من أول شروعها في النجس.

الثانية: وقوع النجاسة علي المصلي في الاثناء فيقع الكلام في أن الصورة الثانية هل تلحق بالاولي في البطلان أم لا؟.

الحق هو الثاني و ذلك لان المستفاد من حديث زرارة «1» أن الذي يوجب بطلان الصلاة كون اللباس نجسا من أول الامر بحيث يكون المصلي داخلا في الصلاة مع الثوب النجس و أما اذا تكون النجاسة واقعة عليه أثناء الصلاة فلا تكون الصلاة باطلة.

بل يمكن الاستدلال علي المدعي بقوله عليه السلام: «و ان لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت و غسلته ثم بنيت علي الصلاة» فانه باطلاقه يشمل صورة وقوع بعض

الصلاة في النجس.

اضف إلي ذلك أن صورة العلم بوقوع النجاسة في الكون المتخلل بحيث

______________________________

(1) لاحظ ص: 354

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 358

و ان كان الوقت ضيقا حتي عن ادراك ركعة فان أمكن التبديل أو التطهير بلا لزوم المنافي فعل ذلك و أتم الصلاة (1) و الا صلي فيه (2).

و الاحوط استحبابا القضاء أيضا (3).

[مسألة 393: لو عرضت النجاسة في أثناء الصلاة]

(مسألة 393): لو عرضت النجاسة في أثناء الصلاة فان أمكن التطهير أو التبديل علي وجه لا ينافي الصلاة فعل ذلك و أتم صلاته و لا اعادة عليه (4).

______________________________

لم يقع جزء من الصلاة في النجس في غاية الندرة.

و يضاف إلي ذلك كله أنه يمكن أن يقال: ان الروايات الدالة علي عدم البطلان لو انكشف الحال بعد الصلاة تدل علي الصحة في مفروض الكلام بالاولوية اذ لو لم تبطل الصلاة بوقوع جميعها في النجس فلا تبطل بوقوع بعضها.

و يضاف إلي ذلك أنه لو استلزم البطلان و الاعادة لتنافيه قاعدة لا تعاد فلاحظ.

(1) اذ الضرورات تقدر بقدرها و ان شئت قلت: المفروض أنه لا يمكنه الاتيان بالصلاة الواجدة للشرط حتي بادراك ركعة منها و من ناحية اخري ان الصلاة لا تسقط بحال و من ناحية ثالثة انه يمكنه علي الفرض تحصيل الشرط فيما بقي من الصلاة فلا بد من رعايته بالنسبة إلي ما بقي كما في المتن.

(2) اذ لو دار الامر بين الصلاة في النجس و الصلاة عاريا يقدم الاول كما عليه الماتن و تعرض له في الفرع الآتي.

(3) لا يبعد أن يكون الوجه فيه امكان كون الوظيفة الصلاة عاريا و عليه يجب القضاء.

(4) اذ يستفاد من جملة من النصوص- كما تقدم- أن الاكوان المتخللة بين

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 359

و اذا لم يمكن

ذلك فان كان الوقت واسعا استأنف الصلاة بالطهارة (1) و ان كان ضيقا فمع عدم امكان النزع لبرد و نحوه و لو لعدم الامن

______________________________

أجزاء الصلاة لا تشترط بالطهارة لاحظ ما رواه عمر بن اذينة «1».

و ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يأخذه الرعاف و القي ء في الصلاة كيف يصنع؟ قال: ينفتل فيغسل أنفه و يعود في صلاته و ان تكلم فليعد صلاته و ليس عليه وضوء «2».

و ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه قال: سألته عن الرجل يصيبه الرعاف و هو في الصلاة فقال ان قدر علي ماء عنده يمينا و شمالا أو بين يديه و هو مستقبل القبلة فليغسله عنه ثم ليصل ما بقي من صلاته و ان لم يقدر علي ماء حتي ينصرف بوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته «3».

و ما رواه زرارة «4» و غيرها مما ورد في الباب 2 من أبواب قواطع الصلاة من الوسائل.

فبمقتضي هذه النصوص لا تبطل الصلاة بل يغسل ما أصابه الدم أو غيره من النجاسات اذ لا خصوصية للدم و يبني علي صلاته.

(1) كما هو مقتضي القاعدة فان المفروض أنه يمكن للمكلف أن يأتي بالمأمور به جامعا للشرائط فيجب.

______________________________

(1) لاحظ ص: 353

(2) الوسائل الباب 2 من أبواب قواطع الصلاة الحديث: 4

(3) نفس المصدر الحديث: 6

(4) لاحظ ص: 354

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 360

من الناظر يتم صلاته و لا شي ء عليه (1) و لو أمكنه النزع و لا ساتر له غيره فالاظهر وجوب الاتمام فيه.

______________________________

(1) يظهر من بعض الكلمات أنه لا خلاف فيه مضافا إلي جملة من النصوص منها: ما رواه محمد بن علي الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه

عليه السلام عن رجل أجنب في ثوبه و ليس معه ثوب غيره (آخر) قال: يصلي فيه فاذا وجد الماء غسله «1».

و منها: ما رواه أيضا أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون له الثوب الواحد فيه بول لا يقدر علي غسله قال: يصلي فيه «2».

و منها: ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يجنب في ثوب ليس معه غيره و لا يقدر علي غسله قال: يصلي فيه «3».

و منها: ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي عليه السلام قال: سألته عن رجل عريان و حضرت الصلاة فأصاب ثوبا نصفه دم أو كله دم يصلي فيه أو يصلي عريانا؟ قال: ان وجد ماء غسله و ان لم يجد ماء صلي فيه و لم يصل عريانا «4».

و منها: ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

سألته عن الرجل يجنب في ثوب و ليس معه غيره و لا يقدر علي غسله قال: يصلي فيه «5».

______________________________

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب النجاسات الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 3.

(3) نفس المصدر الحديث: 4

(4) نفس المصدر الحديث: 5

(5) نفس المصدر الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 361

______________________________

و منها: ما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه سئل عن رجل ليس عليه إلا ثوب و لا تحل الصلاة فيه و ليس يجد ماء يغسله كيف يصنع؟ قال:

يتيمم و يصلي فاذا اصاب ماء غسله و اعاد الصلاة «1».

و في بعضها علق الجواز علي الضرورة لاحظ ما رواه محمد الحلبي قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يجنب في

الثوب أو يصيبه بول و ليس معه ثوب غيره قال: يصلي فيه اذا اضطر اليه «2».

لكن الحديث المذكور لا اعتبار بسنده فان قاسم بن محمد الواقع في السند محل الكلام.

و ربما يقال: يكفي للاستدلال علي الصحة اطلاق الادلة الاولية الدالة علي وجوب الصلاة و لا تقيد بما دل علي اشتراط الطهارة اذ مع عدم القدرة لا مجال لتعلق التكليف.

و يرد عليه: أن الامر بالطهارة ارشاد إلي الشرطية و لا فرق في احكام الوضعية بين المختار و المضطر فهذا الاستدلال مخدوش فالمستند للحكم بالصحة ما ذكرناه

و في قبال هذه النصوص طائفة اخري من الروايات تدل علي وجوب الصلاة عريانا: منها: ما رواه سماعة قال سألته عن رجل يكون في فلاة من الارض و ليس عليه إلا ثوب واحد و أجنب فيه و ليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال: يتيمم و يصلي عريانا قاعدا يؤمي إيماء «3».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 8

(2) نفس المصدر الحديث: 7

(3) الوسائل الباب 46 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 362

______________________________

و منها: ما رواه ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل عريان ليس معه ثوب قال: اذا كان حيث لا يراه أحد فليصل قائما «1».

و منها: ما رواه سماعة قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الارض فأجنب و ليس عليه إلا ثوب فأجنب فيه و ليس يجد الماء قال: يتيمم و يصلي عريانا قائما يؤمي إيماء «2».

فان المستفاد من هذه النصوص كما تري انه يجب علي المكلف أن يصلي عاريا مع عدم امكان أن يصلي مع اللباس الطاهر فان قلنا: بأن تلك الطائفة الدالة علي جواز الصلاة مع اللباس النجس مطلق شامل لصورة الضرورة كالبرد

أو وجود ناظر محترم و نحوهما و هذه الطائفة ليس فيها اطلاق من هذه الجهة بل ناظرة إلي صوره عدم محذور و ضرورة فالصناعة تقتضي ان تقيد تلك الطائفة بهذه الطائفة لقانون وجوب تقييد المطلق بالمقيد و العام بالخاص.

و لكن الظاهر أن الطائفة الثانية أيضا مطلقة كالأولي فلا يبقي مجال لتقييد الاولي بالثانية.

و ربما يقال: بأن ما رواه الحلبي «3» شاهد للجمع المذكور اذا الحكم بالجواز فيها علق علي الضرورة فبهذه الرواية تقيد كلتا الطائفتين.

لكن قد مر أن الرواية ضعيفة سندا بقاسم بن محمد الجوهري فان الرجل محل الكلام.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) نفس المصدر الحديث: 3

(3) لاحظ ص: 361.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 363

[مسألة 394: إذا نسي أن ثوبه نجس و صلي فيه كان عليه الإعادة إن ذكر في الوقت]

(مسألة 394): اذا نسي أن ثوبه نجس و صلي فيه كان عليه الاعادة ان ذكر في الوقت و ان ذكر بعد خروج الوقت فعليه القضاء (1).

______________________________

و قال الشيخ الحر قدس سره في ذيل نقل الطائفة الثانية: «و جمع جماعة بينهما بالتخيير».

و يرد عليه: أن التخيير يتفرع علي عدم المرجح السندي مضافا إلي أن التخيير لا دليل عليه و ما يدل عليه من النصوص ضعيف سندا.

و استشكل سيدنا الاستاد في الطائفة الثانية من حيث السند و قال: «الرواية الاولي و الثانية مضمرتان و المضمر فيهما سماعة و لم يثبت أن سماعة لا يضمر الا عن المعصوم كزارة و اضرابه فمن الممكن أن مرجع الضمير غير الامام فلا اعتبار بالحديثين و أما الرواية الثالثة فضعيفة بمحمد بن عبد الحميد حيث لم يثبت كون الرجل ثقة و عليه لا يبقي موضوع للتعارض و المرجع هي الطائفة الاولي.

اذا عرفت ما تقدم فاعلم انه ان تم ما ذكره سيدنا الاستاد فهو و الا نقول: ان

الترجيح السندي مع الطائفة الاولي بالاحدثية لاحظ حديث علي بن جعفر «1» فانه مروي عن أبي الحسن موسي عليه السلام.

و مما ذكرنا ظهر أن ما أفاد الماتن في ذيل المسألة بأنه لو امكنه النزع و الصلاة عاريا فالاظهر وجوب الاتمام في النجس علي القاعدة فانه علي ما ذكرنا ان المرجع هي الطائفة الاولي و مقتضاها وجوب الصلاة في النجس.

(1) و يظهر من بعض الكلمات أن هذا هو المشهور بين القوم و استدل عليه بجملة

______________________________

(1) لاحظ ص: 360.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 364

______________________________

من النصوص: منها: ما رواه محمد بن مسلم «1» و منها: ما رواه سماعة «2».

و منها ما رواه زرارة قال: قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي ء من مني فعلمت أثره إلي أن اصيب له الماء فاصبت و حضرت الصلاة و نسيت أن بثوبي شيئا و صليت ثم اني ذكرت بعد ذلك قال: تعيد الصلاة و تغسله قلت: فاني لم أكن رأيت موضعه و علمت أنه أصابه فطلبته فلم اقدر عليه فلما صليت وجدته قال:

تغسله و تعيد «3».

و منها: ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور «4» و منها ما رواه اسماعيل الجعفي «5» و منها ما رواه ابن مسكان «6» و منها: ما رواه الحسن بن زياد «7».

فان مقتضي اطلاق هذه النصوص وجوب الاعادة في الوقت و القضاء في خارجه و مع دلالة هذه النصوص علي وجوب الاعادة علي الاطلاق لا تصل النوبة إلي الاخذ باطلاق حديث لا تعاد بدعوي أن المراد بالطهور الطهارة الحدثية فمقتضي اطلاق عدم وجوب الاعادة لا تجب مطلقا كما أنه لا مجال للأخذ بحديث رفع النسيان فان مقتضاه رفع الوجوب عن المركب و أما اثبات

الامر بالنسبة إلي الفاقد فلا يستفاد منه و أيضا

______________________________

(1) لاحظ ص: 191.

(2) لاحظ ص: 192

(3) الوسائل الباب 42 من أبواب النجاسات الحديث: 2

(4) لاحظ ص: 338

(5) لاحظ ص: 191

(6) لاحظ ص: 325.

(7) لاحظ ص: 324

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 365

______________________________

لا مجال للقول بأن الامر بالمشروط مع النسيان لا يمكن فيتعلق بالفاقد للشرط.

و ان شئت قلت: ان الامر بالصلاة مع الطهارة لا يمكن أن يتوجه إلي الناسي فالامر المتعلق بالصلاة بالنحو المطلق يبقي علي حاله و هو المرجع.

و يرد عليه: أن الامر بالصلاة مع الطهارة ارشادي و يستفاد منه شرطية الطهارة أو مانعية النجاسة.

و بعبارة اخري: يدل علي الحكم الوضعي و في الحكم الوضعي لا فرق بين القادر و العاجز فالمتحصل من النصوص المشار اليها فساد الصلاة مع النجاسة المنسية علي الاطلاق و يلزم اعادتها في الوقت و قضائها في خارجه.

و في قبال هذه النصوص رواية رواها العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشي ء ينجسه فينسي أن يغسله فيصلي فيه ثم يذكر أنه لم يكن غسله أ يعيد الصلاة؟ قال: لا يعيد قد مضت الصلاة و كتبت له «1».

فان المستفاد منها عدم وجوب الاعادة علي الاطلاق و ان ما اتي به مع النسيان صحيح.

و ربما يقال: ان مقتضي الجمع بين هذه الرواية و تلك الروايات حمل تلك الروايات علي استحباب الاعادة.

و أورد سيدنا الاستاد علي هذا الجمع بأنه لا مجال له اذ دليل المنع ارشاد الي اشتراط الطهارة أو مانعية النجاسة و دليل عدم وجوب الاعادة دليل علي عدم الاشتراط و من الظاهر أن ما يكون قابلا للحمل علي الاستحباب هو الامر المولوي و أما الامر الارشادي فلا معني لحمله

علي الاستحباب.

______________________________

(1) الوسائل الباب 42 من أبواب النجاسات الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 366

______________________________

ثم قال: ان القاعدة تقتضي الاخذ بالطائفة الاولي لان صدورها في الجملة مقطوع به فما خالفه مخالف للسنة و المخالف للسنة لا اعتبار به اذ قد امر بطرح ما خالف الكتاب و السنة و الحديث الدال علي عدم وجوب الاعادة مخالف للسنة فيطرح.

و يرد عليه: اولا أنه لا يحصل العلم بصدور بعض الاخبار الدالة علي وجوب الاعادة فانه لا يصير الخبر متواترا بهذا المقدار.

و ثانيا انا لم نجد دليلا معتبرا دالا علي أن ما خالف السنة لا يكون حجة.

و ثالثا: انه يمكن أن يقال بأن المراد من السنة الحكم الذي يكون مطابقا مع الواقع فلو ورد حديث عن النبي صلي اللّه عليه و آله أو احد الائمة عليهم السلام بالوجدان و ورد حديث آخر معارض معه بدليل معتبر لا يمكن أن يقال بأن الحديث الثاني مخالف للسنة بل كلا الحديثين حجة و الذي يدل علي ما قلناه انه قد دلت جملة من النصوص أنه لا بد من الاخذ بالحديث المتأخر و لو مع العلم بأن الحديث الاول قد ورد عن المعصوم.

لاحظ ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: ما بال أقوام يروون عن فلان و فلان عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لا يتهمون بالكذب فيجي ء منكم خلافه؟ قال: ان الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن «1».

و ما رواه الحسين بن المختار عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب صفات القاضي الحديث: 4.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 367

______________________________

قال أ رأيتك لو حدثتك بحديث العام ثم جئتني

من قابل فحدثتك بخلافه بأيهما كنت تأخذ؟ قال كنت آخذ بالاخير فقال لي: رحمك اللّه «1». و ما رواه أبو عمرو الكناني «2».

فالميزان هو الحديث المتأخر و من الظاهر أن قوله عليه السلام: «و ما خالف السنة فاضربه علي الجدار» علي فرض وجوده غير قابل للتخصيص.

الا أن يقال: ان ما دل علي أن ما خالف السنة فاضربه علي الجدار يوجب سقوط المخالف لكلام المعصوم فلا يكون حجة.

اذا عرفت ما تقدم فاعلم أن الترجيح السندي مع الطائفة الاولي الدالة علي البطلان لمخالفتها مع العامة فان المستفاد من كلام الشيخ في الخلاف «3» أن مشاهير العامة قائلون بعدم البطلان فالقول بالبطلان مخالف للعامة و الترجيح معه.

و مما ذكرنا يظهر الحال في المعارضة بين الاخبار الواردة في الاستنجاء فان جملة منها تدل علي عدم الاعادة اذا نسي الاستنجاء لاحظ ما رواه عمار بن موسي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: لو أن رجلا نسي أن يستنجي من الغائط

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 7

(2) نفس المصدر الحديث: 17

(3) الخلاف ج 1 ص: 178

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 368

______________________________

حتي يصلي لم يعد الصلاة «1».

و ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن رجل ذكر و هو في صلاته أنه لم يستنج من الخلا قال: ينصرف و يستنجي من الخلا و يعيد الصلاة و ان ذكر و قد فرغ من صلاته فقد أجزأه ذلك و لا اعادة عليه «2» و ما رواه هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يتوضأ و ينسي أن يغسل ذكره و قد بال فقال: يغسل ذكره و لا يعيد الصلاة «3».

و في قبال هذه

الطائفة طائفة اخري تدل علي وجوب الاعادة مثل ما رواه سماعة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: اذا دخلت الغائط فقضيت الحاجة فلم ترق (يرق) (تهرق) الماء ثم توضأت و نسيت أن تستنجي فذكرت بعد ما صليت فعليك الاعادة و ان كنت أهرقت الماء فنسيت أن تغسل ذكرك حتي صليت فعليك اعادة الوضوء و الصلاة و غسل ذكرك لان البول مثل البراز «4».

و ما رواه ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يبول و ينسي أن يغسل ذكره حتي يتوضأ و يصلي قال: يغسل ذكره و يعيد الصلاة و لا يعيد الوضوء «5».

و ما رواه عمرو بن أبي نصر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أبول و أتوضأ

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب احكام الخلوة الحديث: 3

(2) نفس المصدر الحديث: 4

(3) نفس المصدر الحديث: 2

(4) نفس المصدر الحديث: 5

(5) الوسائل الباب 18 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 369

و لا فرق بين الذكر بعد الصلاة و في أثنائها (1).

______________________________

و أنسي استنجائي ثم اذكر بعد ما صليت قال: اغسل ذكرك و أعد صلاتك و لا تعد وضوئك «1».

و ما رواه عمر بن اذينة قال: ذكر أبو مريم الانصاري أن الحكم بن عتيبة بال يوما و لم يغسل ذكره متعمدا فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السلام فقال: بئس ما صنع عليه أن يغسل ذكره و يعيد صلاته و لا يعيد وضوئه «2».

و ما رواه زرارة قال: توضأت يوما و لم اغسل ذكري ثم صليت فسألت أبا عبد اللّه عليه السلام فقال: اغسل ذكرك و أعد صلاتك «3».

(1) يمكن تقريب الاستدلال علي المدعي بوجوه: الاول:

قوله عليه السلام في حديث علي بن جعفر: «و يعيد الصلاة» «4».

فان المفروض انه نسي الاستنجاء و تذكر أثناء الصلاة و حكم عليه السلام بوجوب الاعادة فعليه تجب الاعادة حتي علي القول بعدم الاعادة و لو تذكر بعد الصلاة اذ المفروض انه قد دلت الرواية علي البطلان.

الثاني قوله عليه السلام في حديث عبد اللّه بن سنان «5» «و أعد صلاتك» فان مقتضي اطلاق الامر بالاعادة وجوبها في الصورة المفروضة.

الثالث ما دل من النصوص علي أنه لو صلي في النجس جاهلا و علم بالنجاسة

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 3

(2) نفس المصدر الحديث: 4

(3) نفس المصدر الحديث: 7.

(4) لاحظ ص: 368.

(5) لاحظ ص: 356

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 370

مع امكان التبديل أو التطهير و عدمه (1).

[مسألة 395: إذا طهر ثوبه النجس و صلي فيه ثم تبين أن النجاسة باقية لم تجب الإعادة و لا القضاء]

(مسألة 395): اذا طهر ثوبه النجس و صلي فيه ثم تبين أن النجاسة باقية لم تجب الاعادة و لا القضاء لأنه جاهل بالنجاسة (2).

[مسألة 396: إذا لم يجد إلا ثوبا نجسا فإن لم يمكن نزعه لبرد أو نحوه صلي فيه بلا اشكال]

(مسألة 396): اذا لم يجد الا ثوبا نجسا فان لم يمكن نزعه لبرد أو نحوه صلي فيه بلا اشكال و لا يجب عليه القضاء و أن أمكن نزعه فالظاهر وجوب الصلاة فيه (3) و الاحوط استحبابا الجمع بين الصلاة فيه و الصلاة عاريا (4).

______________________________

أثناء الصلاة تكون صلاته باطلة لاحظ حديث زرارة «1» فانه لو كان الصلاة مع الجهل بالنجاسة باطلة فالبطلان مع النسيان بالاولوية.

الرابع حديث سماعة «2» فان العلة المذكورة في الرواية للبطلان و الاعادة مشتركة بين الموردين و بمقتضي عموم العلة يحكم بالبطلان في مفروض الكلام.

(1) لإطلاق دليل البطلان لاحظ حديث ابن جعفر فان مقتضي اطلاقه عدم الفرق بين امكان التطهير و التبديل و عدمه.

(2) و مع الجهل بالنجاسة تكون الصلاة صحيحة كما مر.

(3) يظهر الوجه فيما أفاده في المقام مما ذكرناه حول ما ذكره في ذيل مسألة 393 فراجع.

(4) لا اشكال في حسن الاحتياط مضافا إلي أنه ذهب بعض إلي وجوب الصلاة عاريا فالجمع بين الامرين خروج عن شبهة الخلاف.

______________________________

(1) لاحظ ص: 354

(2) لاحظ ص: 192

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 371

[مسألة 397: إذا كان عنده ثوبان يعلم إجمالا بنجاسة أحدهما وجبت الصلاة في كل منهما]

(مسألة 397): اذا كان عنده ثوبان يعلم اجمالا بنجاسة احدهما وجبت الصلاة في كل منهما (1).

______________________________

(1) الكلام في هذا الفرع تارة يقع فيما هو مقتضي القاعدة الاولية و اخري فيما هو مقتضي النص.

أما المقام الاول فنقول: لا اشكال في تحقق الامتثال بالنحو المذكور و لا ينافي العبادية اذ قصد القربة يحصل باضافة العمل إلي المولي و لو من باب الرجاء و الاحتمال بل ذكرنا في محله أنه يجوز الامتثال الاحتمالي و لو مع التمكن من الامتثال التفصيلي فكيف بصورة عدم الامكان بل لو قلنا بلزوم قصد الوجه يتحقق باتيان العمل مكررا بداعي

وجوبه كما أنه لا دليل علي حرمة الاتيان بالصلاة في الثوب النجس حرمة ذاتية كي يدور الامر بين الصلاة عاريا و الصلاة في الثوب النجس بل الحرمة عرضية.

نعم لا يمكن قصد التميز كما أنه لا يمكن الجزم و لا دليل علي لزومهما بل يمكن ادعاء القطع بعدم اللزوم اذ لو كان لازما لوصل إلينا.

فالمتحصل أنه مع تكرار العمل و الاتيان بالصلاة في كل من الثوبين يحصل الامتثال و هل يمكن الاكتفاء بالصلاة في احد الثوبين؟

لا يبعد أن يقال بالاكتفاء اذ لزوم التعدد منشأه تنجز العلم الإجمالي بالنسبة إلي جميع الاطراف و سقوط الاصل بالمعارضة و هذا هو المشهور بين القوم لكن قد ذكرنا في مبحث تنجز العلم الإجمالي أنه يمكن الالتزام بجريان الاصل في بعض الاطراف مع الترك و الاجتناب عن الطرف الاخر فان مقتضي اطلاق دليل الاصل شموله لبعض الاطراف بهذا النحو و لا نري مانعا منه و قد تعرضنا لتقريب جريان

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 372

و لو كان عنده ثوب ثالث يعلم بطهارته تخير بين الصلاة فيه و الصلاة في كل منهما (1).

[مسألة 398: إذا تنجس موضع من بدنه و موضع من ثوبه أو موضعان من بدنه أو من ثوبه]

(مسألة 398): اذا تنجس موضع من بدنه و موضع من ثوبه أو موضعان من بدنه أو من ثوبه و لم يكن عنده من الماء ما يكفي

______________________________

الاصل في الجزء الاول من هذا الشرح فراجع «1».

فتحصل: أنه لا يجوز الاتيان بالصلاة في الثوبين بل يجوز الاكتفاء بالاتيان في احدهما هذا هو المقام الاول.

و أما المقام الثاني ففي المقام رواية يستفاد منها وجوب الاتيان في الثوبين و هي ما رواه صفوان بن يحي أنه كتب إلي أبي الحسن عليه السلام يسأله عن الرجل معه ثوبان فأصاب أحدهما بول و لم يدر أيهما هو

و حضرت الصلاة و خاف فوتها و ليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال: يصلي فيهما جميعا قال الصدوق: يعني علي الانفراد «2».

و بملاحظة هذه الرواية لا مناص عن الاحتياط باتيان الصلاة في كل من الثوبين.

(1) ذهب سيد العروة إلي عدم جواز الاحتياط بالتكرار و حكم بوجوب الاتيان بالصلاة في الثوب الطاهر الا أن يكون له غرض عقلائي في عدم الاتيان في الطاهر فيجوز الاحتياط بالتكرار و قد تعرضنا لجواز الاحتياط حتي مع التمكن من الامتثال التفصيلي في الجزء الاول من هذا الشرح فراجع «3».

______________________________

(1) الجزء الاول ص: 235

(2) الوسائل الباب 64 من أبواب النجاسات الحديث: 1

(3) الجزء الاول ص: 19- 20

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 373

لتطهيرهما معا لكن كان يكفي لأحدهما وجب تطهير احدهما مخيرا (1).

______________________________

(1) احتاط سيد العروة قدس سره بتقديم تطهير البدن علي اللباس و اختاره سيد الحكيم أيضا.

و تقريب الاستدلال علي المدعي أن المقام من صغريات باب التزاحم فلا بد من تقديم ما يحتمل كونه أهم فيجب تطهير البدن و تقديمه علي تطهير الثوب لان كون البدن طاهرا محتمل الاهمية.

و ما أفاده تام علي تقدير كون المقام داخلا في باب التزاحم و أما علي تقدير عدم دخول المقام في صغريات ذلك الباب فلا يتم المدعي فنقول:

التزاحم انما يتصور في مورد لا يمكن للعبد الجمع بين تكليفين صادرين من قبل المولي كما اذا امر بانقاذ الغريق و نهي عن الغصب ثم توقف الانقاذ علي التوسط في الارض المغصوبة فلا بد من ترجيح احد الطرفين علي الطرف الاخر من مرجح و مع عدم المرجح يتخير المكلف في اختيار كل من الطرفين و ترجيحه علي الاخر.

و صفوة القول: أن التزاحم عبارة عن جعل حكمين مستقلين

لموضوعين و لا تكاذب بينهما في ناحية الجعل غاية الامر أن المكلف اذا كان عاجزا عن الاتيان بكليهما يقع التزاحم في مرحلة الامتثال.

و أما التعارض فهو عبارة عن التكاذب في مرحلة الجعل و التكاذب في مرحلة الجعل اما ذاتي و اما عرضي أما الاول فكما لو دل دليل علي وجوب صلاة الجمعة و دل دليل آخر علي عدم وجوبها فانه لا يعقل جعل المتناقضين و أما الثاني فكما لو دل دليل علي وجوب صلاة الجمعة و الدليل الاخر علي وجوب صلاة الظهر و علم من الخارج عدم وجوب صلاتين في يوم واحد فيعلم بكذب أحد الدليلين فيقع التعارض بينهما فلا بد اما من الترجيح أو التخيير.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 374

______________________________

اذا عرفت ما تقدم فاعلم أن المقام داخل في مسألة التعارض و ذلك لان الصلاة مركب واحد ذات اجزاء و شرائط و موانع و ليست الاوامر الواردة فيها الا ارشادا الي واجب واحد.

و بعبارة اخري: المستفاد من مجموع الادلة الواردة في الصلاة وجوب عمل واحد ذي أجزاء و شرائط و من الظاهر أن المركب ينتفي بانتفاء احد اجزائه كما أن المشروط ينتفي بانتفاء أحد شرائطه و عليه لو لم يمكن للمكلف الاتيان بهذا المركب يسقط الامر و مقتضي القاعدة عدم وجوب شي ء لكن قد ورد في باب الصلاة أنها لا تسقط بحال «لأنها عماد الدين «1».

فعلمنا من النص و الاجماع أن الصلاة لا تسقط بتعذر بعض أجزائها أو بعض شرائطها أو وجدانها لبعض موانعها فلو دار الامر بين رعاية احد شرطين مثلا فلا بد من ملاحظة دليل الشرط فان كان دليل كل من الطرفين لبيا كالإجماع يرفع اليد عن كلا الدليلين الا أن يعلم بوجوب

رعاية الجامع بينهما فيتخير بين الامرين و ان كان أحدهما لفظيا و الاخر لبيا يقدم اللفظي علي اللبي لان الدليل اللبي يقتصر فيه علي المقدار المتيقن منه و ان كان كلاهما لفظيا فان كان كل منهما شاملا لمورد التعارض بالوضع فلا بد من رعاية المرجحات السندية و مع عدمها يتخير المكلف اذ يدور الأمر بين التعيين و التخيير و مرجعه البراءة عن التعيين.

و ان كان احدهما بالوضع و الاخر بالاطلاق يقدم ما بالوضع علي ما بالاطلاق لان ما بالوضع قابل لان يكون بيانا لما بالاطلاق فلا يبقي مجال للعمل بالمطلق

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب الاستحاضة الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 375

______________________________

و ان كان كلاهما بالاطلاق فان قلنا بأن الاطلاقين يتساقطان بالتعارض- كما عليه سيدنا الاستاد- يتساقطان و النتيجة هو التخيير كما مر.

و أما ان قلنا بأنه لا بد من رعاية قانون التعارض- كما هو المختار عندنا- فلا بد من اعمال قانون الترجيح في سنديهما فمع الترجيح يقدم ما فيه الترجيح و مع عدمه يتساقطان و تصل النوبة إلي الاصل و مقتضاه التخيير كما مر فعلي هذا لو دار الامر بين تطهير الثوب و البدن يتخير المكلف بين الامرين كما في المتن.

و أفاد السيد الحكيم قدس سره في هذا المقام: انه لو قلنا بوجوب الصلاة عاريا مع الانحصار فلا ينبغي الاشكال في وجوب تطهير البدن عملا بمانعية النجاسة لأنه اذا طهر بدنه و صلي عاريا لم يصل في النجاسة بخلاف ما لو طهر الثوب و صلي فيه لأنه صلي و بدنه نجس قطعا.

فالنتيجة أنه علي فرض وجوب الاتيان بالصلاة عاريا في تلك المسألة يجب تطهير البدن في المقام «1».

و يرد عليه: ان الالتزام بالصلاة

عاريا هناك للنص الخاص و أما في المقام فلا نص و مقتضي القاعدة هو التخيير.

و ان شئت قلت: ان مقتضي الصناعة الالتزام بتعين الصلاة هناك عاريا و في المقام التخيير بين الامرين نعم بعد فرض اختيار المكلف تطهير بدنه يدور الامر بين الصلاة عاريا و الاتيان بها مع اللباس النجس فعلي القول بتقديم الاول نلتزم.

______________________________

(1) مستمسك العروة ج 1 ص 551

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 376

الا مع الدوران بين الاقل و الاكثر فيختار تطهير الاكثر (1).

[مسألة 399: يحرم أكل النجس و شربه]

(مسألة 399): يحرم أكل النجس و شربه (2).

______________________________

(1) و الوجه فيه أن المستفاد من دليل المانعية مانعية النجاسة في اللباس أو البدن فتجب ازالة النجاسة عن البدن كما تجب ازالتها عن اللباس فكل موضع من البدن و اللباس يكون نجسا يشمله دليل المانعية.

و بعبارة واضحة: انه لو نهي المولي عن طبيعة فتارة يكون نهيا عن صرف الطبيعة بحيث لو تحقق العصيان في ضمن فرد يسقط النهي و لا يكون للمولي النهي عنها بعده و اخري يكون النهي عن مطلق الوجود بحيث يكون كل فرد من الطبيعة موردا للنهي مثلا اذا قال المولي الخمر حرام علي النحو الكلي الساري يكون كل فرد من أفراد الخمر حراما و متعلقا للنهي فاذا فرض أن المكلف اضطر إلي شرب واحد من مصاديق الخمر يحل له ذلك الفرد بخصوصه و لا وجه لارتفاع النهي عن بقية الافراد بل يبقي النهي علي حاله و قس علي النهي المولوي النهي الارشادي فان المولي اذا نهي عن الصلاة في النجس ينحل هذا النهي بحسب ما يمكن أن يصير نجسا من لباس المصلي.

و ان شئت قلت: مقتضي النهي عن الصلاة مع البدن النجس أو اللباس النجس وجوب تطهير

كل قطعة من البدن أو اللباس عن النجاسة و علي هذا لو كان مقدار النجاسة في اللباس أزيد من البدن يجب غسل اللباس كما أن الامر كذلك بالنسبة إلي البدن لو انعكس الامر فما أفاده في المتن متين.

(2) قال سيد المستمسك قدس سره: «و لعل هذا الحكم من الضروريات» الي آخر كلامه.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 377

______________________________

و يستفاد المدعي من جملة من النصوص: لاحظ ما رواه زكريا بن آدم قال:

سألت أبا الحسن عليه السلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير و مرق كثير قال: يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمة أو الكلب و اللحم اغسله و كله قلت: فانه قطر فيه الدم قال: الدم تأكله النار ان شاء اللّه قلت: فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم قال: فقال: فسد.

قلت ابيعه من اليهودي و النصاري و ابين لهم؟ قال: نعم فانهم يستحلون شربه قلت و الفقاع هو بتلك المنزلة اذا قطر في شي ء من ذلك؟ فقال: اكره أنا أن آكله اذا قطر في شي ء من طعامي «1» و ما رواه زرارة «2» و ما رواه جابر «3» و ما رواه السكوني «4» و ما رواه حريز «5» و ما رواه أبو خالد القماط «6» و ما رواه ابو بصير «7».

و ما رواه سعيد الاعرج أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الجرة تسع مأئة رطل يقع فيها أوقية من دم اشرب منه و أتوضأ؟ قال: لا «8» و ما رواه معاوية

______________________________

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب النجاسات الحديث: 8.

(2) لاحظ ص: 155

(3) لاحظ ص: 155

(4) لاحظ ص: 155.

(5) لاحظ ص: 187.

(6) لاحظ ص: 154.

(7) لاحظ ص: 290.

(8)

الوسائل الباب 13 من أبواب النجاسات الماء المطلق الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 378

و يجوز الانتفاع به فيما لا يشترط فيه الطهارة (1).

______________________________

بن وهب «1» و ما رواه زرارة «2» و ما رواه الحلبي «3».

الي غيرها من الروايات المذكورة في الوسائل في الباب 43 من أبواب الأطعمة المحرمة و الباب 3 من أبواب الماء المطلق و الباب 18 من أبواب الاشربة المحرمة

فالمتحصل مما تقدم حرمة أكل النجس و شربه كما في المتن.

(1) مقتضي القاعدة الاولية جواز الانتفاع بالنجس الا فيما قام الدليل علي الحرمة و مرسلة حسن بن علي بن شعبه «4» من حيث الدلالة علي الحرمة تامة اذ نهي فيها عن الانتفاع بالنجس و عنوان النجس كما يطلق علي الاعيان النجسة كذلك يطلق علي المتنجس و العرف ببابك لكن المرسلات لا اعتبار بها و عمل المشهور بها علي تقدير تحققه لا يوجب اعتبارها.

ان قلت: يستفاد من جملة من النصوص أنه لا يجوز الانتفاع بالخمر لاحظ ما رواه أبو الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالي: انما الخمر و الميسر الاية أما الخمر فكل مسكر من الشراب اذا اخمر فهو خمر و ما أسكر كثيرة فقليله حرام و ذلك أن أبا بكر شرب قبل أن تحرم الخمر فسكر إلي أن قال: فانزل اللّه تحريمها بعد ذلك و انما كانت الخمر يوم حرمت بالمدينة فضيخ البسر و التمر فلما نزل تحريمها خرج رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فقعد في المسجد ثم دعا بآنيتهم التي كانوا ينبذون فيها فأكفأها كلها و قال: هذه كلها خمر حرمها اللّه فكان أكثر

______________________________

(1) لاحظ ص: 279

(2) لاحظ ص: 281.

(3) لاحظ ص: 279

(4) الوسائل الباب 2 من

أبواب ما يكتسب به الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 379

______________________________

شي ء [اكفي] في ذلك اليوم الفضيخ و لم اعلم اكفي يومئذ من خمر العنب شي ء الا اناء واحد كان فيه ربيب و تمر جميعا فأما العصير العنب فلم يكن منه يومئذ بالمدينة شي ء و حرم اللّه الخمر قليلها و كثيرها و بيعها و شرائها و الانتفاع بها الحديث «1».

و ما رواه جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: لعن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في الخمر عشرة: غارسها و حارسها و عاصرها و شاربها و ساقيها و حاملها و المحمولة اليه و بايعها و مشتريها و آكل ثمنها «2».

و ما رواه معاوية بن عمار قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الخمر يكتحل منها فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: ما جعل اللّه في محرم شفاء «3».

و غيرها مما ورد في الباب 21 و 34 من أبواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

بل لا يبعد أن يستفاد من بعضها- كحديث أبي الجارود- وجوب اراقتها فان لم يكن الانتفاع بالنجس حراما فما الوجه في حرمة الانتفاع بالخمر؟.

قلت: لا يستفاد من النصوص المشار اليها أن العلة للحرمة نجاسة الخمر و لذا نلتزم بالحرمة حتي علي القول بطهارتها.

و ملخص الكلام أن مقتضي القاعدة الاولية عدم الحرمة و علي فرض قيام دليل علي الحرمة في مورد لا بد من الاقتصار عليه و لا وجه للتعدي و تفصيل الكلام في

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 5

(2) الوسائل الباب 34 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 1.

(3) الوسائل الباب 21 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 380

[مسألة 400: لا يجوز بيع الميتة]

(مسألة 400): لا يجوز بيع الميتة

(1).

______________________________

كل واحد من النجاسات موكول إلي محله.

(1) يظهر من بعض الكلمات أن المشهور بل المجمع عليه بين الخاصة و العامة هي حرمة بيع الميتة وضعا و تكليفا و عن المستند أن حرمة بيعها و شرائها و التكسب بها اجماعي و كذلك نقل عن التذكرة و عن رهن الخلاف: أنها لا تملك.

و يدل علي الحرمة الوضعية ما رواه البزنطي صاحب الرضا عليه السلام قال:

سألته عن الرجل تكون له الغنم يقطع من ألياتها و هي أحياء أ يصلح له أن ينتفع بما قطع؟ قال: نعم يذيبها و يسرج بها و لا يأكلها و لا يبيعها «1».

و تدل أيضا علي فساد بيعها عدة نصوص: منها: ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر البغي و الرشوة في الحكم و أجر الكاهن «2».

و منها: ما رواه الصدوق قال: قال عليه السلام: أجر الزانية سحت و ثمن الكلب الذي ليس بكلب الصيد سحت و ثمن الخمر سحت و أجر الكاهن سحت و ثمن الميتة سحت الحديث «3».

و منها: ما روي عن جعفر بن محمد عن آبائه في وصية النبي صلي اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام قال: يا علي من السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر الزانية و الرشوة في الحكم و أجر الكاهن «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 6

(2) الوسائل الباب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 5.

(3) نفس المصدر الحديث: 8.

(4) نفس المصدر الحديث: 9

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 381

______________________________

و في قبال هذه النصوص ما يعارضها لاحظ ما رواه أبو القاسم الصيقل قال:

كتبت

اليه قوائم السيوف التي تسمي السفن اتخذها من جلود السمك فهل يجوز العمل بها و لسنا نأكل لحومها؟ «قال خ» فكتب: لا بأس «1».

و ما رواه أيضا و ولده قال: كتبوا إلي الرجل جعلنا اللّه فداك انا قوم نعمل السيوف ليست لنا معيشة و لا تجارة غيرها و نحن مضطرون اليها و انما علاجنا جلود الميتة و البغال و الحمير الاهلية لا يجوز في أعمالنا غيرها فيحل لنا عملها و شرائها و بيعها و مسها بأيدينا و ثيابنا و نحن نصلي في ثيابنا و نحن محتاجون إلي جوابك في هذه المسألة يا سيدنا لضرورتنا؟ فكتب اجعل ثوبا للصلاة و كتب اليه جعلت فداك و قوائم السيوف التي تسمي السفن نتخذها من جلود السمك فهل يجوز لي العمل بها و لسنا نأكل لحومها؟ فكتب عليه السلام: لا بأس «2». و الحديثان ضعيفان.

و ربما يستفاد الجواز من رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث ان علي بن الحسين عليه السلام كان يبعث إلي العراق فيؤتي مما قبلكم بالفرو فيلبسه فاذا حضرت الصلاة القاه و ألقي القميص الذي يليه فكان يسئل عن ذلك فقال:

ان أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة و يزعمون أن دباغه ذكاته «3».

بتقريب: أن الظاهر من الرواية أنه عليه السلام كان يبعث إلي العراق لان يشتري له الفرو و الحال أن أهل العراق كانوا يستحلون لباس الميتة حسب قوله عليه السلام.

و يرد عليه: أن السند ضعيف مضافا إلي أن يد المسلم و سوق المسلمين امارة

______________________________

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 3

(2) نفس المصدر الحديث: 4

(3) الوسائل الباب 61 من أبواب النجاسات الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص:

382

و الخمر (1).

______________________________

علي التذكية فالمتحصل أن الحق ما أفاده في المتن من حرمة بيع الميتة وضعا.

(1) الظاهر أنه أاتفاقي بين الفريقين و حرمته أوضح من أن يخفي و تدل علي المدعي جملة من النصوص:

منها: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل ترك غلاما له في كرم له يبيعه عنبا أو عصيرا فانطلق الغلام فعصر خمرا ثم باعه قال: لا يصلح ثمنه ثم قال: ان رجلا من ثقيف اهدي إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله راويتين من خمر فأمر بهما رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فاهريقتا و قال: ان الذي حرم شربها حرم ثمنها ثم قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ان أفضل خصال هذه التي باعها الغلام أن يتصدق بثمنها «1».

و منها ما رواه السكوني «2» و منها ما رواه الصدوق «3» و منها ما رواه حماد بن عمرو و انس «4». و منها غيرها المذكور في الوسائل في الباب 55 و 5 من أبواب ما يكتسب به.

و علي الجملة لا اشكال في حرمة بيع الخمر لكن المستفاد من جملة من النصوص جواز بيعه بالنسبة إلي الكافر لاحظ النصوص التي نذكرها في شرح حرمة بيع الخنزير.

______________________________

(1) الوسائل الباب 55 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1

(2) لاحظ ص: 380.

(3) لاحظ ص: 380.

(4) لاحظ ص: 380.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 383

و الخنزير (1).

______________________________

و لا ادري كيف حكم الماتن بحرمة بيع الخمر و الخنزير علي الاطلاق و الحال أنه ليس الامر كذلك.

لا يقال: اي أثر يترتب علي صحة بيع الكافر فانه يقال: من جملة آثاره أنه لو باع الخمر أو الخنزير يتملك الثمن فيجوز أن يأخذه المسلم

منه بسبب من الاسباب المقررة كما أنه صرح بما ذكر في بعض النصوص المشار اليها فلاحظ.

(1) ادعي علي بطلان بيعه الاجماع و تدل علي المدعي جملة من النصوص منها: ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجلين نصرانيين باع احدهما خمرا أو خنزيرا إلي أجل فأسلما قبل أن يقبضا الثمن هل يحل له ثمنه؟ بعد الإسلام قال: انما له الثمن فلا بأس أن يأخذه «1».

فان المستفاد من هذه الرواية فساد بيع الخنزير اذ لو كان بيعه صحيحا لم يكن وجه لتخصيص الحلية بمن له الثمن فيعلم أن البيع فاسد في حق المسلم.

و بعبارة اخري: ان مقتضي مفهوم الحصر أن غير مالك الثمن لا يجوز له و ان لم يكن البيع فاسدا لم يكن وجه للتخصيص كما أنه يستفاد من الرواية أنه يجوز بيعه لغير المسلم.

و منها: ما رواه معاوية بن سعيد عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن نصراني أسلم و عنده خمر و خنازير و عليه دين هل يبيع خمره و خنازيره و يقضي دينه؟

قال: لا «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 61 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 57 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 384

______________________________

و هذه الرواية ضعيفة بمعاوية بن سعيد.

و منها ما رواه يونس في مجوسي باع خمرا أو خنازير إلي اجل مسمي ثم أسلم قبل أن يصل المال قال: له دراهمه و قال: أسلم رجل و له خمر أو خنازير ثم مات و هي في ملكه و عليه دين قال: يبيع ديانه أو ولي له غير مسلم خمره و خنازيره و يقضي دينه و ليس له أن

يبيعه و هو حي و لا يمسكه «1».

و هذه الرواية ضعيفة بابن مرار.

و منها: حديثا الجعفريات و دعائم الإسلام قال: من السحت إلي أن قال و ثمن الخنزير «2» و قال: نهي عن بيع الاحرار و عن بيع الميتة و الخنزير «3» و الحديثان كلاهما ضعيفان سندا.

و في قبال هذه النصوص عدة روايات يستفاد منها الجواز منها: ما رواه منصور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: لي علي رجل ذمي دراهم فيبيع الخمر و الخنزير و أنا حاضر فيحل لي أخذها؟ فقال: انما لك عليه دراهم فقضاك دراهمك «4».

و منها: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في رجل كان له علي رجل دراهم فباع خمرا و خنازير و هو ينظر فقضاه فقال: لا بأس أما للمقتضي فحلال و أما للبائع فحرام «5».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 2:

(2) مستدرك الوسائل الباب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 5

(4) الوسائل الباب 60 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1

(5) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 385

و الكلب غير الصيود (1).

______________________________

و منها: ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يكون لي عليه الدراهم فيبيع بها خمرا و خنزيرا ثم يقضي منها قال: لا بأس أو قال: خذها «1».

و منها: ما رواه محمد بن يحيي الخثعمي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون لنا عليه الدين فيبيع الخمر و الخنازير فيقضينا فقال: فلا بأس به ليس عليك من ذلك شي ء «2».

و منها: ما رواه أبو بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون له علي الرجل مال فيبيع

بين يديه خمرا و خنازير يأخذ ثمنه قال: لا بأس «3».

فلا بد من الجمع بين هذه النصوص فنقول: النص المعتبر الدال علي الحرمة منحصر في حديث ابن جعفر و المستفاد منه كما مر أمران: أحدهما عدم الجواز للمسلم ثانيهما الجواز للنصراني.

و ما دل علي الجواز علي قسمين: أحدهما: ما يدل علي الجواز بالنسبة إلي خصوص الذمي ثانيهما: ما يدل علي الجواز علي الاطلاق أما القسم الاول فلا تعارض بينه و بين دليل المنع اذ كل منهما وارد في موضوع غير ما ورد فيه الاخر و أما القسم الثاني فحيث انه مطلق يقيد بحديث ابن جعفر بمقتضي قانون تقييد المطلق بالمقيد فلا يبقي اشكال.

(1) لاحظ ما رواه محمد بن مسلم و عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 3

(2) نفس المصدر الحديث: 4

(3) نفس المصدر الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 386

______________________________

عليه السلام قال: ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت ثم قال: و لا بأس بثمن الهر «1».

و تدل علي المدعي جملة اخري من النصوص منها: ما رواه أبو عبد اللّه العامري قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد فقال: سحت و أما الصيود فلا باس «2»

و منها: ما رواه الحسن بن علي القاساني عن الرضا عليه السلام في حديث قال: و ثمن الكلب سحت «3».

و منها: ما رواه جراح المدائني قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: من أكل السحت ثمن الخمر و نهي عن ثمن الكلب «4».

و منها: ما رواه أبو بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن كلب الصيد قال: لا بأس بثمنه و الاخر لا يحل ثمنه

«5».

و منها: ما رواه أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: ثمن الخمر و مهر البغي و ثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت «6».

و منها: ما رواه الوليد العماري قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن

______________________________

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 3

(2) نفس المصدر الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 2

(4) نفس المصدر الحديث: 4

(5) نفس المصدر الحديث: 5

(6) نفس المصدر الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 387

______________________________

الكلب الذي لا يصيد فقال: سحت و أما الصيود فلا بأس «1».

و منها: ما رواه الوشاء عن الرضا عليه السلام قال: سمعته: يقول: ثمن الكلب سحت و السحت في النار «2».

و هذه النصوص كلها ضعيفة أما الاول فبقاسم الوليد العماري و أما الثاني فبسهل و أما الرابع فبقاسم بن سليمان و أما الخامس و السادس فبالبطائني و أما السابع فبقاسم بن الوليد و أما الثامن فبالارسال.

فالمعتبر من الروايات هو رواية محمد بن مسلم و عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه فالمتحصل أن بيع الكلب فاسد لكن قد قيد دليل الحرمة بان لا يكون صيوديا و أما الصيود فيحل بيعه كما صرح في جملة من النصوص لاحظ ما رواه ابن مسلم فان المنع يختص بغير الصيود و أما بيع الصيود فيجوز علي طبق القاعدة بل يمكن ان يقال: ان جوازه يستفاد من نفس الحديث بمقتضي الفهم العرفي.

و نتيجة ما تقدم أن بيع الكلب مطلقا فاسد الا كلب الصيد و ربما يقال: بجواز بيع كلب الماشية و الزرع و الحائط و استدل عليه بجملة من الوجوه كلها ضعيفة:

الاول: الاجماع و فيه أن حال

الاجماع في الاشكال ظاهر اذ يحتمل كونه مستندا إلي الوجوه المذكورة فيكون مدركيا لا تعبديا فلا يكون حجة.

الثانية: أن قتلها يوجب الدية. و فيه أن ثبوت الدية لا يستلزم جواز البيع فان قتل الحر يوجب الدية و مع ذلك لا يجوز بيعه.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 7.

(2) نفس المصدر الحديث: 8

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 388

و لا بأس يبيع غيرها من الاعيان النجسة و المتنجسة اذا كانت لها منفعة محللة معتدة بها عند العقلاء علي نحو يبذل بازائها المال (1) و الا فلا يجوز بيعها و ان كانت لها منفعة محللة جزئية (2).

______________________________

الثالث: أن اجارتها جائزة فيجوز بيعها أيضا للملازمة. و فيه: أنه لا ملازمة و لذا يجوز اجارة الحر و لا يجوز بيعه.

الرابع: أن بيع كلب الصيد جائز لوجود المنفعة فيه فيجوز بيع هذه الثلاثة لعين الملاك.

و فيه: أنه لا ملازمة بين الامرين و لذا نري أن الحر له منافع محللة مقصودة و مع ذلك لا يجوز بيعه.

و علي الجملة الاحكام الشرعية تعبدية و لا طريق إلي الوصول إلي ما هو الملاك.

الخامس: أن مقتضي الجمع بين الروايات هو الجواز. و فيه: أن الدليل المعتبر قد دل علي جواز بيع الصيود و نهي عن غيره و أما الرواية الدالة علي الجواز خصوصا أو عموما كحديث تحف العقول فلا اعتبار بسنده فلا تصل النوبة إلي الجمع السندي و الدلالي.

فالنتيجة: أنه لا دليل علي جواز الانواع الثلاثة فالمرجع الرواية الدالة علي عدم الجواز نعم في خصوص الكلب الذي يصيد يجوز بيعه لدلالة جملة من النصوص عليه.

(1) تفصيل الكلام موكول إلي كتاب المكاسب و لكن الظاهر أن الامر كما أفاده اذ ليس في المقام ما يكون مقتضيا للحرمة و

الاطلاقات الدالة علي صحة البيع تقتضي الجواز.

(2) قد تعرضنا لهذه الجهة في بحث المعاملات و قد قرر ما حققناه في هذا

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 389

[مسألة 401: يحرم تنجيس المساجد و بنائها و سائر آلاتها و كذلك فراشها]

(مسألة 401): يحرم تنجيس المساجد و بنائها و سائر آلاتها و كذلك فراشها و اذا تنجس شي ء منها وجب تطهيره بل يحرم ادخال النجاسة العينية غير المتعدية اليه اذا لزم من ذلك هتك حرمة المسجد مثل وضع العذرات و الميتات فيه و لا بأس به مع عدم الهتك و لا سيما فيما لا يعتد به لكونه من توابع الداخل مثل أن يدخل الانسان و علي ثوبه أو بدنه دم لجرح أو قرح أو نحو ذلك (1).

______________________________

المقام المقرر لاحظ ج 3 من كتاب دراساتنا ص: 154- 159 و قلنا هناك انه لا دليل علي اعتبار المالية و المنفعة في المبيع و التفصيل موكول إلي ذلك الباب.

و العجب من الماتن حيث أفتي في المقام بعدم الجواز مع أنه صرح في بعض كلماته «1» بعدم الاعتبار و في بعض نسخ المنهاج بني عدم الجواز علي الاحتياط.

(1) في هذه المسألة فروع: الاول: أنه تجب ازالة النجاسة عن المسجد و الذي يمكن أن يذكر في وجهه أو ذكر امور:

الامر الاول: الاجماع و فيه أنه علي فرض تحصيله لا يمكن أن يعتمد عليه لاحتمال استناد المجمعين إلي الوجوه المذكورة فلا يكون تعبديا كاشفا بل يحتمل كونه مدركيا.

الامر الثاني: قوله تعالي: «أَنْ طَهِّرٰا بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ الْعٰاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ» «2».

بتقريب: أن اللّه تعالي أمر بتطهير البيت و حيث انه لا فرق بين المسجد الحرام

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص: 58

(2) البقرة/ 119

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 390

______________________________

و بقية المساجد فان جميع المساجد بيوت اللّه فيجب

ازالة النجاسة عن مطلق المسجد.

و فيه: أولا أن الخطاب المذكور متوجه إلي ابراهيم و كون المقصود من الطهارة الطهارة الشرعية الاعتبارية التي محل الكلام أول الاشكال بل مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي أن يكون المراد من الجملة تطهير البيت من آثار الشرك و قذارته كما ورد عن الصادق عليه السلام فانه عليه السلام قال في هذا الخبر: «يعني نح عنه المشركين» «1» فلا ترتبط الاية بالمدعي.

و ثانيا لو اغمض عما ذكر نقول: ان المستفاد من الاية أن التطهير لأجل الطائف و العاكف فيناسب أن يكون المراد من التطهير تنزيه البيت من القذارات الصورية.

و ثالثا أن عدم الفصل بين المسجد الحرام و بقية المساجد غير ثابت و عدم القول بالفصل ليس اجماعا علي عدم الفصل و الحال أن الاجماع علي فرض تحققه لا أثر له كما مر.

الامر الثالث: قوله تعالي: «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ» «2».

بتقريب: أن المستفاد من الاية حرمة دخول المشرك المسجد الحرام لأجل كونه نجسا و حيث انه لا فرق بين المسجد الحرام و بقية المساجد فالحكم عام.

و يرد عليه أولا: أنه قد مر منا الاشكال في كون المراد من اللفظ في الاية

______________________________

(1) تفسير نور الثقلين ج 1 ص 123

(2) التوبة/ 28

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 391

______________________________

النجاسة الاعتبارية و قد استوفينا الكلام من هذه الجهة في بحث نجاسة الكافر فراجع.

و ثانيا: أن عدم الفرق بين المسجد الحرام و بقية المساجد أول الكلام كما مر آنفا.

و ثالثا: أن الاية علي فرض دلالتها انما تدل علي حرمة ادخال النجاسة في المسجد و الحال أنه لا يحرم ادخال الاعيان النجسة فيه اذا لم يلزم منه الهتك.

فالنتيجة أن هذا الدليل أيضا غير تام.

الامر الرابع: ما

عن النبي صلي اللّه عليه و آله: أنه قال: جنبوا مساجدكم النجاسة «1».

و هذه الرواية لإرسالها لاعتبار بها مضافا إلي تطرق احتمالات فيها فانه من الممكن أن يكون المراد بالمساجد المواضع السبعة كما أنه يمكن أن يكون المراد المواضع التي تقع عليها المواضع السبعة و أيضا يمكن أن يكون المراد خصوص موضع الجبهة.

الامر الخامس: ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الدابة تبول فتصيب بولها المسجد أو حائطه أ يصلي فيه قبل أن يغسل؟ قال اذا جف فلا بأس «2».

بتقريب: أن المرتكز في ذهن السائل أن ازالة النجاسة عن المسجد أمر واجب و من ناحية اخري يتصور السائل أن بول الدابة من النجاسات و لذا يسأل

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب أحكام المساجد الحديث: 2

(2) الوسائل الباب 9 من أبواب النجاسات الحديث: 18

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 392

______________________________

عن الامام عن وظيفته و الامام عليه السلام قرره علي ما في ذهنه.

ان قلت: بول الدواب طاهر علي طبق المذهب. قلت: حيث ان مذهب العامة علي نجاسته يكون التقرير تقية.

ان قلت: ان كان المستفاد من الرواية ما ذكر فكيف يمكن الالتزام بعدم البأس في صورة الجفاف اذ مطلق الجفاف لا يكون مطهرا.

قلت: من الممكن أن الرواية من هذه الجهة صدرت أيضا تقية اذ كما نقل أن بعض العامة أي الحنفية قائلون بأن مطلق الجفاف يقتضي الطهارة و لكن حمل الرواية علي التقية بهذا النحو لا ينافي دلالتها علي المدعي فان المستفاد منها وجوب ازالة النجاسة عن المسجد غاية الامر تطبيق هذه الكبري علي المورد يكون بنحو التقية.

لكن في المقام اشكال و هو أنه من الممكن أن يكون السؤال من ناحية

منافاة تعظيم المسجد مع وجود القذارات العرفية فيه فربما تجب ازالتها عنه أو تستحب فيمكن أن يكون وجه السؤال امكان تنافي المبادرة إلي الصلاة مع وجود بول الدابة علي جدران المسجد و الامام عليه السلام يفصل بين صورتي الجفاف و عدمه اذ مع الجفاف لا يصدق انهتاك المسجد فلا يرتبط السؤال بوجوب ازالة النجاسة عن المسجد.

و يؤيد المدعي أنه يبعد أن يكون مثل علي بن جعفر جاهلا بعدم نجاسة بول الدابة. فتأمل.

الامر السادس: ما رواه محمد الحلبي قال: نزلنا في مكان بيننا و بين المسجد

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 393

______________________________

زقاق قذر فدخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام فقال: أين نزلتم؟ فقلت: نزلنا في دار فلان فقال: ان بينكم و بين المسجد زقاقا قذرا أو قلنا له: ان بيننا و بين المسجد زقاقا قذرا فقال: لا بأس ان الارض تطهر بعضها بعضا قلت: و السرقين الرطب أطأ عليه فقال: لا يضرك مثله «1».

بتقريب: أن تعليق نفي البأس علي حصول الطهارة يدل علي أنه مع النجاسة لا يجوز.

و فيه: أولا أنه يمكن أن يكون بلحاظ الصلاة كما يستفاد ما ذكر من حديثه الاخر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: ان طريقي إلي المسجد في زقاق يبال فيه فربما مررت فيه و ليس علي حذاء فيلصق برجلي من نداوته فقال: أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟ قلت: بلي قال: فلا بأس ان الارض تطهر بعضه بعضا قلت: فأطأ علي الروث الرطب قال: لا بأس أنا و اللّه ربما وطئت عليه ثم اصلي و لا اغسله «2».

فان المستفاد من هذا الحديث أن محط النظر جواز الصلاة بلحاظ حصول الطهارة فلا ترتبط الرواية بحرمة

تنجيس المسجد أو وجوب تطهيره.

و ثانيا لو كان النظر إلي عدم تنجيس المسجد لكان المناسب أن يعلل عدم الباس بجفاف الرجل من البول اذ مع الجفاف لا ينجس المسجد فلاحظ.

الامر السابع: ما رواه أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام في حديث

______________________________

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب النجاسات الحديث: 4.

(2) نفس المصدر الحديث: 9

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 394

______________________________

طويل ان اللّه أوحي إلي نبيه أن طهر مسجدك و أخرج من المسجد من يرقد فيه بالليل و مر بسد أبواب من كان له في مسجدك باب الباب علي عليه السلام و مسكن فاطمه عليها السلام و لا يمرن فيه جنب «1».

و يرد عليه: أنه يمكن أن يكون المراد من المسجد مسجد الجبهة و الا كان المناسب أن يقول: «و اخرج منه» لسبق المرجع مضافا إلي أنه يمكن أن يكون وجوب تطهير مسجده تكليفا مختصا به.

الامر الثامن النصوص الدالة علي جواز جعل الكنيف مسجدا بعد تنظيفه أو طمه بالتراب لاحظ الروايات في الوسائل في الباب 11 من أبواب أحكام المساجد منها ما رواه عبيد اللّه بن علي الحلبي أنه قال لأبي عبد اللّه عليه السلام: فيصلح المكان الذي كان حشا زمانا أن ينظف و يتخذ مسجدا؟ فقال: نعم اذا القي عليه من التراب ما يواريه فان ذلك ينظفه و يطهره «2».

و منها ما رواه أبو الجارود قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المكان يكون خبيثا ثم ينظف و يجعل مسجدا قال: يطرح عليه من التراب حتي يواريه فهو أطهر «3».

و منها: ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن بيت كان حشا زمانا هل يصلح أن يجعل

مسجدا؟ قال: اذا نظف و اصلح فلا بأس «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الجنابة الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 11 من أبواب احكام المساجد الحديث: 1

(3) نفس المصدر الحديث: 3

(4) نفس المصدر الحديث: 7

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 395

______________________________

فانه يمكن أن يستدل بهذه الروايات علي المدعي بتقريبين: احدهما: أن المرتكز في ذهن السائل التنافي بين المسجدية و النجاسة و الامام عليه السلام قرره علي هذا الارتكاز.

ثانيهما أنه عليه السلام علق جواز جعل الكنيف مسجدا علي الطم فيعلم التنافي بين الامرين و يعلم من هذه النصوص كما ذكرنا أن عنوان المسجد لا يجامع مع النجاسة فلا فرق بين الاحداث و الابقاء اي يستفاد منها أمران:

الاول: حرمة التنجيس الثاني وجوب التطهير لكن لا يستفاد من هذه النصوص سراية الحكم المذكور إلي خارج المسجد فلا دليل علي شمول الحكم خارجه فلا تجب ازالة النجاسة عن جدار المسجد من خارجه.

و ان شئت قلت: المستفاد من الادلة حرمة التنجيس و وجوب الازالة عن ظاهر المسجد و أما باطنه فمقتضي الاصل هو الجواز.

و ربما يقال: بأنه يجوز تنجيس المسجد فان الجواز مقتضي الاصل و يدل عليه ما رواه عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الدمل يكون بالرجل فينفجر و هو في الصلاة قال: يمسحه و يمسح يده بالحائط أو بالارض و لا يقطع الصلاة «1».

فان مقتضي اطلاق الحديث جواز مسح يده بالحائط و ان كان الحائط للمسجد.

و فيه: أن الاصل لا يبقي مجال له بعد ورود النص و أما الحديث فلا اطلاق له و ليس في مقام البيان من هذه الجهة و لذا لا يمكن الاستدلال به علي جواز مسح

______________________________

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب النجاسات الحديث:

8.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 396

______________________________

حائط الغير مضافا إلي أن الرواية مخدوشة سندا بعلي بن خالد فالمتحصل مما ذكرنا أنه تجب ازالة النجاسة عن المسجد.

الفرع الثاني: أنه يحرم تنجيس المسجد كما تجب ازالة النجاسة عنه و قد ظهر بما ذكرنا أن الامر كما أفاده فكما تجب الازالة كذلك يحرم احداث النجاسة.

الفرع الثالث: أنه تجب ازالة النجاسة عن آلات المسجد و فراشه و يحرم تنجيسها و الحاق الامور المذكورة بالمسجد في الوجوب و الحرمة المذكورين مشكل و الاحتياط طريق النجاة.

و ملخص الكلام أنه لا دليل علي الحاق آلات المسجد بالمسجد نفسه في وجوب ازالة النجاسة عنها و حرمة تنجيسها و مقتضي الاصل الاولي البراءة نعم اذا ترتب علي تنجيس الالات هتك حرمة المسجد أو ترتب الهتك علي عدم ازالة النجاسة عنها حرم الاول و وجب الثاني.

و في كلام سيدنا صرح بحرمة التنجيس بالنسبة إلي حصيره و فرشه بتقريب أنه ينافي جهة الوقفية».

و لم أفهم المراد من هذا الكلام فانه اي منافاة بين تنجيس فرش المسجد و جهة الوقف الا من ناحية توقف الاستفادة عن فرش المسجد علي طهارته و هذا التقريب علي فرض تماميته يكون أخص من المدعي فلاحظ.

الفرع الرابع: أنه يحرم ادخال النجاسة غير المتعدية اليه مع تحقق الهتك و الامر كما أفاده فان هتك حرمة المسجد حرام بالقطع اذ المسجد من شعائر اللّه و هتكها حرام و لذا يحرم الهتك بأي نحو يتحقق و لا يختص بالمقام.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 397

[مسألة 402: تجب المبادرة إلي إزالة النجاسة من المسجد]

(مسألة 402): تجب المبادرة إلي ازالة النجاسة من المسجد (1) بل و آلاته و فراشه علي الاحوط (2) حتي لو دخل المسجد ليصلي

______________________________

الفرع الخامس: جواز الادخال مع عدم تحققه و هذا لا

اشكال فيه فان السيرة جارية علي ادخال النجاسة في المسجد في صورة عدم تحقق الهتك.

و يمكن استفادة الجواز من بعض النصوص كالنصوص الدالة علي اجتياز الجنب و الحائض المساجد و الحال انهما مصاحبان غالبا مع النجاسة لاحظ النصوص في الباب 15 من أبواب الجنابة من الوسائل منها: ما رواه جميل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الجنب يجلس في المساجد؟ قال: لا و لكن يمر فيها كلها الا المسجد الحرام و مسجد الرسول صلي اللّه عليه و آله «1».

و منها: ما رواه زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قالا قلنا له:

الحائض و الجنب يدخلان المسجد أم لا؟ قال: الحائض و الجنب لا يدخلان المسجد الا مجتازين ان اللّه تبارك و تعالي يقول: و لا جنبا الا عابري سبيل حتي تغتسلوا «2».

(1) حيث علم من الشارع عدم رضائه ببقاء النجاسة فيه للتنافي و يمكن الاستدلال علي المدعي بالنصوص الدالة علي تعليق جواز جعل الكنيف مسجدا علي الطم فانه لو لم تكن النجاسة منافية مع المسجدية بنحو الاطلاق لم يكن وجه للزوم الطم اولا ثم جعل المحل مسجدا.

(2) اذ لا دليل علي شمول الحكم لما ذكر فاسراء الحكم من باب الاحتياط فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الجنابة الحديث: 10

(2) نفس المصدر الحديث: 10

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 398

فيه فوجد فيه نجاسة وجبت المبادرة إلي ازالتها مقدما لها علي الصلاة مع سعة الوقت (1) لكن لو صلي و ترك الازالة عصي (2) و صحت الصلاة (3) أما في الضيق فتجب المبادرة إلي الصلاة مقدما لها علي الازالة (4).

[مسألة 403: إذا توقف تطهير المسجد علي تخريب شي ء منه وجب تطهير إذا كان يسيرا لا يعتد به]

(مسألة 403): اذا توقف تطهير المسجد علي تخريب شي ء منه وجب تطهير اذا

كان يسيرا لا يعتد به و أما اذا كان التخريب مضرا بالوقف ففي جوازه فضلا عن الوجوب اشكال حتي فيما اذا وجد باذل لتعميره (5).

[مسألة 404: إذا توقف تطهير المسجد علي بذل مال وجب]

(مسألة 404): اذا توقف تطهير المسجد علي بذل مال وجب الا اذا كان بحيث يضر بحاله (6).

______________________________

(1) اذ الموسع لا يزاحم المضيق.

(2) لتركه الواجب.

(3) بالترتب.

(4) فان الاقوي ملاكا يقدم و لا اشكال في أقوائية الصلاة من حيث الملاك فتقدم.

(5) الذي يختلج بالبال أن يقال ان كان التخريب لا يضر بالانتفاع منفعة مقصودة من المسجد يجب لان المفروض وجوب الازالة فتجب مقدمة ما يكون واجبا و أما ان كان مضرا بالوقف كما هو المفروض في المتن فوجوبه محل الاشكال اذ المقام يدخل في كبري التزاحم و حيث ان حرمة التخريب محتمل الاهمية فلا مجال لتعين الازالة بالتخريب و عليه لا فرق بين وجود الباذل و عدمه.

(6) تارة تكون للمسجد موقوفة راجعة إلي جهات المسجد فلا اشكال في جواز

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 399

و لا يضمنه من صار سببا للتنجيس (1) كما لا يختص وجوب ازالة النجاسة به (2).

[مسألة 405: إذا توقف تطهير المسجد علي تنجيس بعض المواضع الطاهرة وجب إذا كان يطهر بعد ذلك]

(مسألة 405): اذا توقف تطهير المسجد علي تنجيس بعض المواضع الطاهرة وجب اذا كان يطهر بعد ذلك (3).

______________________________

بذل المال منها لتطهير المسجد اذ تطهيره من الامور الراجعة اليه فلا اشكال في البذل بل يجب و أما علي تقدير عدمها فان قلنا بأن المستفاد من دليل لا ضرر هو النهي فلا مجال للتوقف في الوجوب لان التطهير واجب و مقدمة الواجب كذلك و أما علي المسلك المشهور فان توقف تطهير المسجد علي بذل المال و كان ضرريا لا يجب لحكومة قاعدة لا ضرر علي ادلة الاحكام الاولية.

(1) دليل الضمان ناظر إلي تلف العين أو النقص الحاصل فيها بفعل المتلف و أما مؤنة التطهير فلا دليل علي ضمانها فلو نجس ملك الغير فتارة يكون التنجيس موجبا لإتلافه كالحليب المتنجس فضمانه

علي من نجسه اذا لإتلاف يوجب الضمان و اخري يوجب نقصان قيمتها فالمتلف يضمن ما به التفاوت و أما مؤنة التطهير فلا.

هذا بالنسبة إلي الاملاك الشخصية أو الاوقاف الخاصة و أما المسجد فهو تحرير و ليس وقفا فلا يضمن من نجسه نعم لا يبعد القول بالضمان بالنسبة إلي اتلاف ما يكون وقفا للمسجد فان فرش المسجد وقف و ليس تحريرا.

(2) اذ المفروض أن وجوب ازالة النجاسة عن المسجد كفائي و لا يختص بواحد من المكلفين دون آخر و لا فرق في تحقق موضوع التكليف بين أنواعه و ذلك لإطلاق الدليل و ان شئت قلت: لم يدل دليل علي الاختصاص.

(3) اذ الامر يدور بين المحذورين و يجب بحكم العقل اختيار اقلهما.

بل يمكن أن يقال بالوجوب في الجملة و لو مع عدم طهارته بعد ذلك مثلا لو

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 400

[مسألة 406: إذا لم يتمكن الإنسان من تطهير المسجد وجب عليه إعلام غيره]

(مسألة 406): اذا لم يتمكن الانسان من تطهير المسجد وجب عليه اعلام غيره اذا احتمل حصول التطهير باعلامه (1).

[مسألة 407: إذا تنجس حصير المسجد وجب تطهيره فيما إذا لم يستلزم فساده علي الأحوط]

(مسألة 407): اذا تنجس حصير المسجد وجب تطهيره فيما اذا لم يستلزم فساده علي الاحوط و أما مع استلزام الفساد ففي جواز

______________________________

فرض توقف تطهير ثلاثة اذرع من المسجد علي تنجيس شبر واحد بحيث لا يمكن تطهيره بعد ذلك لا يبعد أن يقال بوجوب الازالة و لو مع استلزامها نجاسة ذلك المقدار و عدم امكان ازالتها بعد ذلك و ذلك لان كل جزء من المسجد موضوع للحكم فلو دار الامر بين بقاء نجاسة الاقل و الاكثر يقدم الاول.

(1) بتقريب: أنه اذا شك العبد في القدرة علي الامتثال أو اذا شك في امكان تحصيل الغرض يجب بحكم العقل التصدي و سد باب العدم من ناحية نفسه.

و للنقاش في هذا التقريب مجال فان الواجب بحكم العقل امتثال الامر المولوي كما لو تمكن من تحصيل الغرض الملزم فانه لا يبعد أن يقال ان العقل يحكم بلزوم حفظ الملاك و عدم جواز تفويته.

و أما في غير هذين الموردين فلا دليل علي المدعي فان مقتضي اصل البراءة عدم توجه التكليف و في المقام مع الشك في تأثير الاخبار يشك المكلف في القدرة علي التطهير و مع الشك فيها يشك في توجه الحطاب و مقتضي الاصل عدم الوجوب.

نعم مع احراز التأثير و قيام الغير بهذه الوظيفة يجب الاعلام اذ لا يجب في تطهير المسجد المباشرة بل يتحقق الامتثال باي نحو ممكن.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 401

تطهيره أو قطع موضع النجس منه اشكال (1).

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق مباني منهاج

الصالحين؛ ج 3، ص: 401

[مسألة 408: لا يجوز تنجيس المسجد الذي صار خرابا]

(مسألة 408): لا يجوز تنجيس المسجد الذي صار خرابا و ان كان لا يصلي فيه أحد و يجب تطهيره اذا تنجس (2).

______________________________

(1) قد مر الاشكال فيه و أنه لا دليل علي الوجوب نعم فيما لا يتوجه محذور يكون التطهير موافقا للاحتياط و أما مع استلزامه محذورا كما ذكر في المتن فلا يجوز اذ لا مجال لارتكاب الاحتياط في ضمن الاتيان بالمحرم.

(2) المسجد المخروب تارة يكون باقيا بعنوانه و اخري لا يكون باقيا بعنوانه كما اذا جعل طريقا و شارعا عاما بحيث لا يصدق عليه العنوان الاولي فلا اشكال في حرمة التنجيس و وجوب الازالة لإطلاق الدليل و أما الصورة الثانية فربما يقال:

بأنه لا يترتب عليه الاحكام المقررة لعدم بقاء عنوان الموضوع.

و بتقريب آخر: الادلة اللفظية لا تشمله لان الاحكام المستفادة من الادلة اللفظية مترتبة علي عنوان المسجد و المفروض انتفاء العنوان فلا موضوع و لا مجال لاستصحاب بقاء احكامه لعدم جريان الاستصحاب في الحكم الكلي.

و يرد عليه أنه لا اشكال في انطباق عنوان المسجدية و لو بعد الخراب و جعله موضوعا آخر اذ المسجدية يتقوم بجعل من بيده الامر المكان الفلاني مسجدا و لا معني لزوال هذا العنوان.

و العجب من سيدنا الاستاد حيث أفاد في هذا المقام- علي ما في التقرير- أن الوقف لا يبطل بالخراب لعدم المقتضي للبطلان و أما ترتيب الاحكام عليه فلا لانتفاء الموضوع.

فان ما أفاده جمع بين المتنافيين اذ العنوان الذي قصده الجاعل و هو عنوان

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 402

[مسألة 409): اذا علم اجمالا بنجاسة أحد المسجدين أو أحد المكانين من مسجد وجب تطهيرهما]

(مسألة 409): اذا علم اجمالا بنجاسة أحد المسجدين أو أحد المكانين من مسجد وجب تطهيرهما.

[مسألة 410: يلحق بالمساجد المصحف الشريف و المشاهد المشرفة و الضرائح المقدسة و التربة الحسينية]

(مسألة 410): يلحق بالمساجد المصحف الشريف و المشاهد المشرفة و الضرائح المقدسة و التربة الحسينية بل تربة الرسول ص و سائر الائمة عليهم السلام المأخوذة للتبرك فيحرم تنجيسها اذا كان يوجب اهانتها و تجب ازالة النجاسة عنها حينئذ (2).

______________________________

المسجدية ان كان باقيا يترتب أحكامه و الا فلا مقتضي لبقاء الوقف علي حاله و الحال أن الجاعل قصد أمرا واحدا و الامر الواحد غير قابل للبقاء و الزوال معا مضافا إلي أن المسجد ليس وقفا بل تحرير.

و نعم ما قال المحقق الهمداني قدس سره في هذا المقام في شرح قول المحقق قدس سره: «و اذا زالت آثار المسجدية لا تزول بذلك مسجديته»،: «لان قوام المسجدية في الحقيقة انما هو بارض المسجد لا بالآثار بل لو خرجت أرضه عن صلاحية أن يصلي فيه بالفعل باستعلاء الماء عليها أو باستيجامها مثلا لم يحل لأحد تملكه، بل و لا فعل ما ينافي مسجديته» «1».

الي آخر كلامه رفع في علو مقامه.

(1) للعلم الإجمالي و تنجيزه علي ما هو المعروف عند القوم.

(2) اذ لا اشكال في حرمة اهانة المذكورات فانها حرمات اللّه و شعائره وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعٰائِرَ اللّٰهِ فَإِنَّهٰا مِنْ تَقْوَي الْقُلُوبِ كما أنه لو تنجست و بقائها علي النجاسة

______________________________

(1) مصباح الفقيه ج 2 ص: 705

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 403

______________________________

يوجب انتهاكها تجب الازالة بلا اشكال.

هذا بالنسبة إلي مورد تحقق عنوان الهتك و هو خارج عن محل الكلام فان هتك حرمات اللّه حرام باي وجه كان و لذا لا يجوز و يحرم الهتك و لو مع عدم التنجيس و أما الازالة أو التنجيس بما هما

كذلك فهل يكون دليل علي وجوب الاول و حرمة الثاني؟

فنقول: أما وجوب الازالة فالظاهر أنه لا دليل عليه و كونه مصداقا لتعظيم شعائر اللّه لا يقتضي الوجوب اذ من الظاهر أنه لا يجب تعظيم الشعائر بجميع أنواعه و هذا أوضح من أن يخفي و مقتضي الاصل الاولي عدم الوجوب.

و أما حرمة التنجيس فتارة يقع الكلام بالنسبة إلي المصحف الشريف و اخري بالنسبة إلي بقية المذكورات في المتن أما المصحف الشريف فالظاهر أنه لا دليل علي حرمة تنجيسه مع قطع النظر عن عنوان الهتك بلا فرق بين خطه و غيره من الورق و الجلد و غيرهما مما يتعلق به.

و ربما يقال- كما عن شيخنا الانصاري قدس سره- بأنه يحرم مس الخط الشريف بلا طهارة و يدل عليه قوله تعالي: «لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ» «1» فان الاية الشريفة و لو بمعونة النص تدل علي حرمة المس و ان غير المتطهر لا يجوز له فبطريق أولي تدل علي حرمة تنجيسه و ازالة النجاسة عنه.

و بعبارة اخري: اذا كان مس الخط باليد مع طهارة اليد غير جائز كما يستفاد من الاية يحرم التنجيس بالاولوية.

______________________________

(1) الواقعة/ 79

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 404

[مسألة 411: إذا غصب المسجد و جعل طريقا أو دكانا أو خانا أو نحو ذلك]

(مسألة 411): اذا غصب المسجد و جعل طريقا أو دكانا أو خانا أو نحو ذلك ففي حرمة تنجيسه و وجوب تطهيره اشكال (1) و الاقوي عدم وجوب تطهيره من النجاسة الطارئة عليه بعد الخراب (2).

______________________________

و يرد عليه: أنه لا ملازمة بين عدم جواز مس الكتاب لغير المتطهر و عدم وجوب ازالة النجاسة الخبثية عنه و كذلك حرمة التنجيس اذ ملاكات الاحكام الشرعية ليست بايدينا.

و اما الاية الشريفة فقد تعرضنا لها في الجزء الاول من هذا الشرح ص: 552

و قلنا هناك بأن الاية ليست في مقام التشريع و لا يستفاد منها الحكم الشرعي و الرواية المفسرة لها ضعيفة سندا فراجع.

و أما ساير المذكورات في المتن فافاد سيدنا الاستاد بأنه حرام بتقريب: ان ما يتعلق بالمعصوم من الحرم الشريف و الرواق و الضريح و غيرها وقف خاص له و ملك لتلك الجهة الخاصة و قد وقفت لانتفاع الناس بها و كونها نجسة ينافي الانتفاع المطلوب منها اذ مع نجاستها تتعدي إلي الزوار فلا يجوز.

و يرد عليه أولا: أنه ليس كل جزء من المذكورات مورد ابتلاء الزوار فالدليل أخص من المدعي.

و ثانيا أن ما افيد يتوقف علي تنجيس المتنجس و هو أول الكلام.

و ثالثا هذا البيان لا يتم مع الشك في السراية و الملاقاة مع الرطوبة.

فالحق عدم قيام دليل علي حرمة التنجيس فالمتحصل مما ذكرنا أنه لا دليل علي وجوب ازالة النجاسة عن المذكورات بل لا دليل علي حرمة تنجيسها فلاحظ.

(1) قد مر أنه لا وجه للإشكال.

(2) لم يظهر لي وجه ما أفاده فانه اي فرق بين الصورتين و بعبارة اخري ان

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 405

و أما مساجد الكفار فلا يحرم تنجيسها و لا تجب ازالة النجاسة عنها (1).

نعم اذا اتخذت مسجدا بأن يتملكها ولي الامر ثم يجعلها مسجدا جري عليها جميع أحكام المسجد (2).

______________________________

كان تخريب المسجد يخرجه عن عنوانه و يبدل موضوعه بحيث لا يترتب عليه الاحكام المقررة له شرعا فلا يفرق بين النجاسة الطارئة عليه قبل الخراب و بعده اذ المفروض انعدام الموضوع و لا مجال لاستصحاب الحكم السابق لعدم بقاء الموضوع أولا و عدم جريان الاستصحاب في الحكم الكلي ثانيا و أما ان قلنا بعدم خروجه عن عنوانه بالخراب فلا وجه

للتفريق بل يترتب عليه جميع الاحكام بلحاظ اطلاق الدليل.

(1) الحكم مترتب علي عنوان المسجدية و حيث انه لم يحرز قصد هذا العنوان بالنسبة إلي تلك المعابد فلا تترتب عليها الاحكام المذكورة المترتبة علي المسجد بل يظهر من بعض النصوص أنها لا تكون مسجدا لاحظ ما رواه العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن البيع و الكنائس يصلي فيها؟

قال: نعم و سألته هل يصلح بعضها مسجدا فقال: نعم «1».

و ما رواه أيضا قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن البيع و الكنائس هل يصلح نقضها لبناء المساجد؟ فقال: نعم «2». فانه يظهر من الحديثين أن البيع و الكنائس ليست مسجدا اذ لو كانت مساجد لم يكن وجه لنقضها و بنائها ثانيا فان تخريب المسجد غير جائز.

(2) لتحقق الموضوع علي الفرض و ترتب الحكم علي موضوعه.

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب احكام المساجد الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 406

[تتميم: فيما يعفي عنه في الصلاة من النجاسات و هو أمور]
اشارة

تتميم: فيما يعفي عنه في الصلاة من النجاسات و هو أمور:

[الأول: دم الجروح و القروح في البدن و اللباس]
اشارة

الاول: دم الجروح و القروح في البدن و اللباس (1).

حتي تبرأ بانقطاع الدم انقطاع برء (2) و الاقوي اعتبار المشقة النوعية بلزوم الازالة أو التبديل في كل يوم مرة فاذا لم يلزم ذلك

______________________________

(1) قال في الحدائق: «لا خلاف بين الاصحاب فيما اعلم في أصل العفو عن دم الجروح و القروح قليلا كان أو كثيرا و الاخبار به متظافرة» «1» انتهي.

(2) لاحظ ما رواه أبو بصير «2» و لاحظ ما رواه ليث المرادي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل تكون به الدماميل و القروح فجلده و ثيابه مملوة دما وقيحا و ثيابه بمنزلة جلده فقال: يصلي في ثيابه و لا يغسلها و لا شي ء عليه «3».

فان مقتضي اطلاق الحديثين و غيرهما من النصوص المذكورة في الباب عدم تقييد الحكم بالحرج و المشقة.

و لا يخفي أنه مع المشقة و العسر لا نحتاج إلي النصوص الخاصة اذ الحرج يرفع التكليف فلا تكليف بالصلاة مع المشقة.

و ملخص الكلام أنه لم يقيد الحكم في النصوص بصورة الحرج كما أن مقتضي التصريح بالبرء في حديث أبي بصير و اطلاق باقي النصوص بقاء العفو إلي زمان البرء.

______________________________

(1) الحدائق ج 5 ص: 300.

(2) لاحظ ص: 195

(3) الوسائل الباب 22 من أبواب النجاسات الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 407

فلا عفو (1) و منه عدم البواسير اذا كانت ظاهرة

______________________________

(1) لم يظهر لي وجه ما أفاده اذ ربما يقال: ان المستفاد من نصوص الباب بحسب الفهم العرفي أن يكون التطهير أو التبديل ذا مشقة نوعية و ان لم يكن بالنسبة الي شخص خاص شاقا.

و هذه الدعوي ليست بعيدة و من يدعي استفادتها

من النصوص ليس مجازفا لكن تخصيص الحكم بخصوص المشقة في التبديل في اليوم مرة لا وجه له.

و بعبارة اخري: لا يبعد أن يقال- كما في كلام السيد اليزدي قدس سره في عروته-: ان المستفاد من النصوص اختصاص الحكم بصورة المشقة النوعية ففي كل مورد يكون كذلك يكون معفوا و الا فلا فلاحظ.

و في المقام حديثان لا ينطبقان علي ما في المتن احدهما ما رواه سماعة قال:

سألته عن الرجل به الجرح و القرح فلا يستطيع أن يربطه و لا يغسل دمه قال: يصلي و لا يغسل ثوبه كل يوم إلا مرة فانه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كل ساعة «1».

فان المستفاد من هذه الرواية أن الذي لا يمكنه غسل الدم و لا ربط ما به من القرح أو الجرح يصلي و يغسل في كل يوم ثوبه و لم يقيد بعدم الحرج النوعي و المشقة النوعية فلا ينطبق علي ما أفاده.

مضافا إلي أنه مضمر سماعة و الماتن لا يري مضمر سماعة معتبرة بدعوي أنه لم يثبت أن سماعة لا يضمر الا عن المعصوم عليه السلام.

ثانيهما ما رواه في السرائر: «قال: ان صاحب القرحة التي لا يستطيع صاحبها ربطها و لا حبس دمها يصلي و لا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من مرة «2».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) الوسائل ج 2 ص 1029 في الهامش الرقم: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 408

______________________________

و المستفاد من هذا الحديث أن صاحب القرحة التي لا يستطيع ربطها و لا حبس دمها يصلي و لا يغسل ثوبه في اليوم اكثر من مرة و هذا الحديث أيضا كما تري لا ينطبق علي ما في المتن.

فالمتحصل بحسب الفهم العرفي من النصوص الواردة في المقام أنه

لو كان في التبديل أو الغسل مشقة نوعية لم يجب و مع عدم المشقة لا نوعا و لا شخصا يشكل الجزم بالجواز.

و الذي يستفاد من حديث ابن مسلم أنه يجب التبديل أو الغسل في كل يوم مرة نعم اذا كان حرجيا حرجا شخصيا لا يجب اذ الحرج يرفع الحكم الحرجي الا أن يقال: بأنه لا يمكن الالتزام بوجوبه فان قوله عليه السلام في حديث أبي بصير «1» صريح في أنه لم يغسل ثوبه إلي زمان برء دماميله و الحال أنه من البعيد جدا عدم امكان الغسل أو التبديل بالنسبة اليه.

و يستفاد من حديث ابن جعفر «2» وجوب غسل الثوب في كل يوم مرتين و لكن يرفع اليد عنه أيضا بصراحة خبر أبي بصير في عدم وجوبه إلي أن يحصل البرء مضافا إلي أن وجوب الغسل خلاف السيرة الخارجية القطعية فلاحظ.

ثم انه أفاد سيد العروة فيها أنه يجب شده اذا كان في موضع يتعارف شده و لعل المدرك حديث ابن مسلم المنقول في السرائر بتقريب أن المستفاد من مفهوم الرواية ان الذي يستطيع ربط القرحة يجب أن يربطها و يشدها.

______________________________

(1) لاحظ ص 195

(2) لاحظ ص: 325.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 409

بل الباطنة كذلك علي الاظهر و كذا كل جرح أو قرح باطني خرج دمه إلي الظاهر (1).

[مسألة 412: كما يعفي عن الدم المذكور يعفي أيضا عن القيح المتنجس به و الدواء الموضوع عليه و العرق المتصل به]

(مسألة 412): كما يعفي عن الدم المذكور يعفي أيضا عن القيح المتنجس به (2) و الدواء الموضوع عليه و العرق المتصل به (3).

______________________________

و يرد علي الاستدلال بالرواية علي المدعي أنه قد حقق في محله عدم المفهوم للوصف فلا مجال لهذه الدعوي.

و أما ما رواه سماعة «1» و ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال:

قلت لأبي عبد اللّه

عليه السلام: الجرح يكون في مكان لا يقدر علي ربطه فيسيل منه الدم و القيح فيصيب ثوبي فقال: دعه فلا يضرك أن لا تغسله «2»، فلم يذكر القيد في كلام الامام عليه السلام بل ذكر في كلام السائل فعدم دلالتها علي المفهوم أوضح فالمتحصل أنه لا مقتضي لهذا التقييد مضافا إلي أن السيرة الجارية من المتشرعة ليست كذلك فيكشف عن عدم اللزوم.

(1) لا يبعد أن ما أفاده علي طبق القاعده فان الميزان في العفو هو الذي يبتلي المكلف بدمه و يتلوث بدنه أو لباسه بلا فرق بين كونه ظاهريا أو باطنيا فعليه يدخل في المقام دم البواسير بلا فرق بين الخارجي و الداخلي.

(2) كما صرح في حديثي ليث و عبد الرحمن «3» و لا يبعد أن يكون يستفاد من غيرهما كذلك للملازمة الغالبية.

(3) للتعارف الخارجي و حمل النصوص علي صورة خلو الجرح أو القرح

______________________________

(1) لاحظ ص: 407

(2) الوسائل الباب 22 من أبواب النجاسات الحديث: 6

(3) لاحظ ص: 406 و اول هذه الصحيفة

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 410

و الاحوط استحبابا شده اذا كان في موضع يتعارف شده (1).

[مسألة 413: إذا كانت الجروح و القروح المتعددة متقاربة]

(مسألة 413): اذا كانت الجروح و القروح المتعددة متقاربة بحيث تعد جرحا واحدا عرفا جري عليه حكم الواحد فلو برأ بعضها لم يجب غسله بل هو معفو عنه حتي يبرأ الجميع (2).

[مسألة 414: إذا شك في دم أنه دم جرح أو قرح أو لا لا يعفي عنه]

(مسألة 414): اذا شك في دم أنه دم جرح أو قرح أولا لا يعفي عنه (3).

[الثاني: الدم في البدن و اللباس]
اشارة

الثاني: الدم في البدن و اللباس (4).

______________________________

عن الدواء خلاف الظاهر فانه حمل للمطلق علي الفرد النادر كما أن حمله علي فصل الشتاء أو البلاد الباردة أو علي صورة عدم ملاقاة العرق للموضوع كذلك فان كل ذلك خلاف الظاهر.

و صفوة القول أن حمل النصوص علي غير المتعارف الخارجي خلاف المتفاهم العرفي كما أن حملها علي الحكم الاقتضائي و الحيثي خلاف الظاهر فلاحظ.

(1) قد مر الوجه فيه.

(2) بلا اشكال و لا كلام اذ المفروض كونها واحدة عرفا مضافا إلي حديث أبي بصير «1» فانه صرح عليه السلام بأن به دما ميل و لم يكن يغسل ثوبه.

(3) لاستصحاب عدم كونه من القروح و الجروح فلا بد من ازالته اذ مقتضي عموم المانعية أن الدم مطلقا يكون مانعا خرج منه دم القروح و الجروح فاذا احرز بالاستصحاب عدم كونه منهما يشمله دليل المانعية.

(4) النصوص الواردة في المقام واردة في الثوب و لكن المشهور فيما بين

______________________________

(1) لاحظ ص: 195.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 411

______________________________

القوم ضم البدن اليه قال في الحدائق: «و ظاهر كلمة الاصحاب الاتفاق علي ضم البدن اليه أيضا» «1» انتهي.

و الذي يمكن أن يقال في وجه الالحاق أمور: الاول: القطع بعدم الفرق- كما في كلام بعض- و الانصاف أن دعوي القطع بعدم الفرق جزاف.

الثاني: الاجماع و فيه انه علي تقدير تحصيله يحتمل أن يكون مستندا إلي بعض الوجوه المذكورة في كلمات القوم.

الثالث: ما رواه مثني بن عبد السلام «2» بتقريب أن المراد بقدر الحمصة قدرها وزنا لا سعة و هي تقرب من سعة الدرهم.

و يرد عليه أن الرواية ضعيفة سندا بمثني حيث

انه لم يوثق صريحا مضافا إلي الخدشة في دلالتها علي المدعي فان المستفاد من الرواية عدم نجاسة الدم بهذا المقدار فان الامر بالغسل ارشاد إلي النجاسة و النهي عنه إلي عدمها فلا يرتبط الحديث بما نحن فيه.

الرابع: الاستظهار من نفس نصوص الباب بتقريب أن التأمل فيها- كما في كلام سيدنا الاستاد- يقتضي سلب مانعية الدم بهذا المقدار علي الاطلاق بلا فرق بين اللباس و البدن. و عهدة هذه الدعوي علي مدعيها ففي النتيجة ان ثبت اجماع تعبدي كاشف أو أمكن اثبات السيرة المتصلة بزمانهم عليهم السلام فهو و الا فيشكل الجزم بالمدعي و اللّه العالم.

______________________________

(1) الحدائق ج 5 ص: 308

(2) لاحظ ص: 196

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 412

اذا كانت سعته أقل من الدرهم البغلي (1).

______________________________

(1) كما نص عليه في الروايات لاحظ ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور «1» و ما رواه اسماعيل الجعفي «2» و ما رواه محمد بن مسلم «3».

بقي حكم الدم اذا كان بمقدار الدرهم نقل عن المشهور ذهابهم إلي عدم العفو بل عن الخلاف دعوي الاجماع علي عدم العفو و نقل عن المرتضي و سلار العفو و منشأ الخلاف اختلاف الاخبار فلا بد من ملاحظتها.

فنقول: القاعدة الاولية تقتضي المنع فان المستفاد من الادلة عدم جواز الصلاة في النجس و الاستثناء يحتاج إلي الدليل.

و ربما يقال: ان المستفاد من الشرطية الثانية في حديث الجعفي «4» هو العفو لان المنطوق قد جعل الموضوع للمنع اكثر من الدرهم فيدل بالمفهوم علي عدم البأس في الدرهم أو الاقل.

و فيه: ان الموضوع لنفي البأس في الصدر الاقل من الدرهم فيدل بالمفهوم علي البأس في الدرهم و الذيل بيان للصدر فلا دليل علي عدم البأس بالنسبة إلي

مقدار الدرهم.

و ان شئت قلت: ان الذيل اما غير متعرض لمقدار الدرهم أو يكون ناظرا الي أن الدم اذا كان بمقدار الدرهم أو أكثر فلا تدل الرواية علي عدم الباس في مقدار الدرهم.

______________________________

(1) لاحظ ص: 338

(2) لاحظ ص: 191

(3) لاحظ ص: 191

(4) لاحظ ص: 191

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 413

و لم يكن من دم نجس العين (1).

______________________________

و ان ابيت عما ذكرنا قلنا الرواية تصبح مجملة بلحاظ تعارض ذيلها مع صدرها فلا تكون قابلة للاستدلال.

و قريب من الحديث المذكور ما رواه محمد بن مسلم «1» فان مقتضي ذيل الحديث ان المانع ما يكون أزيد من مقدار الدرهم و بمفهومه يدل علي عدم كون مقدار الدرهم مانعا و أما صدر الرواية فيستفاد منه ان الميزان في العفو كونه أقلّ من الدرهم فنقول: الرواية اما غير متعرضة لصورة مقدار الدرهم بل ناظرة الي صورتي الاقل و الاكثر و اما المراد من الذيل مقدار الدرهم فما زاد و اما نقول:

بأن الذيل و الصدر يتعارضان فالرواية تصير مجملة و علي جميع التقادير تكون النتيجة المنع اذ علي تقدير عدم التعرض و السكوت عن حكم مقدار الدرهم يكون المرجع دليل المنع كما انه علي تقدير الاجمال كذلك و اما علي التقدير الثالث فالامر اوضح اضف إلي ذلك كله ان حديث ابن ابي يعفور «2» يدل بالصراحة علي مانعية مقدار الدرهم فلاحظ.

(1) يمكن أن يقال: ان مقتضي اطلاق دليل العفو عدم الفرق بين أنواع الدم فلا بأس بدم نجس العين و قد ذكر في المنع عن الاطلاق وجوه:

الوجه الاول: انصراف الدليل بدعوي ان الابتلاء بدم نجس العين نادر فدليل العفو منصرف عنه.

و يرد عليه اولا: ان لازم هذا الكلام اخراج كثير من

الدماء التي يكون الابتلاء

______________________________

(1) لاحظ ص: 191

(2) لاحظ ص: 338

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 414

و لا من الميتة و لا من غير مأكول اللحم و الا فلا يعفي عنه علي الاظهر (1) و الاحوط الحاق الدماء الثلاثة الحيض و النفاس و الاستحاضة بالمذكورات (2).

______________________________

بها نادرا و هل يمكن القول به؟ و ثانيا لا وجه للانصراف فان المطلق لا ينصرف الي الفرد النادر لا أنه ينصرف عنه سيما مع أن الاطلاق عبارة عن رفض القيود لا الجمع بينها فالحكم مترتب علي الطبيعي بلا قيد و لازمه سريانه و شمول الحكم لجميع افراده.

الوجه الثاني: ان دم نجس العين يلاقي بدنه فيشتد نجاسته و دليل العفو ناظر الي خصوص الدم لا الزائد عليه.

و فيه: أن دم الحيوان النجس كبقية اجزائه و لا يتأثر جزئه بملاقاة جزء آخر و الا يلزم أن يتأثر البول بملاقاة مثله.

الوجه الثالث: ان المستفاد من دليل العفو عنوان الدم بما هو دم و لا نظر في دليل العفو إلي جهة اخري.

و هذا الوجه تام و مما يوضح المدعي ان الالتزام بالاطلاق يستلزم العفو عن دم نجس العين اذا كان أقلّ من الدرهم و أما لعاب فمه فهو يوجب فساد الصلاة و كيف يمكن القول به فلاحظ.

(1) قد ظهر الوجه فيهما مما ذكرنا في نجس العين فانه لا اطلاق في دليل الاستثناء و بعبارة اخري تلك النصوص ناظرة إلي اخراج الدم بما هو دم.

(2) تارة يستدل علي المدعي بالإجماع. و يرد عليه انه لم يتحقق قيام اجماع

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 415

و لا يلحق المتنجس بالدم به (1).

[مسألة 315: إذا تفشي الدم من أحد الجانبين إلي الآخر فهو دم واحد]

(مسألة 315). اذا تفشي الدم من احد الجانبين إلي الاخر فهو دم واحد (2).

______________________________

تعبدي علي الحكم و

اخري بحديث أبي بصير «1» بتقريب أن الحديث يدل علي مانعية دم الحيض علي الاطلاق و بالحاق دم الاستحاضة به بأنها مشتقة منه و بأن دم النفاس اصله دم الحيض.

و يرد علي اصل الاستدلال أن الحديث ضعيف سندا بالمكاري و علي فرض التسليم لا وجه لإلحاق دم الاستحاضة و النفاس بدم الحيض فان دم الاستحاضة بمقتضي النص غير دم الحيض و انهما لا تخرجان من محل واحد لاحظ ما رواه معاوية بن عمار قال: قال ابو عبد اللّه عليه السلام ان دم الاستحاضة و الحيض ليس يخرجان من مكان واحد ان دم الاستحاضة بارد و ان دم الحيض حار «2».

و أما دم النفاس فعلي تقدير تسليم أنه حيض محتبس لا وجه لترتيب آثار الحيض عليه بلا دليل علي الاطلاق فلاحظ. فالحق أن الدماء الثلاثة كبقية الدماء و لا وجه لإخراجها.

(1) و وجه الالحاق الاولوية بدعوي ان الفرع لا يزيد علي الاصل. و فيه أن الاحكام الشرعية امور تعبدية و ليس لنا التصرف فيها بل لا بد من اتباع الدليل و مقتضاه المنع في المتنجس بالدم.

(2) كما هو ظاهر فانه لا يعد في العرف متعددا و ان شئت قلت: الدم كبقية

______________________________

(1) لاحظ ص: 193.

(2) الوسائل الباب 3 من أبواب الحيض الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 416

نعم اذا كان قد تفشي من مثل الظهارة إلي البطانة فهو دم متعدد فيلحظ التقدير المذكور علي فرض اجتماعه فان لم يبلغ المجموع سعة الدرهم عفي عنه (1) و الا فلا (2).

______________________________

الاجسام له سطحان احدهما مرئي علي الدوام و الاخر يختلف باختلاف محله من حيث الرقة و الثخونة و ببيان آخر كل دم لا يخلو عن السطحين غايه الامر قد

يكون مرئيا و قد لا يكون فالحق ما أفاده في المتن.

(1) لصدق التعدد عرفا.

(2) ربما يقال: بأن الدم اذا كان متفرقا و لم يكن كل مصداق منه بقدر الدرهم لا يضر و ان كان المجموع بمقدار الدرهم أو أزيد و الدليل عليه ما رواه الحلبي «1» بدعوي أن اطلاق الحديث يقتضي ذلك.

و فيه: أن الحديث مخدوش سندا فان الظاهر ان ابن سنان الواقع في السند محمد و الرجل لم يوثق فلا تصل النوبة إلي ملاحظة دلالة الرواية و مقتضي حديثي اسماعيل و محمد «2» عدم العفو اذا كان بقدر الدرهم و لو مجتمعا فان اطلاقهما يقتضي المنع علي الاطلاق.

و ربما يقال: انه يستفاد من حديث ابن أبي يعفور أنه يشترط في المنع الاجتماع و أما مع التفرق فلا يضر و ان كان مجموعه بمقدار الدرهم بتقريب أن مجتمعا خبر بعد خبر لكون اسم يكون مستترا و خبره مقدار الدرهم و مجتمعا خبر بعد خبر و علي هذا التقدير يكون قيد الاجتماع دخيلا في المانعية.

______________________________

(1) لاحظ ص: 197.

(2) لاحظ ص: 191.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 417

[مسألة 416: إذا اختلط الدم بغيره من قيح أو ماء أو غيرهما لم يعف عنه]

(مسألة 416): اذا اختلط الدم بغيره من قيح أو ماء أو غيرهما لم يعف عنه (1).

[مسألة 417: إذا تردد قدر الدم بين المعفو عنه و الأكثر بني علي عدم العفو]

(مسألة 417): اذا تردد قدر الدم بين المعفو عنه و الاكثر بني علي عدم العفو (2).

______________________________

و يمكن أن يكون قوله عليه السلام: «مقدار الدرهم» اسما لقوله: «يكون» و مجتمعا خبرا له و علي هذا أيضا يستفاد ان المانعية تتوقف علي قيد الاجتماع و يمكن أن يكون قوله: «مجتمعا» حالا لمقدار الدرهم بأن يكون المعني: أن الموجب للإعادة أن يكون الدم مقدار الدرهم حالكونه مجتمعا و أما مع عدم قيد الاجتماع فلا يضر فعلي كل واحد من هذه التقادير الثلاثة يستفاد من الرواية ان المانع قيد الاجتماع.

و في المقام احتمال رابع و هو أن يكون حالا من الضمير المستتر في يكون فيكون المعني أنه يعيد صلاته اذا كان الدم في حال اجتماعه مقدار الدرهم اي لو اجتمع يكون بمقدار الدرهم و علي هذا الاحتمال يكفي في المانعية كونه بمقدار الدرهم و لو علي تقدير الاجتماع و لا يشترط الاجتماع الفعلي بل يكفي التقديري فان قلنا ان الظاهر من الدليل هو الاحتمال الرابع فهو و الا فغايته الاجمال فيكفي لإثبات المدعي اطلاق حديثي اسماعيل و محمد بن مسلم.

(1) لعدم دليل علي العفو كما مر الكلام في عدم العفو عما تنجس بالدم.

(2) فان مقتضي استصحاب العدم الازلي ان المقدار المشكوك فيه ليس داخلا في موضوع العفو فيدخل تحت عنوان دليل المنع و بما ذكرنا ظهر عدم توجه اشكال التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لان دليل المنع شامل لكل دم الا الدم

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 418

و اذا كانت سعة الدم أقلّ من الدرهم و شك في أنه من الدم المعفو عنه أو

من غيره بني علي العفو (1) و لم يجب الاختبار (2) و اذا انكشف بعد الصلاة أنه من غير المعفو لم تجب الاعادة (3).

[مسألة 418: الأحوط الاقتصار في مقدار الدرهم علي ما ما يساوي عقد السبابة]

(مسألة 418): الاحوط الاقتصار في مقدار الدرهم علي ما ما يساوي عقد السبابة (4).

______________________________

الذي يكون بمقدار الدرهم و بعد اخراج الدم ببركة الاستصحاب عن تحت دليل العفو يشمله دليل المنع فلاحظ.

(1) فانه بالاستصحاب يحرز عدم كونه من نجس العين أو الميتة أو غير مأكول اللحم فيدخل تحت دليل العفو.

(2) لعدم وجوب الفحص في الشبهة الموضوعية.

(3) لقاعدة لا تعاد.

(4) الظاهر انه لا خلاف بين الاصحاب في أن الحد المذكور في النصوص ناظر إلي سعة الدرهم لا وزنه مضافا إلي أن المستفاد العرفي كذلك فانه يفهم من روايات الباب المساحة و قد اختلفت الكلمات في بيان المراد من الدرهم و لم يرد نص في تعيين المراد غير ما عن فقه الرضا عليه السلام قال: ان اصاب ثوبك دم فلا بأس بالصلاة فيه ما لم يكن مقدار درهم واف و الوافي ما يكون وزنه درهما و ثلثا و ما كان دون الدرهم الوافي فلا يجب عليك غسله و لا بأس بالصلاة فيه «1».

و الكتاب المذكور لا اعتبار به سندا فلا بد من العمل علي طبق القواعد الاولية

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 15 من أبواب النجاسات الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 419

[الثالث: الملبوس الذي لا تتم به الصلاة وحده]
اشارة

الثالث: الملبوس الذي لا تتم به الصلاة وحده يعني لا يستر العورتين كالخف و الجوراب و التكة و القلنسوة و الخاتم و الخلخال و السوار و نحوها فانه معفو عنه في الصلاة اذا كان متنجسا (1).

______________________________

و حيث انه قام الدليل علي مانعية النجاسة و بطلان الصلاة مع البدن النجس أو اللباس كذلك فيلزم الاقتصار علي القدر المتيقن و هو المقدار المذكور في المتن و الظاهر أنه علي هذا الاساس أفاد سيد العروة قدس سره فيها بقوله: «و

لما حده بعضهم بسعة عقد الابهام من اليد و آخر بعقد الوسطي و آخر بعقد السبابة فالاحوط الاقتصار علي الاقل».

(1) نقل عليه عدم الخلاف بل نقل عن بعض ادعاء الاجماع علي عدم البأس و تدل علي المدعي جملة من النصوص:

منها: ما رواه زرارة عن احدهما عليهما السلام قال: كل ما كان لا يجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشي ء مثل القلنسوة و التكة و الجورب «1».

و منها: ما رواه حماد بن عثمان عمن رواه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يصلي في الخف الذي قد أصابه القذر فقال: اذا كان ما لا تتم فيه الصلاة فلا بأس «2».

و منها: ما رواه زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ان قلنسوتي وقعت في بول فاخذتها فوضعتها علي رأسي ثم صليت فقال: لا بأس «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 2

(3) نفس المصدر الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 420

و لو بنجاسة من غير المأكول (1) بشرط أن لا يكون فيه شي ء من أجزائه و الا فلا يعفي عنه (2).

______________________________

و منها غيرها المذكور في الباب 31 من أبواب النجاسات من الوسائل.

(1) للإطلاق.

(2) فان المستفاد من النصوص العفو عن النجاسة فلا نظر لها إلي اخراج الموانع الاخر عن المانعية فدليل المنع علي حاله و لا بد من الاخذ به و بعبارة اخري لا يستفاد من النصوص الا العفو من جهة النجاسة فلاحظ.

و لقائل أن يقول: ان مقتضي قوله عليه السلام «فلا بأس بأن يكون عليه الشي ء» عدم البأس و لو مع وجود عين النجاسة و بعبارة اخري: لو فرض ان القلنسوة تنجست بدم الكلب و فرضنا

وجود الدم فيها يصدق عليها انه عليها الشي ء و بمقتضي اطلاق نفي البأس يحكم به و نلتزم بعدم المانعية.

و يرد علي هذا التقريب ان الظاهر من الرواية نفي البأس من حيث النجاسة فمن هذه الحيثية تنفي الرواية البأس لا من جهات اخري ككون تلك النجاسة من الحيوان غير المأكول مثلا و علي تقدير تسلم الاطلاق يعارضها موثق ابن بكير قال: سأل زرارة أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر فاخرج كتابا زعم أنه املاء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: أن الصلاة في وبر كل شي ء حرام أكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كل شي ء منه فاسد «1» فان مقتضاه عدم الجواز.

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب لباس المصلي الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 421

و كذلك اذا كان متخذا من نجس العين كالميتة (1).

______________________________

(1) الانصاف ان حديث زرارة «1» لا يشمل ما كان متخذا من نجس العين فان الظاهر منه- كما مر قريبا- أن تكون النجاسة علي ما لا تتم فيه الصلاة و أما اذا كان ما لا تتم فيه الصلاة عين النجاسة فلا يشمله الحديث.

و لكن ربما يقال: باستفادة عدم البأس من حديثين آخرين: احدهما ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كل ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الابريسم و القلنسوة و الخف و الزنار يكون في السراويل و يصلي فيه «2».

فان المستفاد من الرواية ان ما لا تتم فيه الصلاة تجوز الصلاة فيه علي اي نحو كان فالرواية باطلاقها تقيد ادلة المانعة بلا اختصاص

بمورد دون آخر.

و لكن الاشكال في سند الحديث فان احمد بن هلال الواقع في السند لم يوثق و قول النجاشي في حقه: «انه صالح الرواية» لا يكون توثيقا و الا لم يكن وجه لتغيير اسلوب الكلام و أما كونه واردا في اسناد كامل الزيارات فلا يكون دليلا علي وثاقته كما مر منا مرارا مضافا إلي أن الشيخ ضعفه فالرواية ساقطة عن الاعتبار سندا.

ثانيهما ما رواه اسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن لباس الجلود و الخفاف و النعال و الصلاة فيها اذا لم تكن من أرض المصلين فقال:

أما النعال و الخفاف فلا بأس بهما «3».

______________________________

(1) لاحظ ص: 419

(2) الوسائل الباب 14 من أبواب لباس المصلي الحديث: 2

(3) الوسائل الباب 38 من أبواب لباس المصلي الحديث: 3

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 422

______________________________

بتقريب أن الجلد المأخوذ من غير ارض المسلمين محكوم بعدم التذكية و مع ذلك حكم عليه السلام بجواز الصلاة فيه اذا كان مما لا تتم الصلاة فيه كالخف و النعل و حيث انه لا فرق بين أقسام النجاسات فيجوز في كل نجس بهذا الشرط.

و في قبال هذه الطائفة طائفة اخري تدل علي المنع منها ما رواه محمد بن مسلم قال: سألته عن الجلد الميت أ يلبس في الصلاة اذا دبغ؟ قال: لا و لو دبغ سبعين مرة «1».

و منها: ما رواه الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الخفاف التي تباع في السوق فقال: اشتر وصل فيها حتي تعلم أنه ميتة بعينه «2».

و منها: ما رواه علي بن أبي حمزة أن رجلا سأل ابا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده عن الرجل يتقلد السيف و يصلي فيه؟ قال:

نعم فقال الرجل: ان فيه الكيمخت قال: و ما الكيمخت؟ قال: جلود دواب منه ما يكون ذكيا و منه ما يكون ميتة فقال:

ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه «3».

و منها ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشتري الخف لا يدري أ ذكي هو أم لا ما تقول في الصلاة فيه و هو لا يدري؟ أ يصلي فيه؟ قال: نعم أنا اشتري الخف من السوق و يصنع لي و اصلي فيه و ليس عليكم المسألة «4».

فان المستفاد من هذه الطائفة عدم جواز الصلاة في الميتة علي الاطلاق فيقع

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب لباس المصلي الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 50 من أبواب النجاسات الحديث: 2

(3) نفس المصدر الحديث: 4

(4) نفس المصدر الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 423

و شعر الكلب مثلا (1).

[مسألة 419: الأظهر عدم العفو عن المحمول المتخذ من نجس العين كالكلب و الخنزير]

(مسألة 419): الاظهر عدم العفو عن المحمول المتخذ من نجس العين كالكلب و الخنزير (2).

______________________________

التعارض بين الجانبين و يمكن أن يقال: بأن الترجيح مع رواية المنع اذ العامة قائلون بجواز الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه اذا دبغ و أيضا قائلون بأن جلد الميتة يطهر بالدباغ «1».

فعلي مسلكهم تجوز الصلاة في الميتة بعد الدبغ فعليه يكون ما يدل علي الجواز موافقا لمذهب العامة فالترجيح مع دليل المنع مضافا إلي قيام الاجماع علي عدم الجواز قال في الحدائق: «و قد أجمع الاصحاب رضوان اللّه عليهم علي أنه لا تجوز الصلاة فيه (جلد الميتة) و لو كان مما يؤكل لحمه سواء دبغ أم لم يدبغ حتي من القائلين بطهارته بالدباغ «2».

(1) عدم الجواز فيه أظهر لعدم المقتضي فان حديث زرارة كما مر

قريبا لا يقتضي الجواز بالنسبة إلي ما يكون مصنوعا من عين النجاسة مضافا إلي ما مر من أنه لا اطلاق في الدليل بالنسبة إلي الموانع الاخر غير النجاسة فلا تنفي البأس من حيث مانعية ما لا يؤكل و علي فرض الاطلاق يعارضه عموم حديث ابن بكير المقتضي لعدم جواز الصلاة في شي ء مما لا يؤكل لحمه و حيث ان عموم الموثقة بالوضع يقدم علي حديث زرارة المقتضي للجوار.

(2) النجس العين غير الكلب و الخنزير اذا كان محمولا للمصلي كما لو حمل

______________________________

(1) لاحظ الخلاف للشيخ الطائفة ج 1 ص: 6 و ص: 193

(2) الحدائق ج 7 ص: 50

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 424

______________________________

قارورة فيها البول هل تصح صلاته أم لا؟ مقتضي القاعدة الاولية هو الجوار اذ لا يصدق عنوان الصلاة في النجس و هذا العنوان مورد النهي.

و ربما يستدل علي المنع بما رواه علي بن جعفر قال: سألته عن الرجل يمر بالمكان فيه العذرة فتهب الريح فتسفي عليه من العذرة فيصيب ثوبه و رأسه يصلي فيه قبل أن يغسله؟ قال: نعم ينفضه و يصلي فلا بأس «1».

و يرد عليه: أن التعدي من مورد الرواية إلي مطلق المحمول مشكل و بعبارة اخري: في مورد الرواية لا يبعد أن يصدق كون النجس جزءا من البدن أو اللباس للمصلي.

و أما الاستدلال بحديثي علي بن جعفر قال: سألته عن الرجل يصلي و معه دبة من جلد الحمار أو بغل قال: لا يصلح أن يصلي و هي معه الا أن يتخوف عليها ذهابها فلا بأس أن يصلي و هي معه «2».

و سألته عن الرجل صلي و معه دبة من جلد حمار و عليه نعل من جلد حمار هل تجزيه صلاته؟ أو

عليه اعادة؟ قال: لا يصلح له أن يصلي و هي معه الا أن يتخوف عليها ذهابا فلا بأس أن يصلي و هي معه «3».

فيرد عليه اولا انه لم يفرض كون الجلد ميتة و ثانيا: يختص الحكم بخصوص الميتة فلا وجه للتعدي إلي مطلق النجاسات.

______________________________

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب النجاسات الحديث: 12

(2) الوسائل الباب 60 من أبواب لباس المصلي الحديث: 2.

(3) نفس المصدر الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 425

و كذا ما تحله الحياة من أجزاء الميتة (1).

و كذا ما كان من اجزاء ما لا يؤكل لحمه (2) و أما المحمول المتنجس فهو معفو عنه (3).

حتي اذا كان مما تتم به الصلاة فضلا عما اذا كان مما لا تتم به الصلاة كالساعة و الدراهم و السكين و المنديل الصغير و نحوها (4).

______________________________

(1) لاحظ ما رواه عبد اللّه بن جعفر «1» فان الظاهر منه ان جواز حمل الفارة معلق علي التذكية و الظاهر النظر إلي نفس الفارة لا إلي ما فيها فيدل الحديث بالمفهوم علي عدم الجواز اذا لم تكن مذكي.

(2) بمقتضي حديث ابن بكير «2» فان مقتضاه عدم جواز استصحاب شي ء مما لا يؤكل لحمه في الصلاة و بعبارة اخري: المستفاد من هذه الرواية بقرينة ذكر البول و الروث و كل شي ء منه أنه لا يجوز استصحاب شي ء مما يتعلق بغير المأكول فلا يجوز حمل المتخذ من غير المأكول كما في المتن و لو لم يصدق عنوان الصلاة فيه.

(3) لعدم المقتضي للمانعية و مقتضي الاطلاقات اللفظية و المقامية عدم المانعية كما أن مقتضي الاصل العملي كذلك فلاحظ.

(4) ربما يقال: بعدم الجواز بالنسبة إلي ما تتم فيه الصلاة بتقريب صدق الصلاة في النجس و قد منع

عن الصلاة فيه. و فيه أنه اذا كان محمولا لا يصدق

______________________________

(1) لاحظ ص: 169

(2) لاحظ ص: 420.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 426

[الرابع: ثوب الأم المربية للطفل الذكر]

الرابع: ثوب الام المربية للطفل (1) الذكر (2) فانه معفو عنه ان تنجس ببوله (3) اذا لم يكن عندها غيره (4) بشرط غسله في اليوم و الليلة مرة (5).

______________________________

عنوان الظرفية فلا تبطل الصلاة.

(1) بلا خلاف يعرف- كما عن الحدائق- بل قيل ادعي عليه الاجماع و لا يخفي أن الاجماع المنقول لا يكون حجة و المحصل منه علي فرض حصوله يحتمل كونه مدركيا فلا يكون تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم.

و عمدة الدليل ما رواه أبو حفص عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن امرأة ليس لها الا قميص واحد و لها مولود فيبول عليها كيف تصنع؟ قال: تغسل القميص في اليوم مرة «1».

و هذه الرواية ضعيفة بمحمد بن يحيي المعاذي بل غيره أيضا و عمل المشهور بها لا يوجب اعتبارها كما هو المقرر عندنا و عليه لا دليل علي المدعي و مقتضي القاعدة وجوب التطهير الا مع تحقق الحرج الشخصي الرافع للتكليف كما هو الميزان الكلي في جميع الموارد.

(2) لان المذكور في الرواية عنوان المولود و هو لا يشمل الانثي الا بالعناية و لا دليل علي ارادة التعميم و دعوي عدم الفرق بين الذكر و الانثي عهدتها علي مدعيها.

(3) كما صرح بالبول في السؤال.

(4) كما هو المصرح به في السؤال.

(5) كما امر به في الخبر.

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 427

مخيرة بين ساعاته (1) و لا يتعدي من الام إلي مربية اخري (2) و لا من الذكر إلي الانثي (3) و لا من البول إلي

غيره و لا من الثوب إلي البدن و لا من المربية إلي المربي (4) و لا من ذات الثوب الواحد الي ذات الثياب المتعددة مع عدم حاجتها إلي لبسهن جميعا و الا فهي كالثوب الواحد (5).

[الفصل الرابع في المطهرات]

ااشارة

الفصل الرابع في المطهرات

[و هي أمور]
اشارة

و هي امور

[الأول من المطهرات الماء]
اشارة

الاول الماء و هو مطهر لكل متنجس (6).

______________________________

(1) للإطلاق لكن حيث انه ليس تعبدا محضا بل بلحاظ الصلاة فلا بد من الاتيان بالغسل علي نحو يقع بعض الصلوات في الطاهر و ان كان الجزم به مشكلا.

(2) لعدم دليل علي التعدي.

(3) كما مر.

(4) لعدم الدليل علي التعميم.

(5) لعدم الدليل علي التعدي نعم مع فرض الحاجة في استعمال الثياب تكون في حكم الثوب الواحد اذ يفهم عرفا انه ليس تعبدا محضا كي يقال: انه فرض في السؤال انه ليس لها الا قميص واحد فالامر كما أفاده في المتن.

(6) بلا اشكال و لا خلاف ظاهر- كما في كلام سيد المستمسك قدس سره- و ربما يستدل علي المدعي بما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 428

______________________________

قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: الماء يطهر و لا يطهر «1» بتقريب أن حذف المتعلق يفيد العموم.

و فيه: أن السند مخدوش بالنوفلي مضافا إلي ما ربما يقال- كما قيل-: انه يكفي الايجاب الجزئي في قبال السلب الكلي فتأمل.

و يمكن الاستدلال بقوله عليه السلام خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شي ء الا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه «2» و هذه الرواية ضعيفة بالارسال.

و لكن يمكن الاستدلال بما رواه محمد بن حمران و جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: ان اللّه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا «3».

لكن استفادة المدعي من الرواية محل الاشكال و لنا أن نستدل علي المدعي بقوله تعالي: «وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً» «4» فان المستفاد من الاية ان اللّه تعالي انزل من السماء ماء موصوفا بوصف الطهورية و

يتم الاستدلال بأن جميع المياه نازل من السماء.

و يمكن الاستدلال علي المدعي بقوله تعالي: «وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطٰانِ» «5» و في دلالة هذه الاية علي المدعي

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الماء المطلق الحديث: 6

(2) نفس المصدر الحديث: 9.

(3) نفس المصدر الحديث: 1

(4) الفرقان/ 47

(5) الانفال/ 11

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 429

______________________________

تأمل فان الكلام في المقام في الطهارة عن الخبث و الاية حسب ما ورد في تفسيرها ناظرة إلي الطهارة من الحدث لاحظ ما رواه ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام اشربوا ماء السماء فانه يطهر البدن و يرفع الاسقام ثم قرأ قول اللّه عز و جل: «و ينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به و يذهب عنكم زجر الشيطان» و ليربط علي قلوبكم و يثبت به الاقدام «1».

فانه علل في كلامه عليه السلام شرب ماء السماء بكونه مطهرا للبدن و رافعا للأسقام فان تفريع تطهير البدن و رفع السقم علي الشرب لا يناسب مع كون الماء مطهرا للخبث.

لكن سند الرواية مخدوش بقاسم بن يحيي و الرواية الاخري «2» مرسلة لا اعتبار بها اضف إلي ذلك ان الاية الشريفة بنفسها لا اطلاق لها اذ لا يستفاد منها كون الماء مطهرا لكل شي ء بل غايتها دلالتها علي كون الماء مطهرا للبدن فلاحظ.

و يمكن الاستدلال علي المقصود بما رواه عمار «3» فان المستفاد من الرواية بنحو العموم الوضعي مطهرية الماء غاية الامر مورد الرواية النجاسة الخاصة و بالإجماع و التسالم نتعدي إلي بقية الموارد و نلتزم بمطهرية الماء علي الاطلاق.

و صفوة القول: ان المستفاد من مجموع الادلة كون الماء مطهرا

علي الاطلاق نعم قد استفيد من الشرع بعض القيود في بعض الموارد كلزوم التعفير بالنسبة الي ولوغ الكلب و التعدد بالنسبة إلي البول و غيرهما.

______________________________

(1) تفسير البرهان ج 2 ص 69 حديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 4

(3) لاحظ ص: 154

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 430

يغسل به (1) علي نحو يستولي علي المحل النجس (2).

بل يطهر الماء النجس أيضا علي تفصيل تقدم في احكام المياه (3) نعم لا يطهر الماء المضاف في حال كونه مضافا (4) و كذا غيره من المائعات (5).

[مسألة 420: يعتبر في التطهير بالقليل انفصال ماء الغسالة علي النحو المتعارف]

(مسألة 420): يعتبر في التطهير بالقليل انفصال ماء الغسالة علي النحو المتعارف فاذا كان المتنجس مما ينفذ فيه الماء مثل الثوب و الفراش فلا بد من عصره أو غمزه بكفه أو رجله (6).

______________________________

(1) كما امر به في مواد كثيرة من النصوص منها رواية عمار المتقدمة فان المذكور فيها عنوان الغسل و هو المأمور به مضافا إلي أن التطهير الشرعي كالتنظيف العرفي مع رعاية بعض القيود و النظافة في نظر العرف لا تحصل الا بالغسل.

(2) ان هذا القيد ان كان دخيلا في تحقق الغسل فلا وجه لذكره و يكفي ذكر الغسل و ان كان امرا زائدا عليه فلا وجه له و بعبارة اخري يكفي في تحقق التطهير بالماء الغسل به.

(3) و قد تقدم شرح كلام الماتن فراجع.

(4) و قد مر تفصيل المسألة في الجزء الاول من هذا الشرح ص 245.

(5) بعين الملاك و ملخص الكلام انه لا يتحقق الغسل بالماء ما دام بقاء الاضافة و مع زوالها و استهلاك المضاف في المطلق لا يكون الموضوع باقيا.

(6) الظاهر أن الوجه فيما أفاده ان زوال النجاسة يتوقف علي تحقق مفهوم الغسل و الغسل بماله من المفهوم لا

يحصل الا بانفصال الغسالة عن المحل علي النحو

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 431

و الاحوط وجوبا عدم الاكتفاء عن العصر بتوالي الصب عليه الي أن يعلم بانفصال الاول (1) و ان كان مثل الصابون و الطين و الخزف و الخشب و نحوها مما تنفذ فيها الرطوبة المسرية يطهر ظاهره باجراء الماء عليه (2) و في طهارة باطنه تبعا للظاهر اشكال (3).

______________________________

المتعارف بل الامر كذلك حتي علي القول باجمال مفهوم الغسل اذ قد فهم من الامر بالغسل ان النجاسة الحاصلة في المتنجس لا تزول الا بالغسل و مقتضي الاصل عدم تحقق الغسل قبل الانفصال و مع فرض انتفاء الغسل تكون النجاسة باقية و بعبارة اخري اصالة عدم تحقق الغسل تقتضي بقاء النجاسة بمقتضي اطلاق دليلها.

(1) بل الاظهر كذلك اذ لو قلنا بأنه لا يتحقق الغسل الا بانفصال الغسالة عن المغسول فلا مناص عن الاشتراط المذكور.

(2) اذ به يحصل غسل ظاهره فيطهر بلا اشكال.

(3) ينشأ من عدم وصول الماء المطلق إلي الباطن و بعبارة اخري الماء النافذ في الجوف بامتزاجه بالاجزاء يخرج عن الاطلاق و من الظاهر أن المضاف لا يكون قابلا لان يطهر به النجس.

و ربما يقال: بأن مقتضي نفي الضرر في الشريعة عدم حكم الشارع بالنجاسة.

و اجيب بأن دليل لا ضرر ناظر إلي نفي الاحكام التكليفية و لا نظر له إلي الاحكام الوضعية.

و أورد سيدنا الاستاد علي الجواب و الاشكال أما في الاول فافاد بأنه لا فرق في الحكم التكليفي و الوضعي و لذا تمسكوا الخيار الغبن بأن اللزوم ضرري و أما في الثاني فلان دليل لا ضرر ناظر إلي الاحكام الوجودية لا إلي الاحكام العدمية و في

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 432

و ان كان لا

يبعد حصول الطهارة للباطن بنفوذ الماء الطاهر فيه علي نحو يصل إلي ما وصل اليه النجس فيغلب علي المحل و يزول بذلك الاستقذار العرفي لاستهلاك الاجزاء المائية النجسة الداخلة فيه اذا لم يكن قد جفف و ان كان التجفيف أسهل في حصول ذلك (1).

______________________________

المقام الضرر ناشي من عدم الحكم بالطهارة.

و يرد عليه: أن الضرر يتوجه من الحكم بالنجاسة فان النجاسة امر وجودي فالحق في الجواب أن يقال: ان الضرر ناشي من حرمة استعمال النجس تكليفا و مقتضي نفي الضرر رفع الحكم التكليفي.

و الذي يختلج بالبال عاجلا أن يقال: ان دليل لا ضرر علي تقدير القول بشموله للأحكام الوضعية- كما هو ليس ببعيد- يقتضي التصرف في تلك الاحكام و ترتفع به كالأحكام التكليفية و يترتب عليه أنه لو لا في النجس مقدارا من السمن او الزيت نلتزم بعدم نجاسته و لكن لا يمكن الالتزام بهذه المقالة و الدليل عليه الاخبار الواردة في الموارد المتعددة الدالة علي عدم جواز الاكل و البيع و الحال أنه لو كان الدليل شاملا للحكم الوضعي لم يكن وجه للمنع عن الاكل و الشرب لاحظ جملة من هذه الاخبار في الأطعمة المحرمة و باب 5 من أبواب الماء المضاف من الوسائل و من تلك النصوص ما رواه زرارة «1» اضف إلي ذلك أنه لو انفتحت هذا الباب يلزم تأسيس فقه جديد مضافا إلي جميع ذلك انه لو كان الامر كذلك لذاع و شاع و لم يكن موردا للقيل و القال فلاحظ.

(1) بدعوي أن الغسل العرفي في مثله يحصل بهذا النحو و الامر بالغسل منزل

______________________________

(1) لاحظ ص: 155.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 433

و اذا كان النافذ في باطنه الرطوبة غير المسرية فقد عرفت

أنه لا ينجس بها (1).

[مسألة 321: الثوب المصبوغ بالصبغ المتنجس يطهر بالغسل بالكثير]

(مسألة 321): الثوب المصبوغ بالصبغ المتنجس يطهر بالغسل بالكثير اذا بقي الماء علي اطلاقه إلي أن ينفذ إلي جميع أجزائه (2). بل بالقليل أيضا اذا كان الماء باقيا علي اطلاقه إلي أن يتم عصره (3).

[مسألة 422: العجين النجس يطهر ان خبز و جفف و وضع في الكثير علي نحو ينفذ الماء إلي أعماقه]

(مسألة 422): العجين النجس يطهر ان خبز و جفف و وضع في الكثير علي نحو ينفذ الماء إلي أعماقه و مثله الطين المتنجس اذا جفف و وضع في الكثير حتي ينفذ الماء إلي أعماقه فحكمهما حكم الخبز المتنجس الذي نفذت الرطوبة النجسة إلي أعماقه (4).

______________________________

علي ما هو غسل عند العرف و المفروض أن العرف يراه غسلا.

و فيه: انه علي فرض التسليم و أن العرف يراه غسلا يشكل بأنه يشترط في الماء الذي يغسل به الاطلاق و المفروض أن اطلاقه يزول بالامتزاج مع الاجزاء مضافا إلي أن الغسل لا يتحقق الا بانفصال الغسالة عن المحل و في المقام لا ينفصل الا أن يقال بأن الغسل في المقام يحصل و يصدق و لو مع عدم الانفصال.

(1) لعدم المقتضي للتنجيس.

(2) فانه في الصورة المفروضة يصدق الغسل بالماء الطاهر المطلق فيطهر ما يتطهر به.

(3) لتحقق الغسل مع شرائطه الموجب لحصول الطهارة.

(4) الظاهر أنه يشكل تطهيره ان قلنا بلزوم حصول الغسل و هو استيلاء الماء

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 434

______________________________

علي المحل و علي فرض الشك يحكم بعدم تحقق المطهر فلا تحصل الطهارة فلاحظ الا أن يقال: بأن اللازم تحقق الغسل العرفي و الغسل العرفي في كل شي ء يلاحظ بالنسبة اليه و في أمثال المقام يتحقق الغسل بالنحو المذكور فيكفي كما في المتن.

و مما يؤيد ما ذكرنا من عدم طهارته ما ورد في المقام من النصوص لاحظ ما رواه ابن أبي عمير «1» و غيره مما

ورد في الباب 11 من أبواب الأسآر من الوسائل.

و لكن هذه النصوص ضعيفة سندا و قد دل بعض الروايات أن العجين النجس يطهر بالتخبيز لاحظ ما رواه أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن زبير عن جده قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن البئر يقع فيها الفارة أو غيرها من الدواب فتموت فتعجن من مائها أ يؤكل ذلك الخبز؟ قال: اذا أصابته النار فلا بأس بأكله «2».

و ما أرسله ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في عجين عجن و خبز ثم علم أن الماء كانت فيه ميتة قال: لا بأس أكلت النار ما فيه «3».

و لكن احد الحدثين وارد في العجين بماء البئر و ماء البئر واسع لا يفسده شي ء و الحديث الاخر سنده ضعيف من ناحية الارسال فلاحظ.

و يؤيد القول بامكان التطهير بعض النصوص لاحظ ما رواه السكوني «4»

______________________________

(1) لاحظ ص: 298

(2) الوسائل الباب 14 من أبواب الماء المطلق الحديث: 17.

(3) نفس المصدر الحديث: 18

(4) لاحظ ص: 155

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 435

______________________________

و ما رواه محمد بن علي بن الحسين قال: دخل أبو جعفر الباقر عليه السلام الخلا فوجد لقمة خبز في القذر فاخذها و غسلها و دفعها إلي مملوك معه فقال: تكون معك لأكلها اذا خرجت فلما خرج عليه السلام قال للملوك: أين اللقمة؟ فقال: أكلتها يا بن رسول اللّه فقال عليه السلام: انها ما استقرت في جوف أحد الا وجبت له الجنة الحديث: «1» و ما رواه أيضا «2».

و هذه النصوص كلها ضعيفة و الانصاف أن الجزم بحصول الطهارة بدعوي نفوذ الماء إلي الاعماق في غاية الاشكال اذ الظاهر ان النافذ في الاعماق ليست الا الرطوبة و لذا

لا يمكن الحكم بطهارة احد السطحين بمجرد وضع السطح الاخر علي الماء و الحال أنه لو كان النافذ هو الماء المطلق لكفي ما ذكر و هل يمكن الالتزام به؟.

و بما ذكرنا لا يبقي مجال لان يقال: ان ضم الوجدان إلي الاصل يحقق الموضوع بتقريب أن الماء نفذ و لاقي ما في الجوف و نشك في اضافته عند الملاقاة و باستصحاب عدم الإضافة يتم الموضوع، فانه قد ظهر فساد هذا التقريب اذ علي ما ذكرنا لا تكون النافذ الا الرطوبة.

و ربما يقال: يمكن أن يستفاد امكان حصول الطهارة تبعا من النصوص الواردة في تطهير الاواني بالغسل علي اختلاف عناوينها من قدح أو اناء أو دن أو كوز أو ظرف و علي اختلاف نجاستها من ولوغ أو موت جرز أو خمر أو شرب خنزير

______________________________

(1) الوسائل الباب 39 من أبواب احكام الخلوة الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 436

[مسألة 423: المتنجس بالبول غير الآنية إذا طهر بالقليل فلا بد من الغسل مرتين]

(مسألة 423): المتنجس بالبول غير الانية اذا طهر بالقليل فلا بد من الغسل مرتين (1).

______________________________

أو مطلق القذارة أو غير ذلك لاحظ ما رواه عمار «1» و ما رواه الفضل «2» و ما رواه علي بن جعفر عن موسي بن جعفر قال: و سألته عن خنزير شرب من اناء كيف يصنع به؟ قال: يغسل سبع مرات «3» و ما رواه عمار «4» فان اطلاق الاجتزاء في حصول الطهارة بمجرد الغسل للسطح الظاهر مع كثرة الموارد التي ترسب فيها النجاسة لكون الظرف من الخزف و نحوه دليل علي طهارة الباطن بالتبعية.

و بعبارة اخري يفهم العرف ان باطن الاناء يطهر بالتبع و الا لكان عليهم عليهم السلام البيان فمن عدم بيانهم يفهم أنه يطهر كالظاهر لكن لازم هذا

الكلام كفاية غسل الظاهر بلا توقف الطهارة بالنسبة إلي الباطن علي وضع الاناء في الماء بحيث ينفذ الماء إلي الاعماق.

و بعبارة اخري: كما ذكر في التقريب حصول هذه الطهارة يكون بالتبع فلا يشترط فيه الشرائط المقررة في التطهير و عليه يمكن الالتزام به في مورد الاواني و لا وجه للتعدي عن موردها.

(1) عن جملة من الاساطين كفاية المرة و استدل علي المدعي بجملة من الوجوه:

الاول: اطلاق ما دل علي مطهرية الماء من الكتاب و السنة.

______________________________

(1) لاحظ ص: 287

(2) لاحظ ص 283:

(3) الوسائل الباب 1 من أبواب الأسآر الحديث: 2.

(4) لاحظ ص: 210

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 437

______________________________

و فيه: اولا: يمكن منع كونه في مقام البيان من هذه الجهة و بعبارة اخري الدليل المشار اليه ناظر إلي كون الماء طهورا و لا نظر إلي كيفيته. و ثانيا: علي فرض تمامية الاطلاق لا بد من تقييده بالدليل المقيد.

الثاني: الامر بالغسل الوارد في جملة من النصوص منها: ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: قال: ان أصاب الثوب شي ء من بول السنور فلا تصح الصلاة فيه حتي يغسله «1».

و منها: ما رواه عبد اللّه بن سنان «2» و منها: ما رواه أيضا «3».

و فيه: اولا ان شمول هذه النصوص للمقام علي نحو الاطلاق محل الاشكال و الكلام و ثانيا: أنه لا بد من تقييد الاطلاق بالدليل المقيد كما مر.

الثالث: اصالة البراءة. و فيه: أن الكلام في الحكم الوضعي و لا مجري للبراءة فيه مضافا إلي أن الاصل لا يقوم مع الدليل فعلي فرض تماميته يلزم الاخذ به و علي فرض عدم تماميته تكفي اصالة الطهارة.

الرابع ما رواه داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السلام

قال: كان بنو اسرائيل اذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض و قد وسع اللّه عليكم بأوسع ما بين السماء و الارض و جعل لكم الماء طهورا فانظروا كيف تكونون «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب النجاسات الحديث: 1

(2) لاحظ ص: 118

(3) لاحظ ص: 119.

(4) الوسائل الباب 1 من أبواب الماء المطلق الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 438

______________________________

و فيه: انه علي تقدير تمامية الاطلاق لا بد من تقييده بالمقيد.

الخامس: ما ارسله الكليني قال: و روي أنه يجزي أن يغسل بمثله من الماء اذا كان علي رأس الحشفة و غيره «1». و المرسل لا اعتبار به.

السادس: مرسل نشيط عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

يجزي من البول أن يغسل بمثله «2». و المرسل لا يكون حجة.

الي هنا لم يقم دليل علي عدم لزوم التعدد الا من ناحية الاطلاق. و بعبارة اخري لو تم دليل علي لزوم التعدد يجب الاخذ به فلا بد من ملاحظة ما يدل علي وجوب التعدد و مقدار دلالته.

فنقول: يمكن الاستدلال علي المدعي بجملة من النصوص منها: ما رواه محمد «3» و منها: ما رواه ابن ابي يعفور «4» و منها: ما رواه أبو اسحاق النحوي «5» و منها ما رواه الحسين بن أبي العلاء «6» و منها: ما رواه احمد بن محمد بن أبي نصر «7».

و هذه النصوص كما تري واردة في الثوب و البدن فيشكل التعدي إلي غيرهما

______________________________

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب احكام الخلوة الحديث: 2.

(2) نفس المصدر الحديث: 7

(3) لاحظ ص: 119

(4) لاحظ ص: 119.

(5) لاحظ ص: 119.

(6) لاحظ ص: 119

(7) لاحظ ص: 120.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 439

و المتنجس بغير البول و منه

المتنجس بالمتنجس بالبول في غير الاواني يكفي في تطهيره غسلة واحدة (1).

______________________________

الا أن يقال: بأن العرف يفهم بفهمه العرفي عدم الفرق.

و الانصاف أن الجزم بعدم الفرق مشكل فان الاحكام الشرعية امور تعبدية لا تنالها عقولنا و لا تصل إلي ملاكاتها أفهامنا و لذا نري انه يلتزم الفقهاء في تطهير الاناء بلزوم التعدد و لا يلتزمون في غيره و لو مع اتحاد الجنس فلاحظ.

(1) و هو المنسوب إلي الاكثر- كما في بعض الكلمات- و العمدة الاطلاقات الواردة في الموارد العديدة فانه امر بالغسل في تلك الموارد لاحظ ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكلب السلوقي فقال: اذا مسسته فاغسل يدك «1».

و ما رواه أيضا «2» و ما رواه علي بن رئاب «3» و ما رواه أبو بصير «4» و ما رواه زرارة «5» و ما رواه هشام بن سالم «6» و ما رواه محمد بن مسلم «7».

و ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: سألته عن الرجل

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب النجاسات الحديث: 9.

(2) لاحظ ص: 202.

(3) لاحظ ص: 205.

(4) لاحظ ص: 256.

(5) لاحظ ص: 261

(6) لاحظ ص: 274.

(7) لاحظ ص: 148

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 440

______________________________

يصيب ثوبه جسد الميت فقال: يغسل ما اصاب الثوب «1» و ما رواه يونس «2» و ما رواه زكريا بن آدم «3» و ما رواه العيص بن القاسم «4».

و ما رواه محمد عن احدهما عليهما السلام في حديث في المني يصيب الثوب فان عرفت مكانه فاغسله و ان خفي عليك فاغسله كله «5».

و ما رواه سماعة قال: سألته عن بول الصبي يصيب الثوب فقال: اغسله قلت فان

لم اجد مكانه قال: اغسل الثوب كله «6». و ما رواه سماعة «7».

و ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان استيقن أنه قد أصاب يعني المني و لم ير مكانه فليغسل الثوب كله فانه أحسن «8» و ما رواه عبد اللّه بن سنان «9» و ما رواه أيضا «10».

فان مقتضي اطلاق الغسل في هذه النصوص كفاية المرة و لا وجه للإشكال في

______________________________

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب النجاسات الحديث: 2

(2) لاحظ ص: 210

(3) لاحظ ص: 377

(4) لاحظ ص: 308

(5) الوسائل الباب 7 من أبواب النجاسات الحديث: 1

(6) نفس المصدر الحديث: 3

(7) لاحظ ص: 437

(8) الوسائل الباب 7 من أبواب النجاسات الحديث: 5

(9) لاحظ ص: 118

(10) لاحظ ص: 119

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 441

______________________________

الاطلاق فان العرف يفهم من امر المولي بالغسل أن المحل الملاقي مع البول مثلا أو الدم ينجس و لا يطهر الا بالغسل.

و بعبارة اخري: يفهم انه قبل الغسل محكوم بالنجاسة و بعد الغسل محكوم بالطهارة فكل نجاسة من الاعيان النجسة المستفادة من الامر بالغسل بالنسبة إلي ملاقيه يكفي فيها مجرد الغسل و يلحق بها النجاسة الناشئة من قبلها اذ لا يمكن ازدياد الفرع علي الاصل انما الكلام في مورد لم يرد فيه الامر بالغسل كالمتنجس بالمتنجس بالبول ان قلنا بكونه منجسا فربما يقال: بكفاية الغسل مرة واحدة.

و ما يمكن أن يقال في وجهه أو قيل امور: الامر الاول: الاجماع علي عدم اعتبار التعدد فيما لا دليل علي اعتباره.

و فيه: انه ليس اجماعا تعبديا كاشفا اذ من الممكن استناد المجمعين إلي الوجوه الآتية و مع هذا الاحتمال لا يمكن الجزم بالإجماع التعبدي.

الامر الثاني: قوله عليه السلام: خلق اللّه الماء طهورا

لا ينجسه شي ء الا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه «1» بتقريب ان مقتضي اطلاق الحديث مطهرية الماء بلا تقييد بقيد.

و ربما يقال: بأنه لا اطلاق في الحديث من هذه الجهة و يذب الاشكال المذكور بأنه لا وجه لعدم الاطلاق سيما مع كلية ذيله فان المستفاد من الحديث صدرا و ذيلا امران: احدهما كونه مطهرا علي نحو الاطلاق ثانيهما: عدم انفعاله الا بالتغيير فمن جهة الدلالة لا اشكال في الحديث انما الاشكال من حيث السند

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الماء المطلق الحديث: 9.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 442

______________________________

فانه مرسل و لا اعتبار بالمراسيل و في هذا الباب جملة اخري من النصوص تدل علي كون الماء مطهرا. لاحظ احاديث: 3 و 6 و 7 لكن كلها ضعيفة سندا.

الامر الثالث: انه لو شك في بقاء النجاسة بعد الغسلة الاولي تكون المرجع قاعدة الطهارة. ان قلت: لا تصل النوبة اليها مع استصحاب بقاء النجاسة. قلت قد ذكرنا مرارا ان الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض دائما باستصحاب عدم الجعل الزائد و بعد تعارض الاستصحابين و تساقطهما تصل النوبة إلي قاعدة الطهارة.

لكن يمكن أن يرد علي هذا التقريب بأن الشك في الطهارة و عدمها ناش من الشك في أن الشارع هل جعل الغسلة الاولي مطهرة أولا؟ و مقتضي الاصل عدمه هذا من ناحية و من ناحية اخري ان الاصل الجاري في السبب مقدم علي الاصل الجاري في المسبب.

و بعبارة اخري: الشك في بقاء النجاسة و عدمه ناش من الشك في تحقق المزيل و مقتضي الاصل عدمه و صفوة القول: ان المستفاد من الدليل الشرعي بقاء النجاسة إلي زمان حصول المطهر الشرعي الذي جعله الشارع الاقدس و الاصل

عدم تحققه.

الامر الرابع: ما رواه داود بن فرقد «1» بتقريب أن مقتضي اطلاق قوله عليه السلام: «و جعل لكم الماء طهورا» كفاية الغسلة الواحدة في التطهير بالماء الا أن يقوم علي التقييد دليل.

و يمكن أن يقال: بأنه لا يستفاد الاطلاق من الرواية بدعوي عدم كون الامام

______________________________

(1) لاحظ ص: 437

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 443

______________________________

عليه السلام في مقام البيان من هذه الجهة بل في مقام اصل جعل الماء طهورا سيما مع ذكر البول الذي يشترط في ازالته التعدد فلاحظ.

و لكن مع ذلك كله يقرب في النظر ان الحديث باطلاقه يدل علي المدعي اذ لو شك في الاطلاق يكون المرجع اصالة الاطلاق هذا من ناحية و من ناحية اخري ان العرف مرجع في كيفية التطهير و بعبارة اخري: كما أن المولي لو أمر بالغسل يكون العرف مرجعا في تحققه كذلك يكون مرجعا في كيفية التطهير.

ان قلت: العرف انما يكتفي بالمرة فيما يعلم بزوال القذارة بها لا في مثل المقام حيث يشك في الزوال بالمرة.

قلت: الشك ناش من احتمال لزوم كيفية خاصة و أما اذا علم بأن الكيفية في التطهير موكولة اليه فلا وجه للتردد و الشك.

الامر الخامس اطلاق الغسل في جملة من النصوص منها ما رواه زرارة «1» فان المستفاد من هذه الرواية ان سؤال الراوي عن مطلق النجاسة لا عن النجاسة الخاصة و أجاب عليه السلام بوجوب الغسل في فرض الاصابة فيستفاد من الحديث أن الثوب اذا تنجس يجب غسله و بتحقق الغسل يطهر بلا قيد و هذا هو المطلوب.

و منها: ما رواه عمار «2» فان المستفاد من هذه الرواية أن الثوب اذا تنجس باي نجاسة يطهر بالغسل و هذا هو المطلوب.

و منها ما رواه عمار

أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل اذا قص أظفاره

______________________________

(1) لاحظ ص: 364

(2) لاحظ ص: 361

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 444

______________________________

بالحديد أو جز شعره أو حلق قفاه فان عليه أن يمسحه بالماء قبل أن يصلي سئل فان صلي و لم يمسح من ذلك بالماء؟ قال: يعيد الصلاة لان الحديد نجس و قال لان الحديد لباس أهل النار و الذهب لباس اهل الجنة «1».

فان مقتضي هذه الرواية ان الملاقي مع النجس يطهر بالمسح بالماء و لا يخل بالاستدلال بالرواية ذكر الحديد بعنوان كونه نجسا فان تطبيق الكبري الكلية علي المورد بالعناية.

الامر السادس: انه يمكن استفادة المدعي من تعرض الشارع للتعدد في خصوص النجاسة البولية و عدم تعرضه له في غيرها فانه يفهم من الاطلاق المقامي عدم وجوبه في غير ما قام عليه الدليل.

و بعبارة اخري: انا نري ان الشارع جعل الغسل باطلاقه مطهرا للنجاسة في كثير من الموارد لاحظ ما رواه عبد اللّه بن سنان «2» فان المستفاد من هذه الرواية أن بول غير مأكول اللحم يطهره الغسل.

و لاحظ ما رواه الفضل «3» و لاحظ ما رواه علي بن جعفر «4» و لا حظ ما رواه محمد بن مسلم «5» و لاحظ ما رواه هشام بن سالم «6» و لاحظ

______________________________

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 5

(2) لاحظ ص: 118 و 119

(3) لاحظ ص: 201

(4) لاحظ ص: 204

(5) لاحظ ص: 255

(6) لاحظ ص: 274.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 445

هذا مع زوال العين قبل الغسل أما لو ازيلت بالغسل فالاحوط عدم احتسابها (1) الا اذا استمر اجراء الماء بعد الازالة فتحسب حينئذ و يطهر المحل بها اذا كان متنجسا بغير البول (2). و

يحتاج إلي اخري ان كان متنجسا بالبول (3).

[مسألة 424: الآنية إن تنجست بولوغ الكلب فيما فيها من ماء أو غيره مما يصدق معه الولوغ]

(مسألة 424): الانية ان تنجست بولوغ الكلب فيما فيها من ماء أو غيره مما يصدق معه الولوغ (4).

______________________________

ما رواه محمد بن مسلم «1» الي غيرها من الموارد التي امر فيها بالغسل و لم يتعرض فيها التعدد فعلم عدم اعتباره فالمتحصل مما تقدم كفاية الغسلة الواحدة في التطهير في غير ما قام عليه الدليل.

(1) لا يخفي ان مقتضي الاطلاق كفاية الغسلة المزيلة للعين كما أن المناسبة بين الحكم و الموضوع بحسب الفهم العرفي كذلك فان القذارات العرفية ترتفع بالغسلة المزيلة و وزان التطهير الشرعي وزان التنظيف العرفي الا فيما يقيد المأمور به بشي ء فلاحظ.

(2) فانه المتحصل من البحث كما مر آنفا.

(3) كما مر شرحه فراجع.

(4) اي يصدق عنوان الشرب فانه يظهر من اللغة ان ولوغ الكلب عبارة عن شربه عما في الاناء قال في المنجد: «ولغ يلغ» الي أن قال: «الكلب الاناء شرب ما فيه باطراف لسانه أو أدخل فيه لسانه و حركه».

______________________________

(1) لاحظ ص: 148

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 446

______________________________

و في المقام اشكال و هو ان عنوان الولوغ لم يرد في النص بل الوارد في حديث البقباق «1» عنوان الفضل و قد نهي عن الوضوء بفضله و امر بصب ذلك الماء فينحصر الدليل بخصوص الماء.

نعم قد ورد هذا اللفظ اي الولوغ في ثلاثة احاديث منقولة عن النبي صلي اللّه عليه و آله الاولي: قوله صلي اللّه عليه و آله: «اذا ولغ الكلب في اناء احدكم فليغسله سبعا اولاهن بالتراب» نقل هذا الحديث عن كنز العمال ج 5 ص 89.

الثانية: قوله صلي اللّه عليه و آله: «اذا ولغ الكلب في اناء احدكم فيغسله ثلاث مرات» نقل هذا الحديث

عن حاشية ابن مالك علي صحيح المسلم ج 1 ص 162. الثالثة: قوله صلي اللّه عليه و آله: «اذا ولغ الكلب في اناء احدكم فليغسله ثلاث مرات أو خمسا أو سبعا» نقل عن سنن البيهقي ج 1 ص: 240.

و عن الجواهر: «انه ينبغي القطع بعدم الفرق بين الماء و غيره من المائعات» و أفاد بعض الاصحاب في وجه التعميم ان الارتكاز العرفي يساعده.

و الانصاف ان الجزم بما ذكر مشكل فان الاحكام الشرعية امور تعبدية ليس لدرك ملاكاتها سبيل للعقول مضافا إلي أنه علي هذا لا وجه لصدق خصوص عنوان الولوغ الذي يكون عبارة عن الشرب كما يستفاد من اللغة بل يلزم التعميم حتي مع عدم صدق الشرب لكن يكون ما باشره بحيث تسري النجاسة للميعان و بعبارة اخري: يكفي الميعان الموجب للسراية و ان لم يصدق عنوان الشرب و هل يمكن الالتزام به؟.

______________________________

(1) لاحظ ص: 283.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 447

غسلت بالماء القليل ثلاثا اولاهن بالتراب (1) ممزوجا بالماء (2).

و غسلتان بعدها بالماء (3).

______________________________

ان قلت السؤال عن الفضل في قوله: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن فضل الهرة» و الفضل اعم من الماء.

قلت: الميزان جوابه عليه السلام و من الظاهر اختصاص جوابه بالماء فلا دليل علي الحكم المذكور في غير الماء فلاحظ.

(1) لاحظ ما رواه الفضل «1».

(2) قوي سيد العروة فيها: الاكتفاء بتعفير الاناء بالتراب بلا اضافة الماء و الاكتفاء بالتراب غير الممزوج بالماء.

و لا يبعد أن يكون المستفاد من الدليل لزوم اضافة الماء اذ التراب و ان كان حقيقة في غير الممزوج الا أن تسليط الغسل عليه يقتضي ظهوره في الممزوج بالماء علي نحو يكون مائعا فقوله عليه السلام اغسله بالتراب نظير الامر

بالغسل بالصابون و نحوه فلا يكفي التراب وحده بلا مزج الماء نعم لقائل أن يقول: انه يكفي مزجه بغير الماء من المائعات فان الميزان صدق الغسل بالتراب و صدق هذا العنوان لا ينحصر في المزج بالماء.

(3) لاحظ ما رواه في فقه الرضا عليه السلام قال: ان وقع كلب في اناء أو شرب منه اهريق الماء و غسل الاناء ثلاث مرات بالتراب و مرتين بالماء ثم يجفف «2».

و في حديث البقباق في المعتبر هكذا «و اغسله بالتراب اول مرة ثم بالماء

______________________________

(1) لاحظ ص: 283.

(2) مستدرك الوسائل الباب 1 من أبواب الأسآر الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 448

______________________________

مرتين» و لكن المنقول في المعتبر لا اعتبار به كما أن كتاب الفقه الرضوي غير معتبر و مقتضي حديث البقباق المنقول في كتاب الوسائل و غيره كفاية مطلق الغسل كما أن مقتضي حديث محمد بن مسلم «1» كذلك و لا بد من تقييده بحديث البقباق بلزوم الغسل بالتراب قبل الغسل بالماء.

و مقتضي حديث عمار «2» وجوب غسل الاناء المتنجس ثلاث مرات علي الاطلاق و ربما يقال: ان مقتضي حديث البقباق تقييد رواية عمار بجعل الغسل الاول بالتراب كما أن مقتضي حديث عمار تقييد حديث البقباق و تكون النتيجة وجوب غسل الاناء من الولوغ ثلاث مرات اولاهن بالتراب.

و يرد عليه اولا: انه لا وجه لرفع اليد عن لزوم غسل الاناء ثلاث مرات بمقتضي حديث عمار فان الغسل الوارد في حديث البقباق مطلق فيقيد بحديث عمار و النتيجة لزوم التعفير اولا ثم الغسل ثلاثا.

و ثانيا: ان النسبة بين حديث البقباق و رواية عمار العموم من وجه اذ يفترق حديث عمار عن حديث البقباق في الاناء المتنجس بغير الولوغ و يفترق حديث

البقباق عن حديث عمار في الاناء المتنجس بالولوغ اذا غسل ثلاثا بالماء بعد التعفير و يجتمعان في المتنجس بالولوغ فيما غسل بعد التعفير مرة فان مقتضي حديث البقباق طهارته كما أن مقتضي حديث عمار نجاسته فيتعارضان و بعد التساقط يحكم بالطهارة بالدليل الدال علي كفاية مطلق الغسل في النجاسات.

بل لقائل أن يقول: ان النسبة بين الحديثين نسبة الخاص إلي العام فان حديث

______________________________

(1) لاحظ ص: 283.

(2) لاحظ ص: 287.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 449

______________________________

عمار وارد في مطلق الاناء و حديث البقباق وارد في الاناء المتنجس بالولوغ و مقتضي الصناعة تخصيص العام بالخاص و تقييد المطلق بالمقيد فالنتيجة كفاية مطلق الغسل بعد التعفير.

و يشكل بأن الدليل الدال علي وجوب غسل الاناء ثلاث مرات و هو حديث عمار قد فرض فيه الغسل بالقليل فمن هذه الجهة خاص فالنسبة بين حديث البقباق و حديث عمار العموم من وجه اذ يفترق حديث البقباق عن حديث عمار فيما يغسل الاناء بالكثير كما أنه يفترق حديث عمار عن حديث البقباق في المتنجس بغير الولوغ و المجمع لهما الغسل بالقليل فالصحيح هو التعارض و التساقط.

و عن ابن الجنيد وجوب الغسل سبعا اولاهن بالتراب و استدل علي المدعي بما رواه عمار بن موسي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه سأله عن الاناء يشرب فيه النبيذ فقال: تغسله سبع مرات و كذلك الكلب «1».

و يرد عليه اولا انه جعل حكم الكلب حكم النبيذ و حيث انه لا يجب الغسل سبعا في النبيذ لا يجب في الكلب و ثانيا ان حديث البقباق اخص من هذه الرواية حيث انه وارد في خصوص الولوغ و الموثق مطلق فلا بد من تقييد المطلق بالمقيد.

و عن المفيد: وجوب التجفيف

بعد الغسل و استدل عليه بما رواه في الفقه الرضوي «2» و قد مر قريبا عدم اعتبار الحديث المذكور فلا دليل علي هذا القول.

______________________________

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 2.

(2) لاحظ ص: 447

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 450

و اذا غسلت في الكثير أو الجاري تكفي غسلة واحدة بعد غسلها بالتراب ممزوجا بالماء (1).

[مسألة 425: إذا لطع الكلب الإناء أو شرب بلا ولوغ لقطع لسانه]

مسألة (425): اذا لطع الكلب الاناء أو شرب بلا ولوغ لقطع لسانه فالاحوط أنه بحكم الولوغ في كيفية التطهير (2) و ليس كذلك ما اذا باشره بلعابه أو تنجس بعرقه أو سائر فضلاته أو بملاقاة بعض اعضائه (3).

______________________________

(1) كما هو مقتضي حديث البقباق فان مقتضي اطلاقه لزوم غسل الاناء من الولوغ اولا بالتراب ثم بالماء و حيث انه لا مقيد له بالنسبة إلي الغسل بالكثير فلا وجه لرفع اليد عن اطلاق الغسل الصادق علي غسله واحدة كما ان مقتضي اطلاق حديث ابن مسلم كذلك و أما حديث عمار الدال علي وجوب التعدد فالظاهر منه بحسب الفهم العرفي النظر إلي غسله بالماء القليل فان الظاهر من قوله عليه السلام «يصب فيه الماء فيحركه فيه ثم يفرغ منه» الحديث، غسله بالقليل فليس شاملا للغسل بالكثير و العاصم كغسله في الكر أو النحر أو البحر و احتمال اختصاص طريق غسله بخصوص القليل مدفوع بالضرورة فاطلاق حديثي البقباق و ابن مسلم محكم و يكفي الغسل مرة واحدة كما في المتن.

(2) اذ في الصورة المفروضة لا يصدق العنوان المأخوذ في الموضوع فالحكم مبني علي الاحتياط و لعله للخروج عن شبهة الخلاف.

(3) اذ لا دليل علي تسرية الحكم و ادعاء القطع بعدم الفرق جزاف و عهدته علي مدعيه فإن ملاكات الاحكام الشرعية مجهولة عندنا.

مباني منهاج

الصالحين، ج 3، ص: 451

نعم اذا صب الماء الذي ولغ فيه الكلب في اناء آخر جري عليه حكم الولوغ (1).

[مسألة 426: الآنية التي يتعذرها تعفيرها بالتراب الممزوج بالماء تبقي علي النجاسة]

(مسألة 426): الانية التي يتعذرها تعفيرها بالتراب الممزوج بالماء تبقي علي النجاسة (2) أما اذا أمكن ادخال شي ء من التراب الممزوج بالماء في داخلها و تحريكه بحيث يستوعبها أجزأ ذلك في طهرها (3).

[مسألة 427: يجب أن يكون التراب الذي يعفر به الإناء طاهرا قبل الاستعمال علي الأحوط]

(مسألة 427): يجب أن يكون التراب الذي يعفر به الاناء طاهرا قبل الاستعمال علي الاحوط (4).

______________________________

(1) للقطع بعدم الفرق و بعبارة اخري المستفاد من الدليل أن النجاسة الحاصلة للإناء بلحاظ ذلك المائع الذي باشره الكلب حكمه كذلك و المفروض ان المائع الذي فرض في محل الكلام عين ذلك المائع فيرتب عليه الحكم.

لكن الانصاف ان الجزم بعدم الفرق و القطع بوحدة الملاك اول الاشكال و الكلام بل لو لم يقم دليل علي كون المتنجس منجسا أمكن التشكيك في اصل الانفعال فلاحظ.

(2) لان المطهر له لم يتحقق و ما دام لم يوجد المطهر لا تزول النجاسة.

(3) اذ الميزان ايصال التراب إلي جميع أجزاء المغسول و لا خصوصية لطريق الايصال بل يكفي بلا فرق بين اليد و الخشبة و التحريك و بعبارة اخري يلزم صدق غسله بالتراب فلو صدق هذا العنوان بجعل التراب فيه و تحريكه لكفي.

(4) ربما يقال: بأن فاقد الشي ء لا يمكن أن يكون معطيه فلا بد من كونه طاهرا.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 452

[مسألة 428: يجب في تطهير الإناء النجس من شرب الخنزير غسله سبع مرات]

(مسألة 428): يجب في تطهير الاناء النجس من شرب الخنزير غسله سبع مرات (1).

______________________________

و فيه: انه قانون عقلي لا يرتبط بالمقام.

و ربما يقال: ان التراب طهور في المقام علي الفرض و الطهور هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره و فيه: ان الطهور عبارة عما يتطهر به و أما كونه طاهرا في نفسه فهو اول الكلام.

و بعبارة اخري: الطهور كالوقود اي ما يحصل به الطهارة كما أن الوقود ما يوقد به مضافا إلي أن الطهارة تحصل بالغسل بالماء و الماء الذي يغسل به الاناء يشترط فيه الطهارة.

اضف إلي ذلك انه قد مر اشتراط مزج التراب بالماء فلا يكون التراب مطهرا بل المطهر

هو الماء الممزوج بالتراب.

ان قلت: اذا كان التراب نجسا ينجس الماء الممزوج معه فيعود الاشكال قلت: اولا تنجس الماء اول الكلام اذ تنجيسه مبني علي كون المتنجس منجسا و ثانيا لا دليل علي شرطية الطهارة فيه فان الجزء الاخير لحصول الطهارة الغسل بالماء و المفروض طهارته.

(1) لاحظ ما رواه ابن جعفر «1» و استبعاد وجوب السبع ليس في محله فان الاحكام الشرعية امور تعبدية كما أن اعراض المشهور عن الرواية لا يوجب سقوطها مع أن اعراضهم اول الكلام اذ كيف يتحقق الاعراض مع ذهابهم إلي استحباب الغسل سبعا و الحال أنه لا مستند للسبع الا هذه الرواية الا ان يكون من باب التسامح و اللّه العالم.

______________________________

(1) لاحظ ص: 204

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 453

و كذا من موت الجرز (1) بلا فرق فيها بين الغسل بالماء القليل أو الكثير (2) و اذا تنجس الاناء بغير ما ذكر وجب في تطهيره غسله ثلاث مرات بالماء القليل (3) و يكفي غسله مرة واحدة في الكر و الجاري (4) هذا في غير أواني الخمر و أما هي فيجب غسلها ثلاث مرات (5) حتي اذا غسلت بالكثير أو الجاري (6) و الاولي أن تغسل سبعا (7).

______________________________

(1) لاحظ ما رواه عمار «1».

(2) للإطلاق الموجود في الحديثين فان مقتضاه عدم الفرق بين القليل و الكثير و لا دليل علي التقييد.

(3) كما مر فان مقتضي حديث عمار وجوب غسل الاناء ثلاث مرات اذا كان الغسل بالقليل اذ قلنا ان الظاهر من الرواية ان الكلام في الغسل بالقليل.

(4) للإطلاق فانه قد ذكرنا سابقا ان مقتضي جملة من الاطلاقات كفاية طبيعي الغسل الا أن يقيد بمقيد.

(5) لاحظ ما رواه عمار «2».

(6) لإطلاق حديث عمار و

عدم المقيد له.

(7) لحديث آخر لعمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الاناء يشرب منه النبيذ فقال: يغسله سبع مرات و كذلك الكلب «3».

______________________________

(1) لاحظ ص: 287

(2) لاحظ ص: 211

(3) التهذيب ج 9 ص 116 حديث: 237

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 454

[مسألة 429: الثياب و نحوها إذا تنجست بالبول يكفي غسلها في الماء الجاري مرة واحدة]

(مسألة 429): الثياب و نحوها اذا تنجست بالبول يكفي غسلها في الماء الجاري مرة واحدة (1) و في غيره لا بد من الغسل مرتين (2).

______________________________

بتقريب: أن الجمع بين الحديثين حمل السبع علي الاستحباب. ان قلت:

ان الدلالة علي الثلاث مستندة إلي مفهوم العدد و يمكن رفع اليد عنه بمنطوق ما يدل علي السبع قلت: المستند منطوق التحديد بالثلاث و لنا أن نقول: بأن الحديثين متعارضان و لا ترجيح لأحدهما علي الاخر فالنتيجة هو التعارض و التساقط فالمرجع الادلة الاولية الدالة علي وجوب غسل الاناء ثلاث مرات ان كان بالقليل و مرة واحدة ان كان بالعاصم.

(1) لاحظ ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الثوب يصيبه البول قال: اغسله في المركن مرتين فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة «1».

(2) لجملة من النصوص منها ما رواه محمد «2» و منها ما رواه ابن أبي يعفور «3» و منها: ما رواه احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي «4» فان مقتضي هذه النصوص وجوب غسل الثوب من نجاسة البول مرتين و انما دل الدليل علي الاكتفاء بالمرة في الغسل بالجاري فيبقي الباقي تحت الادلة الدالة علي وجوب التعدد.

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب النجاسات

(2) لاحظ ص: 119

(3) لاحظ ص: 119

(4) لاحظ ص: 120

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 455

و لا بد من العصر أو الدلك في جميع ذلك (1).

______________________________

و لقائل

أن يقول: ان مقتضي حديث داود بن سرحان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما تقول في ماء الحمام؟ قال: هو بمنزلة الجاري «1» ان ماء الحمام بمنزلة الجاري و اذا ثبت كون ما في الحياض بمنزلة الجاري يثبت لما في الخزانة بطريق اولي و من ناحيه اخري انه لا خصوصية للحمام فالحكم شامل للكر أيضا.

(1) اي لا فرق بين الكثير و القليل في اشتراط العصر أو الدلك. و لا يخفي أن الوارد في لسان الادلة عنوان الغسل فلو توقف هذا العنوان علي امر فلا بد من رعايته و الا فلا و لا اشكال في ان الغسل لا يصدق عرفا في اللباس و نحوه مما يرسب فيه الماء اذا كان الغسل بالقليل الا مع انفصال الغسالة فاذا توقف الانفصال علي العصر او الدلك أو الفرك يجب و السرّ فيه أنه اذا لم تخرج الغسالة عن المغسول لا يراه العرف نظيفا فلزوم العصر في القليل ليس من جهة موضوعية العصر في حصول الغسل بل لان الغسل لا يحصل ما دام بقاء الغسالة في المغسول.

هذا في الغسل بالقليل و أما لو غسل الثوب في الكثير كالكر و الجاري فلا يجب العصر أو الدلك اذ المفروض أن الغسالة عاصمة و لا يتقذر منه و لذا افتي السيد اليزدي قدس سره في عروته بقوله: «و أما في الغسل بالماء الكثير فلا يعتبر انفصال الغسالة و لا العصر».

و قال السيد الحكيم قدس سره- في شرح العبارة-: «اذ الوجه في اعتبار العصر كونه احد طرق الانفصال فاذا لم يعتبر لم يعتبر».

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الماء المطلق الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 456

______________________________

و نعم ما قال و الامر

كما أفاد و لتوضيح المدعي نذكر الوجوه القابلة للاستناد اليها لاعتبار العصر أو الدلك كي نري انها قابلة لإثبات الاشتراط أم لا فنقول: ما يمكن أن يذكر في هذا المقام وجوه:

الاول: الاصل فان مقتضاه بقاء النجاسة إلي زمان حصول المطهر و مع الشك فيه يحكم ببقائها.

و فيه: أنه لا مجال للأصل مع وجود الدليل الاجتهادي و المفروض ان النصوص الدالة علي الغسل تقتضي الطهارة فالعمدة تحقق عنوان الغسل.

الثاني: الاجماع. و فيه: ان المنقول منه غير حجة و المحصل منه علي فرض حصوله محتمل المدرك مضافا إلي أنه قيل: بأن المسألة خلافية قال في المستمسك:

«الاجماع ممنوع لتحقق الخلاف».

الثالث: دخوله في مفهوم الغسل. و فيه: انه ليس الامر كذلك و لذا يصدق الغسل بلا عصر فيما لا يكون قابلا له نعم كما ذكرنا في غير العاصم من المياه اذا لم تنفصل الغسالة عن المحل لا يتحقق الغسل و أما في الكثير فلا يلزم الانفصال.

الرابع: ان النجاسة لا تزول الا به. و فيه: انه مصادرة بالمطلوب.

الخامس: ان الغسالة نجسة فلا بد من اخراجها بالعصر. و فيه: أنه علي تقدير الالتزام بالنجاسة لا يتم الدليل بالنسبة إلي الكثير فان المفروض أن الماء الداخل في الثوب يتصل بالعاصم فلا مجال لتوهم نجاسته فالنتيجة عدم تمامية الدليل.

السادس: التقابل الواقع بين الصب و الغسل في حديث حسين بن أبي العلاء «1» بتقريب أن المستفاد من هذا الحديث أن الغسل لا يتحقق بمجرد

______________________________

(1) لاحظ ص: 119

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 457

______________________________

ايصال الماء إلي الثوب فلا بد من العصر.

و فيه: أن الفرق بين الثوب و البدن أنه بالصب علي البدن يحصل الغسل لأنه غير قابل للعصر و أما في الثوب فلا يصدق الغسل بمجرد

الصب و بعبارة اخري:

اللازم رعاية صدق الغسل و صدقه يختلف بحسب الموارد.

و ملخص الكلام: انه لم يرد دليل معتبر دال علي وجوب العصر أو الدلك و انما الدليل قد دل علي وجوب الغسل فلو صدق هذا العنوان بلا توقف علي أمر آخر نلتزم به.

السابع: ما عن الفقه الرضوي قال: و ان اصاب بول في ثوبك فاغسله من ماء جار مرة و من ماء راكد مرتين ثم اعصره «1» و هذا الكتاب لا اعتبار به.

الثامن: ما عن الدعائم عن علي عليه السلام قال في المني يصيب الثوب يغسل مكانه فان لم يعرف مكانه و علم يقينا اصاب الثوب غسله كله ثلاث مرات يفرك في كل مرة و يغسل و يعصر «2». و المرسل لا اعتبار به.

التاسع: ذيل حديث الحسين بن أبي العلاء قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عليه السلام عن الصبي يبول علي الثوب قال: تصب عليه الماء قليلا ثم تعصره «3» و فيه ان الكلام في الغسل بالكثير و الظاهر من الرواية الغسل بالقليل.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

(2) مستدرك الوسائل الباب 3 من أبواب النجاسات الحديث: 2

(3) الوسائل الباب 3 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 458

[مسألة 430: التطهير بماء المطر يحصل بمجرد استيلائه علي المحل النجس]

(مسألة 430) التطهير بماء المطر يحصل بمجرد استيلائه علي المحل النجس من غير حاجة إلي عصر و لا إلي تعدد إناء كان أم غيره نعم الاناء المتنجس بولوغ الكلب لا يسقط فيه الغسل بالتراب الممزوج بالماء و ان سقط فيه التعدد (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع: الفرع الاول: انه يكفي استيلاء المطر علي المحل النجس في تطهيره و لا يحتاج إلي العصر و لو كان المتنجس قابلا للعصر

و كان متنجسا بالبول.

و يمكن الاستدلال علي المدعي بوجوه: الوجه الاول: أنه قد مر قريبا ان العصر بنفسه لا دليل عليه و انما نلتزم به فيما يتوقف صدق عنوان الغسل عليه و قلنا في العاصم لا يلزم العصر اذا العصر انما يلزم لخروج الغسالة التي تقذر منها فما دامت باقية في المغسول لا يصدق الغسل و أما في العاصم فلا يتقذر منها كما هو ظاهر.

الوجه الثاني: ما أرسله الكاهلي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال:

قلت: يسيل علي من ماء المطر أري فيه التغير و أري فيه آثار القذر فتقطر القطرات علي و ينتضح علي منه و البيت يتوضأ علي سطحه فيكف علي ثيابنا قال: ما بذا بأس لا تغسله كل شي ء يراه ماء المطر فقد طهر «1».

بتقريب: ان المستفاد منه أن ماء المطر يطهر كل شي ء و مقتضي عمومه عدم الفرق بين النجاسات كما أن مقتضاه عدم الفرق بين المتنجسات بلا فرق بين الثياب و الاواني و غيرهما.

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الماء المطلق الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 459

______________________________

ان قلت: ان النسبة بين هذه الرواية و ما دل علي العصر علي القول بقيام الدليل عليه عموم من وجه و لا وجه لتقديم المرسلة علي ذلك الدليل.

قلت: اولا: أن دلالة المرسلة علي مدلولها بالعموم و ما بالعموم يقدم علي ما بالاطلاق و ثانيا: أنه لو قدم ذلك الدليل علي المرسل لم يبق لعنوان المطر موضوعية بخلاف العكس و هذا بنفسه يقتضي تقديم جانب المرسل هذا و لكن عمدة الاشكال ضعف المرسل سندا و عمل المشهور به علي تقدير ثبوته لا يكون جابرا كما مر مرارا.

الوجه الثالث: ما رواه هشام بن

سالم أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن السطح يبال عليه فتصيبه السماء فيكف فيصيب الثوب فقال: لا بأس به ما أصابه من الماء أكثر منه «1».

بتقريب: ان المستفاد من الرواية ان الميزان اكثرية الماء فيكفي استيلاء ماء المطر علي المحل المتنجس بلا فرق بين الموارد و بهذه الرواية يرفع اليد عن دليل العصر و مما ذكرناه آنفا تقدر علي الجواب عن الايراد بأن النسبة بين الدليلين عموم وجه فلا وجه لتقديم احدهما علي الاخر فانا ذكرنا انه لو قدم ذلك الدليل لم يبق لماء المطر عنوان خاص و الحال ان المستفاد من الدليل ان ماء المطر بنفسه مطهر فلاحظ.

الفرع الثاني: انه لا يحتاج إلي التعدد في التطهير بماء المطر. و الكلام فيه هو الكلام اذ لو اخذنا بدليل وجوب التعدد فلا يكون ماء المطر بنفسه مطهرا و الحال ان المستفاد من حديث هشام كذلك سيما ان المفروض في مورده تنجس

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 460

[مسألة 431: يكفي الصب في تطهير المتنجس ببول الصبي ما دام رضيعا لم يتغذ]

(مسألة 431): يكفي الصب في تطهير المتنجس ببول الصبي ما دام رضيعا لم يتغذ و ان تجاوز عمره الحولين و لا يحتاج إلي العصر و الاحوط استحبابا اعتبار التعدد و لا تلحق الاثني بالصبي (1).

______________________________

السطح بالبول و مع ذلك حكم عليه السلام بعدم البأس معللا بكون الماء أكثر.

الفرع الثالث: انه لا فرق في هذا الحكم بين الاناء و غيره و يظهر الوجه فيه مما ذكرنا في تقريب تقدم دليل ماء المطر علي بقية الادلة مضافا إلي أن المستفاد من حديث عمار «1» ان المفروض في الرواية التطهير بالقليل.

الفرع الرابع: ان الاناء المتنجس بولوغ الكلب يحتاج إلي التعفير حتي فيما طهر بماء المطر بتقريب: ان

المستفاد من دليل مطهرية المطر قيامه مقام الغسل بالماء فلا يحتاج في ترتب الآثار المطلوبة أزيد من تحقق الغسل بالمطر.

و بعبارة اخري: مقتضي اطلاق دليل كونه مطهرا عدم مدخلية شي ء آخر و أما عدم توقف التطهير علي شي ء آخر فلا يستفاد منه فلا تنافي بين هذا الدليل و دليل التعفير و ان شئت قلت: ليس المولي في مقام البيان من هذه الجهة فالمرجع دليل وجوب التعفير.

و يشكل هذا التقريب بأنه مع عدم كون المولي في مقام البيان كيف يمكن الحكم بحصول الطهارة و لو مع عدم الدليل علي شرطية شي ء آخر.

و صفوة القول: ان المولي ان كان في مقام البيان من هذه الجهة فلا وجه للاعتبار و ان لم يكن في مقامه فلا تحصل الطهارة حتي مع عدم دليل علي اعتبار امر آخر فلاحظ.

(1) في هذه المسألة فروع: الفرع الاول: انه اذا تنجس الثوب و شبهه مما

______________________________

(1) لاحظ ص: 287

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 461

______________________________

يمكن العصر فيه ببول الصبي يكفي صب الماء عليه مرة واحدة و لا يلزم التعدد في الصب و هذا هو المشهور بين القوم- علي ما يظهر من بعض الكلمات- و عن كشف الغطاء: «انه يجب تعدد الصب».

و يدل علي مذهب المشهور ما رواه الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن بول الصبي قال: تصب عليه الماء فان كان قد أكل فاغسله بالماء غسلا و الغلام و الجارية في ذلك شرع سواء «1».

فان اطلاق هذه الرواية يقتضي كفاية الصب الواحد و ربما يقال: لا بد من رفع اليد عن اطلاق هذه الرواية بما رواه أبو اسحاق النحوي «2» و لكن الحق ما ذهب اليه المشهور لاحظ ما رواه الحسين بن

أبي العلاء «3» فان المستفاد من هذه الرواية بكون التقسيم قاطعا للشركة كفاية الصب الواحد و لو لاه لم يكن وجه للتفصيل فلاحظ.

الفرع الثاني: أنه لا يجب فيه العصر بتقريب ان المأمور به في النص هو الصب و هو يصدق و لو لم يعصر و ربما يقال: بوجوبه لحديث الحسين بن أبي العلاء «4» فانه امر بالعصر بعد الصب.

و يرد عليه اولا: أنه لا اشكال في كفاية العصر علي القول به مقارنا للصب و لا يتوقف علي كونه بعد الصب و ثانيا: ان التقابل الواقع بين الغسل و الصب في

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب النجاسات الحديث: 2.

(2) لاحظ ص: 119.

(3) لاحظ ص: 119 و 457.

(4) لاحظ ص: 457

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 462

______________________________

حديث الحلبي «1» يقتضي كفاية الصب اذ لو لم يكف لم يكن وجه للتقابل.

و بعبارة اخري: العصر بعد الصب يحقق الغسل فلا تقابل و ان شئت قلت:

التقسيم قاطع للشركة و هو ينافي الاتحاد فلاحظ و عليه يكون الامر بالعصر اما من باب الاستحباب و اما من باب الغلبة الخارجية حيث ان الغالب يكون كذلك اي يكون الغالب العصر مع الصب.

الفرع الثالث: ان هذا الحكم للصبي ما لم يتغذ لاحظ ما رواه الحلبي «2» فان المستفاد من هذه الرواية ان الموضوع للحكم الصبي الذي لا يأكل و مقتضي اطلاقه عدم الفرق بين عدم تجاوز سنه الحولين و تجاوزه.

الفرع الرابع: ان مقتضي الاحتياط اعتبار التعدد و الوجه فيه الخروج عن شبهة الخلاف فانه قد مر ان المنقول عن كشف الغطاء اعتبار التعدد.

الفرع الخامس: ان الحكم مخصوص بالصبي و لا يشمل الصبية قال في المستمسك: «و عن المشهور الجزم به بل عن المختلف الاجماع عليه

و في الجواهر لعله لا خلاف فيه للأمر به بالغسل من بول الاثني في رواية السكوني عن جعفر «3» عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام قال: لبن الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم لان لبنها يخرج من مثانة امها و لبن الغلام لا يغسل منه و لا (من) بوله قبل أن يطعم لان لبن الغلام يخرج من العضدين و المنكبين «4»».

______________________________

(1) لاحظ ص: 461

(2) لاحظ ص: 461

(3) الوسائل الباب 3 من أبواب النجاسات الحديث: 4.

(4) مستمسك العراة الوثقي ج 2 ص 45.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 463

[مسألة 432: يتحقق غسل الإناء بالقليل بأن يصب فيه شي ء من الماء ثم يدار فيه إلي أن يستوعب تمام أجزائه ثم يراق]

(مسألة 432): يتحقق غسل الاناء بالقليل بأن يصب فيه شي ء من الماء ثم يدار فيه إلي أن يستوعب تمام أجزائه ثم يراق فاذا فعل به ذلك ثلاث مرات فقد غسل ثلاث مرات و طهر (1).

[مسألة 433: يعتبر في الماء المستعمل في التطهير طهارته قبل الاستعمال]

(مسألة 433): يعتبر في الماء المستعمل في التطهير طهارته قبل الاستعمال (2).

______________________________

و لا يخفي ان هذه الرواية ضعيفة بالنوفلي و ربما يقال: ان المستفاد من ذيل رواية الحلبي عموم الحكم للصبية لقوله عليه السلام: «و الغلام و الجارية في ذلك شرع سواء» و فيه ان الجارية بمالها من المفهوم لا تعم الرضيعة و يؤيده العدول في كلامه عليه السلام عن الصبي إلي الغلام فتكون التسوية بالنسبة إلي وجوب الغسل في بول الغلام و الجارية.

و ان شئت قلت: ان الدليل الدال علي وجوب الغسل في المتنجس بالبول يقتضي وجوب الغسل حتي في المتنجس ببول الرضيعة و انما الخارج بالدليل بول الرضيع و أما استثناء بول الرضيعة فلم يثبت فالحق كما أفاده في المتن.

(1) كما هو المصرح به في حديث عمار «1».

(2) يظهر من كلام بعض الاصحاب انه لا خلاف في المسألة كما أنه لا اشكال فيه و يمكن تقريب المدعي مضافا إلي ما ذكر بوجوه:

الوجه الاول: ان وزان التطهير الشرعي وزان التنظيف العرفي فكما أن الماء القذر بالقذارة العرفية غير قابلة عرفا أن تحصل به النظافة كذلك الماء النجس

______________________________

(1) لاحظ ص: 287

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 464

[مسألة 434: يعتبر في التطهير زوال عين النجاسة دون أوصافها]

(مسألة 434): يعتبر في التطهير زوال عين النجاسة دون اوصافها كاللون و الريح فاذا بقي واحد منهما أو كلاهما لم يقدح ذلك في حصول الطهارة مع العلم بزوال العين (1).

______________________________

الشرعي غير قابلة لان تحصل به الطهارة الشرعية.

الوجه الثاني: ان اطلاقات الغسل منصرفة إلي الغسل بالماء الطاهر للارتكاز العرفي بأن فاقد الشي ء لا يعطيه.

الوجه الثالث: ما دل من النصوص علي اهراق المتنجس لاحظ ما رواه البقباق «1» فان الامر بالصب في هذه الرواية أو الاهراق في بعض آخر يدل علي

عدم جواز الانتفاع به و لو كان استعماله جائزا في رفع الخبث أو الحدث لم يكن وجه للأمر بالاهراق.

الوجه الرابع: ما دل من النصوص علي المنع عن الشرب و الوضوء بالماء المتنجس لاحظ ما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه قال: سألته عن جرة ماء فيه ألف رطل وقع فيه أوقية بول هل يصلح شربه أو الوضوء منه؟ قال: لا يصلح «2».

بتقريب: ان ذكر الشرب و الوضوء مثال لمطلق الانتفاع فلا يجوز التطهير بالماء المتنجس بالبول و بعدم الفصل القطعي بين النجاسات من هذه الجهة نفهم ان الماء المتنجس بأي نحو كان لا يمكن حصول الطهارة به و يضاف إلي جميع ذلك ان عدم جواز التطهير بالماء المتنجس من واضحات الفقه.

(1) و يمكن أن يستدل علي المدعي بوجهين: احدهما: اطلاق ادلة الغسل

______________________________

(1) لاحظ ص: 283

(2) الوسائل الباب 8 من أبواب الماء المطلق الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 465

[مسألة 435: الأرض الصلبة أو المفروشة بالآجر أو الصخر أو الزفت أو نحوها يمكن تطهيرها بالماء القليل]

(مسألة 435): الارض الصلبة أو المفروشة بالاجر أو الصخر أو الزفت أو نحوها يمكن تطهيرها بالماء القليل اذا جري عليها (1) لكن مجمع الغسالة يبقي نجسا اذا كانت الغسالة نجسة (2).

______________________________

فانه مع زوال العين و بقاء الاثر يصدق عرفا عنوان الغسل المأمور به و هو يكفي.

ثانيهما: عدم التعرض له في الروايات مع أن بقاء الاثر في جملة من النجاسات امر متعارف فمن عدم تعرض الشارع للزوم ازالته يفهم عدم وجوبه مضافا إلي أن لزوم الازالة علي الاطلاق ربما يوجب الحرج و المشقة و الضرر فلاحظ.

ان قلت: بقاء الاثر من اللون أو الريح أو الطعم يكشف عن بقاء العين اذ قد حقق في الفلسفة امتناع انتقال العرض عن محله قلت: الاحكام الشرعية لا تبتني علي

المباني الفلسفية بل الميزان فيها الصدق العرفي مضافا إلي أنه ربما يقال: بأنه يحتمل حدوث العرض في المحل من المجاورة مع العين النجسة فاذا جاء احتمال الحدوث بطل التقريب المذكور فانه مع مجي ء الاحتمال يبطل الاستدلال.

و لنا أن نستدل علي المدعي بما رواه ابن المغيرة عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له: ان للاستنجاء حد؟ قال لا حتي ينقي ما ثمة قلت: فانه ينقي مأثمة و يبقي الريح قال: الريح لا ينظر اليها «1».

فانه يستفاد من هذه الرواية أن الريح لا ينظر اليها فلا يترتب حكم علي الآثار الباقية من المذكورات.

(1) كما هو ظاهر فانها كبقيته الاجسام القابلة للتطهير.

(2) اذ انفصال الغسالة في التطهير بالقليل شرط فيه فمع كون الغسالة نجسة

______________________________

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب النجاسات الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 466

[مسألة 436: لا يعتبر التوالي فيما يعتبر فيه تعدد الغسل]

(مسألة 436): لا يعتبر التوالي فيما يعتبر فيه تعدد الغسل فلو غسل في يوم مرة و في آخر اخري كفي ذلك (1) نعم الاحوط استحبابا المبادرة إلي العصر فيما يعصر (2).

[مسألة 437: ماء الغسالة التي تتعقبها طهارة المحل إذا جري من الموضع النجس إلي ما اتصل به من المواضع الطاهرة لم يتنجس]

(مسألة 437): ماء الغسالة التي تتعقبها طهارة المحل اذا جري من الموضع النجس إلي ما اتصل به من المواضع الطاهرة لم يتنجس فلا يحتاج إلي تطهير من غير فرق بين البدن و الثوب و غيرهما من المتنجسات و الماء المنفصل من الجسم طاهر اذا كان يطهر المحل

______________________________

لا مناص عن الالتزام ببقاء محلها نجسا نعم ان قلنا بعدم كون الغسالة منجسة للجسم الطاهر لو فرضنا أن محل اجتماع الغسالة لم يكن نجسا من اول الامر لا نلتزم بنجاسة محل اجتماعها بل المحل باق علي طهارته و يكون الماء المجتمع هناك نجسا علي الفرض.

(1) للإطلاق المنعقد في ادلته.

(2) السيد اليزدي قدس سره قد صرح باعتبارها فيه في عروته و الحق أنه لا دليل عليه اذ العصر بنفسه ليس عليه دليل و انما يعتبر فيما يتوقف عليه عنوان الغسل.

و بعبارة اخري العصر بلحاظ اشتراط خروج الغسالة فلو تحقق الانفصال مع الفصل الزماني كفي لإطلاق الدليل و انما جعله الماتن مستحبا للخروج عن شبهة الخلاف انما الاشكال في أنه هل يصلح البناء علي الاستحباب في الامور الوضعية.

و بعبارة اخري: الاستحباب متصور بالنسبة إلي فعل المكلف فنقول: الابتداء بالسلام مستحب مثلا كما أن الجواب واجب و شرب الماء مباح و أما غسل المحل النجس فليس محكوما بحكم شرعي مولوي كي يتصور فيه الاستحباب فلاحظ.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 467

بانفصاله (1).

[مسألة 438: الأواني الكبيرة المثبتة يمكن تطهيرها بالقليل]

(مسألة 438): الاواني الكبيرة المثبتة يمكن تطهيرها بالقليل بأن يصب الماء فيها و يدار حتي يستوعب جميع أجزائها ثم يخرج حينئذ ماء الغسالة المجتمع في وسطها بنزح أو غيره (2) و الاحوط استحبابا المبادرة إلي اخراجه (3) و لا يقدح الفصل بين الغسلات (4).

______________________________

(1) قد تعرضنا تفصيلا لحكم الغسالة في

الجزء الاول من هذا الشرح «1» و ملخص ما اخترناه هناك أن ماء الغسالة لا تختص بخصوصية خاصة بل حالها حال بقية المياه القليلة و ذكرنا هناك أنه لا تنافي بين نجاسة الغسالة و طهارة المغسول بها بانفصالها.

(2) كما هو المستفاد من حديث عمار «2».

(3) قال السيد اليزدي قدس سره في عروته: «و يلزم المبادرة إلي اخراجها عرفا» لكن الظاهر أن الحق ما أفاده الماتن اذ مقتضي اطلاق حديث عمار عدم اللزوم.

و ان شئت قلت: وزانه وزان العصر فكما ان العصر لا تجب فيه الفورية كذلك الاخراج في المقام و لا يخفي أن ما ذكرنا من الاشكال في استحباب المبادرة إلي العصر جار في المقام أيضا.

(4) للإطلاق.

______________________________

(1) لاحظ ج 1 ص: 224- 234

(2) لاحظ ص: 287

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 468

و لا تقاطر ماء الغسالة حين الاخراج علي الماء المجتمع نفسه (1) و الاحوط وجوبا تطهير آلة الاخراج كل مرة من الغسلات (2).

[مسألة 439: الدسومة التي في اللحم أو اليد لا تمنع من تطهير المحل]

(مسألة 439): الدسومة التي في اللحم أو اليد لا تمنع من تطهير المحل الا اذا بلغت حدا تكون جرما حائلا و لكنها حينئذ لا تكون دسومة بل شيئا آخر (3).

[مسألة 440: إذا تنجس اللحم أو الأرز أو الماش أو نحوها]

(مسألة 440): اذا تنجس اللحم أو الارز أو الماش أو نحوها

______________________________

(1) فانه لازم بحيث لا ينفك عن التطهير و الالتزام باخلاله يوجب الحرج الشديد اضف إلي ذلك أنه عليه السلام لم يتعرض للزومه مع كونه في مقام البيان فلاحظ.

(2) قال السيد اليزدي قدس سره في العروة: «و لا يلزم تطهير آلة اخراج الغسالة كل مرة». و لا يبعد أن يكون الحق ما أفاده قدس سره فانه مقتضي الاطلاق المقامي و ما عن صاحب الجواهر قدس سره من أنه عليه السلام ليس في مقام البيان من هذه الجهة غير تام فانه لو شك في كونه في مقام البيان تجري اصالة البيان مضافا إلي أنه علي القول باللزوم لا فرق بين العود لإخراج الغسالة الثانية أو الثالثة و العود لإخراج بعض الغسالة و الحال أنه لا اطلاق في كلام الماتن بل يظهر منه الاختصاص بكل مرة من الغسلات و لا وجه له فالاظهر عدم الوجوب و الاحوط كما في المتن.

(3) فان العرض لا يمنع عن تحقق الغسل و أما اذا وصلت إلي حد تكون جرما فلا يتحقق الغسل و تكون مانعة.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 469

و لم تدخل النجاسة في عمقها يمكن تطهيرها بوضعها في طشت وصب الماء عليها علي نحو يستولي عليها (1).

ثم يراق الماء و يفرغ الطشت مرة واحدة (2) فيطهر النجس و كذا الطشت تبعا و كذا اذا اريد تطهير الثوب فانه يوضع في الطشت و يصب الماء عليه ثم يعصر و يفرغ الماء

مرة واحدة فيطهر ذلك الثوب و الطشت أيضا (3) و اذا كانت النجاسة محتاجة إلي التعدد كالبول كفي الغسل مرة اخري علي النحو المذكور (4) هذا كله فيما اذا غسل المتنجس في الطشت و نحوه و أما اذا غسل في الاناء فلا بد من غسله ثلاثا (5).

______________________________

(1) ان قلنا باشتراط ورود المطهر علي المتنجس و أما ان قلنا بعدم الفرق بين كونه وارد و مورودا فلا تجب الكيفية الخاصة كما هو ظاهر.

(2) لم يظهر وجه التقييد بكون الافراغ مرة واحدة فان مقتضي اطلاق حديث عمار «1» عدم الفرق بين المرة و المرات.

(3) لحصول الغسل المقتضي للتطهير.

(4) كما هو مقتضي القاعدة فان النجاسة البولية تحتاج ازالتها إلي تعدد الغسل فاذا تحقق التعدد تحصل الطهارة.

(5) ربما يقال: بأن المحل يطهر بالتبع فاذا كان ذلك المحل من الاواني

______________________________

(1) لاحظ ص: 287

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 470

[مسألة 441: الحليب النجس يمكن تطهيره بأن يصنع جبنا]

(مسألة 441): الحليب النجس يمكن تطهيره بأن يصنع جبنا و يوضع في الكثير حتي يصل الماء إلي اعماقه (1).

______________________________

و الظروف التي يعتبر في تطهيرها الغسل ثلاثا و كانت طاهرة قبل غسل المتنجس فيه لم يجب غسلها ثلاثا نعم اذا كان المحل نجسا قبل ذلك يلزم فيه التعدد لشمول دليل وجوبه ثلاثا اياه و أما اذا كان طاهرا فيكفي في طهارته تبعا غسل المظروف فيه فلا يعتبر التعدد و الدليل علي التبعية ما رواه ابن مسلم «1» فان مقتضي سكوت الامام عليه السلام و عدم تعرضه لكيفية تطهير المركن طهارته بتبع طهارة الثوب.

و يمكن أن يقال: ان حديث ابن مسلم يستفاد منه الطهارة التبعية بالنسبة إلي المركن و المركن ليس آنية و دليل وجوب الغسل ثلاثا وارد في الانية فالنتيجة عدم الدليل علي

التبعية فيها فيلزم رعاية التعدد ثلاثا فيها و الماتن بهذا اللحاظ افتي بلزوم الغسل ثلاثا اذا كان المغسول فيه اناء.

و صفوة القول في المقام: ان المستفاد من رواية عمار الدالة علي لزوم التطهير ثلاثا يقتضي التعدد كذلك و حديث ابن مسلم وارد في المركن فلو قطع بعدم كونه آنية أو شك في كونه كذلك لا يمكن الالتزام بالتبعية في الاناء لعدم العلم بالتسوية فالمرجع القاعدة الاولية.

(1) قد ذكرنا في ذيل المسألة (422) انه يشكل الالتزام بحصول الطهارة فيما لا يتحقق الغسل و لا تصل إلي المحل النجس الا الرطوبة و الذي يمكن أن يكون مدركا للحكم كما ذكرنا هناك ان العرف يري التطهير في أمثال المذكورات بهذا النحو المذكور في المتن هذا من ناحية و من ناحية اخري انهم عليهم السلام

______________________________

(1) لاحظ ص: 454

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 471

[مسألة 442: إذا غسل ثوبه النجس ثم رأي بعد ذلك فيه شيئا من الطين أو دقائق الاشنان أو الصابون الذي كان متنجسا]

(مسألة 442): اذا غسل ثوبه النجس ثم رأي بعد ذلك فيه شيئا من الطين أو دقائق الاشنان أو الصابون الذي كان متنجسا لا يضر ذلك في طهارة الثوب (1) بل يحكم أيضا بطهارة ظاهر الطين أو الاشنان أو الصابون الذي رآه بل باطنه اذا نفذ فيه الماء علي الوجه المعتبر (2).

______________________________

لم يتعرضوا لعدم حصول الطهارة بالنسبة إلي ما ذكر فيعلم ان الشارع يكتفي فيه بما يكون مطهرا عرفا.

و يؤيد المدعي جملة من النصوص منها ما رواه السكوني «1» و منها: ما رواه زكريا بن آدم «2» و منها: ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن أكسية المرغزي و الخفاف تنقع في البول أ يصلي عليها؟ قال: اذا غسلت بالماء فلا بأس «3».

فان المستفاد من هذه النصوص حصول الطهارة

بالنسبة إلي بواطن المذكورات بالتبع فتأمل و انما عبرنا بالتأييد لضعف اسنادها.

(1) اذ مع طهارة ظاهر الصابون أو الطين لا وجه لعدم حصول الطهارة في الثوب.

(2) علي الاشكال الذي ذكرناه آنفا و تعرضنا له سابقا.

______________________________

(1) لاحظ ص: 155

(2) لاحظ ص: 377.

(3) الوسائل الباب 71 من أبواب النجاسات الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 472

[مسألة 443: الحلي الذي يصوغها الكافر اذا لم يعلم ملاقاته لها مع الرطوبة يحكم بطهارتها]

(مسألة 443): الحلي الذي يصوغها الكافر اذا لم يعلم ملاقاته لها مع الرطوبة يحكم بطهارتها (1) و ان علم ذلك يجب غسلها و يطهر ظاهرها و يبقي باطنها علي النجاسة (2) و اذا استعملت مدة و شك في ظهور الباطن وجب تطهيرها (3).

[مسألة 444: الدهن المتنجس لا يمكن تطهيره بجعله في الكر الحار و مزجه به]

(مسألة 444) الدهن المتنجس لا يمكن تطهيره بجعله في الكر الحار و مزجه به و كذلك سائر المائعات المتنجسة فانها لا تطهر الا بالاستهلاك (4).

______________________________

(1) كما هو مقتضي الاصل العملي.

(2) بناء علي كونه نجسا.

(3) لم يظهر لي وجه ما أفاده اذ مقتضي قاعدة الطهارة طهارته.

(4) ربما يقال: - كما عن العلامة- أنه يطهر الدهن المتنجس بصبه في كر من الماء حتي تختلط و تمازج اجزائه مع الماء بحيث يعلم وصول الماء إلي جميع أجزائه.

و اورد علي هذا البيان- علي ما قيل- بوجوه من الايراد: الاول: امتناع وصول الماء إلي جميع أجزائه و وجه استحالته تارة من جهة دسومته و اخري بابتناء وصوله إلي جميع أجزائه علي القول بالجزء الذي لا يتجزي الذي برهن في الفلسفة امتناعه و ثالثة من جهة اختلافه مع الماء ثقلا و خفة المؤدي إلي انفصال احدهما عن الاخر طبعا و رابعة من جهة شدة اتصال أجزائه بعضها ببعض المانعة من الاختلاط.

و لقائل أن يقول: بعدم تمامية المذكورات أما كون دسومته مانعا عن وصول الماء إلي أجزائه فليست دسومته إلا كدسومة البدن أو اللحم التي لا تمنع عن نفوذ

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 473

______________________________

الماء فيه أو وصوله إلي البدن.

و أما ابتناء تطهيره علي القول بوجود الجزء الذي لا يتجزي فيرد عليه: اولا النقض ببقية الاجسام كالفراش و اللباس فان هذا الاشكال بعينه يجري فيه اذ المفروض انه يطهر بعد

تنجسه و الحال أنه يلزم وصول المطهر إلي جميع أجزائه.

و ثانيا بالحل و هو أن الذي برهن في الفلسفة عدم الجزء الذي لا يتجزي و لو وهما و يكفي في تحقق الطهر عدم الانقسام الخارجي.

و بعبارة اخري: يكفي لحصول الطهارة تحقق الجزء الذي لا يتجزي و لا ينقسم بالانقسام الفعلي الخارجي و لا ينافي كونه قابلا للانقسام عقلا.

و أما اختلافه مع الماء خفة و ثقلا المؤدي إلي انفصال احدهما عن الاخر، ففيه: انه ليس شرط حصول الطهارة بقاء الماء فيه بل يكفي ملاقاة الماء معه كيف و لو لم ينفصل عنه الماء لا يترتب عليه الاثر المرغوب فيه.

و أما دعوي شدة اتصال أجزائه بعضها ببعض فيرده أنه بعد فرض ادخاله في الماء الكر الحار- كما هو المفروض- في المتن و ضربه معه حتي يختلطا معا فانه يصل الماء الحار إلي جميع أجزائه.

الثاني: انه لا يمكن العلم بوصول الماء إلي كل جزء و بعبارة اخري: هب انه يمكن الوصول عقلا لكن لا يمكن حصول العلم به خارجا فلا يحصل المطلوب.

و يرد عليه: انه يمكن العلم بوصول الماء إلي جميع أجزائه في حال الاختلاط و ان لم يبق الدهن علي مسماه بحيث يمكن الانتفاع به لكن بعد برودة الماء و اجتماع الاجزاء المنتشرة من الدهن فيه يمكن اخذ ما اجتمع فوق الماء و الانتفاع به.

الثالث: انه سلمنا وصول الماء إلي كل جزء منه و حصول العلم به لكن لا

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 474

[مسألة 445: إذا تنجس التنور يمكن تطهيره بصب الماء من الإبريق عليه]

(مسألة 445): اذا تنجس التنور يمكن تطهيره بصب الماء من الابريق عليه و مجمع ماء الغسالة يبقي علي نجاسته لو كان متنجسا قبل الصب و اذا تنجس التنور بالبول وجب تكرار الغسل مرتين

(1).

[الثاني: من المطهرات الأرض]
اشارة

الثاني:

من المطهرات الارض (2).

______________________________

تحصل الطهارة اذ يشترط في حصولها قابلية المحل لها و هو اول الكلام و الاشكال.

و فيه: ان النجاسة العارضة علي الدهن وصف عرضي مفارق و ليست ذاتية له و المستفاد من ادلة مطهرية الماء كونه مطهرا بالنسبة إلي كل ما عرض عليه النجاسة و لو فتحت باب هذا الاشكال يشكل الامر في كثير من الموارد و صفوة القول: ان مقتضي اطلاق الادلة عدم الفرق بين الموارد فلاحظ.

(1) ما أفاده علي طبق القاعدة الاولية فانه بيان احدي الصغريات التي قد تمت كبريها فان المتنجس بالبول يجب غسله مرتين و بغيره تكفي المرة.

(2) ادعي عليه الاتفاق و الظاهر أنه لا اشكال و لا كلام في أصل المسألة و انما الكلام في بعض الخصوصيات و تدل علي المدعي جملة من النصوص: منها:

ما رواه المعلي بن خنيس «1».

و منها: ما رواه زرارة بن اعين قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل وطأ علي عذرة فساخت رجله فيها أ ينقض ذلك وضوئه؟ و هل يجب عليه غسلها

______________________________

(1) لاحظ ص: 205

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 475

فانها تطهر باطن القدم (1) و ما توقي به كالنعل و الخف و الحذاء و نحوها (2).

______________________________

فقال: لا يغسلها الا أن يقذرها و لكنه يمسحها حتي يذهب أثرها و يصلي «1».

و منها ما رواه محمد الحلبي قال: قلت له: ان طريقي إلي المسجد في زقاق يبال فيه فربما مررت فيه و ليس علي حذاء فيلصق برجلي من نداوته فقال: أ ليس تمشي بعد ذلك في ارض يابسة؟ قلت: بلي قال: فلا بأس ان الارض تطهر بعضها بعضا «2».

(1) كما هو المستفاد من حديث ابن خنيس «3» و يدل عليه أيضا ما رواه

محمد الحلبي «4» و يدل عليه أيضا بالصراحة ما رواه الحلبي أيضا «5».

(2) استدل علي المدعي بعدة نصوص منها ما رواه حفص بن أبي عيسي قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام ان وطأت علي عذرة بخفي و مسحته حتي لم أر فيه شيئا ما تقول في الصلاة فيه؟ فقال: لا بأس «6» و هذه الرواية واردة في حكم الخف لكن سندها مخدوش بحفص فلا وجه لإطالة الكلام في دلالتها علي المدعي.

و منها: ما رواه الاحول عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال في الرجل يطأ علي الموضع الذي ليس بنظيف ثم يطأ بعده مكانا نظيفا قال: لا بأس اذا كان خمسة

______________________________

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب النجاسات الحديث: 7.

(2) نفس المصدر الحديث: 9

(3) لاحظ ص: 205

(4) لاحظ ص 393

(5) مر آنفا

(6) الوسائل الباب 32 من أبواب النجاسات الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 476

______________________________

عشر ذراعا أو نحو ذلك «1».

و هذه الرواية تامة سندا و من حيث الدلالة مطلقة و لا تختص بالبشرة لكن قيدت بالمشي خمسة عشر ذراعا و هذا لا يوجب رفع اليد عن الرواية بدعوي أن المشهور غير قائلين بالتقدير فان تم دليل علي كونه مستحبا فهو و الا يجب الاخذ بها و لا نبالي من التقييد.

و منها: ما رواه محمد الحلبي «2» و هذه الرواية باطلاقها تشمل الخف و النعل و الحذاء و نحوها.

و منها: ما رواه محمد بن مسلم «3» و لا يخفي أن التعليل المذكور في الحديث لا يرتبط بالحكم الوارد فيه فان ذلك الحكم مفاد قوله عليه السلام: «كل شي ء يابس ذكي» «4» فعدم الانفعال من باب كون اللباس زكيا و غير مؤثر في الانفعال لكن مع ذلك كله

يستفاد من الحديث أن الارض تطهر موضع الوطاء و اطلاقه يقتضي شموله لكل ما يتنعل به عادة.

و بهذا التقريب الذي ذكرنا يمكن استفادة المدعي من كل حديث ذكر فيه التعليل المذكور فان مقتضي عموم التعليل عدم الفرق بين البشرة و ما يتنعل به من الحذاء و غيره. و لا يخفي انه ليس المراد من الجملة ان بعض الارض يطهر بعضها

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 1.

(2) لاحظ ص: 393.

(3) لاحظ ص: 123.

(4) الوسائل الباب 31 من أبواب احكام الخلوة الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 477

بالمسح بها (1) أو المشي عليها (2) بشرط زوال عين النجاسة بهما (3) و لو زالت عين النجاسة قبل ذلك كفي مسمي المسح بها أو

______________________________

الاخر بل المراد منه ان بعض الارض يطهر و يزيل النجاسة الحاصلة من بعضها الاخر.

فالمتحصل مما ذكرنا انه يمكن تقريب الاستدلال علي اثبات المدعي بوجهين:

الاول: الاطلاق المستفاد من بعض النصوص فانه بنفسه يقتضي اثبات المدعي الثاني: عموم التعليل فلاحظ.

(1) لاحظ حديثي حفص و زرارة «1».

(2) كما صرح به في حديث الحلبي «2» و هو الظاهر من جملة من روايات الباب 32 من ابواب النجاسات من الوسائل فلاحظ.

(3) فانه مقتضي الارتكاز اذ مطهرية الارض لا تزيد علي التطهير بالماء و لا اشكال في اشتراط الزوال فيه و ان شئت قلت: تحقق الطهارة و بقاء عين النجاسة امران متنافيان لا يجتمعان اضف إلي ذلك حديثي حفص و زرارة «3» فان المصرح به في الاول قول الراوي: «و مسحته حتي لم أر فيه شيئا» و الامام عليه السلام قرره علي ما في ذهنه و في الثاني صرح عليه السلام بالمسح حتي يذهب الاثر فلاحظ.

______________________________

(1) لاحظ ص: 475 و 474.

(2) لاحظ ص:

393

(3) لاحظ ص: 474 و 475

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 478

المشي عليها (1).

و يشترط علي الاحوط وجوبا كون النجاسة حاصلة بالمشي علي الارض (2).

______________________________

(1) لقائل أن يقول: ان مقتضي حديث الاحول «1» اشتراط المقدار المذكور في الحديث فان المطلق يقيد بالمقيد.

و يمكن أن يجاب بأنه يمكن أن يكون ذكر المقدار من باب توقف ازالة النجاسة علي المشي بهذا المقدار.

و بعبارة اخري: تكون الرواية ناظرة إلي امر خارجي لا شرعي و الدليل علي هذا المدعي قوله عليه السلام: «أو نحو ذلك» فان التخيير بين الاقل و الاكثر غير معقول فليس تحديدا شرعيا بل المناط زوال الاثر كما هو المصرح به في حديث زرارة «2» الذي تقدم.

(2) الوجه في هذا الاحتياط قصور المقتضي بالنسبة إلي الزائد فان النصوص واردة في النجاسة الحاصلة بالمشي علي الارض أو المرور عليها فلا بد من الاقتصار علي موارد النصوص.

و ان شئت قلت: مقتضي القاعدة الاولية المستفادة من الدليل الدال علي اقتصار المطهر في الماء تطهير النجاسات به فقط و لا بد من وجود دليل علي الخروج من مقتضي القاعدة. و يؤيد المدعي بل يدل عليه قوله عليه السلام في بعض تلك النصوص: «ان الارض يطهر بعضها بعضا».

______________________________

(1) لاحظ ص: 475

(2) لاحظ ص: 474.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 479

______________________________

و يمكن التعدي عن مورد الروايات بوجهين: احدهما ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: جرت السنة في الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان و لا يغسله و يجوز أن يمسح رجليه و لا يغسلهما «1».

بتقريب: أن المستفاد من هذه الرواية انه يكفي المسح في تطهير الرجلين فلا فرق بين النجاسة الحاصلة بالمشي و غيره.

و يرد عليه: انه ليس الامام عليه السلام

في مقام البيان من جميع الجهات و الا يلزم تطهير الرجلين من النجاسة الحاصلة فيها باي وجه كان و باي طريق و الحال أنه لا يمكن الالتزام بهذا اللازم.

و بعبارة اخري: مقتضي الاطلاق ان الرجل اذا تنجست باي نحو و كيفية يكفي في تطهيرها مسحها و هذا خلاف الواقع فان الامام عليه السلام ليس في مقام البيان فلا ينعقد الاطلاق.

و بتقريب آخر: ان مقتضي الاطلاق ان الرجل اذا تنجست باي نحو كان يمكن تطهيرها بالمسح بلا فرق بين أن يكون بالمسح بالارض أو غيرها من الخرقة و الخشب و نحوهما و من الظاهر انه خلاف الواقع فلا اطلاق.

ثانيهما: ما عن المحقق الهمداني قدس سره و هو أن مقتضي الارتكاز عدم الفرق في مطهرية الارض بين النجاسة الحاصلة منها و بين الحاصلة من غيرها و لذا لا فرق في نظر العرف بين كون العذرة مطروحة علي الارض أو علي الفراش.

و ما أفاده و ان كان صحيحا بهذا المقداري لا فرق بين الموردين المذكورين

______________________________

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب النجاسات الحديث: 10

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 480

[مسألة 446: المراد من الأرض مطلق ما يسمي أرضا من حجر أو تراب أو رمل]

(مسألة 446) المراد من الارض مطلق ما يسمي أرضا من حجر أو تراب أو رمل (1) و لا يبعد عموم الحكم للأجر و الجص و النورة (2) و الاقوي اعتبار طهارتها (3).

______________________________

لكن الاشكال في النجاسة الحاصلة من الخارج و غير المشي و اثبات عدم الفرق مشكل. و بعبارة اخري: الارتكاز المدعي ليس بحد يمكن الخروج عن طبق القواعد الاولية فان مقتضي القاعدة الاولية لزوم التطهير بالماء و الاكتفاء بغيره يتوقف علي قيام دليل قطعي.

(1) لإطلاق الادلة فان المأخوذ فيها عنوان الارض و مقتضي الاطلاق كفايتها علي الاطلاق.

(2) لصدق الارض علي

المذكورات.

(3) ربما يقال: بأن مقتضي الاطلاق عدم الاشتراط. و فيه: ان الاطلاق علي فرض تماميته ترفع اليد عنها برواية الاحول «1» فان الموضوع المأخوذ فيها عنوان الوطء علي الموضع النظيف و بمقتضي مفهوم الشرط يختص الحكم بصورة كون الموضع طاهرا.

لا يقال: التقييد وقع في كلام السائل، فانه يقال: ان الامر و ان كان كذلك لكن جوابه عليه السلام مترتب علي ذلك الموضوع الذي وقع مورد السؤال.

ان قلت: قد مر ان التحديد بخمسة عشر ذراعا ليس شرعيا. قلت: لا منافاة بين عدم كونه شرعيا و بين اشتراط نظافة الموضع. و بعبارة اخري: المستفاد من الحديث ان الوطء علي الموضع الطاهر يوجب الطهارة فلاحظ و يؤيد المدعي

______________________________

(1) لاحظ ص: 475

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 481

و الاحوط وجوبا اعتبار جفافها (1).

[مسألة 447: في الحاق ظاهر القدم و عيني الركبتين و اليدين اذا كان المشي عليها]

(مسألة 447): في الحاق ظاهر القدم و عيني الركبتين و اليدين اذا كان المشي عليها و كذلك ما توقي به كالنعل و أسفل خشبة الاقطع و حواشي القدم القريبة من الباطن اشكال (2).

______________________________

الارتكاز العرفي بأن فاقد الطهارة لا يمكن أن يكون مطهرا.

(1) استدل علي المدعي بحديثي المعلي و محمد الحلبي «1» و لكن الحديثين ضعيفان سندا أما الاول فبمعلي و أما الثاني فبمفضل بن عمر فاعتبار الجفاف مبني علي الاحتياط فلا يضر كونها مرطوبة بشرط أن لا تكون مسرية و الا يلزم نجاسة الرجل بتلك الرطوبة الاعلي القول بعدم تنجيس المتنجس.

و لقائل أن يقول: بأن سراية النجاسة عن الارض إلي الرجل ممنوعة كما في الماء المستعمل في التطهير فانه مطهر و لا ينجس به المحل.

و يمكن أن يقال: ان المستفاد من حديث عمار بن موسي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث انه سأله عن الرجل

يتوضأ و يمشي حافيا و رجله رطبة قال:

ان كانت أرضكم مبلطة أجزأكم المشي عليها فقال: أما نحن فيجوز لنا ذلك لان أرضنا مبلطة يعني مفروشة بالحصي «2» جواز كون الارض رطبة اذ المفروض في الرواية ان الرجل رطبة و مع ذلك حكم عليه السلام بالاجزاء.

(2) لعدم المقتضي فان العناوين المأخوذة في النصوص اما الوطء و اما المشي بالرجل و اما المرور حافيا و نحوها فلا تصدق علي المشي بغير الرجل فلا يمكن

______________________________

(1) لاحظ ص: 205 و 475

(2) الوسائل الباب 32 من أبواب النجاسات الحديث: 8

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 482

[مسألة 448: إذا شك في طهارة الأرض يبني علي طهارتها]

(مسألة 448): اذا شك في طهارة الارض يبني علي طهارتها فتكون مطهرة حينئذ (1) الا اذا كانت الحالة السابقة نجاستها (2).

[مسألة 449: إذا كان في الظلمة و لا يدري أن ما تحت قدمه أرض أو شي ء آخر من فرش و نحوه]

(مسألة 449): اذا كان في الظلمة و لا يدري ان ما تحت قدمه أرض أو شي ء آخر من فرش و نحوه لا يكفي المشي عليه في حصول الطهارة بل لا بد من العلم بكونه أرضا (3).

[الثالث: الشمس]
اشارة

الثالث:

الشمس (4).

______________________________

التعدي بل لا بد من التحفظ علي مقتضي القاعدة الاولية في غير ما دل عليه الدليل القطعي.

(1) لقاعدتها.

(2) لاستصحاب النجاسة.

(3) للشك في تحقق الموضوع و الاصل عدمه فان مقتضي الاستصحاب عدم كون ما شك فيه معنونا بعنوان الارضية بل يكفي مجرد الشك اذ مع عدم احراز تحقق المطهر يكون استصحاب النجاسة محكما فلاحظ.

(4) وقع الكلام بين القوم في أن الشمس هل هي مطهرة للأشياء المتنجسة كالماء أو أنها لا تؤثر الا في العفو عن النجاسة في بعض آثارها كالتيمم و السجود علي الموضع المتنجس الذي جففته الشمس و المشهور بينهم انها تطهر في الجملة بل قيل: انه نقل عليه الاجماع و نقل عن المفيد و عن جماعة من المتقدمين

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 483

______________________________

و المتأخرين القول بالعفو دون الطهارة- هكذا في كلام بعض الاصحاب-.

و يمكن الاستدلال علي القول المشهور بجملة من النصوص: منها ما رواه زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن البول يكون علي السطح أو في المكان الذي يصلي فيه فقال: اذا جففته الشمس فصل عليه فهو طاهر «1».

و هذه الرواية بالصراحة تدل علي أن الجفاف بالشمس يطهر النجاسة البولية فان قوله عليه السلام «فهو طاهر» صريح في المدعي. و ربما يقال: بأن الطاهر لم يثبت كونه بالمعني المصطلح عليه بل بمعني النظيف فلا تدل الرواية علي المدعي.

و يرد عليه: انه لا مجال لهذا الاشكال اذ الطهارة في زمان الباقر عليه السلام كانت تستعمل في

المعني الشرعي اضف إلي ذلك انه لو كان المراد من الطهارة النظافة لم يكن وجه للاختصاص بكون الجفاف بالشمس بل تحصل النتيجة بمطلق الجفاف فلاحظ.

و منها: ما رواه زرارة و حديد بن حكيم الاردي «2» بتقريب: ان الظاهر من السؤال ان المرتكز في ذهن السائل عدم جواز الصلاة في المكان النجس و الامام عليه السلام قرره علي ما في ذهنه.

ان قلت: ان المذكور في كلامه عليه السلام الجفاف بالشمس و الريح و الحال ان المدعي كفاية الجفاف بالشمس وحدها.

قلت: يحمل ذكر الريح في كلامه علي الامر العادي فان هبوب الريح أمر عادي و بعبارة اخري: ليس هبوب الريح شرطا شرعيا بل أمر عادي.

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب النجاسات الحديث: 1

(2) لاحظ ص: 330

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 484

______________________________

و يرد علي الاستدلال اولا: ان المستفاد من الرواية جواز الصلاة في المكان الذي يبال فيه و من الظاهر انه فرق بين أن يقال: صلي زيد في المكان الفلاني و بين أن يقال: صلي علي المكان الفلاني فانه يمكن أن يتصور الصلاة في المكان النجس و وضع الجبهة علي الموضع الطاهر فجواز الصلاة في مكان لا يستلزم طهارة ذلك المكان.

و ان شئت قلت: ان الامام عليه السلام لم يقرر ما في ذهن السائل من عدم جواز الصلاة في السطح الذي يبال عليه بل جوز الصلاة فيه.

و ثانيا: أن المذكور في كلامه عليه السلام اعتبار الجفاف بالشمس و الريح و حمل ذكر الريح علي الامر العادي خلاف كونه عليه السلام في مقام التشريع.

و ثالثا ان المستفاد من كلامه عليه السلام اشتراط جواز الصلاة حال الجفاف بأن يكون الموضع جافا حال الصلاة و أما الجفاف الحاصل سابقا فلا يؤثر

و من الظاهر ان الموضع الطاهر كما هو المفروض لا يتوقف علي كونه جافا حال الصلاة

و منها: ما رواه عمار الساباطي «1» بتقريب أن السؤال عن كون الشمس مطهرة للأرض النجسة و مقتضي تطابق الجواب مع السؤال أن يكون جوابه عليه السلام ناظرا إلي كون الشمس مطهرة و حمل الرواية علي العفو عن الصلاة علي تلك الارض خلاف القاعدة الاولية.

و ربما يقال: بأنه لا يستفاد من الرواية أزيد من كون الجفاف بالشمس موجبا لجواز الصلاة فلا دلالة علي الطهارة بل يستفاد من عدوله عليه السلام إلي الجواب

______________________________

(1) لاحظ ص: 330

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 485

______________________________

بجواز الصلاة، عدم الطهارة فتكون الرواية شاهدة للقائلين بالعفو.

و أيضا يستفاد المدعي من قوله عليه السلام: «و ان كانت رجلك رطبة» بناء علي رجوع الضمير في ييبس إلي الجبهة و الرجل كي لا يلزم التكرار فالرواية دالة علي بقاء نجاسة الارض و كونها موجبة لنجاسة ملاقيها.

و يؤكد المدعي ما عن الوافي و حبل المتين من قوله عليه السلام: «و ان كان عين الشمس» بدلا عن «غير الشمس» فان الرواية علي هذا التقدير صريحة في عدم تحقق الطهارة بالشمس و كلمة «ان» علي هذه النسخة تكون وصلية و قوله عليه السلام في الذيل: «فانه لا يجوز ذلك» تأكيد لعدم جواز الصلاة علي ذلك الموضع حتي ييبس.

و يرد علي هذا التقريب اولا: انه علي هذا الفرض لا يكون الجواب مطابقا للسؤال و هذا خلاف القاعدة. و ثانيا: ان الضمير في ييبس لا يرجع إلي الجبهة او الرجل بل يرجع إلي الموضع لقربه و الاقرب يمنع الا بعد مضافا إلي أنه لو كان راجعا إلي الجبهة أو الرجل لكان المناسب أن يقول: «حتي تيبس»

و ذلك لان الجبهة مؤنثة لفظا و الرجل مؤنثة سماعا. و ثالثا: ان كلمة «ان» لو كانت وصلية لكان المتعين أن يقول: «و ان كان عين الشمس اصابته حتي يبس» بدلا عن «ييبس» لان «ان» الوصلية انما يؤتي بها في الامور التي فرضت متحققة.

و بعبارة اخري: لا بد من الاتيان بصيغة الماضي و الحال أن الموجود في الرواية صيغة المضارع و رابعا: يلزم علي ذلك التقدير تانيث الضمير في «أصابه» لان الضمير المتأخر في المؤنث السماعي يجب تطابقه مع المرجع. و خامسا: لا

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 486

______________________________

معني لإصابة عين الشمس فان عين الشمس لا تصيب شيئا و انما يصيب نورها.

و ان شئت قلت: لفظ العين انما يستعمل في مورد دفع التوهم كما يقال:

رأيت زيدا عينه لدفع احتمال رؤية غيره و أما الشمس فلا مجال لاحتمال اصابة نفسها.

فالنتيجة: ان الصحيح أن يكون المذكور في الرواية «غير الشمس» و لو اغمض عما ذكر فلا أقلّ من الاجمال و مع فرض الاجمال يكفي لإثبات المدعي غير هذه الرواية كرواية زرارة التي تقدمت فلاحظ.

و منها ما رواه أبو بكر الحضرمي عن أبي جعفر عليه السلام قال: يا أبا بكر ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر «1».

و لا اشكال في دلالتها علي المدعي بالعموم و الاطلاق و لكن سند الرواية مخدوش بعثمان بن عبد الملك و الحضرمي.

و من النصوص الواردة في المقام ما رواه محمد بن اسماعيل بن بزيع قال:

سألته عن الارض و السطح يصيبه البول و ما أشبهه هل تطهر الشمس من غير ماء؟

قال: كيف يطهر من غير ماء «2».

و يمكن أن يقال: بأن هذه الرواية تعارض ما تقدم من النصوص بتقريب:

ان المستفاد منها انكار كون الشمس مطهرة

و ان المطهر للأرض أو السطح هو الماء.

و لقائل أن يقول الرواية غير معارضة لما تقدم بدعوي أن المرتكز في ذهن السائل كون الشمس مطهرة في الجملة و من هنا سأل عن كون الشمس سببا مستقلا في

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب النجاسات الحديث: 5 و 6.

(2) نفس المصدر الحديث: 7

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 487

فانها تطهر الارض و كل ما لا ينقل من الابنية و ما اتصل بها من أخشاب و أعتاب و أبواب و أوتاد و كذلك الاشجار و الثمار و النبات و الخضروات و ان حان قطفها و غير ذلك (1).

______________________________

الطهارة أو أن لها شرطا و الامام عليه السلام أجاب بأنها تطهر بشرط وجود الماء و لا تكون مطهرة بالاستقلال فالمستفاد من الرواية ان الشمس و الماء دخيلان في حصول الطهارة.

ثم انه لا يحتمل توقف تطهير الارض أو السطح بالشمس بعد تطهيرهما بالماء مستقلا بل المتعين أن يراد بالماء مقدار قليل غير كاف في التطهير. ان قلت:

مقتضي اطلاق الرواية اشتراط الماء في تحقق الطهارة و لو كان المحل رطبة فيتوقف تحصيل الطهارة علي استعمال الماء.

قلت: مقتضي حديث زرارة المتقدم كفاية كون المحل رطبة و يجفف بالشمس و النسبة بين الحديثين هو العموم المطلق و مقتضي القاعدة تخصيص العام بالخاص فالنتيجة: ان الرواية لا تكون معارضة بل من ادلة المقام.

و لو اغمض عما ذكرنا فلا أقلّ من كونها مجملة غير قابلة للمعارضة لما تقدم فالمرجع النصوص الدالة علي المدعي اضف إلي ذلك كله انه لو فرض التعارض فالترجيح مع ما تقدم من النصوص لذهاب جماعة من العامة إلي عدم كون الشمس مطهرة فيكون المعارض موافقا للتقية كما ذكره في الوسائل لكن المسألة اختلافية

عند العامة فكل من الطرفين موافق لجماعة منهم فتصل النوبة إلي المرجح الاخير اي الاحدثية فالترجيح مع ما دل علي العدم.

(1) الوارد في رواية زرارة عنوان المكان كما أن الوارد في حديث عمار

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 488

و في تطهير الحصر و البواري بها اشكال بل منع (1).

______________________________

عنوان الموضع و هذان العنوانان اعم من الارض فيشملان الالواح و غيرها المفروشة علي الارض اذا كان بمقدار يتيسر فيه الصلاة اذ يصدق عليه الموضع و المكان فاذا تعدينا إلي هذا المقدار نتعدي إلي غير المفروشة بعدم القول بالفصل.

و لقائل أن يقول: انه لا وجه للتعدي و عدم الفصل ليس من الادلة كما أنه يمكن أن يقال: ان مقتضي اطلاق الموضع و المحل عدم الفرق بين المنقول و غيره فلا وجه لاختصاص الحكم بالثاني و اللّه العالم.

(1) قد ذكرت وجوه لإلحاق الحصر و البواري بالارض في التطهير بالشمس منها: حديث ابي بكر «1» فان مقتضي عموم الحديث و اطلاقه عدم الفرق بين الارض و غيرها فكل شي ء اذا اشرقت عليه الشمس يطهر غاية الامر ترفع اليد عن غير الحصر و البواري من المنقولات.

و فيه: ان السند كما مر ضعيف و الرواية غير قابلة للاستناد اليها سندا فلا مجال للبحث حول ما يستفاد منها.

و منها: ما رواه علي بن جعفر «2» بتقريب: ان المستفاد من الرواية جواز الصلاة علي البواري التي أصابها البول بعد جفافها و الظاهر من الصلاة عليها السجود عليها و حيث ان جواز السجود علي الشي ء يشترط فيها طهارة مسجد الجبهة تدل الرواية علي طهارتها بالجفاف و مقتضي اطلاق الرواية عدم اشتراط حصول الطهارة بالجفاف بالشمس لكن الاجماع و الضرورة يقتضيان

______________________________

(1) لاحظ ص: 486

(2) لاحظ ص:

331.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 489

[مسألة 450: يشترط في الطهارة بالشمس مضافا إلي زوال عين النجاسة]

(مسألة 450): يشترط في الطهارة بالشمس مضافا إلي زوال عين النجاسة (1).

______________________________

الاشتراط المذكور.

هذا و يمكن النقاش في الاستدلال بأن الصلاة علي الشي ء تصدق باتخاذ الشي ء مكانا للصلاة فلا ملازمة بين الصلاة علي الشي ء و السجود عليه لاحظ ما رواه زرارة «1» و مثله ما رواه ابن أبي عمير «2» فالرواية لا يمكن أن يكون دليلا علي المدعي و مما ذكرنا يظهر الاشكال في الاستدلال بحديث آخر لعلي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن البواري يبل قصبها بماء قذر أ يصلي عليه قال: اذا يبست فلا بأس «3» و بحديث عمار «4».

فالنتيجة أن المسألة محل الاشكال كما في المتن.

و منها: استصحاب كونها قابلة للتطهير بالشمس بتقريب: أن الحصر و البواري كانتا جزءا من النبات الذي يطهر بالجفاف بالشمس و مقتضي الاستصحاب بقائهما علي ما كانتا.

و فيه: أن هذا الاستصحاب تعليقي و لا اعتبار به كما حقق في محله مضافا إلي عدم جريان الاستصحاب في الحكم الكلي للمعارضة فلا تغفل.

(1) نقل عن المستند و المدارك و اللوامع: دعوي الاجماع عليه. و يمكن أن

______________________________

(1) لاحظ ص 333

(2) لاحظ ص: 333

(3) الوسائل الباب 30 من أبواب النجاسات الحديث: 2

(4) لاحظ ص: 292.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 490

و إلي رطوبة المحل (1).

______________________________

يستدل عليه بالارتكاز فان مقتضاه ان عين النجاسة غير قابلة للطهارة و ما دام باقية يكون المحل باقيا علي نجاسته فمع بقاء العين لا مجال لطهارة المحل.

اضف إلي ذلك ان الباقي ان كان عرضا في نظر العرف فلا موضوع لبقاء العين بل زالت عرفا و الصدق العرفي يكفي كما هو المقرر و ان كان جوهرا فهي مانعة

عن اصابة الشمس للأرض فكيف تطهر مع وجود المانع من الاصابة.

ان قلت: العين بعد ما تقع علي الارض تعد من أجزائها فتطهر بنفسها تبعا لطهارة الارض فلا عين للنجاسة كي تصل النوبة إلي زوالها. قلت العين النجسة بعد وقوعها علي الارض لا تعد من أجزاء الارض بل تكون اجنبية عنها فلا يتم البيان المذكور الا أن يقال: بأن المطهر للأرض جفافها بالشمس و هذا العنوان يصدق و لو مع عدم زوال العين و اي منافاة بين بقاء العين علي نجاستها و طهارة المحل بالجفاف لكن في هذا الفرض لم تجف الارض باصابة الشمس بلا واسطة بل جفت بواسطة شي ء آخر.

و بعبارة اخري: ان المستفاد من حديث زرارة و ابن بزيع لزوم تحقق الجفاف بالشمس بعينها لا بحرارتها كما أن المستفاد من حديث عمار لزوم اصابتها كما أن المستفاد من حديث أبي بكر لزوم اشراقها.

(1) اذ الوارد في الدليل عنوان الجفاف كما في حديث زرارة و عنوان اليبس كما في حديث عمار و تحقق كل واحد منهما يتوقف علي رطوبة المحل اذ بدونها لا يتحقق عنوان الجفاف و لا عنوان اليبس فلا بد من رعاية الرطوبة في المحل.

و ربما يقال: ان المستفاد من حديث ابن بزيع اشتراط التطهير بالشمس بالماء و بدونه لا تحصل الطهارة.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 491

اليبوسة المستندة إلي الاشراق عرفا و ان شاركها غيرها في الجملة من ريح أو غيرها (1).

______________________________

و فيه: ان المراد من الحديث أن لا تكون الشمس باستقلالها مطهرة بل يتوقف تطهيرها علي صدق احد العنوانين المذكورين في الحديثين و يدل علي المدعي بوضوح حكمه عليه السلام بالطهارة علي تحقق اليبوسة و الجفاف في الارض المفروض فيها البول فلا

يتوقف حصول الطهارة علي وجود الماء. فالمتحصل ان الميزان صدق عنوان الجفاف و اليبس.

و ربما يقال: الجفاف غير اليبوسة اذ الاول في مقابل الرطوبة المسرية و الثاني في قبال النداوة و بما أن النسبة بين العنوانين عموم من وجه بحسب المورد اذ الاول يتوقف علي الرطوبة المسرية يصدق بذهابها و ان بقيت النداوة في الجملة و الثاني يكفي فيه النداوة و لا يصدق الا بذهابها، كان مقتضي الجمع بين الروايتين الاكتفاء باحد الامرين فان كانت في الموضع النجس رطوبة مسرية فاذهبتها الشمس طهر و لو مع بقاء النداوة لصدق الجفاف و ان كانت فيه نداوة طهر بذهابها بالشمس لصدق عنوان اليبس.

و يرد علي هذا البيان: ان المستفاد من اللغة- كما هو المذكور في المنجد- ان العنوانين مترادفان فالمعتبر ذهاب النداوة بالشمس كي يصدق العنوانان المأخوذ ان في الحديثين فلاحظ و لو وصلت النوبة إلي الشك في الترادف و عدمه تكون النتيجة ما ذكر اذ ما لم تذهب النداوة بالشمس لم يحرز تحقق المطهر فلا يمكن الحكم بالطهارة فلاحظ.

(1) تستفاد من عبارة المتن ثلاثة فروع: الفرع الاول: انه يشترط أن يكون

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 492

______________________________

الجفاف باشراق الشمس فلو حصل الجفاف بالمجاورة لم تحصل الطهارة و يدل علي المدعي بالصراحة ما رواه أبو بكر «1» و لكن قد مر أن الرواية ضعيفة سندا.

و يمكن الاستدلال علي المدعي بما رواه عمار «2» فان المذكور في هذه الرواية عنوان اصابة الشمس- ان قلت: ان المذكور في حديث زرارة «3» عنوان الجفاف بالشمس و هذا العنوان يصدق و لو بكون الجفاف بالمجاورة.

قلت: اولا: يمكن أن يقال: بعدم صدق العنوان فان الجفاف بالمجاورة جفاف بحرارة الشمس لا بها و الحاصل

بها ما يحصل باشراقها و ان أبيت فلا أقلّ من الانصراف- كما في كلام سيد المستمسك-.

و ثانيا: علي فرض تسلم الاطلاق في هذا الحديث ترفع اليد عنه بحديث عمار الناص في لزوم اصابة الشمس فلاحظ.

الفرع الثاني: انه لا بد من استناد حصول الجفاف إلي اشراق الشمس بالاستقلال و لا يكفي اشتراكه مع غيره كالهواء و الريح. و عن المدارك و جماعة الحكم بالطهارة لصدق التجفيف بالشمس و لا سيما مع كون الغالب كذلك.

و يرد عليه أن قوله عليه السلام في حديث زرارة: «اذا جففته الشمس» يقتضي أن يكون الجفاف بالشمس مستقلا فلا يكفي الاشتراك و أما الغلبة باشتراك غيرها معها في التأثير فممنوعة.

______________________________

(1) لاحظ ص: 486.

(2) لاحظ ص: 330.

(3) لاحظ ص: 483

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 493

[مسألة 451: الباطن النجس يطهر تبعا لطهارة الظاهر بالإشراق]

(مسألة 451): الباطن النجس يطهر تبعا لطهارة الظاهر بالاشراق (1).

______________________________

ان قلت: ان المستفاد من الحديث عمار كفاية اشراق الشمس في الجملة و بعبارة اخري: مقتضي اطلاق الحديث المذكور كفاية الاشتراك فلا وجه لاشتراط الاستقلال.

قلت: يرد عليه اولا: ان المستفاد من ذيل الحديث اشتراط الاستقلال فان قوله عليه السلام في ذيل الحديث: «و ان أصابته الشمس و لم ييبس الموضع» الحديث، يقتضي ان يكون اليبس باشراق الشمس فتأمل.

و ثانيا: لا يمكن الاخذ باطلاق صدر الحديث و الاكتفاء بالاشراق و اليبوسة الحاصلة بعده بغيرها و لو مع فصل نصف يوم أو يوم أو أزيد أو أقل فانه خلاف المتسالم عليه عند القوم فلا بد من التقييد.

و ثانيا: يلزم رفع اليد عن الاطلاق و تقييده بحديث زرارة فان المستفاد منه كما ذكرنا لزوم كون الجفاف بالشمس بالاستقلال.

الفرع الثالث: مشاركة غيرها من ريح أو غيرها في الجملة- كما في المتن- لا تكون

مضرة اذ استقلال الشمس في الجفاف مستقلا و بلا مشاركة امر آخر نادر بل لعله غير متحقق فلا يمكن أن تكون النصوص الواردة في المقام ناظرة اليه فلاحظ و أما حديث زرارة و حديد بن حكيم «1» فقد مر الكلام فيه و قلنا ان هذا الحديث ليس من ادلة المقام.

(1) ربما يقال: بأنه لا دليل علي طهارة الباطن اذ طهارة الموضع النجس

______________________________

(1) لاحظ ص: 330

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 494

[مسألة 452: إذا كانت الأرض النجسة جافة و أريد تطهيرها صب عليها الماء الطاهر أو النجس]

(مسألة 452): اذا كانت الارض النجسة جافة و اريد تطهيرها صب عليها الماء الطاهر أو النجس فاذا يبس بالشمس طهرت (1).

[مسألة 453: إذا تنجست الأرض بالبول فاشرقت عليها الشمس حتي يبست طهرت من دون حاجة إلي صب الماء عليها]

(مسألة 453): اذا تنجست الارض بالبول فاشرقت عليها الشمس حتي يبست طهرت من دون حاجة إلي صب الماء عليها (2) نعم اذا كان البول غليظا له جرم لم يطهر جرمه بالجفاف (3) بل لا يطهر

______________________________

بالاشراق انما استفيدت من جواز الصلاة عليه من جهة لزوم طهارة مسجد الجبهة و هذا المقدار لا يقتضي طهارة الباطن نعم لا بد من الالتزام بطهارة شي ء يسير من الباطن فان الصلاة علي بعض الاراضي كالأراضي الرملية يستتبع تبدل أجزائها و قد توجب تبدل الظاهر باطنا و هذا المقدار لا بد من الالتزام بطهارة الباطن دون الزائد عليه.

و لكن يمكن أن يقال: ان الظاهر من النصوص عدم الفرق بين الظاهر و الباطن فان قوله عليه السلام: «فهو طاهر» في حديث زرارة يرجع إلي المحل النجس و قس عليه لفظ «الموضع» الوارد في حديث عمار «و الارض» و «السطح» الواردين في حديث ابن بزيع اضف إلي ذلك الاجماع المدعي عن ظاهر البحار فما عن المنتهي من اختصاص الحكم بالظاهر ضعيف.

(1) اذ المستفاد من الادلة كما مر أن الجفاف بالشمس يطهر الارض المتنجسة فعليه اذا كانت جافة و صبت عليها الماء فجفت بالشمس طهرت.

(2) كما هو المفروض في حديثي زرارة و عمار فلاحظ.

(3) كما مر و قلنا: لا يستفاد من الادلة طهارة العين النجسة بالشمس.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 495

سطح الارض الذي عليه الجرم (1).

[مسألة 454: الحصي و التراب و الطين و الأحجار المعدودة جزء من الأرض بحكم الأرض في الطهارة بالشمس]

(مسألة 454): الحصي و التراب و الطين و الاحجار المعدودة جزءا من الارض بحكم الارض في الطهارة بالشمس و ان كانت في نفسها منقولة (2) نعم لو لم تكن معدودة من الارض كقطعة من اللبن في ارض مفروشة بالزفت أو بالصخر او نحوهما فثبوت الحكم حينئذ لها محل

اشكال (3).

[مسألة 455: المسمار الثابت في الأرض أو البناء بحكم الأرض]

(مسألة 455): المسمار الثابت في الارض أو البناء بحكم الارض فاذا قلع لم يجر عليه الحكم فاذا رجع رجع حكمه و هكذا (4).

______________________________

(1) اذ قد مر أنه يشترط في حصول الطهارة اصابة الشمس للشي ء النجس و المفروض ان البول الغليظ مانع عن الاصابة فلا يطهر سطح الارض الذي عليه الجرم.

(2) اذ المفروض كونها جزءا من الارض عرفا فاذا كانت جزءا من الارض يترتب عليها حكمها من طهارته بالشمس و لا يضر كونها منقولة في نفسها و ان شئت قلت: سطوح الاراضي مختلفة فبعضها لا يكون سطحه قابلا للنقل كالمبلط بالقير و بعضه قابل للنقل و لكن ما لم ينقل يكون جزءا من الارض فيترتب عليه حكمها.

(3) الظاهر أنه لا وجه للترديد و أن مقتضي القاعدة عدم جريان حكم الارض عليه و بعبارة اخري: علي تقدير عدم التعدي إلي المنقول لا يمكن الالتزام بالالحاق بالارض في الحكم المذكور.

(4) فان الحكم تابع لموضوعه فاذا تحقق موضوعه يترتب عليه و مع عدمه

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 496

[الرابع: الاستحالة إلي جسم آخر]
اشارة

الرابع:

الاستحالة إلي جسم آخر (1).

______________________________

لا مجال لترتبه اذ الحكم بالنسبة إلي موضوعه كالمشروط بالنسبة إلي شرطه و لا مجال لتحقق المشروط مع فقدان الشرط للزوم الخلف.

بقي شي ء: و هو ان حصول الطهارة بالشمس هل يختص بالنجاسة البولية أو يعم جميع النجاسات و المتنجسات الحق هو الثاني و يمكن الاستدلال علي المدعي بتقريبين و نحوين: احدهما: أن المستفاد من الشرع الاقدس أن النجاسة الخبثية الموجودة في البول اشد و اعظم من بقية النجاسات فاذا فرض كون الشمس مطهرة لها فغيرها بطريق اولي.

ثانيهما: حديث عمار «1» فانه صرح في تلك الرواية بأنه اذا كان الموضع قذرا من البول أو غير ذلك كما أن

المذكور في حديث ابن بزيع «2» البول و ما أشبهه فلا مجال للترديد مضافا إلي ما نقل عن الجواهر من عدم عرفان خلاف فيه.

(1) المقصود من الاستحالة في كلام القوم تبدل الصورة النوعية إلي صورة اخري عرفا كتبدل الماء بولا توضيح ذلك أن التبدل قد يكون في الاوصاف الشخصية أو الصنفية مع بقاء الحقيقة النوعية بحالها و ذلك كتبدل القطن ثوبا أو الثوب قطنا أو تبدل الحنطة دقيقا أو خبزا فانه لا اشكال في بقاء الحقيقة بحالها و انما الاختلاف في الحالات و الصفات و قد يكون التبدل في الصورة النوعية و الميزان

______________________________

(1) لاحظ ص: 330

(2) لاحظ ص: 486.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 497

______________________________

فيه الصدق العرفي فلا فرق في هذا التبدل بين كونه فلسفيا كتبدل الكلب بالملح و بين أن لا يكون كذلك كتبدل الخمر بالخل و الوجه في أن الميزان بالتبدل العرفي ان الاحكام الشرعية تترتب علي الموضوعات بحسب الصدق العرفي و لا تدور مدار الحكم العقلي فيكفي في الاستحالة التبدل العرفي.

ثم ان الوجه في كون الاستحالة مطهرة هو تبدل موضوع الحكم و بعبارة اخري: بقاء الحكم الشرعي ببقاء موضوعه و مع زواله لا يبقي ذلك الحكم و الا يلزم الخلف و لذا لا بد من ملاحظة الموضوع الجديد المحال اليه فربما يستفاد من الادلة طهارته كما اذا استحال المني إلي انسان أو شاة فانه يحكم عليه بالطهارة بمقتضي دليل طهارة الانسان أو الشاة و قد يستحال إلي احد الاعيان النجسة كما فيما اذا استحال الماء إلي بول غير مأكول اللحم فانه يحكم عليه بالنجاسة لنجاسة بول محرم الاكل و ربما يستحال إلي مشكوك الطهارة و النجاسة فيحكم عليه بالطهارة بمقتضي قاعدتها الجارية في

الشبهة الحكمية و الموضوعية.

فانقدح بما ذكرنا أن عد الاستحالة من المطهرات غير صحيح فان المطهر عبارة عن ازالة النجاسة عن الموضوع النجس و تبديلها بالطهارة و الاستحالة ليست كذلك و لذا قد تكون النتيجة النجاسة لا الطهارة فلاحظ.

ثم انه لا فرق في كون الاستحالة مطهرة بين استحالة العين النجسة إلي شي ء آخر و بين استحالة المتنجس و في المقام شبهة منقولة عن الفاضل الهندي قدس سره و هو الفرق بين المقامين بتقريب: ان المستفاد من الادلة ترتب النجاسة علي الاعيان النجسة بعناوينها كعنوان البول مثلا فلو فرض تبدل العنوان المفروض

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 498

______________________________

بالاستحالة إلي عنوان آخر لم يبق ذلك الحكم المترتب عليه اذ المفروض انعدام الموضوع فلا يمكن بقاء حكمه و أما في المتنجس فالموضوع للنجاسة هو الجسم لاحظ ما رواه عمار «1» فان المستفاد من هذه الرواية أن الموضوع للنجاسة عنوان ما أصابه ذلك الماء و هذا العنوان محفوظ في كلتا الحالتين فلا مقتضي للطهارة.

و ان شئت قلت: مقتضي الاطلاق بقاء النجاسة بعد الاصابة علي الاطلاق بلا فرق بين عدم تحقق الاستحالة و تحققها.

و نجيب عن هذا الاشكال بأن الاطلاق فرع بقاء الموضوع الذي يترتب عليه الحكم و أما مع انعدامه و تبدله إلي موضوع آخر فلا مجال للإطلاق.

و ان شئت قلت: المستفاد من حديث عمار و نظائره أن الموضوع هو الجسم لكن لا اشكال في أنه يفهم عرفا أن الموضوع هو الجسم المتصور بالصورة النوعية العرفية فيستفاد من الحديث المذكور ان الاجسام الخارجية كالفراش و الظروف و الملابس و غيرها من الاعيان تتنجس بملاقاة الماء النجس فبقاء النجاسة و جريان الاطلاق الاحوالي متوقف علي بقاء تلك الصورة النوعية المفروضة للنجاسة كما

أن جريان الاستصحاب فيها يتوقف علي بقائها اذ بقاء الموضوع شرط في جريان الاستصحاب كما هو المقرر.

و ربما يقال: بأنه يدل علي طهارة المتنجس بالاستحالة ما رواه ابن محبوب «2»

______________________________

(1) لاحظ ص: 154.

(2) لاحظ ص: 328

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 499

فيطهر ما أحالته النار رمادا (1) أو دخانا (2) أو بخارا (3).

______________________________

بتقريب أن مادة الجص تنجس بالعذرة و عظام الموتي لكن تطهر بالاستحالة بالنار.

و يرد عليه: اولا: ان الطهارة اسندت في كلامه عليه السلام إلي الماء و النار كليهما لا إلي النار فقط و ثانيا: أن الجص بالطبخ لا تتبدل صورته النوعية بل هو باق علي ما هو عليه و انما التبدل في صفته و لذا أفتي سيدنا الاستاد في هامشه علي العروة بجواز السجود علي الجص بعد الطبخ كما يجوز قبله فالمدرك للحكم ما ذكره من تبدل الموضوع بالاستحالة و عدم المجال للإطلاق و الاستصحاب.

(1) نقل عن الشيخ الطوسي قدس سره و جملة من الاعاظم دعوي الاجماع علي كونها مطهرة و من الظاهر أن تحصيل الاجماع التعبدي في مثل المقام غير ممكن لاحتمال استناد المجمعين إلي بعض الوجوه و لكن الظاهر انه لا مجال للتوقف بعد ما بينا من أن الاستحالة توجب تغير الموضوع.

(2) الكلام فيه هو الكلام.

(3) قال في المستمسك: «المعروف الطهارة بل ظاهر بعض أنه لا كلام فيه و استدل عليه بالسيرة علي عدم التوقي عنه كما في بخار الحمامات و في بخار البول أيام الشتاء و غير ذلك» «1» الي آخر كلامه رفع في علو مقامه.

و الكلام فيه هو الكلام فانه بعد انعدام الصورة الاولية لا يبقي مجال لأن يشمله الدليل الاول كما أنه لا مجال لجريان الاستصحاب.

______________________________

(1) مستمسك العروة ج

2 ص 90

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 500

سواء كان نجسا أم متنجسا (1) و كذا يطهر ما استحال بخارا بغير النار (2) أما ما أحالته النار خزفا أم جصا أم نورة فهو باق علي النجاسة (3) و فيما أحالته فحما اشكال (4).

[مسألة 456: لو استحال الشي ء بخارا ثم استحال عرقا]

(مسألة 456) لو استحال الشي ء بخارا ثم استحال عرقا فان كان متنجسا فهو طاهر و ان كان نجسا فكذلك (5) الا اذا صدق علي العرق

______________________________

(1) لوحدة الملاك و هي الاستحالة التي تتحقق في كل من الصورتين.

(2) اذ المناط هي الاستحالة و لا فرق فيها بين أسبابها فلاحظ.

(3) لبقاء الصورة النوعية و التبدل في الوصف الخارجي و لذا لا فرق في جواز السجود علي المذكورات بين طبخها و عدمه و صفوة القول: ان طبخها بالنار لا يوجب تبدل صورها.

(4) قال في المستمسك: «و لا يبعد القول بالطهارة للشك في بقاء الموضوع المقتضي للرجوع إلي قاعدة الطهارة» «1».

و لنا أن نقول: اذا وصلت النوبة إلي الشك فلا مجال للقاعدة اذ الاصل الموضوعي مقدم و حاكم علي الاصل الحكمي فان مرجع الشك في بقاء الصورة النوعية الاولي و مقتضي الاستصحاب بقاء تلك الصورة الاولية بحالها و عليه نقول:

لو قلنا بأن صيرورة الخشب فحما لا يوجب تبدل الصورة النوعية فالامر ظاهر و ان قلنا بعدم احراز بقاء الصورة الاولية و الشك في بقائها و عدمه فالاستصحاب يقتضي الحكم بالبقاء و ترتب الآثار و طريق الاحتياط ظاهر.

(5) لعدم بقاء الصورة الاولية كما هو المفروض فلا وجه للنجاسة بل مقتضي

______________________________

(1) مستمسك العروة ج 2 ص: 94

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 501

نفسه عنوان احدي النجاسات كعرق الخمر فانه مسكر (1).

[مسألة 457: الدود المستحيل من العذرة أو الميتة طاهر]

(مسألة 457): الدود المستحيل من العذرة أو الميتة طاهر و كذا كل حيوان تكون من نجس أو متنجس (2).

[مسألة 458: الماء النجس إذا صار بولا لحيوان مأكول اللحم أو عرقا له أو لعابا فهو طاهر]

(مسألة 458): الماء النجس اذا صار بولا لحيوان مأكول اللحم أو عرقا له أو لعابا فهو طاهر (3):

[مسألة 459: الغذاء النجس أو المتنجس اذا صار خرءا لحيوان مأكول اللحم أو لبنا أو صار جزءا من الخضروات او النباتات او الأشجار أو الأثمار فهو طاهر]

(مسألة 459): الغذاء النجس أو المتنجس اذا صار خرءا لحيوان مأكول اللحم أو لبنا أو صار جزءا من الخضروات او النباتات او الاشجار أو الاثمار فهو طاهر و كذلك الكلب اذا استحال ملحا و كذا الحكم في غير ذلك مما يعد المستحال اليه متولدا من المستحال منه (4).

______________________________

القاعدة الطهارة كما مر.

(1) اذ مع صدق الموضوع يترتب عليه الحكم.

(2) لتحقق الملاك المذكور و هو تبدل الصورة النوعية الاولية إلي صورة اخري و قلنا ان مقتضي القاعدة طهارة الصورة الثانية الا فيما ثبت نجاستها بدليل.

(3) لفرض تبديل الصورة النوعية الاولية إلي صورة اخري.

(4) الميزان الكلي كما ذكرنا هي الاستحالة الموجبة للتبدل في الصورة النوعية ففي كل مورد تتحقق يترتب عليها ما يترتب عليها من انعدام الموضوع الاولي و انعدام حكمها بالتبع فلا مجال لبقاء النجاسة الاولية و هذا هو المقصود و حكم الامثال واحد فلاحظ.

فائدة: ربما يقال: بأن النار من المطهرات و الحق عدم كونها كذلك اذ لا

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 502

[الخامس: الانقلاب]

الخامس:

الانقلاب، فانه مطهر للخمر اذا انقلبت خلا (1) بنفسها أو بعلاج (2) نعم لو تنجس أناء الخمر بنجاسة خارجية ثم انقلبت الخمر خلا

______________________________

دليل عليه نعم الاستحالة من المطهرات بنحو التسامح كما مر.

و نقل عن بعض المؤلفات: ان النجاسة في كل مورد جائية من قبل المكروبات المتكونه في مواردها و حيث ان النار توجب انعدامها فلا مجال لبقاء النجاسة فالحق ان النار تطهر.

و يرد علي هذا البيان ان الاحكام الشرعية تدور مدار ادلتها و التكلم عن أمر المكروب خارج عن وظيفة الفقيه و لا دليل فيما بايدينا يدل علي كون المكروب ملاك النجاسة و عليه لا يرجع ما ذكر إلي محصل صحيح و لا بد

من تبعية الادلة و استفادة الحكم منها فلا تغفل.

(1) نقل عن جملة من الاعيان دعوي الاجماع عليه و تدل علي المدعي جملة من النصوص منها ما رواه علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن الخمر يكون أوله خمرا ثم يصير خلا قال: اذا ذهب سكره فلا بأس و رواه في كتابه مثله الا أنه زاد فيه:

أ يؤكل؟ قال: نعم «1».

(2) النصوص الواردة في المقام طوائف ثلاث: الطائفة الاولي: ما يدل علي الطهارة علي الاطلاق لاحظ حديث ابن جعفر المتقدم ذكره آنفا.

______________________________

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 9 و 10.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 503

لم تطهر علي الاحوط وجوبا (1) و أما اذا وقعت النجاسة في الخمر و استهلكت فيها و لم يتنجس الاناء بها فانقلب الخمر خلا

______________________________

الطائفة الثانية: ما يدل علي الطهارة مع العلاج لاحظ ما رواه أبو بصير قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الخمر يصنع فيها الشي ء حتي تحمض قال: ان كان الذي صنع فيها هو الغالب علي ما صنع فلا بأس به «1».

الطائفة الثالثة: ما يدل علي عدم الطهارة اذا كان بالعلاج لاحظ ما رواه أبو بصير أيضا قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الخمر يجعل خلا قال: لا بأس اذا لم يجعل فيها ما يغلبها «2».

فيقع التعارض بين الطائفة الثانية و الثالثة فلا بد من علاجه و ربما يقال- كما في جملة من كلمات الاصحاب- أنه يحمل النهي علي الكراهة ببركة ما يدل علي الجواز و لكن قد مر منا كرارا انه ليس جمعا عرفيا بل يراه العرف من التعارض فلا بد من ترجيح احد الطرفين بالمرجح المنصوص و حيث ان المستفاد من كتاب

«الفقه علي المذاهب الاربعة» «3» ان العامة قائلون بكون استحالة الخمر الي الخل تطهره علي نحو الاطلاق فالترجيح مع دليل المنع لكونه مخالفا مع ما ذهبوا اليه و اللّه العالم.

(1) و ذلك لأن مقتضي تنجيس المتنجس ان الخل ينجس بملاقاته مع الاناء المتنجس و لا دليل علي العفو و لا يبعد أن يكون الوجه في عدم جزم الماتن و بنائه

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) نفس المصدر الحديث: 4

(3) الفقه علي المذاهب الاربعة ج 1 ص: 26

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 504

طهرت علي الاظهر (1) و كما أن الانقلاب إلي الخل يطهر الخمر كذلك العصير العنبي اذا غلي بناء علي نجاسته فانه يطهر اذا انقلب خلا (2).

______________________________

المسألة علي الاحتياط أن صناع الخمر الاعم من الكافر و المسلم لا يتحفظون علي عدم تنجس الاناء فعدم التعرض في مقام البيان و اطلاق الحكم يقتضي عدم الفرق و ان نجاسة الاناء لا تضر بطهارة الخل المنقلب من الخمر و لكن الحكم الصادر من الامام عليه السلام حيثي و لا يمكن رفع اليد عن مقتضي دليل التنجيس.

(1) و الوجه فيه أن الخمر لا تتنجس بنجاسة خارجية لامتناع ذلك أو قصور الادلة عن اثباته فالمرجع اطلاق الادلة المقتضي للعموم اضف إلي ذلك ان مقتضي اطلاق النصوص عدم الفرق في الحكم المذكور بين ما يؤخذ من يد الكافر و مستحل الخمر و غيره و من الظاهر ان الكافر بل مطلق صناع الخمر لا يتحفظون عليها من سائر النجاسات فتصيبها النجاسة طبعا فلاحظ.

(2) الظاهر أن الوجه فيه أن المستفاد من الادلة أن نجاسة العصير من حيث كونه خمرا و لو بنحو الحكومة فيترتب عليه حكم الخمر بصيرورته طاهرا بالانقلاب.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباني

منهاج الصالحين، 10 جلد، منشورات قلم الشرق، قم - ايران، اول، 1426 ه ق مباني منهاج الصالحين؛ ج 3، ص: 504

ايقاظ: ربما يقال: انه لا وجه لأفراد الانقلاب بالذكر في قبال الاستحالة لأنه من افرادها فانه بالانقلاب- كانقلاب الخمر خلا- تزول الصورة النوعية العرفية الاولية و توجد صورة اخري و هذه هي الاستحالة.

و لكن هذه المقاله ليست في محلها اذ الانقلاب لو لا النص الخاص لا يقتضي الطهارة فانه علي القول بكون المتنجس منجسا كيف يمكن تصور طهارة الخل المنقلب من الخمر مع كون الاناء متنجسا بالخمر فيوجب تنجيس الخل.

اضف إلي ذلك ان الاستحالة توجب الطهارة بلا فرق بين أن تكون بلا علاج

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 505

[السادس: ذهاب الثلثين بحسب الكم لا بحسب الثقل]

السادس:

ذهاب الثلثين بحسب الكم لا بحسب الثقل فانه مطهر للعصير العنبي اذا علي بناء غلي نجاسته (1).

______________________________

و بين كونها بالعلاج و أما الانقلاب فاذا كان بالعلاج- كما لو جعل في الخمر مقدارا من الملح و قبل اندكاكه فيها صار خلا ينجس الخل بالملح الموجود فيه اذ الملح المفروض قد تنجس بالخمر فيوجب تنجس الخل المنقلب اليه فلاحظ.

(1) قال السيد اليزدي قدس سره في عروته في هذا المقام: «و تقدير الثلث و الثلثين اما بالوزن أو بالكيل أو بالمساحة». و عن الجواهر: «ان المعتبر انما هو صدق ذهاب الثلثين من دون فرق بين الوزن و الكيل و المساحة».

و الحق في المقام أن يقال: ان المساحة و الكيل أمران متحدان و هما طريقان الي معرفة كم خاص و لا اختلاف بينهما و أما الوزن فهو يغاير الكيل و المساحة و النسبة بينهما و بينه عموم مطلق اذ ذهاب الثلثين بحسب الكم يتقدم دائما علي ذهابهما بحسب الثقل لان الذاهب بالنار

أو غيرها هو الاجزاء المائية اللطيفة و بذهابها يزداد العصير غلظة و ثخانة و كما قيل يكون ثلثه بحسب الكم قريبا من نصفه بحسب الثقل و مع هذه النسبة لا معني لاعتبارهما معا أو التخيير بينهما بل لا بد من كون المدار علي احدهما علي نحو التعين و يقع الكلام في هذا المقام في موضعين:

أما الموضع الاول: ففيما هو المستفاد من النصوص الواردة في المقام فربما يقال: بأن المستفاد من النصوص ان المناط بذهاب الثلثين وزنا و تقريب الاستدلال علي المدعي بالنصوص نحوان:

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 506

______________________________

احدهما: انه قد رتبت الحرمة أو النجاسة علي العصير بعد الغليان لاحظ ما رواه حماد بن عثمان «1» و ما رواه محمد بن عاصم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا بأس بشرب العصير ستة أيام قال ابن أبي عمير: معناه ما لم يغل «2» و ما رواه ذريح «3» فان مقتضاها حرمة الشرب بعد الغليان علي الاطلاق بلا فرق بين ذهاب شي ء منه و عدمه.

و في قبال هذه النصوص روايات تدل علي حليته اذا ذهب منه ثلثاه منها: ما رواه عبد اللّه بن سنان «4» و هذه النصوص تدل علي الجواز اذا ذهب منه ثلثاه و حيث ان المراد من الثلثين غير معلوم تصبح هذه الروايات مجملة و قد قرر في محله أن اجمال المخصص المنفصل لا يسري إلي العام فالنتيجة أن اطلاقات المنع تبقي بحالها الا في المقدار المعلوم من التخصيص اي نقتصر في رفع اليد عن العموم بمقدار معلوم و المقدار المعلوم ما ذهب منه الثلثان بحسب الثقل و في مورد الشك يبقي عموم العام و اطلاقه بحالهما و مقتضاه المنع.

و يرد عليه: ان

اعتبار المقدار يختلف بحسب اختلاف موارده فان بعض الاشياء يعتبر فيه العدد كالإنسان و الحيوان و بقية المعدودات و في بعضها يعتبر الوزن كما في الحنطة و الشعير و الارز و نحوها و في بعضها يعتبر المساحة كالأراضي و المائعات من هذه الجهة كالأراضي و العرف ببابك.

______________________________

(1) لاحظ ص: 223

(2) الوسائل الباب 3 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 2

(3) لاحظ ص: 224

(4) لاحظ ص: 225.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 507

______________________________

و مما يؤيد المدعي- لو لم يدل عليه- جعل الائمة عليهم السلام الحلية مدار ذهاب الثلثين مع أن كثيرا من أهل البلاد لا يتمكنون من توزين العصير لعدم الميزان عندهم فكيف باهالي الصحاري و البراري و ما هذا شأنه لا يناط به الحكم الكلي الشرعي.

اضف إلي ذلك أن ذهاب الثلثين يصدق بذهابهما من حيث المساحة و مع الصدق لا وجه لرفع اليد عن النص و بعبارة اخري: مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين الامرين و لازمه الاكتفاء بكل منهما لكن حيث انا نعلم بتحقق احد النحوين و تقدمه علي الاخر دائما نفهم انه لا تصل النوبة إلي النحو الثاني و هذا لا يضر بالاطلاق.

و بعبارة واضحة الاطلاق رفض للقيود لا الجمع بينها فالميزان هو الجامع لكنه يتحقق في ضمن احد الامرين قبل الاخر.

ثانيهما: النصوص الخاصة الدالة علي كون الميزان هو الثقل لا المساحة منها ما رواه ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا زاد الطلا علي الثلاث أوقية فهو حرام «1».

بتقريب: انه ورد في الحديث لفظ الاوقيه و هي من أسماء الاوزان فيكشف أن الميزان هو الوزن. و فيه ان الحديث ضعيف بالارسال.

و منها: ما رواه عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّه

عليه السلام في رجل أخذ عشرة أرطال من عصير العنب فصب عليه عشرين رطلا ماء ثم طبخهما حتي ذهب منه

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 9.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 508

______________________________

عشرون رطلا و بقي عشرة أرطال أ يصلح شرب تلك العشرة أم لا؟ فقال: ما طبخ علي الثلث فهو حلال «1».

فانه يفهم من لفظ الرطل أن الميزان هو الوزن. و فيه أن عقبه بن خالد لم يوثق صريحا مضافا إلي أنه يحتمل أن يكون المراد بمحمد بن عبد اللّه، هو محمد بن عبد اللّه بن هلال غير الموثق أضف إلي ذلك ان كلمة رطل ليست في كلام الامام عليه السلام بل واردة في كلام الراوي فلا اعتبار به.

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: العصير اذا طبخ حتي يذهب منه ثلاثة دوانيق و نصف ثم يترك حتي يبرد فقد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه «2».

بتقريب: أن الوارد في هذا الخبر لفظ دانق معرب «دانك». و فيه ان السند مخدوش بمنصور فلا تصل النوبة إلي النظر في مفاد الحديث.

هذا تمام الكلام في الموضع الاول و أما الموضع الثاني ففيما هو مقتضي الاصل العملي فان مقتضاه بقاء الحرمة إلي زمان ذهاب الثلثين وزنا اذ استصحاب بقاء الحرمة يقتضي ذلك.

و يرد عليه ان استصحاب بقاء الحكم الكلي و هو الحرمة معارض باستصحاب عدم الجعل الطويل فان جعل الحرمة بعد زوال الثلثين كما محل الشك من أول الامر و بعد التعارض و التساقط تصل النوبة إلي أصلي الحلية و الطهارة مضافا إلي

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 5 من أبواب الاشربة المحرمة

الحديث: 7

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 509

[السابع الانتقال]

السابع:

الانتقال فانه مطهر للمنتقل اذا اضيف إلي المنتقل اليه وعد جزءا منه كدم الانسان الذي يشربه البق و البرغوث و القمل نعم لو لم يعد جزءا منه أو شك في ذلك كدم الانسان الذي يمصه العلق فهو باق علي النجاسة (1).

______________________________

أنه لا مجال للأصلي العملي مع وجود الدليل الاجتهادي و مر قريبا ان مقتضي نصوص التحديد هو التحديد الكمي.

(1) الذي ينبغي أن يقال في المقام هو أن الدم بعد انتقاله إلي المنتقل اليه يتصور بصور:

الصورة الاولي: أن يضاف إلي المنتقل اليه و ينقطع اضافته عما انتقل عنه ففي هذه الصورة يحكم عليه بما يكون حكما للمضاف إلي الثاني اذ المفروض أن اضافته انقطعت من الاول و اضيفت إلي الثاني فان كان حكم المضاف إلي الثاني هي الطهارة فالمنتقل كذلك أيضا لكونه مصداقا لدليل الطهارة و مع عدم الدليل يكون المرجع قاعدتها و بمقتضاها يحكم عليه بالطهارة و لا مجال لاستصحاب النجاسة اذ يشترط في جريان الاستصحاب بقاء الموضوع و وحدته في القضيتين و دعوي تعدد الموضوع في مفروض الكلام ليست جزافية.

مضافا إلي ان الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض بعدم الجعل الطويل و بعد التعارض تصل النوبة إلي قاعدة الطهارة.

الصورة الثانية: أن تكون اضافته إلي الاول محفوظة و لا يكون مضافا إلي

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 510

______________________________

الثاني كالدم الذي يمصه العلق من الانسان و لا شبهة في نجاسته اذ المفروض بقائه علي ما كان و المفروض نجاسته بالدليل العام أو المطلق.

الصورة الثالثة: ان يكون مضافا إلي المنتقل عنه اضافة حقيقية فانه لو فرض كذلك فلا بد من ملاحظة دليلي النجاسة و الطهارة فان كان الدليل في كلا الموردين

لبيا كالإجماع فلا يمكن شموله للمورد اذ لا يعقل اجتماع الطهارة و النجاسة في شي ء واحد في زمان واحد.

مضافا إلي أن القدر المعلوم من الاجماع غير مورد الفرض فالمرجع استصحاب النجاسة علي القول بجريانه في الحكم الكلي الا أن يقال: بعدم بقاء الموضوع فتأمل، و قاعدة الطهارة علي المختار من عدم جريان الاستصحاب في الحكم الكلي.

و ان كان الدليل في احدهما لبيا و في الاخر لفظيا فلا بد من رفع اليد من الدليل اللبي و الاخذ بالدليل اللفظي الا مع العلم بكون المورد داخلا تحت الدليل اللبي فيخصص الدليل اللفظي بالدليل اللبي، و ان كان كلا الدليلين لفظيا فان كان احدهما بالوضع و الاخر بالاطلاق يؤخذ بالعموم الوضعي لكونه قرينة عرفية علي العموم الاطلاقي و ان كان كلاهما بالوضع يقع التعارض بين الدليلين و لا بد من ترجيح احدهما علي الاخر بالمرجحات المنصوصة و ان كان كلاهما بالاطلاق فربما يقال: - كما عليه سيدنا الاستاد- بان الاطلاقين يتعارضان فيتساقطان بدعوي أن اطلاق كل من الدليلين يتوقف بقائه علي عدم الظفر بالدليل الاخر.

و بعبارة اخري: كما أن تحقق الاطلاق يتوقف حدوثا علي عدم المعارض كذلك يتوقف بقائه علي ما هو عليه علي عدم المعارض و مع التعارض يسقط كلا الاطلاقين فلا مجال للترجيح السندي.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 511

______________________________

و يرد علي هذا البيان ان الاطلاق بعد تمامية مقدماته لا ينقلب عما هو عليه و ان شئت قلت: تحقق الاطلاق بتمامية مقدمات الحكمة حين الخطاب و مع تماميتها يتم الاطلاق غاية الامر بعد ابتلائه بالمعارض تختل حجيته و لا يختل اطلاقه.

هذا تمام الكلام في صورة العلم بالحال و أما لو شك فله صور أيضا: الصورة الاولي: أن

تكون الاضافة إلي المنتقل اليه محرزة و يكون الشك في بقاء الاضافة الي المنتقل عنه و الشك فيه قد يكون داخلا في الشبهة المفهومية و اخري يكون داخلا في الشبهة المصداقية أما علي الاول فجريان الاستصحاب فيه و عدمه يبتني علي جريانه في الشبهة المفهومية و عدمه و حيث انا بنينا علي الجريان و قلنا انا لا نري مانعا من جريانه نقول: بأن مقتضي الاستصحاب بقاء الاضافة الاولية و أما علي الثاني فيجري استصحاب البقاء بلا اشكال و بعد جريان الاستصحاب يدخل في أحد الاقسام الثلاثة السابقة أي القسم الذي تكون الاضافة إلي كلا الطرفين محرزة و يترتب عليه ما ذكرناه فيه.

ان قلت: كيف يعارض الاستصحاب الجاري في احد الطرفين مع الدليل اللفظي الوارد في الطرف الاخر مع أن الاصل العملي لا يعارض الدليل الاجتهادي.

قلت: التعارض في الحقيقة بين الدليل اللفظي في احد الطرفين و الدليل اللفظي الوارد في الطرف الاخر و بالاستصحاب يحرز الموضوع.

الصورة الثانية أن تكون الاضافة إلي الاول محرزة و يشك في الاضافة إلي الثاني و لا اشكال في نجاسة الدم في هذه الصورة اذ المفروض ان الاضافة الاولية محفوظة فيشمله دليل نجاسته و الاضافة الثانية مورد الشك فان منشأ الشك الامور الخارجية.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 512

[الثامن: الإسلام]

الثامن:

الإسلام فانه مطهر للكافر (1).

______________________________

و بعبارة اخري: ان كانت الشبهة موضوعية فلا اشكال في جريان استصحاب عدم تحقق الاضافة و ان كان منشأ الشك، الشك في المفهوم فايضا يكون الامر كما ذكر أما علي القول بجريان الاستصحاب فواضح و أما علي القول الاخر فلان التمسك بالعموم أو الاطلاق لا يجوز مع الشك في المصداق فيكون المرجع دليل نجاسة الدم المضاف إلي المنتقل عنه.

الصورة الثالثة

أن تكون الاضافتان كلتاهما مورد الشك فان كانت الشبهة موضوعية فلا مانع من استصحاب بقاء الاضافة الاولية و عدم تحقق الاضافة الثانوية فيشمله دليل نجاسة الدم المضاف إلي الاول، و ان كانت الشبهة مفهومية فعلي مسلكنا يجري استصحاب البقاء بالنسبة إلي الاول و عدم حدوث الاضافة بالنسبة الي الثاني و أما علي القول الاخر فلا مجال للاستصحاب فتجري قاعدة الطهارة.

(1) هذا علي طبق القاعدة الاولية اذ النجاسة علي الفرض عارضة للكافر و الكافر باسلامه يزول عنه عنوان الكفر و يتعنون بالاسلام و ان شئت قلت: الحكم تابع لموضوعه و مع تبدل الموضوع لا مجال لبقاء الحكم.

و علي الجملة لو قلنا بنجاسة الكافر نلتزم بطهارته باسلامه بلا فرق بين أقسامه اذ مقتضي القاعدة الاولية طهارته بتبدل كفره بالاسلام الا أن يقوم دليل علي خلاف القاعدة اضف إلي ذلك أنه نقل عن جماعة الاعتراف بعدم الخلاف فيه و عن المنتهي و الذكري و غيرهما دعوي الاجماع عليه و عن المستند دعوي الضرورة و عن الجواهر دعواها في الجملة.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 513

بجميع أقسامه (1) حتي المرتد عن فطرة علي الاقوي (2).

______________________________

(1) كما مر منا أن القاعدة تقتضي التسوية بين أقسامه من هذه الجهة.

(2) الكافر علي ثلاثة أقسام: القسم الاول: الكافر الاصلي و لا اشكال في أن اسلامه يوجب طهارته و هو القدر المتيقن من معقد الاجماع و الضرورة.

القسم الثاني: المرتد الملي قال سيد المستمسك قدس سره في هذا المقام:

«لم يعرف فيه الخلاف بل حكي عليه الاتفاق» انتهي. مضافا إلي أنه يصدق عليه عنوان المسلم و ذكرنا آنفا انه مع تبدل الموضوع لا مجال لبقاء الحكم.

و النصوص الواردة في هذا الباب علي ثلاث طوائف: الطائفة الاولي ما

يدل علي عدم قبول توبة المرتد علي الاطلاق لاحظ ما رواه محمد بن مسلم قال:

سألت أبا جعفر عليه السلام عن المرتد فقال: من رغب عن الإسلام و كفر بما انزل علي محمد صلي اللّه عليه و آله فلا توبة له و قد وجب قتله و بانت منه امرأته و يقسم ما ترك علي ولده «1».

الطائفة الثانية: ما يدل علي قبول توبته علي الاطلاق لاحظ ما روي عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام في المرتد يستتاب فان تاب و إلا قتل الحديث «2».

الطائفة الثالثة: ما يدل علي التفصيل بين الملي و الفطري بقبولها بالنسبة إلي الاول و عدم قبولها بالنسبة إلي الثاني لاحظ ما رواه علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن مسلم تنصر قال: يقتل و لا يستتاب قلت فنصراني أسلم ثم ارتد قال: يستتاب فان رجع و الا قتل «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المرتد الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 3 من أبواب حد المرتد الحديث: 2

(3) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المرتد الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 514

______________________________

فانه فصل في هذه الرواية بين الفطري و الملي بقبول التوبة من الثاني و عدم قبولها من الاول اضف إلي ذلك ما رواه أبو الطفيل أن بني ناجية قوما كانوا يسكنون الاسياف و كانوا قوما يدعون في قريش نسبا و كانوا نصاري فأسلموا ثم رجعوا عن الإسلام فبعث امير المؤمنين عليه السلام معقل بن قيس التميمي فخرجنا معه فلما انتهينا إلي القوم جعل بيننا و بينه امارة فقال: اذا وضعت يدي علي رأسي فضعوا فيهم السلاح فأتاهم فقال: ما أنتم عليه؟ فخرجت طائفة فقالوا: نحن

نصاري فأسلمنا لا نعلم دينا خيرا من ديننا فنحن عليه و قالت طائفة: نحن كنا نصاري ثم أسلمنا ثم عرفنا أنه لا خير من الدين الذي كنا عليه فرجعنا اليه فدعاهم إلي الإسلام ثلاث مرات فأبوا فوضع يده علي رأسه قال: فقتل مقاتليهم و سبي ذراريهم قال: فأتي بهم عليا عليه السلام فاشتراهم معقلة بن هبيرة بمائة ألف درهم فأعتقهم و حمل إلي علي عليه الصلاة و السلام خمسين الفا فأبي أن يقبلها قال: فخرج بها فدفنها في داره و لحق بمعاوية قال: فخرب أمير المؤمنين عليه السلام داره و أجاز عتقهم «1».

فان هذه الرواية تدل علي قبول توبة المرتد الملي و الدليل وارد فيه بالخصوص فلا اشكال في قبول توبة المرتد الملي و بعبارة اخري: لو فرض أن المرتد الفطري التزمنا بعدم قبول توبته و عدم صحة اسلامه فلا نلتزم بذلك بالنسبة إلي المرتد الملي.

القسم الثالث: المرتد الفطري و هو محل الكلام و انه هل تقبل توبته بالنسبة الي صيرورته مسلما أم لا؟ فذهب المشهور إلي عدم قبول توبته و عدم تأثير اسلامه

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب حد المرتد الحديث: 6

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 515

______________________________

في طهارته و خالف المشهور جماعة و ذهبوا إلي أن اسلامه يوجب طهارته و منشأ الخلاف بعض النصوص الواردة في المقام فانه يستفاد من بعض هذه النصوص ان المرتد لا تقبل توبته و لا توبة له لاحظ ما رواه محمد بن مسلم «1» و ما رواه عمار الساباطي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: كل مسلم بين مسلمين ارتد عن الإسلام و جحد محمدا صلي اللّه عليه و آله نبوته و كذبه فان دمه مباح لمن

سمع ذلك منه و امرأته بائنة منه يوم ارتد و يقسم ماله علي ورثته و تعتد امرأته عدة المتوفي عنها زوجها و علي الامام أن يقتله و لا يستتيبه «2» و ما رواه ابن جعفر «3».

بتقريب: أن نفي التوبة منه يقتضي عدم تأثير التوبة في ازالة كفره و تعنونه بعنوان الإسلام.

و يرد عليه: أن التوبة عبارة عن الندم عما ارتكب من الذنب و العزم علي عدم الارتكاب و المستفاد من هذه النصوص أن الاثر المترتب علي الذنب و هو الارتداد لا ينمحي بالتوبة فيجب قتله مثلا و هذا لا يقتضي عدم تأثير ما يصدر منه بعد ذلك اي الإسلام.

و بعبارة اخري: حدوث الارتداد يوجب بحكم الشارع ترتب آثار عليه و هي الكفر و وجوب القتل و انقطاع العلقة الزوجية و تقسيم المال و انتقاله إلي الورثة و الشارع الاقدس بعد حكمه بما ذكر يحكم بأنه لا توبة بالنسبة إلي هذه الآثار

______________________________

(1) لاحظ ص: 513.

(2) الوسائل الباب 1 من أبواب حد المرتد الحديث: 3.

(3) لاحظ ص: 513.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 516

______________________________

المترتبة اي: اذا تاب المرتد لا نعتبره مسلما بالنسبة إلي قبل التوبة و لا نحكم بانتقال ما انتقل عنه اليه و لا نحكم بعدم قتله بل هذه الاحكام و الآثار مترتبة عليه بلا فرق بين أن يتوب و ان لا يتوب و أما اسلامه الذي يصدر عنه بعد الارتداد فلا يكون مشمولا لهذه النصوص و لا ريب أنه لو أسلم يتعنون بعنوان المسلم و يترتب عليه حكم الإسلام.

و بتقريب آخر: ان نجاسة الكافر علي القول بها موضوعها عنوان الكفر فلو فرض تبدل كفره بالاسلام و صار الكافر مسلما يترتب عليه ما يترتب علي المسلم من

طهارة بدنه و جواز ازدواجه مع المسلم إلي غيرها من الاحكام نعم بمقتضي النصوص الخاصة نلتزم بعدم تأثير توبته بالنسبة إلي بعض ما يترتب علي الارتداد كالقتل مثلا بل لنا أن نقول: بأن وجوب قتله بالارتداد ثابت و لو مع فرض عدم هذه الجملة في النصوص «و لا توبة له» اذ مقتضي اطلاق وجوب القتل وجوبه و لو مع رجوعه عن الكفر و دخوله في الإسلام فلاحظ فعلي هذا يكون اسلام المرتد الفطري كغيره مطهرا.

و يمكن أن يستدل علي المدعي بوجه آخر و هو أنه لا اشكال عندهم في أن المرتد الفطري بعد اسلامه مكلف بالصلاة و غيرها من التكاليف المنافية مع نجاسته فلو لم يكن قابلا لان يطهر بالاسلام يكون تكليفه بامر غير مقدور و هو قبيح.

ان قلت: الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار قلت: عدم التنافي من ناحية العقاب لا من ناحية الخطاب فان تعلق الامر و النهي بالامر غير المقدور غير جائز عقلا اذ الامر بملاك الداعوية و النهي بملاك الزاجرية و مع عدم امكانهما لا مجال لهما.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 517

و يتبعه أجزائه كشعره و ظفره و فضلاته من بصاقه و نخامته و قيئه و غيرها (1).

______________________________

ان قلت لا مانع من تعلق الامر بغير المقدور فانه تكليف صوري لتسجيل العقاب عليه بايجاب ما لا يكون مقدورا للعبد و بهذا التقريب يمكن اثبات المدعي.

و ربما يقال: بأنه لا تنافي بين توجه التكليف به بهذه التكاليف و بقائه علي الكفر بأن نلتزم بالتخصيص في ادلة شرطية الطهارة بالنسبة اليه فتجب عليه الصلاة و لكن لا يشترط في صلاته طهارة بدنه و لباسه و أيضا لا يشترط في ماء غسله و وضوئه الطهارة و

هكذا.

و الانصاف: ان هذا المعني بعيد عن الذهن فالنتيجة أن اسلام المرتد الفطري مطهر اياه و اللّه العالم.

و استدل المحقق الهمداني علي المدعي بما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: من كان مؤمنا فحج و عمل في ايمانه فتنة فكفر ثم تاب و آمن قال:

يحسب له كل عمل صالح عمله في ايمانه و لا يبطل منه شي ء «1».

بتقريب: ان الظاهر من الخبر فرض الكافر اعم من المرتد الفطري و جوابه عليه السلام كما تري يقتضي قبول توبته و اسلامه «2».

و يرد عليه: اولا ان الرواية ضعيفة بموسي بن بكر و ثانيا ان غاية ما في الخبر المزبور الاطلاق و لا بد من رفع اليد عنه بما فصل فيه بين الملي و الفطري كما مر.

(1) يمكن الاستدلال علي المدعي بوجوه: الاول: حديث الجب «الإسلام

______________________________

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب مقدمات العبادات الحديث: 1

(2) مصباح الفقيه ج 1 ص: 639

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 518

______________________________

يجب ما قبله» «1» و التوبة تجب ما قبلها من الكفر و المعاصي و الذنوب و الجب القطع. و فيه ان الحديث ضعيف سندا مضافا إلي الاشكال في دلالته- كما في كلام سيد المستمسك- «2».

الثاني: عدم معهودية الاجتناب عن الامور المذكورة بعد الإسلام. و يرد عليه:

انه لا اثر لعدم المعهودية بل لا بد من معهودية العدم كي يكشف عن كونها طاهرة.

الثالث: ان الوجه في النجاسة الاضافة إلي الكافر مثلا شعر الكافر نجس باعتبار كونه تبعا له و الا فلا مقتضي لنجاسته فاذا فرض اسلامه تتبدل الاضافة و تصدق عليه الاضافة الثانية اي يقال: انه شعر للمسلم و لا اشكال في طهارة شعره.

و أورد علي هذا الاستدلال في المستمسك «بأن الاضافة إلي

المسلم تؤثر اذا كان منشأ الاضافة التكون فيه و هو غير حاصل في الفرض» «3».

و يرد عليه: انه لا وجه لهذا القيد اذ كما ذكرنا انه بعد تبدل الاضافة لا مقتضي للنجاسة فان الوجه في الحكم اضافته إلي بدن الكافر و مع زوال الاضافة المذكورة لا مقتضي للنجاسة و لو وصلت النوبة إلي الشك فلا مجال لاستصحاب النجاسة أما اولا فلتعدد الموضوع و أما ثانيا فلعدم جريان الاستصحاب في الحكم الكلي فلاحظ.

______________________________

(1) مجمع البحرين مادة جبب

(2) مستمسك العروة ج 2 ص: 115

(3) مستمسك العروة ج 2 ص: 115

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 519

[التاسع: التبعية]

التاسع:

التبعية فان الكافر اذا اسلم يتبعه ولده في الطهارة أبا كان الكافر أم جدا أم اما (1).

______________________________

(1) بلا خلاف فيه و لا اشكال- كما في الجواهر- علي ما نقل عنه. و استدل علي المدعي بما رواه حفص بن غياث قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل من أهل الحرب اذا أسلم في دار الحرب فظهر عليهم المسلمون بعد ذلك فقال: اسلامه اسلام لنفسه و لولده الصغار و هم أحرار و ولده و متاعه و رقيقه له فأما الولد الكبار فهم في ء للمسلمين الا أن يكونوا أسلموا قبل ذلك الحديث «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا بالقاساني.

و يمكن الاستدلال علي المدعي بقصور المقتضي. و بعبارة اخري: ولد الكافر اذا كان مميزا و أظهر الكفر يحكم عليه بأنه كافر و بعدم القول بالفصل بين المميز و غيره نحكم بنجاسة الجميع و أما اذا اسلم احد الاصول فلا اجماع علي نجاسة الولد و عليه لا مقتضي لنجاسة ولد الكافر بعد اسلامه.

لكن هذا البيان انما يتم به المدعي علي القول بعدم جريان الاستصحاب في

الحكم الكلي و أما علي القول بالجريان كما عليه المشهور فيشكل الامر بالنسبة الي الطفل الذي كان محكوما بالكفر و النجاسة قبل اسلام والده فان مقتضي الاستصحاب نجاسته بقاء و يحتاج الحكم بالطهارة إلي دليل معتبر.

______________________________

(1) الوسائل الباب 43 من أبواب جهاد العدو الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 520

و الطفل المسبي للمسلم يتبعه في الطهارة اذا لم يكن مع الطفل أحد آبائه (1) و يشترط في طهارة الطفل في الصورتين ان لا يظهر الكفر اذا كان مميزا (2).

و كذا أواني الخمر فانها تتبعها في الطهارة اذا انقلبت الخمر خلا (3) و كذا أواني العصير اذا ذهب ثلثاه بناء علي

______________________________

(1) لعدم دليل علي نجاسته في الفرض و مقتضي القاعدة في مورد الشك هي الطهارة نعم اشكال جريان الاستصحاب في بعض الفروض علي المسلك المشهور جار في المقام أيضا.

(2) اذ مع التميز و اظهار الكفر يصدق عليه عنوان الكافر فيترتب عليه الحكم بالنجاسة علي القول بها ان قلت: ان مقتضي حديث محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: عمد الصبي و خطأه واحد «1» ان عمد الصبي كخطإه فلا يترتب اثر علي ما يصدر منه قلت: يمكن أن يستفاد من دليل شرعية عباداته أن ايمان الصبي و كفره يترتب عليها الاثر الا أن يقال: ان المستفاد من ذلك الدليل صحة ايمانه و اسلامه و أما كفره فلا دليل علي اعتبار اظهاره فلا يحكم عليه بالكفر.

(3) فان آنية الخمر لو لم تطهر تبعا لانقلاب الخمر خلا تكون منجسة لما فيها من الخل فلا أثر للحكم بطهارته. و في المقام كلام و هو ان مقتضي القاعدة اختصاص الطهارة التبعية بالاجزاء الملاصقة من الاناء بالخمر و

أما الاجزاء الفوقانية غير الملاصقة المتنجسة بالخمر قبل الانقلاب فلا مقتضي لطهارتها تبعا و لذا يجب اخراج الخل

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب العاقلة الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 521

النجاسة (1) و كذا يد الغاسل للميت و السدة التي يغسل عليها و الثياب التي يغسل فيها فانها تتبع الميت في الطهارة (2) و أما بدن الغاسل و ثيابه و سائر آلات التغسيل فالحكم بطهارتها تبعا للميت محل اشكال (3).

[العاشر: زوال عين النجاسة عن بواطن الإنسان]

العاشر:

زوال عين النجاسة عن بواطن الانسان (4).

______________________________

من الاناء و لو بكسرها كي يحفظ الخل عن الملاقاة مع تلك الاجزاء.

و يرد علي هذا البيان: ان ما افيد و ان كان تاما لكن حيث ان السيرة جارية علي أخذ الخل من الاناء كبقية المائعات بلا كسر للآنية و لا ثقب تحتها نفهم ان تلك الاجزاء لا تؤثر في النجاسة بل لنا أن نقول: ان عدم بيانهم هذا المعني في وقت بيان حكم انقلاب الخمر يكون دليلا علي المدعي.

و بعبارة اخري: الاطلاق المقامي يقتضي هذا المعني و لقائل أن يقول: انه لا دليل علي الطهارة التبعية في المقام اذ من الممكن ان عدم انفعال الخل بالملاقاة من جهة عدم كون المتنجس منجسا فلاحظ.

(1) الكلام فيه هو الكلام.

(2) للسيرة علي عدم غسل الامور المذكورة بعد الفراغ من التغسيل.

(3) لعدم الدليل عليه فلا بد من التطهير.

(4) يقع الكلام في تنجس البواطن و عدمه و الباطن تارة يراد منه ما دون الحلق و اخري ما فوق الحلق أما القسم الاول فلا يترتب علي البحث في تنجسه و عدمه اثر عملي اذ لا اشكال في صحة الصلاة و غيرها مما يشترط فيه طهارة البدن مع فرض

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 522

______________________________

تنجس الباطن.

و يمكن أن يقال: بعدم دليل علي تنجس هذا القسم من الباطن فان حديث عمار «1» و ما يكون مثله في الدلالة لا يشمل المقام.

اضف إلي ذلك ما يدل علي عدم تنجسه لاحظ ما دل علي عدم نجاسة ما يخرج من الانسان من المذي و الودي مثل ما رواه بريده بن معاوية قال: (عن أبي عبد اللّه خ ل) سألت أحدهما عليهما السلام عن المذي فقال: لا ينقض الوضوء و لا يغسل منه ثوب و لا جسد انما هو بمنزلة المخاط و البصاق «2» و غيره مما ورد في الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

اذ لو كان الباطن يتنجس لم يكن وجه للحكم بطهارة ما ذكر مع ملاقاته للنجاسة في الباطن.

و أما القسم الثاني و هو ما فوق الحلق كباطن الفم مثلا فان كانت النجاسة الملاقية له من الباطن فيستفاد من طائفة من النصوص عدم وجوب غسله لاحظ ما رواه عمار «3» و مثله غيره الوارد في الباب 24 من أبواب النجاسات من الوسائل فان المستفاد من هذه النصوص عدم وجوب غسل الباطن و بها ترفع اليد عن عموم ما دل علي النجاسة بلحاظ الامر بالغسل و هو حديث آخر لعمار «4».

و أما اذا كانت النجاسة خارجة فمقتضي عموم حديث عمار «5» تنجس

______________________________

(1) لاحظ ص: 154

(2) الوسائل الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء الحديث: 1

(3) لاحظ ص: 194

(4) لاحظ ص: 154

(5) لاحظ ص: 154.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 523

______________________________

هذا القسم من الباطن انما الكلام في أن طهارته تتوقف علي غسله كبقية الاجسام أو يكفي زوال النجاسة عنه.

قال في المستمسك في هذا المقام: «بلا خلاف ظاهر و في الجواهر: انه متفق عليه بل قيل

انه يمكن أن يكون من ضروريات الدين» «1» و ادعي في بعض كلمات الاصحاب بجريان السيرة علي ذلك و ايد المدعي بحديثين واردين في بصاق شارب الخمر احدهما ما رواه عبد الحميد بن أبي الديلم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل يشرب الخمر فيبصق فاصاب ثوبي من بصاقه قال: ليس بشي ء «2» و هذه الرواية ضعيفة بعبد الحميد.

ثانيهما: ما رواه الحسن بن موسي الحناط قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يشرب الخمر ثم يمجه من فيه فيصيب ثوبي فقال: لا بأس «3» و هذه الرواية ضعيفة بحسن بن موسي.

و لا يخفي ان مقتضي الحديث الاول طهارة البصاق و لو مع وجود الخمر في فيه فيدل علي عدم تنجيس ما يصل اليه من الفم فاما لا ينجس الفم بالخمر و اما لا ينجس البصاق المتنجس ما يلاقيه و أما المستفاد من الحديث الثاني فهو طهارة نفس الخمر اذا الضمير يرجع اليها ظاهرا و لا بد من أن يحمل علي ما هو ظاهر من الحديث الاول كما حمله عليه في الوسائل.

______________________________

(1) مستمسك العروة ج 2 ص: 131

(2) الوسائل الباب 39 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

(3) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 524

و جسد الحيوان الصامت فيطهر منقار الدجاجة الملوث بالعذرة بمجرد زوال عينها و رطوبتها و كذا بدن الدابة المجروحة و فم الهرة الملوث بالدم و ولد الحيوان الملوث بالدم عند الولادة بمجرد زوال عين النجاسة و كذا يطهر باطن فم الانسان اذا أكل نجسا أو شربه بمجرد زوال العين و كذا باطن عينه عند الاكتحال بالنجس أو المتنجس (1).

______________________________

(1) يظهر من بعض الكلمات ان المشهور فيما بين الاصحاب طهارة

بدن الحيوان غير الادمي بزوال العين عنه و استدل عليه بالسيرة المستمرة من السلف علي عدم التحرز من الهرة و نظائرها مع العلم بمباشرتها مع النجاسات عادة و عدم ورود اي مطهر عليها.

اضف إلي ذلك جملة من النصوص الدالة علي المدعي منها: ما دل علي عدم البأس بسؤر الهرة و أمثالها لاحظ ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الهرة أنها من أهل البيت و يتوضأ من سؤرها «1» و غيره مما ورد في الباب 2 من أبواب الأسآر من الوسائل.

و منها: ما دل علي عدم البأس بسؤر الفارة و غيرها لاحظ ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام في حديث قال: سألته عن العظاية و الحية و الوزغ يقع في الماء فلا يموت أ يتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا بأس به. و سألته عن فأرة وقعت في حب دهن و اخرجت قبل أن تموت أ يبيعه من مسلم؟ قال: نعم

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الأسآر الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 525

______________________________

و يدهن منه «1» و غيره مما ورد في الباب 9 من أبواب الأسآر من الوسائل.

و منها: ما دل علي عدم البأس بأسآر اصناف الاطيار لاحظ ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: فضل الحمامة و الدجاج لا بأس به و الطير «2» و غيره مما ورد في الباب 4 من أبواب الأسآر من الوسائل.

فانه لا اشكال في ملاقاة هذه الحيوانات مع النجاسات فلو لا طهارة بدن الحيوان بزوال النجاسة عنه لم يكن وجه لعدم البأس فالنتيجة ان بدن الحيوان الصامت يطهر بزوال عين النجاسة عنه.

و ربما يقال:

انه لا مقتضي لتنجس بدن الحيوان اذ لا دليل علي عموم تنجس كل شي ء يلاقي النجس فبدن الحيوان لا ينجس كي يطهر بالزوال.

و يرد عليه: ان المستفاد من حديث عمار «3» نجاسة كل جسم لاقي الماء المتنجس بالميتة فالمقتضي للنجاسة موجود.

و ربما يقال: بأن النصوص المشار اليها ناظرة إلي اسقاط استصحاب النجاسة بالنسبة إلي نجاسة بدن الحيوان و أنه لو شك في ورود المطهر عليه لا يجري استصحاب النجاسة بل تجري اصالة الطهارة و أما مع عدم ورود المطهر عليه يحكم عليه بالنجاسة و يرد عليه: ان هذا المدعي ينافي اطلاق النصوص فان قوله عليه السلام في حديث عمار: «الا أن تري في منقاره دما» «4» يقتضي توقف الانفعال علي

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الأسآر الحديث: 2.

(2) الوسائل الباب 4 من أبواب الأسآر الحديث: 1

(3) لاحظ ص: 154

(4) الوسائل الباب 4 من أبواب الأسآر الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 526

بل في ثبوت النجاسة لبواطن الانسان بالنسبة إلي ما دون الحلق و جسد الحيوان منع (1) بل و كذا المنع في سراية النجاسة من النجس إلي الطاهر اذا كانت الملاقاة بينهما في الباطن

______________________________

وجود الدم و أما مع عدمه و لو مع القطع بعدم ورود المطهر عليه لا ينجس الماء.

اضف إلي ذلك ان الاجتناب عن بدن الحيوان بعد زوال العين و الالتزام بتطهيره يعد من الامور السفهية.

و في المقام احتمال آخر و هو ان النصوص المشار اليها ناظرة إلي عدم كون المتنجس الجامد منجسا لملاقيه فعدم البأس ناش من هذه الجهة لا من طهارة بدن الحيوان بعد زوال العين عنه و تظهر ثمرة القولين في الصلاة في جلدها أو صوفها المتخذين عنها بعد زوال العين

عنها فانه علي القول ببقائها علي نجاستها لا تجوز الصلاة فيها لعدم جواز الصلاة في النجس و أما علي القول بطهارة أبدانها بزوال النجاسة عنه فتجوز الصلاة لعدم المانع علي الفرض و لكن الحق هو طهارته بزوال العين عنه و ذلك للسيرة الجارية علي عدم الاجتناب حتي مع العلم بعدم تطهيره بمطهر.

(1) أما بالنسبة إلي ما دون الحلق من البواطن فقد مر أنه لا مقتضي للالتزام بانفعالها و أما بالنسبة إلي جسد الحيوان الصامت فقد ذكرنا ان مقتضي حديث عمار «1» تنجسه بالملاقاة لكن لقائل أن يقول: لا يترتب علي القول بالانفعال اثر ممتاز عن القول بعدمه اذ ما دام العين موجودة في بدنه تكون النجاسة باقية

______________________________

(1) لاحظ ص: 154

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 527

سواء كانا متكونين في الباطن كالمذي يلاقي البول في الباطن (1) أو كان النجس متكونا في الباطن و الظاهر يدخل اليه كماء الحقنة فانه لا ينجس بملاقاة النجاسة في المعاء (2) أم كان النجس في الخارج

______________________________

و بعد زوالها يطهر علي الفرض فما الفرق بين الالتزام بالانفعال و عدمه.

و يمكن ان يقال: انه يظهر الاثر في الصلاة في جلده مثلا قبل زوال عين النجاسة اذ علي القول بعدم الانفعال تجوز الصلاة فيه و أما علي القول بالانفعال فلا تجوز فلاحظ.

(1) الحق ما أفاده من عدم التأثير للملاقاة اذا كان المتلاقيان كلاهما من الداخل كالمثال المذكور في المتن و قد تقدم ان المستفاد من مجموع الادلة عدم تنجس الباطن بالباطن فراجع.

(2) الظاهر ان الامر كما أفاده اذ لا دليل علي الانفعال في هذا الفرض بل الدليل قائم علي خلافه لاحظ ما رواه عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يتقيؤ

في ثوبه أ يجوز أن يصلي فيه و لا يغسله؟ قال: لا بأس به «1».

و ما رواه أيضا أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن القي ء يصيب الثوب فلا يغسل قال: لا بأس به «2».

لكن هذا مختص بالباطن الذي لا يمكن احساسه باحدي الحواس و أما مع امكان احساسه كباطن الفم مثلا فيشكل الالتزام بعدم الانفعال فان مقتضي اطلاق نجاسة الدم و تنجيسه الملاقي معه نجاسة اليد الداخلة في الفم الملاقية مع الدم

______________________________

(1) الوسائل الباب 48 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

(2) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 528

كالماء النجس الذي يشربه الانسان فانه لا ينجس ما دون الحلق (1) و أما ما فوق الحلق فانه ينجس و يطهر بزوال العين (2) و كذا اذا كانا متكونين في الخارج و دخلا و تلاقيا في الداخل كما اذا ابتلع شيئا طاهرا و شرب عليه ماء نجسا فانه اذا خرج ذلك الطاهرين من جوفه حكم عليه بالطهارة و لا يجري الحكم الاخير في الملاقاة في باطن الفم فلا بد من تطهير الملاقي (3).

______________________________

الخارج عن اللثة و دعوي انصراف الدليل عن الصورة المزبورة علي مدعيها.

و لا يخفي انه لا مجال للاستدلال بالحديثين علي المدعي لان القي ء عين الغذاء الذي يرجع من المعدة و ليس في المعدة شي ء من النجاسات بل محل النجاسة هو المصران و عليه يشكل الحكم بعدم كون الملاقاة في الداخل منجسا مع تمامية المقتضي لها فان مقتضي ادلة التنجيس ان الملاقاة في الداخل مع النجس يوجب الانفعال و لا وجه لادعاء انصراف الدليل عنه فلاحظ.

(1) و قد مر انه لا دليل علي تنجس الباطن.

(2) كما مر و قلنا مقتضي عموم دليل الانفعال تنجسه

فراجع.

(3) بدعوي انصراف دليل الانفعال عن الملاقاة في الداخل. و فيه اولا: انه لا وجه للانصراف بل مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين امكنة الملاقاة كما أنه لا فرق من هذه الجهة بين ازمنتها.

و ثانيا انه يلزم انه لو أدخل احدي اصابعه النجسة مع الاخري الطاهرة في فمه فتلاقيا هناك مع الرطوبة انه لا تنجس الاخري بملاقاتها مع النجسة و هل يمكن الالتزام به؟.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 529

[الحادي عشر: الغيبة]

الحادي عشر:

الغيبة فانها مطهرة للإنسان و ثيابه و فراشه و أوانيه و غيرها من توابعه (1).

______________________________

و صفوة القول: ان مقتضي عموم حديث عمار حيث قال: «و اغسل كل ما أصابه ذلك الماء» «1» تنجس الملاقي للنجس علي الاطلاق فلا وجه للتفريق بين الملاقاة في المعاء و الملاقاة في الفم.

(1) ادعي عليه عدم الخلاف بل نقل عليه الاجماع و من الظاهر انه لا يمكن تحصيل الاجماع التعبدي في مثل هذه المسألة سيما مع نقل المنع عن قيام الاجماع عن بعض الاجلة و التردد عن بعض آخر و عن المستند دعوي الشهرة علي النجاسة حتي تعلم الازالة فلا بد من الاستناد في الحكم بالطهارة إلي وجه آخر و استدل عليه أيضا بلزوم الحرج و بفحوي حجية قول ذي اليد و بالسيرة.

و يرد علي الاستدلال بالحرج ان الحرج علي فرض تحققه يوجب جواز الارتكاب تكليفا لا رفع النجاسة وضعا و التعدي من حجية قول ذي اليد إلي فعله ليس من مقتضي الدلالة بالفحوي مع ان الظهور الفعلي كالقولي لا يتحقق الا مع التحفظ علي عدة شروط.

فالعمدة هي السيرة بتقريب: ان التأمل في سيرة الائمة عليهم السلام و تابعيهم في عصرهم و غيره يقتضي ان الشارع الاقدس جعل غيبة المسلم بنفسها

طريقا تعبديا للطهارة لأنهم عليهم السلام كانوا يساورون أهل الخلاف الموجودين في زمانهم

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب الماء المطلق الحديث: 1

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 530

اذا علم بنجاستها و لم يكن ممن لا يبالي بالطهارة و النجاسة و كان يستعملها فيما يعتبر فيه الطهارة (1) فانه حينئذ يحكم بطهارة ما ذكر بمجرد احتمال حصول الطهارة له (2).

______________________________

و كانوا يدخلون بيوت الفسقة و المرتكبين لا عظم المحرمات مع ان العامة لا يلتزمون بنجاسة جملة من النجاسات فانهم التزموا بطهارة مخرج البول بالتمسح علي الحائط و طهارة جلد الميتة بالدباغة و غيرهما و الفسقة كانوا يشربون الخمر و لا يبالون باصابة البول و غيره من النجاسات و لم ينقل تجنبهم عليهم السلام عن امثالهم و عدم مساورتهم أو غسلهم لما يشترونه من الفساق أو أهل الخلاف و كذلك نري المسلمين يشترون الفرو ممن يغلب في بلاده المخالفون من غير سؤال عن صانعه و أنه من العامة أو الخاصة.

(1) اذ العلم بالنجاسة و كونه مباليا و استعماله فيما يشترط فيه الطهارة يكون كاشفا عن أنه طهره و لكن هذا انما يتم اذا كان مدرك الحكم بالطهارة هو الظهور الفعلي و أما علي القول بأن المدرك السيرة فلا يكون الحكم بالطهارة مشروطا بهذه الشروط و الالتزام بها من باب الاحتياط.

(2) اذ مع عدم الاحتمال تكون النجاسة معلومة و لا مجال للحكم بالطهارة فان الغيبة ليست من المطهرات و اطلاق المطهرية عليها بالتسامح بل الغيبة طريق ظاهري للحكم بها.

بقي شي ء: و هو انه علي القول بعدم الاشتراط هل يمكن الحكم بالطهارة بمجرد احتمال ورود المطهر علي المتنجس و لو مع العلم بكون من بيده الامر لم يتصد للتطهير و

لم يعلم به.

و بعبارة اخري: مجرد احتمال ورود المطهر علي المتنجس هل يترتب عليه

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 531

[الثاني عشر: استبراء الحيوان الجلال]
اشارة

الثاني عشر:

استبراء الحيوان الجلال فانه مطهر له من نجاسة الجلل (1) و الاحوط اعتبار مضي المدة المعينة له شرعا و هي في الابل اربعون يوما و في البقر عشرون و في الغنم عشرة و في البطة خمسة و في الدجاجة ثلاثة (2).

______________________________

الاثر؟ الانصاف انه يشكل لعدم الدليل فان الجزم بقيام السيرة حتي في الصورة المفروضة مشكل و ان كان قيامها حتي في هذه الصورة غير بعيد.

(1) بلا اشكال فان المراد به سلب عنوان الجلل عنه اذ موضوع النجاسة علي ما يظهر من دليلها عنوان الجلال لاحظ حديثي هشام و حفص «1» و مع انتفاء العنوان يرتفع الحكم بالنجاسة فان بقاء الحكم ببقاء موضوعه و ارتفاعه بارتفاعه و هذا ظاهر واضح.

(2) لاحظ ما رواه مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: الناقة الجلالة لا يؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتي تغذي أربعين يوما و البقرة الجلالة لا يؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتي تغذي ثلاثين [عشرين اربعين خ ل] يوما و الشاة الجلالة لا يؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتي تغذي عشرة أيام و البطة الجلالة لا يؤكل لحمها حتي تربي خمسة أيام و الدجاجة ثلاثة أيام «2».

و هذه الرواية ضعيفة بسهل و بغبره و في الباب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة

______________________________

(1) لاحظ ص: 274 و 273

(2) الوسائل الباب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 2.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 532

و يعتبر زوال اسم الجلل عنها مع ذلك (1) و مع عدم تعيين مدة شرعا يكفي زوال الاسم

(2).

[مسألة 460: الظاهر قبول كل حيوان ذي جلد للتذكية عدا نجس العين]

(مسألة 460): الظاهر قبول كل حيوان ذي جلد للتذكية عدا نجس العين (3).

______________________________

من الوسائل نصوص اخر كلها ضعيفة سندا أما الاول فبالنوفلي و أما الثالث فببسام الصيرفي و أما الرابع فبسهل و الرفع و أما الخامس فبالسياري و أما السادس فبالجوهري و أما السابع و الثامن فبالارسال فالتحديد بالحدود المذكورة من باب الاحتياط.

(1) كما هو ظاهر.

(2) كما هو ظاهر لما ذكرنا.

(3) وقع الكلام بين القوم في أنه لو شك في حيوان أنه قابل للتذكية أم لا؟

بأنه هل يكون مقتضي القاعدة قابليته لها أو مقتضاها عدم قابليته و ربما يقال: بأن مقتضاها هو العدم بتقريب: ان اصالة عدم التذكية اصل موضوعي و هو المرجع عند الشك و بهذا التقريب وجه ما ذهب اليه المحقق و الشهيد الثانيان من اصالة الحرمة في الحيوان المشكوك قبوله للتذكية.

و بعبارة اخري: يشترط في جريان التذكية علي الحيوان قابليته و الاصل عدم قابليته لها فلا يمكن اثباتها عند الشك في القابلية.

و أفاد السيد الحكيم قدس سره في هذا المقام: بأن القابلية اعم من أن تكون جزءا للتذكية أو تكون شرطا لها لا مجال لاستصحاب عدمها أما علي الاول و كونها جزءا فليست لعدمها حالة سابقة كي تستصحب اذ القابلية من لوازم الماهية فلا

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 533

______________________________

يجري فيها اصالة العدم حتي علي القول بجريان الاصل في الاعدام الازليه لاختصاص القول بجريانه بالنسبة إلي عوارض الوجود و أما علي الثاني فلانه لو شك في التذكية للشك في القابلية مع تحقق الافعال الخاصة لا مجال لجريان الاصل بالنسبة الي وجود الخاص اذ لا شك في الوجود انما الشك في الخصوصية و ليست لها حالة سابقة «1».

و يرد عليه: بأن التذكية تقع

علي الموجود الخارجي و القابلية للتذكية له لا محالة فكيف يمكن أن يقال: انها من لوازم الماهية و لا يجري فيه الاصل اضف الي ذلك ان الاحكام الشرعية انما تترتب علي الوجود الخارجي و لو لاه لا يتحقق حكم في الخارج و عليه ما دام لا توجد الماهية الكذائية لا يترتب حكم شرعي علي تلك الماهية الكذائية و عليه نقول: لو شك في قابلية حيوان للتذكية يمكننا أن نقول:

بأن الحيوان الكذائي قبل وجوده لم يكن مصداقا خارجيا للماهية الكذائية و مقتضي الاستصحاب عدم مصداقيته لها بعد الوجود فالنتيجة ان هذا البيان لا يكون مانعا عن جريان اصالة عدم القابلية.

فالحق في رد التقريب المذكور أن يقال: انه لا دليل علي هذا المدعي اي لم يستفد من الادلة ان القابلية جزء للتذكية أو شرط لها و غاية ما في الباب ان الشارع حكم بحلية بعض الحيوانات و طهارته عند ذبحه الشرعي أو حكم بطهارة بعضها كذلك و لم يحكم بذلك في البعض الاخر نعم لا اشكال علي مسلك العدلية ان الاحكام الشرعية تابعة للملاكات لكن الالتزام به لا يقتضي الالتزام بكون القابلية جزءا أو شرطا للتذكية و الا لا انسد باب جريان اصالة الحل للشك في قابليتها له

______________________________

(1) مستمسك العروة ج 1 ص: 294

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 534

______________________________

و عدمها.

اذا عرفت ذلك نقول: التذكية ان كانت عبارة عن الافعال الخارجية فلا مجال لأصالة عدمها لتحققها وجدانا و المستفاد من اللغة ان التذكية فعل المكلف ففي «المنجد» و «اقرب الموارد»: أن تذكية الحيوان ذبحها و عن مجمع البحرين: معني ذكيتم ذبحتم اي قطعتم الاوداج.

و ربما يستدل علي المدعي بجملة من النصوص: منها ما رواه ابن بكير «1» و

منها: ما رواه علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد اللّه و أبا الحسن عليهما السلام عن لباس الفراء و الصلاة فيها فقال: لا تصل فيها الا ما كان منه ذكيا قلت:

و ما لا يؤكل لحمه من غير الغنم؟ قال: لا بأس بالسنجاب فانه دابة لا تأكل اللحم و ليس هو مما نهي عنه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اذ نهي عن كل ذي ناب و مخلب «2».

و منها: ما رواه سماعة بن مهران قال: سألته عن الذكاة فقال: لا تذك الا بحديدة نهي عن ذلك أمير المؤمنين عليه السلام «3».

و منها: ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا تأكل من فريسة السبع و لا الموقوذه و لا المتردية الا أن تدركها حية فتذكي «4».

______________________________

(1) لاحظ ص: 131

(2) الوسائل الباب 3 من أبواب لباس المصلي الحديث: 3

(3) الوسائل الباب 1 من أبواب الذبائح الحديث: 4

(4) الوسائل الباب 19 من أبواب الذبائح الحديث: 5

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 535

______________________________

بدعوي: ان المستفاد من هذه النصوص ان الذبح فعل مباشري للمكلف و هذا هو المدعي.

و لكن لقائل أن يقول: بأنه لا تنافي بين نسبة التذكية إلي المكلف و كونها امرا توليديا مترتبا علي الفعل الخارجي اذ الفعل التوليدي يمكن اسناده إلي الشخص باعتبار ان سببه بيده و باختياره.

و أما ان كانت امرا مسببا مترتبا علي الفعل الخارجي فربما يقال: بأنه لو شك في تحققها للشك في القابلية فلا مجال الا لأصالة العدم اذ الشك في المحصل يقتضي جريان اصالة العدم نظير الشك في حصول الطهارة بالغسلات و المسحات عند الشك في تماميتها.

و لكن لنا أن نقول: ان تمت مقدمات الاطلاق

و الحكمة فلا مجال للأصل فان مقتضي الاطلاق المقامي عدم دخل شي ء آخر و مقتضاه تحقق المسبب فلا مجال للأصل.

فتحصل انه لا مجال لدعوي جريان اصالة عدم القابلية و لو لم تتم المقدمات فالقاعدة تقتضي جريان اصالة العدم بلا فرق بين كون التذكية من أفعال المكلف مباشرة و كونها أمرا مسببا مترتبا علي الفعل الخارجي فالتفصيل في غير محله.

اضف إلي ذلك ان مقتضي بعض النصوص قابلية كل حيوان للتذكية الا ما خرج بالدليل كالكلب و الخنزير لاحظ حديث علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن لباس الفراء و السمور و الفنك و الثعالب و جميع الجلود قال: لا بأس بذلك «1».

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب لباس المصلي الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 536

فاذا ذكي الحيوان الطاهر العين جاز استعمال جلده و كذا سائر أجزائه فيما يشترط فيه الطهارة (1) و لو لم يدبغ جلده علي الاقوي (2).

______________________________

و لاحظ حديث الريان بن الصلت قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن لبس الفراء و السمور و السنجاب و الحواصل و ما أشبهها و المناطقي و الكيمخت و المحشو بالقز و الخفاف من أصناف الجلود فقال: لا بأس بهذا كله الا بالثعالب «1».

لا يقال: لا مجال للتمسك بالعموم المشار اليه المستفاد من النص اذ قد علم من الخارج عدم جواز لبس الميتة اما مطلقا أو حال الصلاة فقد خصص ذلك العام بهذا المخصص و المخصص و ان كان منفصلا لكن يوجب تعنون العام بخلافه و عليه يتعنون العام بخصوص الحيوان القابل للتذكية و مع الشك في القابلية يكون داخلا في التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية فلا يجوز.

فانه يقال: المستفاد من الدليل المنع

عن الميتة و الميتة عبارة عن الحيوان الذي مات حتف انفه أو ذبح علي غير الوجه الشرعي و المفروض وقوع الذبح علي الطريق الشرعي بحسب الدليل و لم يستفيد من دليل اشتراط تحقق التذكية القابلية كي يتم البيان المذكور فلاحظ.

(1) اذ المفروض تحقق التذكية فيه بالنص فلا يكون جلده و كذا سائر أجزائه نجسة فيجوز استعمالها فيما يشترط فيه الطهارة.

(2) اذ لا دليل علي توقف طهارة الجلد علي الدبغ و ان شئت قلت: ان ذكي

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 537

[مسألة 461: تثبت الطهارة بالعلم و البينة و بإخبار ذي اليد إذا لم تكن قرينة علي اتهامه]

(مسألة 461): تثبت الطهارة بالعلم و البينة و باخبار ذي اليد اذا لم تكن قرينة علي اتهامه بل باخبار الثقة أيضا علي الاظهر (1) و اذا شك في نجاسة ما علم طهارته سابقا يبني علي طهارته (2).

______________________________

الحيوان الطاهر العين فلا تتوقف طهارته علي الدبغ و ان لم يذك فلا تؤثر فيه الدباغة و قال في الشرائع: «و يستحب اجتناب جلد ما لا يؤكل لحمه حتي يدبغ بعد ذكاته».

و قال في الجواهر: «و أما ما في المتن و القواعد و غيرهما من استحباب الاجتناب- كالذي في المعتبر و المختلف- من كراهة الاستعمال قبل الدبغ فلم اقف علي ما يقتضي شيئا منهما عدا الخبر الذي ستسمعه و التفصي في شبهة القول بوجوب الاجتناب قبل الدبغ المحكي عن الشيخ بل الشيخين بل المرتضي بل في كشف اللثام عن الاكثر بل في الذكري عن المشهور بل هو اختياره في البيان» «1» الي آخر كلامه.

و المراد من الخبر ما حكي عن كاشف اللثام من أنه روي في بعض الكتب عن الرضا عليه السلام: «دباغة الجلد طهارته» و من الظاهر أن مثل هذا الخبر لا اعتبار به

سندا مضافا إلي أن دلالته غير ظاهرة فالامر كما افاده في المتن من أن الاقوي جواز استعمال الجلد و لو لم يدبغ.

(1) قد تعرض الماتن في المسألة (384) لاعتبار الامور المذكورة و شرحنا ما أفاده هناك فراجع.

(2) للاستصحاب.

______________________________

(1) الجواهر ج 6 ص: 350

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 538

[خاتمة في حكم أواني الذهب و الفضة]
اشارة

خاتمة: يحرم استعمال أواني الذهب و الفضة في الاكل و الشرب (1).

______________________________

(1) قال في المستمسك في هذا المقام شرحا لكلام الماتن: «اجماعا حكاه جماعة كثيرة كالعلامة و الشهيد و الأردبيلي و السيد في المدارك و غيرهم بل عن المنتهي:

انه اجماع كل من يحفظ عنه العلم» «1».

و العمدة النصوص الواردة في المقام فلا بد من ملاحظتها سندا و دلالة و اخذ النتيجة منها و عليه نتعرض لكل واحد من هذه النصوص و نلاحظه فنقول:

الحديث الاول من تلك النصوص ما رواه داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا تأكل في آنية الذهب و الفضة «2» و المستفاد من الحديث ان الاكل في آنية الذهب و الفضة حرام.

و هذه الرواية لا اعتبار بها من جهة كون معلي بن محمد في سندها و للرواية سند آخر و فيه اشكال من ناحية الوشاء.

الحديث الثاني: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنه نهي عن آنية الذهب و الفضة «3» و هذه الرواية ضعيفة بسهل و لها سند آخر لا بأس به و المستفاد من هذه الرواية ان استعمال آنية الذهب و الفضة حرام.

الحديث الثالث: ما رواه موسي بن بكر عن أبي الحسن موسي عليه السلام قال: آنية الذهب و الفضة متاع الذين لا يوقنون «4».

و هذه الرواية ضعيفة بموسي بن بكر و لها سند آخر

يكون موسي بن بكر داخلا

______________________________

(1) مستمسك العروة ج 2 ص: 164

(2) الوسائل الباب 65 من أبواب النجاسات الحديث: 2

(3) نفس المصدر الحديث: 3

(4) نفس المصدر الحديث: 4

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 539

______________________________

فيه فلا تكون تامة سندا اضف إلي ذلك ان دلالة هذه الرواية غير تامة فان قوله عليه السلام: «آنية الذهب و الفضة متاع الذين لا يوقنون» غير دال علي الحرمة اذ غاية ما يستفاد من هذه الجملة ان الذين ليس لهم اليقين المطلوب بالمعتقدات الدينية يتمتعون بالذهب و الفضة و أما التمتع بهما حرام في الشرع فلا يستفاد منها.

الحديث الرابع: ما رواه الحسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي قال: نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن الشرب في آنية الذهب الفضة «1».

و هذه الرواية ضعيفة بضعف اسناد الصدوق إلي شعيب.

الحديث الخامس: ما رواه مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهم السلام أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نهاهم عن سبع منها: الشرب في آنية الذهب و الفضة «2».

و هذه الرواية ضعيفة بمسعدة.

الحديث السادس: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال:

لا تأكل في آنية ذهب و لا فضة «3».

و الظاهر ان هذه الرواية تامة سندا اذ طريق الصدوق إلي ابان بن عثمان تام و الدليل علي أن ابان الواقع في الطريق هو ابن عثمان روايته عن محمد بن مسلم علي ما يظهر من الطبقات.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 9

(2) نفس المصدر الحديث: 11

(3) نفس المصدر الحديث: 7.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 540

______________________________

الحديث السابع: ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا تأكل في آنية

من فضة و لا في آنية مفضضة «1».

و هذا الحديث تام سندا و المستفاد منه ان الاكل في آنية الفضة و كذلك في آنية مفضضة حرام.

الحديث الثامن: ما رواه البراء بن عازب قال: نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن سبع و أمر بسبع نهانا أن تتختم (نتختم) بالذهب و عن الشرب في آنية الذهب و الفضة و قال: من شرب فيها في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة «2».

و هذه الرواية ضعيفة بمعاوية بن سويد.

الحديث التاسع: ما رواه محمد بن اسماعيل بن بزيع قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن آنية الذهب و الفضة فكرههما فقلت قد روي بعض اصحابنا أنه كان لأبي الحسن عليه السلام مرآة ملبسة فضة فقال: لا و الحمد للّه انما كانت لها حلقة من فضة و هي عندي ثم قال: ان العباس حين عذر عمل له قضيب ملبس من فضة من نحو ما يعمله للصبيان تكون فضة نحوا من عشرة دراهم فأمر به أبو الحسن عليه السلام فكسر «3».

و هذه الرواية دالة علي كراهته عليه السلام آنية الذهب و الفضة و مجرد الكراهة لا يدل علي الحرمة.

و قال سيدنا الاستاد في هذا المقام: «ان الكراهة في الرواية تدل علي الحرمة

______________________________

(1) الوسائل الباب 66 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

(2) الوسائل الباب 30 من أبواب لباس المصلي الحديث: 8

(3) الوسائل الباب 65 من أبواب النجاسات الحديث: 1.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 541

______________________________

بتقريب: أن الكراهة ضد الحب اذا الكراهة في اللغة بمعني البغض ضد الحب و المبغوض هو المحرم غاية الامر ربما يبرز الحرام بالنهي و اخري يبرز ما هو منشأ له» «1».

و يرد عليه: انا نسأل ان المكروه

هل هو قسم من الاحكام الشرعية أم لا؟ من الظاهر انه قسم من الاحكام و عليه هل يكون الفعل المكروه مبغوضا أو يكون محبوبا لا سبيل إلي الثاني فيكون مبغوضا و المفروض ان المبغوض حرام علي مقتضي كلامه.

و بعبارة اخري: المولي بالنسبة إلي الفعل المكروه هل يكون لا بشرط و لا اقتضاء أو يكون محبا أو يكون مبغضا لا سبيل إلي الاول و الثاني فيتعين الثالث.

فالحق أن يقال انه كما يكون للحب مراتب بعض مراتبه منشأ للوجوب و بعضها الاخر منشأ للندب كذلك للبغض مراتب بعض مراتبه منشأ للحرمة و بعضها الاخر منشأ للكراهة فالمتحصل ان الكراهة بما هي لا تدل علي الحرمة نعم اذا قام دليل علي الحرمة لا يعارضه دليل الكراهة اذ الكراهة تجتمع مع الحرمة.

الحديث العاشر: ما رواه عبيد اللّه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه كره آنية الذهب و الفضة و الانية المفضضة «2».

و هذه الرواية مخدوشة سندا بمحمد بن خالد البرقي مضافا إلي عدم دلالتها علي الحرمة كما مر وجهه آنفا.

الحديث الحادي عشر: ما رواه بريد عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه كره الشرب في الفضة و في القدح المفضض و كذلك أن يدهن في مدهن مفضض و المشطة

______________________________

(1) التنقيح ج 3 ص: 311

(2) الوسائل الباب 65 من أبواب النجاسات الحديث: 10

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 542

______________________________

كذلك «1».

و هذه الرواية لا تدل علي الحرمة اذ قلنا ان الكراهة اعم من الحرمة.

الحديث الثاني عشر: ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن المرآة هل يصلح امساكها اذا كان لها حلقة فضة؟ قال:

نعم انما يكره استعمال ما يشرب به قال:

و سألته عن السرج و اللجام فيه الفضة أ يركب به؟ قال: ان كان مموها لا يقدر علي نزعه فلا بأس و الا فلا يركب به «2».

و هذه الرواية أيضا تدل علي الكراهة لا الحرمة.

و أفاد سيدنا الاستاد في هذا المقام: «بأن المراد من الكراهة في هذه الرواية الحرمة بتقريب: انها وقعت في قبال يصلح فان العرف يفهم من قوله عليه السلام:

«انما يكره استعمال ما يشرب به» ان استعمال الفضة في الشرب غير صالح و الامر غير الصالح هو الحرام مضافا إلي أنه لو كانت الكراهة في الرواية بمعني الكراهة المصطلحة لم يكن للحصر المستفاد من كلمة «انما» مجال فان الكراهة المصطلحة لا تختص باستعمال ما يشرب به بل موجودة في غيره فيفهم ان المراد هي الحرمة لا الكراهة «3».

و يرد عليه: ان المستفاد من جوابه عليه السلام ان ما يشرب به اذا كان فضة يكون استعماله مكروها و أما كونه غير صالح فلا يستفاد من الحديث. و بعبارة اخري: ان المستفاد من استدراكه بقوله: «نعم» ان استعمال ما يشرب به ليس

______________________________

(1) الوسائل الباب 66 من أبواب النجاسات الحديث: 2

(2) الوسائل الباب 67 من أبواب النجاسات الحديث: 5 و 6

(3) التنقيح ج 3 ص 312

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 543

______________________________

مثل امساك المرآة.

و أما الحصر فيرفع اليد عنه بالدليل الدال علي الكراهة في غير المورد. و ان شئت قلت: التقييد كالتخصيص ليس عزيزا و الا فلا يزول الاشكال حتي مع الالتزام بكون المراد من الكراهة الحرمة و ذلك لعدم حصر الحرمة في الشرب خاصة.

الحديث الثالث عشر: ما رواه سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا ينبغي الشرب في آنية الذهب و الفضة

«1».

و هذه الرواية تامة سندا و أما من حيث الدلالة فأفاد سيدنا الاستاد: بأن الجملة في الرواية: تدل علي الحرمة بدعوي: أن معني قوله عليه السلام: «لا ينبغي» بحسب اللغة انه لا يتيسر و لا يتسهل و حيث ان الشرب من آنية الذهب و الفضة ميسور للمكلف خارجا يكون المراد بعدم اليسر عدم جوازه شرعا فيكون حراما «2».

و يرد عليه: انه لا دليل علي هذا المدعي قال في مجمع البحرين في مادة بغي: «يقال: ما ينبغي لك أن تفعل كذلك اي ما يصلح لك ذلك» ثم قال: «و في المصباح حكي عن الكسائي انه سمع من العرب و ما ينبغي أن يكون كذا اي ما يستقيم و ما يحسن قال و ينبغي أن يكون كذا معناه يندب ندبا مؤكدا لا يحسن تركه» انتهي موضع الحاجة من كلامه.

و قال الراغب في مفرداته: «فاذا قيل: ينبغي أن يكون كذا فيقال علي وجهين:

احدهما ما يكون مسخرا للفعل نحو النار ينبغي أن تحرق الثوب و الثاني علي الاستئهال نحو ينبغي أن يعطي لكرمه» الي آخر كلامه.

______________________________

(1) الوسائل الباب 65 من أبواب النجاسات الحديث: 5.

(2) التنقيح ج 3 ص 313

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 544

______________________________

و قد استعمل هذا اللفظ في القرآن في موارد و في جميع تلك الموارد يناسب مغي الاهلية و الصلاح و من تلك الموارد قوله تعالي: «قٰالُوا سُبْحٰانَكَ مٰا كٰانَ يَنْبَغِي لَنٰا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيٰاءَ» «1».

فانه لا يبعد أن يكون المراد انه لا يحسن و لا يصلح لنا أن نتخذ من دونك أولياء بل الظاهر هو هذا المعني اذ المستفاد من الاية- و اللّه العالم- انهم باختيارهم اتخذوا من دون اللّه أولياء و في

مقام الاعتذار يقولون انه لا يحسن هذا العمل و بعبارة اخري: المستفاد من الاية ان ما صدر منهم باختيارهم و لكن لم يكن عملهم عملا صالحا فلم يرد من اللفظ عدم التيسر.

و منها: قوله تعالي: «وَ مٰا يَنْبَغِي لَهُمْ وَ مٰا يَسْتَطِيعُونَ» «2» و في هذه الاية أيضا لا يبعد أن يكون المراد من نفي الابتغاء الاهلية اي: لا اهلية للشياطين انزال الكتاب.

و منها: قوله تعالي: «لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهٰا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لَا اللَّيْلُ سٰابِقُ النَّهٰارِ» «3» و في هذه الاية أيضا لا يبعد أن المراد الاهلية اي الشمس لا اهلية لها أن تدرك القمر.

و منها: قوله تعالي: «وَ مٰا عَلَّمْنٰاهُ الشِّعْرَ وَ مٰا يَنْبَغِي لَهُ» «4» و في هذه الاية أيضا يناسب نفي الاهلية اي الرسول الكريم صلي اللّه عليه و آله لا يليق بشأنه

______________________________

(1) الفرقان/ 17

(2) الشعراء/ 210

(3) يس/ 39

(4) يس/ 68

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 545

______________________________

أن يكون شاعرا.

و منها: قوله تعالي: «وَ مٰا يَنْبَغِي لِلرَّحْمٰنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً» «1» و في هذه الاية يناسب أن يكون المراد من نفي الابتغاء عدم الاهليه اي: ليس مقام الالوهية اهلا لاتخاذ الولد و بعبارة اخري: لا يبعد أن يكون الظاهر من قولهم ان اللّه اتخذ ولدا انه تعالي جعل المسيح ولدا له لا ان المسيح تولد منه فأجاب اللّه عن قولهم بقوله: و ما ينبغي و لا يناسب لمقامه اتخاذ الولد.

و منها: قوله تعالي: «قٰالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً لٰا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي» «2» فانه لا يبعد أن يكون المراد من الاية أن يعطيه ملكا لا يكون ذلك الملك مناسبا مع غيره من الانبياء العظام بحسب الزمان.

و لعله يمكن

أن يجاب به عن الاشكال الذي وجهوه إلي سليمان و هو أن دعائه هذا يستلزم البخل الذي لا يناسب مقام النبوة اذ يمكن أن يقال: ان العطية الالهية بالنسبة إلي الانبياء لا بد أن تكون متناسبة مع ازمنتهم فلا يكون دعاء سليمان بالنحو المذكور مستلزما للبخل و اللّه العالم.

و صفوة القول: انه لا يظهر من موارد استعمال هذه الكلمة ان معناه عدم التيسر فالنتيجة ان الرواية لا تدل علي الحرمة بل غايتها الكراهة و لو اغمض عما ذكر نقول: لا اشكال أن المتبادر من اللفظ عندنا عدم الحسن و عدم الاهلية فيمكن ببركة الاستصحاب القهقري اثبات كون معناه كذلك في زمان صدور اللفظ عن المعصوم

______________________________

(1) مريم/ 91

(2) ص/ 34

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 546

______________________________

عليه السلام.

الحديث الرابع عشر: ما رواه يوسف بن يعقوب قال: كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام في الحجر فاستسقي ماء فاتي بقدح من صفر فقال رجل: ان عباد بن كثير يكره الشرب في الصفر فقال: لا بأس و قال عليه السلام للرجل: ألا سألته أذهب أم فضة؟! «1».

و هذه الرواية ضعيفة بيوسف مضافا إلي أنه لا دلالة فيها علي الحرمة بل غاية دلالتها هي الكراهة.

اذا عرفت ما تقدم نقول: المستفاد من النصوص التامة من حيث السند الواردة في المقام حرمة الاكل في آنية الذهب و كذلك في آنية الفضة و أما الشرب من آنية الذهب و الفضة فلم يقم عليه دليل معتبر و لكن المتسالم عند القوم حرمته.

و يؤيد المدعي بعض النصوص الباب لاحظ حديث الحسين بن زيد «2» و يمكن الاستدلال علي حرمة الشرب من آنية الذهب و الفضة بما رواه محمد بن مسلم «3» فان مقتضي النهي عن آنية

الذهب و الفضة حرمة استعمالها في الاكل و الشرب اذ النهي لا يتعلق بالاعيان الخارجية بل النهي يتعلق بالافعال و حيث ان المذكور في الرواية النهي عن آنية الذهب و الفضة علي الاطلاق يستفاد منه ان استعمالها حرام في الاكل و الشرب.

______________________________

(1) الوسائل الباب 65 من أبواب النجاسات الحديث: 6.

(2) لاحظ ص: 539

(3) لاحظ ص: 538

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 547

و الطهارة من الحدث و الخبث و غيرها من أنواع الاستعمال (1).

______________________________

و بعبارة اخري: ان مقتضي الاطلاق و عدم التقييد حرمة استعمال آنية الذهب و الفضة باي نحو من الاستعمال فتحصل مما تقدم: ان الاكل و الشرب في آنية الذهب أو الفضة حرام فانه صرح في بعض النصوص بالنهي عن الاكل فيها و يلحق به الشرب فيكون الاكل بما هو و كذلك الشرب اذا كان فيهما حراما و أيضا يستفاد من النهي عن اناء الذهب و الفضة حرمة استعمالها في الاكل و الشرب فهذا المقدار مما لا اشكال فيه و لا ريب.

(1) ربما يستدل علي المدعي بحديث موسي بن بكر «1» بتقريب: ان المستفاد من الحديث ان التمتع بآنية الذهب و الفضة يكون من غير اهل اليقين فالمؤمن لا يتمتع بهما.

و فيه: اولا ان السند ضعيف كما مرو ثانيا قلنا بأن الحديث لا يدل علي الحرمة بل غاية ما يدل عليه المرجوحية فتأمل.

و استدل علي المدعي أيضا بما رواه محمد بن مسلم «2» بتقريب ان متعلق النهي محذوف و حذف المتعلق يفيد العموم.

و قال سيدنا الاستاد في هذا المقام: «ان النهي و ان كان متعلقه محذوفا و لكن في كل مورد متعلق بما يكون مرغوبا فيه مثلا اذا قال المولي حرمت عليكم امهاتكم يستفاد من

النهي المذكور نكاح الامهات و اذا تعلق النهي بالميتة يستفاد منه حرمة أكلها و صفوة القول أنه في كل مورد يكون متعلق النهي الاثر الظاهر من ذلك الشي ء و حيث ان الظاهر من الاناء الاكل و الشرب منه أو فيه فالنهي عن الاناء نهي

______________________________

(1) لاحظ ص: 538

(2) لاحظ ص: 538

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 548

و لا يحرم نفس المأكول و المشروب (1) و الاحوط استحبابا عدم

______________________________

عن الاكل و الشرب و أما بقية الاستعمالات فلا» «1» هذا ما أفاده في المقام.

و يمكن أن يقال: بأن المرجع في باب الظواهر العرف و العرف يفهم في هذه الموارد النهي عما يتعلق بالعين فلا فرق بين انحاء الاستعمالات و لا ينقض بآية تحريم الامهات فان الاختصاص بالنكاح يفهم من مناسبة الحكم مع الموضوع و من القرائن الخارجية و علي هذا لنا أن نقول: بأنه لا ينحصر النهي في الاكل و الشرب بل يشمل الطهارة من الحدث و الخبث و غيرها من أنواع الاستعمالات كما في المتن و قال في الحدائق: «ان المذكور في بعض النصوص النهي عن خصوص الاكل و الشرب و في بعض النصوص أطلق متعلق النهي و قاعدة حمل المطلق علي المقيد أن يحمل ما أطلق فيه المتعلق علي المقيد» «2».

هذا كلامه و يرد عليه: ان حمل المطلق علي المقيد يتوقف علي وحدة المطلوب و السبب و أما في غيره فلا مجال للحمل و وحدة السبب و المطلوب تحتاج اثباتها الي دليل مفقود في المقام بل مقتضي الاطلاق عدم التقييد فلاحظ.

(1) يشكل ما أفاده فان المستفاد من بعض النصوص كما تقدم النهي عن الاكل في آنية الذهب و الفضة لاحظ ما رواه محمد بن مسلم «3» فان

الظاهر من الحديث المذكور حرمة الاكل بعنوان كونه في آنية الذهب أو الفضة.

و بعبارة اخري: ان الاكل و ان كان من حيث هو لا حرمة فيه و لكن من حيث

______________________________

(1) التنقيح ج 3 ص: 316

(2) الحدائق ج 5 ص: 509.

(3) لاحظ ص: 539

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 549

التزيين بها (1) و كذا اقتنائها (2) و بيعها و شرائها (3).

______________________________

كونه في آنية الذهب أو الفضة يكون حراما بالعنوان الثانوي.

(1) ربما يقال: بأن المحرم هو استعمال الاناء و التزيين ليس استعمالا له بل انتفاع. و يرد عليه: بأنه لا اشكال في أن التزيين نحو من الاستعمال و هل يمكن أن يقال: بأن التزيين بالخاتم ليس استعمالا له؟ كلا. فعلي ما ذكرنا من أن مقتضي عموم المتعلق المستفاد من حذفه حرمة التزيين.

(2) لا يبعد أن يقال: بأن مقتضي حذف المتعلق في دليل النهي عن الانية حرمة مطلق ما يتعلق بها حتي فيما لا يصدق عنوان الاستعمال.

(3) الظاهر ان المقصود من حرمة البيع و الشراء هي الوضعية اي لا يصح بيعها و لا شرائها و لا دليل علي حرمتهما حتي علي القول بحرمة الاقتناء اذ الخبر المشهور: «ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه» ليس له سند معتبر بل دلالته مخدوشة لاحظ ما روي عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال: لعن اللّه اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها و أكلوا ثمنها و ان اللّه تعالي اذا حرم علي قوم أكل شي ء حرم عليهم ثمنه «1».

فان المذكور في هذا الحديث: «ان اللّه اذا حرم أكل شي ء حرم ثمنه» و صفوة القول: انه لم يدل دليل معتبر علي حرمة البيع وضعا و أما الحرمة التكليفية فايضا يشكل اثباتها فان بيع

الانية لا يشمله بحسب الفهم العرفي النهي الوارد عنها.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 6 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 8

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 550

و صياغتها (1) و أخذ الاجرة عليها (2) و الاقوي الجواز في جميعها (3).

[مسألة 462: الظاهر توقف صدق الآنية علي انفصال المظروف عن الظرف و كونها معدة]

(مسألة 462): الظاهر توقف صدق الانية علي انفصال المظروف عن الظرف و كونها معدة لان يحرز فيها المأكول أو المشروب أو نحوهما (4) فرأس الغرشة و رأس الشطب و قراب السيف و الخنجر و السكين و قاب الساعة المتداولة في هذا العصر و محل فص الخاتم و بيت المرآة و ملعقة الشاي و أمثالها خارج عن الانية فلا بأس بها

______________________________

(1) لا يبعد أن يشملها النهي عن آنية الذهب و الفضة.

(2) اذا قلنا بأن الاستعمالات المتعلقة بأواني الذهب و الفضة حرام كما بنينا عليها فكيف يصح اخذ الاجرة علي صياغتها و بعبارة اخري: كيف يمكن أن يكون الفعل حراما شرعا و مع ذلك تكون الاجارة عليه صحيحة؟ فان مقتضي الصحة وجوب الوفاء و افراغ الذمة من العمل و مقتضي كون الفعل حراما امساك المكلف عن العمل و عدم الاتيان به فالنتيجة ان حرمة الفعل تستلزم فساد الاجارة.

و ربما يقال: انه اي تناف بين الامرين فان مقتضي الصحة مالكية المستأجر العمل الكذائي في ذمة الاجير غاية الامر ان الاجير يحرم عليه الاتيان بالعمل فيكون غير قادر علي التسليم شرعا و الممنوع شرعا كالممتنع عقلا و وجوب الوفاء بالعقد لا يكون وجوبا تكليفيا بل وجوب الوفاء بالعقد ارشاد إلي لزومه فلا تنافي بين الامرين. و لكن البيان المزبور ينافيه ذوق الفقاهة و اللّه العالم.

(3) قد ظهر ما في كلامه من الاشكال.

(4) لم يظهر المراد من نحوهما مع نفي البعد عن

عدم صدق الانية علي ظرف الغالبة و المعجون و نحوهما.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 551

و لا يبعد ذلك أيضا في ظرف الغالية و المعجون و التتن و الترياك و البن (1).

[مسألة 463: لا فرق في حكم الآنية بين الصغيرة و الكبيرة و بين ما كان علي هيئة الأواني المتعارفة]

(مسألة 463): لا فرق في حكم الانية بين الصغيرة و الكبيرة و بين ما كان علي هيئة الاواني المتعارفة من النحاس و الحديد و غيرهما (2).

______________________________

(1) الحكم مترتب في لسان الادلة علي عنوان الانية فلا بد في فعلية الحكم من تحقق الموضوع فاذا دار أمر المفهوم بين الاقل و الاكثر فلا مناص عن التحفظ علي جميع الخصوصيات التي يحتمل دخلها في الصدق و في مورد الشك تجري البراءة بل علي ما سلكناه لا مانع من جريان الاستصحاب بالنسبة إلي نفس المفهوم بأن يقال: ملعقة الشاي مثلا قبل وجودها لم تكن مصداقا للإناء و الاصل بقائها علي ما كانت حتي بعد وجودها و لا يبعد ان ما أفاده في بيان مفهوم الانية في المتن كذلك. و كيف كان- كما ذكرنا- لا بد من التحفظ علي القيود المحتملة.

و صفوة القول: أنه يلزم الاقتصار علي ما يصدق عليه الانية بل لا يبعد أن يقال:

بأن المستفاد من حديث ابن جعفر «1» انحصار الحرمة فيما يشرب به.

و بعبارة اخري: مقتضي الحصر المستفاد من الحديث عدم حرمة استعمال غير ما يشرب به و عليه لو لم يصدق عنوان ما يشرب به لم يكن حراما فلا يشمل مثل الصيني و القدر و المصفاة و امثالها و علي تقدير تحقق الاجماع في غيره يقتصر في المقدار الذي قام عليه الاجماع.

(2) للإطلاق فان مقتضي اطلاق الدليل عدم الفرق بين مصاديق الانية.

______________________________

(1) لاحظ ص: 542.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 552

[مسألة 464: لا بأس بما يصنع بيتا للتعويذ من الذهب و الفضة]

(مسألة 464): لا بأس بما يصنع بيتا للتعويذ من الذهب و الفضة كحرز الجواد عليه السلام و غيره (1).

[مسألة 465: يكره استعمال القدح المفضض]

(مسألة 465): يكره استعمال القدح المفضض (2).

______________________________

(1) لعدم صدق الانية عليه أو للشك في الصدق فلا مقتضي للحرمة مضافا إلي النص الوارد الدال علي الجواز لاحظ ما رواه منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن التعويذ يعلق علي الحائض؟ فقال: نعم اذا كان في جلد أو فضة أو قصبة حديد «1».

(2) قد دل علي حرمته ما رواه الحلبي «2» و قد دل علي جوازه و نص علي عدم البأس فيه ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه السلام قال: لا بأس أن يشرب الرجل في القدح المفضض و اعزل فمك عن موضع الفضة «3» فببركة الحديث الثاني ترفع اليد عن ظهور الحديث الاول في الحرمة و يحمل علي الكراهة و هذا انما يتم اذا قلنا بأن سند الرواية تاما و لم نناقش فيه بكون الوشاء داخلا فيه و الا يكون المرجع حديث الحلبي الدال علي الحرمة.

و منشأ الاشكال في الوشاء انه لم يوثق صريحا بل قال النجاشي في حقه: «انه خير» فربما يقال: بأنه شهادة بتوثيقه و لكن يرد علي هذا البيان انا نري انهم شهدوا في بيان حال مثل الكليني و المفيد و الطوسي و اضرابهم بالوثاقة صريحا فما الوجه في عدم الشهادة بالوثاقة في حق الرجل.

______________________________

(1) الوسائل الباب 67 من أبواب النجاسات الحديث: 2

(2) لاحظ ص: 540

(3) الوسائل الباب 66 من أبواب النجاسات الحديث: 5.

مباني منهاج الصالحين، ج 3، ص: 553

و الاحوط عزل الفم عن موضع الفضة بل لا يخلو وجوبه عن قوة (1) و اللّه سبحانه

العالم و هو حسبنا و نعم الوكيل.

______________________________

ان قلت: اذا لم يكن ثقة فكيف يمكن الشهادة في حقه بكونه خيرا علي الاطلاق قلت: لا اشكال في أن الشخص اذا كان ظاهر الصلاح يحضر الجماعة و لا يغتب و لا يؤذي و لا يوهن و لا يري منه الخلاف يقال في العرف: فلان خير لكن ليس هذا دليلا علي العلم بجميع جهاته و كونه ثقة في الكلام فلاحظ.

و ربما يقال: ان حديث الحلبي يدل علي حرمة الاكل في الانية المفضضة و حديث ابن سنان يدل علي جواز الشرب منها فلا تعارض بين الحديثين فلا تصل النوبة الي الجمع بينهما بالنحو المذكور و الانصاف ان هذا البيان في محله و اللّه العالم.

(1) للأمر بالعزل في حديث ابن سنان «1» و الامر ظاهر في الوجوب.

______________________________

(1) لاحظ ص: 552

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.